أكوان للنشر والترجمة والتوزيع

شارك على مواقع التواصل


مقدمة
ارتبط مفهوم التربية مع وجود المرأة (الأم)، فعندما نتحدث عن الطفل، نتحدث عن الأم مباشرة، دون أن نلقي الضوء على دور الأب في هذه التربية، وأهمية دوره في بناء شخصية الطفل. وبما أننا نعيش في مجتمع شرقي، فإن للرجل صلاحية تحديد مختلف أمور البيت.
فقد يلقي على عاتق المرأة مسئولية التربية كاملة، ليس فقط لأنه مشغول بتوفير لقمة العيش، بل قد يكون جهلًا منه بأهمية وجوده في مراحل تربية الطفل، وما يخصه في بناء شخصيته بشكل متوازن. فالأسرة المكونة من زوج وزوجة وأبناء، تحتاج إلى منهجية خاصة، ودعائم قوية في علاقاتها فيما بينها، وفي معاملاتها مع أفرادها، حتى تستطيع تحقيق السعادة وتحصيل الغايات والأهداف المنشودة.
إن وجود الأب في حياة الأطفال يعني الحماية والرعاية، يعني القدوة والسلطة والتكامل الأسري، فالأطفال بحاجة إلى أن يشعروا بأن هناك حماية ورعاية وإرشادًا يختلف نوعًا ما عما يجدونه عند الأم، وبأن الأب هو الراعي الأساسي للأسرة، وهو المسئول عن رعيته، فوجود الأب كمعلم في حياة الطفل، يعتبر من العوامل الضرورية في تربيته وإعداده..
بالرغم من أن الأم هي الأساس في حياة الطفل منذ الولادة، إلا أن دور الأب تبقى أهميته من نوع آخر، وذلك من خلال تقديم الحنان الأبوي، والسهر على حياة الطفل وحمايته من كل أذى، بالتواصل معه والتقرب منه، فينمو الطفل ويكبر على أسس تربوية سليمة، فالأدوار التي يقوم بها كل من الأب والأم مهمة جدًّا في الإنماء التربوي للطفل، رغم اختلافها.

دور كل من الأب والأم
إن بعض الآباء يظنون أن دور الرجل يقتصر على تأمين السكن والملبس والمصاريف، ويعرفون مفهوم رب الأسرة بأنه ذلك الديكتاتور المتسلط الحازم في كل شيء، لكن هذا خطأ فادح، فمشاركة الأب في تربية الأبناء شيء في غاية الأهمية، لما له من تأثير قوي في شخصية الأبناء، فالأب يستطيع تحقيق التوازن الأسري، من خلال اهتمامه بأبنائه ومصاحبتهم ومعرفة أفكارهم وميولهم وهواياتهم..
ويحاول أن يساعد على حل مشاكلهم، ومعرفة أصدقائهم، ويكون لهم الصديق المخلص الموجود دائمًا، حتى لو كان غائبًا، تبقى مبادئه وأفكاره راسخة في أذهان الأطفال، كما أن عليه إرشادهم وتقويمهم واستخدام الشدة والحزم، إلى جانب الرفق والتسامح.
فإحساس الأبناء بوجود رادع لهم يجعلهم على حذر من الوقوع في الخطأ، كما يجب على الأب الاقتراب أكثر من الأبناء، وتمضية الوقت الكافي معهم، وتعويدهم على أسلوب النقاش والحوار، ما يمنحهم الثقة بالنفس، وعليه أن يمنحهم الإحساس بوجود الصدر الحنون الذي يلجأون إليه عندما يصعب عليهم حل مشاكلهم بأنفسهم..
وبهذا يبعد عنهم مشكلة الضياع. لكن أكثر ما نشهده في مجتمعاتنا، أن الأب أصبح دوره مجرد بنك للتمويل، يكد ويشقى لتوفير لقمة العيش والرفاهية لأبنائه، ويغيب لساعات طويلة عن المنزل، وأصبح كالضيف الذي يحل على البيت ليأكل وينام فقط، لا يعلم بالقرارات التي يتخذها أبناؤه في غيبته، سواء في اختيار الملابس أو الأصدقاء، أو حتى تحديد مصيرهم التعليمي، أو ما يرتكبونه من أخطاء.
فمن المسئول عن تهميش دور الأب؟، هل هي الأم، أو الأبناء؟ أم هو الأب نفسه الذي تنازل عن دوره الحقيقي؟
من المعروف أن مسئولية تربية الأبناء تقع على الأب والأم على حد سواء، وفي حالة غياب الأب عن الصورة، فهذا يعني أن الأب هو المسئول عن تهميش دوره في الأسرة، فهو الذي تنازل عن دوره لصالح الأم، وهي مسئولية، لقوله  «كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته»، ومهما تعددت مسئوليات الأب خارج المنزل، فهذا لا يعفيه من مسئوليته الأسرية، فدور الأب في تربية الأبناء لا يقل أهمية عن دور الأم.
فالأب، وكذلك الأم، يجب أن يكونا نموذجًا وقدوة لطفلهما، حتى يكون من السهل على الطفل أن يقلد السلوك الجيد في حياته، بدلًا من تنفيذ نصائح وأوامر لسلوكيات لا يراها، فالأب في نظر أبنائه هو ذلك البطل الذي يقلدونه في كل شيء، في حركاته وتصرفاته، في التواضع والأمانة وفي كل سلوكياته، لأن الطفل يميل إلى اعتبار أن كل تصرفات والده مثالية، من دون أن يشعر الأب بذلك.
لذلك، وجب على الآباء أن يبذلوا جهدًا كبيرًا في تربية أبنائهم، ويظهروا لهم حبهم وشعورهم بمكانتهم ودورهم الرئيسي في حياتهم، وأن يدرك الآباء أن دورهم لا ينتهي عند مرحلة معينة، بل يجب أن يكونوا دائمًا موجودين ومنخرطين في حياة أبنائهم.

الأب
الأب هو الصديق الصادق الذي لا ينتظر المصالح مع أبنائه، والأخ القريب، فهو يراهم كل يوم في المنزل ويتآخى معهم، والأب الحاني لا يمكنه تذوق طعم الراحة إلا براحة أبنائه. هو الرجل الشجاع يلتجئ إليه الأبناء في ضعفهم ويستندوا إليه في مصائبهم والمكافح الذي لا يعرف الكسل ولا التواكل في جني الرزق، وهو المقدام المناضل لا يعرف التعب من أجل تلبية رغبات أبنائه والمربي الصبور يربي أبناءه ويصبر على أخطائهم، ويتوددون له كي لا يجدوا الود من غيره، وهو المعلم الذي لا يمل من تعليمهم وإعطائهم النصائح المفيدة وتعليمهم، والصاحب لا يكل من مرافقتهم في كل محل ومرتحل.

فضل الأب
الأب كالشجرة في العطاء، فهو يمنح بلا مقابل وكالنهر في الحب والحنان دائم الحب، والأب كطائر في عمله يغدو صباحًا ليحلب قوته وهو صمام الأمان للأسرة فهو يحميهم من المخاطر التي تحيط بهم. الأب كلمة عظيمة قد تكون قصيرة الطول قليلة الأحرف إلا أنها طويلة الأمد في العطاء كبيرة المكانة؛ فالأب يحافظ على أسرته متماسكة لا يفرقها شيء، يقضي ساعاته الطوال في العمل، ولا يعرف الملل لكي يعود إلى بيته محملًا بالأكياس الكثيرة التي تمد أبناءه بالقوت فلا ينقصهم بعدها شيء.
الأب هو المربي دون تقصير فهو يطمح في تربية أبنائه وتنشئتهم تنشئة طيبة سليمة بعيدة عن الانحلال نزيهة لا ينقصها شيء، فكلامه يريح القلوب ويثلج الصدور، فهو الذي لا يتعب من سماعهم وإرشادهم، ولا يمل من دعمهم وتشجيعهم وإرشادهم فهو الطبيب الذي يقف على مشاكلهم ومعضلات أمورهم فالأب هو السور الذي يحمي العائلة ويذود عنها، وهو عمود البيت، وسرّ استقراره.
الأب هو دفء الأبناء في الشتاء وفرحهم في الربيع، وهو الذي لا يزوره النوم حتى يطمئن على أبنائه بأن كل واحدٍ منهم قد أخذ مكانه ونام، فقلبه لا يجد لذة الراحة بعد طول التعب ومشقة الحياة إلى بعد أن تسكن روحه بالاطمئنان على أبنائه. يا له من رجل خارق!، فهو لا يعرف معنى للكسل، قد يضطر للعمل مدة طويلة دون أن يسيطر عليه الروتين، فهو قد نصب نفسه ليكون كادحًا بجد ليجد لقمة العيش التي يقيت بها أبناءه، وقد يوصل النهار بالليل لكي يحصل على بعض الدراهم الإضافية التي تساعد في مصاريف المنزل ومستلزماته.

البر بالأب
أمرنا الله تعالى ببر الوالدين، وحثنا بخفض جناح الرحمة لهما، وتقديم العون والمساعدة لهما، وتلبية رغباتهما ومتطلباتهما، ويعد هذا البر جزءًا صغيرًا مما قام الوالدان بتقديمه للأبناء؛ لذا وجب عليهم البر والطاعة بالمعروف وعدم الضجر منهما. يحتاج الآباء في كبرهم لنوع خاص من الرعاية وأسلوب مميز واهتمام كبير، فمع تقدم العمر يظهر وجود احتياجات جديدة لم تكن موجودة قديمًا لذا وجب تلبيتها من قبل الأبناء وعدم التأفف منها أو الغضب، فكم من طلب غريب طلبه الابن وهو صغير ولم يرده الأب، وقام بتنفيذه على الفور، كما قد يشعر الآباء بالحنين والشوق لأصدقائهم وأصحاب عمرهم مما قد يتطلب منهم تأمين زياراتهم لأصدقائهم ورعايتهم لتلبية طلبهم على أكمل وجه، وعدم التقصير في ذلك، فهم ما بقي من الذكريات الحيَّة التي تذكرهم بما سبق، كما أنه من البر ألا يتقدّم الأبناء على آبائهم، فإذا جلسوا على الأكل لا يأكلون قبلهم، وإذا مشوا لا يسبقونهم، كما يجب أن يأخذوا بمشورتهم كما كانوا يفعلون سابقًا لكيلا يشعروهم بفقدان أهميتهم أو تهميشهم. من البر أن يقوم الابن بساعدة الأب في أموره الخاصة التي لم يعد يقوى عليها؛ كمرافقته إلى الخلاء وتقديم المساعدة له، وكذلك مساعدته في الاستحمام وقضاء الحوائج الأخرى التي لم يعد يقوى عليها.
من البر أن يقوم الأبناء بأخذ والديهم في نزهة كلما احتيج الأمر لذلك؛ لكيلا يشعروا بالضجر والإهمال، فهم بحاجة ماسة إلى هذه اللحظات التي تنسيهم أوجاع الحياة، وكذلك فإن شعور الأب بالاهتمام كشعور الطفل لا يزيد عنه فقد يغضبه شيء صغير ويملأ قلبه فرحًا شيء أصغر منه.

البرّ بالأب بعد مماته
إن فقد الأب لا يعوضه شيءن فبوفاته تظهر الثغرات في الأسرة، ويظهر الفراغ الذي تركه، وتفقد الأسرة أكبر مقوّماتها فيشعر الأهل بالغربة لفقدهم عمود البيت وأساسه الذي لطالما ارتكزوا عليه، فلم يناط البر بالحياة لذا حثّ الإسلام على بر الآباء بعد وفاتهم كذلك من خلال زيارة أرحام الأب ووصل أصحابه وبرهم وتقديم ما يلزم لهم والدعاء للوالدين في كل مواطن الدعاء المستجاب والتصدق عنهما وتنفيذ وصيتهما. فالأب هو روح الحياة وقائدها وهو صمام الأمان والاستقرار الأسري، ومهما تحدثنا عن فضل الأب فلن نوفيه حقه، ولن ننزله منزلته، فحب الأب أروع الهدايا من الله، فمن كان له أب على قيد الحياة فليقبل يديه ولا يمل من استنشاقهما، فكثيرًا ما تعبت هاتان اليدان وتلطختا بكل أطياف الحياة من أجل أن تؤمِّنان السعادة، وليلزم قدميه اللتين تفطرتا وتشققتا لوقوفه مدة طويلة دون راحة من أجل كسب لقمة العيش التي تستقيم بها الأجسام، فمن كان له أب على قيد الحياة فليحسن صحبته ويطلب منه الرضا، ويضعه تاجًا على رأسه. ومن كان أبوه ميتًا فليحسن إليه بكل صنوف البر بعد الموت، ولا يتذكره في المناسبات فقط بل في كل وقت يجب ألا ينساه.

كيف يعدل الأب بين أولاده مع وجود الفوارق الفردية بينهم
السؤال: لا شك أن لكل إنسان شخصيته التي أعطاه الله إياها، وإن كانت هنالك أخلاق مشتركة بين البشر إلا أن البشر يختلفون ويتفاوتون في اجتماع تلك الأخلاق، وسؤالي في الأبناء، كيف يمكن للأب أن يتعامل مع تلك الفوارق وأن يعدل بين أولاده- ذكورًا وإناثًا- مع ما يحملونه من أخلاقيات وطبائع متباينة تجعل النفس الأبوية منجذبة لبعضهم أكثر من بعض؟

الجواب: الحمد لله
1- خَلَق الله تعالى خلْقَه وجعل بينهم تفاوتًا في الصفات والطباع والأخلاق، وهو أمر واقع ومشاهد، ويتسع ذلك في العالَم كله، وينحصر حتى يُرى في الأسرة الواحدة بين أولادها، ولله تعالى في هذا الحكَم الجليلة، وهو يدل على عظيم قدرته تعالى .

2- لا يُنكر ميل نفس الأب نحو الولد الذي يتصف بصفات حسنة، سواء في خِلقته، أو خلُقه، أو يكون له طباع تجذب الناس نحوه كمرحه، وخفة دمه، ولطافته، وليس كون الولد ذكرًا يجعل الميل نحوه باللزوم، بل إننا نجد تعلق كثير من الآباء ببناتهم، والعكس .

3- ومثل هذا الميل لا يلام عليه الأب، لكن ليس من الحكمة إظهار ذلك أمام أولاده؛ لما يترتب عليه من مفاسد، وأما من لم يكن له إلا ولد واحد فليظهر له كل شعوره ولن يلومه أحد .

4- لا يعلم كثير من الآباء أن تمييز أحد أولاده ممن يتصف بصفات طيبة جاذبة قد يضر ذلك الولد المميَّز! وذلك بجعله مغرورًا أو متكبرًا، كما قد يجعله مصابًا بداء الكسل والبطالة والاعتماد على غيره في قضاء حاجاته، ولا شك أن مثل هذا الولد لن يكون نافعًا لنفسه، ولا لأبيه، ولا لباقي أسرته .

5- والأسرة التي يميِّز فيها الوالدان– وخاصة الأب– أحد أولادهم عن الباقين يتسببون في مفاسد كثيرة، منها :
أ. إصابة باقي الأولاد بالإحباط من النجاح والتقدم في دينهم ودنياهم .
ب. التسبب لهم بأمراض نفسية أو بدنية .
ج. الكيد للأخ المميَّز، وقد يصل الأمر لحد القتل .
فالآباء المميِّزون في أسَرهم إنما يسهمون في تفرقة هذه الأسرة وتشتتها؛ لما يسببه ذلك التمييز من زرع العداوة والبغضاء والحسد بين أولادهم، فيتحد المبعدون ضد المميَّز عنهم، بل ضد والديهم، ومن تأمل قصة يوسف عليه السلام ورأى ما جرى من إخوته تجاهه وتجاه أخيه الآخر تبين له صدق القول، وقد أخبرنا الله تعالى عن سبب فعلتهم تلك في يوسف أخيهم، فقال تعالى: (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحب إلى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ أن أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ.اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) يوسف:8، 9. ولا شك أن يعقوب عليه السلام لم يكن ظالمًا لأولاده أولئك، وإنما حملهم على ذلك– فقط– محبته القلبية لابنه يوسف عليهما السلام، فماذا يُتوقع من إخوة ظلمهم والدهم بأن أعطى أحد إخوانهم ما لم يعطهم؟!

6- ومن مظاهر التمييز بين الأولاد المشتهرة بين الناس: التمييز في العطية، وهو أمر محرَّم في شرع الله تعالى، ومن مساوئ ذلك التمييز: التسبب بالعقوق للوالدين، وعدم استواء الجميع في البر لوالديهم، وقد نبَّه على ذلك نبينا محمد ، مع تسمية ذلك التمييز في العطية جورًا وظلمًا .
عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إلى رَسُولِ اللَّهِ- - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْهَدْ أني قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِي، فَقَالَ: (أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانَ؟) قَالَ: لَا، قَالَ: (فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي)، ثُمَّ قَالَ: (أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟) قَالَ: بَلَى، قَالَ: (فَلَا إِذًا).
رواه مسلم ( 3059)
وكما قطع الله تعالى هذا التمييز في العطية فكذا قطع أمرًا آخر وهو الوصية لأحدٍ منهم، فحرَّم أن يوصى لوارث، وكل تلك الأحكام إنما هي لإصلاح حال الأسَر وإرساء قواعد اجتماع أفرادها وعدم تفرقهم .
7- وعلى الأب أن يعلم أنه ليس أحد من أولاده كاملًا، ومن كان مميزًا من أولاده عنده فلو أنصف مع نفسه لوجد له صفات أخرى سلبية، والعكس يقال فيمن لم يميزهم فقد يكون عند كثير منهم صفات إيجابية كثيرة، فالطفل المحبوب بحركاته وكلماته قد لا يفيد الأسرة في شراء أغراض من البقالة، وقد لا يكون كفؤًا في القيام على الضيوف بخدمتهم، فعلى الآباء مراعاة ذلك، وتنمية ما عند أولادهم من صفات حسنة، وتشجيعهم عليها، وعدم الطلب من الآخرين أن يكونوا سواء، فكلٌّ ميسَّر لما خُلق له، فقد يكون بعضهم عنده حب العمل، وآخر حب العلم، وثالث حب التجارة، كما قد توجد في بعضهم من الطباع ما ليس في الآخر، فيستثمر ذلك الأب العاقل فيجعل بعضهم مكمِّلًا للآخر، فإذا أثنى على الصفات الإيجابية في أحد من أولاده أثنى على صفات الآخرين، فلا يحصل بينهم من الحسد والعداوة شيء بإذن الله تعالى وتوفيقه .

8- وفي هذا الباب فليحذر الوالدان من تقريع المخطئ من أولادهم والطلب منه أن يكون كأخيه فلان! أو من في سنه من الأقارب أو الجيران. أو يحثّ على خصال الخير ويُردع عن صفات الشر. وإن من شأن المقارنة بينه وبين أخيه الأفضل منه في هذا الجانب أن يولِّد بينهما عداوة وبغضاء .

9- وليس من العدل أن يجعل الأبُ العاقَّ من أولاده بدرجة البارّ، وإلا لم يكن للبرِّ ميزة، فعليه أن يُعلم أولاده أن من أحسن – كإعانة أمه في البيت، أو حفظه للقرآن- فله الحسنى، ومن أساء فيُحرم منها أو يُعاقب– بحسب ما يقترفه الأولاد من معاصٍ-، ولا نعني هنا –بالطبع– أن يهبه هبة أو يعطيه عطية، فقد سبق بيان تحريم ذلك، وإنما نعني به أن يثني عليه بالكلام الحسن، وأن يزيد في مصروفه، أو أن يمكنه من اللعب بلعبة مباحة لوقت أطول ممن أساء، وهكذا، وهذا هو العدل الذي ننشده من الآباء، وليس أن يعاملوا الجميع معاملة واحدة، المحسن منهم والمسيء، وإلا كان ظالمًا للبارّ منهم .
فللأب أن يمنع العاصي المتمرد من أولاده من المال الذي يفعل به المعاصي، بل يجب على الأب ذلك حتى يكف ولده عن فعل ما يسخط ربه تعالى .
قال الشيخ عبدالله الجبرين، رحمه الله: وقد قال النبي-: (لاَ أَشْهَد عَلَى جَوْر)، بمعنى أنه إذا مال مع أحدهم: فإنه يسمَّى جائرًا، ولكن يمكن أن يجوز ذلك إذا كان هذا الذي مال معه صالحًا، والآخر فاسدًا وماجنًا، فإذا حاول إصلاح هذا وعجز عنه بأن صار عاقًّا وعاصيًا لأبويه، وعاصيًا لله، ومعرضًا عن الله، ومعرضًا عن العبادة، ومنهمكًا في شرب المسكرات، أو في المنكرات أو في المعاصي، ولم يستطع أبواه إصلاحه: فلا مانع، بل يجوز لهم- والحال هذه- التساهل، وعدم مساواته بغيره، بل عليهم أن يشددوا في الأمر معه، ولو أن يحرموه من تربيتهم له أو نفقتهم عليه، ولو أن يعاقبوه بما يكون سببًا في استقامته إذا وفق الله .دروس الشيخ ابن جبرين ( 1 / 23 ) – الشاملة- .

10- ومما ننصح به الآباء أن يوحدوا مشاعر أولادهم تجاه من يستحق الحنان والعطف من إخوانهم، فمثلًا: قد يوجد أحد الأولاد مصابًا بإعاقة، فلا ينبغي للوالدين أن يغفلا أهمية أن يكون الحنان والعطف من أولادهما تجاه أخيهم قبل أن يكون منهما، وهما بذلك يضمنان إعطاء ذلك المصاب حقه من المشاعر، ويضمنان عدم وقوع العداوة بينهم وبين أخيهم .

11- ومهما اختلفت صفات وطبائع الأولاد فإن العدل بينهم في الأمور الظاهرة واجب شرعي، فإن دفع تكاليف زواج أحدهم فليفعل ذلك مع كل من أراد التزوج، وإذا عالَج أحدهم لمرض ألمَّ به فليفعل الأمر نفسه مع من احتاج لعلاج، وإن ساهم في تعليم لأحدهم فعليه فعل الأمر نفسه مع الباقين – ضمن دائرة التعليم المباح-، وهكذا يقال في النفقة والكسوة، فعليه أن يعدل بين أولاده فيهما- ولا نقول يسوِّي؛ بل يعدل، ونعني به: أن يُعطي كل واحد كفايته- بل قد ذهب طائفة من السلف إلى أنه يستحب العدل بين الأولاد في "التقبيل"!.
قال الإمام البغوي– رحمه الله– في شرح حديث النعمان السابق :وفي هذا الحديث فوائد، منها: استحباب التسوية بين الأولاد في النِّحَل، وفي غيرها من أنواع البرِّ حتى في القُبَل، ذكورًا كانوا أم إناثًا، حتى لا يعرِض في قلب المفضول ما يمنعه من برِّه .شرح السنة ( 8 / 297).
وعن إبراهيم النخعي قال: كانوا يستحبون أن يعدل الرجل بين ولده حتى في القُبَل.
" مصنف ابن أبي شيبة" ( 11 / 221) .
وهكذا لا يكون منه تفضيل لأحدٍ على أحد، ولا يعني هذا توحيد مشاعره تجاه الجميع؛ فهذا أمرٌ لا يملكه الأب، لكنه يملك أمر العدل في الأمور الظاهرة، كما هو الحال فيمن له أكثر من زوجة، فإنه لا يُمنع من حب إحدى نسائه أكثر من الأخريات، وفي الوقت نفسه هو مأمور بالعدل الذي يقدر عليه، وهو العدل في الأمور الظاهرة كالنفقة والمبيت والكسوة .
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.