maialkhaleel

شارك على مواقع التواصل

#رواية_روز
#بقلمي_مي_الخليل
#المقدمة
ليلة خريفية متوسطة البرودة ، وحدها كما كل ليلة تجلس بصحبة كوب قهوتها ودفترها الصغير ذو الغلاف الأسود المزين بخطوط ذهبية براقة ، تذكر تماماً وقبل سنوات طويلة يوم اشترته ذات صيف حين كانت تتسوق مع والدتها في إحدى المرَّات القليلة بل النادرة التي صاحبتها فيها أمّها بمشوار كما تحب ، وكيف لا وهي أساساً ندر ما تراها ووالدها ، فمعظم حياتهما ومنذ وعت الحياة يقضونها في الخارج ، وهي هنا محكومة بغربتهم ووحدتها ، يومها تعجبت منها أمها كيف تختار دفتراً بهذا اللون الكئيب ومازالت طفلة ظنت أنها قد تختار آخر وردياً أو زمردياً مثلاً ، وجهلت ما بقلب ابنتها قد يدفعها لتنسى طفولتها هكذا وتتخير من الأشياء ما لا يناسب عمرها .
كتبت ولأول مرة تقرر أن تزيح الستار عما يعتمل في نفسها دون قيود أو دون أن تحاول أن تخفي شيئاً من الحقيقة التي أرقتها طوال عمرها وهي الآن صبية على أعتاب الثلاثين تواجه الحياة بكل تفاصيلها وحدها
هذه أوَّل مرَّة أُحاول بها الخلو إلى نفسي ، وحيدةً إلى قلمي مُسلِمةً له ألمي ، تاركةً له حُرِيَّتَهُ المُطلقةِ لِيُدَوِّنَ كلَّ ما يجولُ بخاطري دونَ خوفٍ أو خجل ، الخوُفُ مما لا أدري ، والخجل من ماذا لا أعلم . فليسَ في حياتي ما يستدعي كُلُّ ذلكَ الخوف والخجل ، ولا أدري أَتُراها كانَت تلكَ رغبَتي التي دفنتُها في داخلي منذُ زمن طويلٍ ، ونامَت في سجن الروح لعمرٍ بأَكمَلِه رغبتي بأن أكتُبَ مُذَكَّرَاتي كمثلِ الكثيرينَ من الناسِ . ما الذي أَيقَظَها اليوم ، وما الذي دفعني لِأُحَرِّرَ كُلَّ تلك المشاعر والدَّمعات ، وأُطلِقَ سراحَها الآنَ فقط لِتَخرُجَ هاربةً من سجني كلماتٍ مُبعثرةً مُستَغيثةً بذاك البياضِ ، مُلتَحِفةً السُّطُورَ أم دفعَني إلى ذلكَ ما قرأتُه من كتابِ الحبِّ الضائع للأديبِ المصري الشهير (طه حسين ) عن تلكَ الفتاةِ الفرنسيةِ التي وجدَت في دفترٍ صغيرٍ تلجأُ إليه ، تَبُثَّه أسرارَها ، أحزانَها ، أفراحَها ، أوجاعَها التي لن تبوحَ بها لسواه وجدَت فيه أنيساً لها ، وونيساً لِوحدَتِها بل وجدَته أصدَق حافظِ لأسرارِها لتفاصيلِها الصغيرةِ والكبيرةِ، لأحلامِها المجنونة أتخذَتهُ رفيقاً حين لم تجدْ فيمَن حولَها من تأتَمنهُ على كل تلكَ الأماني والأسرار والخبايا . فمَن سواهُ سيحتَمل لحظات ضعفِها ، وقوَّتها وألَمِها وصمتِها وكثرةَ كلامِها ، دون كَلَلٍ أومَلَل دونَ أن يُسدي لها نصائحَ أرهقَتها ، بل دون أن يُنَّصِّبَ نَفسَهُ وصيَّا على مشاعِرها وأحاسيسِها وحَريصاً على أحلامِها على الرَّغمِ من ضرورةِ وجودِ من نتمَنَّاهم كذلكَ في حياتنا ، ولَكِنَّنا أحياناً نضيقُ ذرعاً بهم وبِنَصَائِحِهم التي تخنقنا بِرَغِمِ إيمانِنا الكامِلِ بها، ونحتاجُ لِوحدَةٍ وعُزلَةٍ تُبعِدُنا عن كُلِّ ما حَولنا عَلَّنا نقوى أن نُعيدَ لأنفُسِنا توازُنَها بأن نَعتُقها مما قَيَّدَها من دَوَّامةِ المشاعر .
أراني في لحظةٍ صرتُ مثلها أتمنى ما تَتمَنَّاهُ وابحَثُ عما تبحَثُ عنه ، ما كتبتُ يوما ، ولا خطَّ قلمي حرفاً ، ولا أغراني بياضُ الورقِ ،ولا ارتقَيتُ بأحلامي لِأكونَ يوما كاتبةً ، وما تأثَّرتُ يوما ببطلةٍ في رواية لِأكتُبَ أو أُصَوِّرَ فصلاً من حياتي على ورق.
هي لحظاتٌ نختلي فيها بِأَنفُسِنا ، نحتاجُ أن نَستَعيدَ كُل ما مرَّ في حياتِنا حُلوَها ومُرَّها ، ونُعيدُ على مهلٍ ترتيبَها . هي لحظاتٌ خارِجَ الزَّمَن لا ساعاتٍ فيها لا دقائقَ ولا ثوان ، لحظاتٌ ربَّما نهدِم فيها ما أَمضَينا عمراً نَبنيه ، نَستَسلِمُ لما امتنعنَا عنه ، ونَمتَنِعُ عمَّا استَسلَمنا له . هي لحظاتٌ قد لا نعودُ بَعدَها كما كُنَّا قبلَها ، قد تُغَيِّرُ مصائِرنا ، وتُحَوِّلُ مسيرةَ حياتِنا بكامِلِها ، نَتَصالَحُ مع أَنفُسِنا نُصارِحُها وتُصارِحُنا ، نكسِرُ كُلَّ الحواجزِ نرسمُ حياتنا على ورق دونَ زيفٍ أو تَجميلٍ ، وأخيراً نتَحَرَّرُ من الخوفِ القابِعِ بِداخِلنا.
أغلقت الدفتر دون أن تعلم كم مضى من الوقت عليها ، نهضت من جلستها شاعرة بتيبس أطرافها مما يعني أن قد مضت ساعات وهي على ذات الجلسة ، اتَّجهت نحو النافذة وحدقت خارجها بشرود وسكينة ما قد تسللت إلى روحها ، لفحتها نسمات باردة لكنها حانية ، لا تدري لمَ تشعرها نسمات الخريف رغم برودتها بدفءٍ غريب ، أيقظها من شرودها صوت صرخة صغيرة جعلتها ترتجف للحظة ثم تنتفض من وقفتها مسرعة إنها إلينا وكابوسها اللعين الذي لا يفارقها ، توجهت نحو غرفة الصغيرة فتحت الباب بلهفة لتجدها متكورة على سريرها ترتجف والذعر يخبئ عينيها الجميلتين ، ضمتها إلى صدرها بحنان أم ، ودون أي كلمة استلقت جوارها ونامتا بسلام تستشعرانه فقط حين تحتضن كل منهما الأخرى وتتجاهلان العالم بأسره
#رواية_روز
#بقلمي_مي_الخليل
3 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.