maialkhaleel

شارك على مواقع التواصل

الفصل الحادي عشر
رسائل
ونعود الى روز وحكاياتها المفعمة بالشجن 😍كتبَ لي ولِأوَّلِ مرَّةٍ على بريدي الالكتروني ، وما عهِدتُهُ يوماً يكتبُ غيرَ سَلامٍ واطمِئنان وسؤالٌ عن الحالِ والأحوالِ ، كتبَ لي وفتحَ قلبَهُ ، وما كانَ لِجبَّارٍ مثلَهُ أن يَخُطَّ سطوراً بذاكَ الانكِسار قالَ :
عائدً من رحلَتي البحريَّةِ الطَّويلَةِ أنهكَني السَّفرُ ، أشواقي كَلَهيبِ الجمرِ ، أَحرقَت روابي الحنينِ ما عادَ يرويها المطَرُ ، على شاطئِ الشَّوقِ أرسيتُ سُفُني ، وسِرْتُ لاهِثاً في شوارعِ الذِّكرى تَسبِقُني لهفَتي ، عن نَفسي القديمةِ باحثاً ، عن أهلي وأحِبَّتي أينَ هم ؟ أينَ رحلوا ؟ هل خانَتني العُيونُ ما لي لا أرى سِوى أطيافِ ذكرياتٍ سوى حطام ودمار ؟ هل أضَعتُ السَّبيلَ .. تُرابٌ مُبعثَرٌ فوقَ أشلاءٍ متناثرَةٍ ، أطلالٌ دارِسَةٌ مهجورةً بائسةٌ هل خانَتني العُيونُ ؟ أَم تُهتُ في مَتاهاتِ الظُّنونِ لا وطناً . لا أحِبَّةً ينتظرونَ ، أينَ مَن كانوا عني يسألون ؟ ماذا فعلَت بهِم السُّنون ؟ عائداً من رحلَتي ، هاجِراً وحدَتي ، بوسعِ الكونِ فرحَتي ، رجَعتُ بِوَمضَةِ عينٍ تصحَبُني خيبَتي ، تَخنقُني دمعَتي ، وفي قَعرِ الألَمِ ترميني حسرَتي . سوفَ تسألينَ ما الذي حدثَ ، ستسألينَ عن سرِّ صَمتي وعُزلَتي ، رهيبٌ ذاكَ الذي حدثَ ، عظيمٌ تأبى الكلِماتُ أن تحمِلَهُ لِتبوحَ بهِ الشِّفاهُ لتلفِظَهُ ، فكيفَ لِلقَلبِ أن يحتَمِلَ ! لا ماضٍ ولا حاضرٍ ولا مستقبلٍ ، سحقوا كُلَّ شيءٍ دمَّروا حرقوا سرقوا ، ما أبقوا غيرَ قلبٍ يُقتَلُ ويموتُ على مهلٍ كُلَّما سارَ وحيداً في وحشةِ اللَّيلِ آمِلاً أن يصحو من هذا الحلُمِ الكئيبِ ، وأيُّ حلُمٍ كابوساً يجثُمُ على صدرِهِ ، يُفقدُهُ كُلَّ صلَةٍ بالعالَمِ الذي صارَ بالنِّسبَةِ لهُ حِملاً ثقيلاً ...
كلِماتي أبحثُ عنها في صمتِ الحروفِ ، بينَ سطورِ حكايا الأملِ التي شابَها الخوفُ ، علَّها تُثلِجُ القلبَ الملهوفِ ، دموعي صرتُ أُداريها كي لا تخونَ في لحظاتِ الضَّعفِ ، أحلامي أودَعتُها الطَّرفَ الآخرَ لِلذَّاكِرَةِ ، ذكرياتي التي كانَت ملاذي تخلَّيتُ عنها علَّ النِّسيانَ يطويها ، الحُبُّ المُقدَّسُ الذي عشتُ على انتِظارِهِ آمالاً وأحلاماً ما عادَ لي فيهِ أمَل، ما بقيَ لي سوى أسئلَتي تُحَيِّرُني – أوَدُّ لو تَترُكَني – هل هذا الحزنُ إلى زوال ؟ أنارُ القلبِ تُطفِئها دمعةٌ من عينٍ تبكي دماً ؟ أتِلكَ البَسمَةُ الخجلى ستَمحو ذاكَ الكَمُّ من الألَمِ ؟ والأملُ المُختَبي خلفَ اليأسِ أتُزهِرُ أغصانُهُ ؟ الحلمُ النَّعِسُ الرَّاقِدُ تحتَ ظِلالِ الحُزنِ هل سيفتَحُ عينَيهِ يوماً ليرى جمالَ الرَّبيعِ بعدَ شتاءٍ كئيبٍ دامَ طويلاً ؟
رام الغريب كما تُناديني دوماً
تحيَّتي روز الطَّيِبة اعذُريني إن آلَمَتكِ كلِماتي
كتَبتُ إلَيهِ وحرفي أعجزُ من أن يحكي أسَفي :
أوجعَتني حروفَكَ ، أشعرَتني بعجزي ، لا تعتَذِرْ يا صديقي فأنا مَن عليهِ أن يعتَذِرَ منكَ ومن نَفسي ومن عالَمي ، أعتَذِرُ لِأنِّي كنتُ يوماً واهِمةً حينَ ظنَنتُ نَفسي الأكثرَ حُزناً في هذا العالَمِ ، والأشَدَّ وحدةً وتعاسةً ، حينَ اعتقَدتُ بِسذاجَةٍ أنَّ هَمِّي هوَ الأكبرُ والأعظَمُ .
عُذراً أيَّتُها الأبجديَّةُ
فحُروفكِ ما عادَت لنا وفيَّةً
وقفتُ أمامَ السطورِ الخاويةِ
أُحَدِّقُ ...
كمَن يُحَدِّقُ في فراغِ الكونِ
كأنِّي أعيشُ لحظةً خارِجَ الزَّمنِ
كأنَّها سنونُ سرمديَّةً
ضاعَت في ضجيجِ الصَّمتِ
ما اهتدَيتُ إلى كلِمةٍ واحِدَةٍ
كانَت يدايَ بارِدتين
هل خانَتني الحروفُ ؟
أَم أنَّهُ الخوفُ
تملَّكَني في لَحظَةِ ضَعفٍ .
ماذا أقولُ لكَ أيُّها الغريبُ ؟ أنا التي مَلَكْتُ لُغَتي ، وسخَّرت لي مَعانيها ، أجدُها قد تخلَّت عنِّي وجافَتني حروفُها أمامَ مُصابِكَ ، الآنَ فقط أفهَمُ صمتَكَ ، ولا أدري أَأشكُرُ الكلِماتِ التي باحَت لي بسرِّكَ أَم ألومُهَا ، وأتمنَّى لو لم ترَها عيني في ذَلكَ الصباحِ حينَ فاجأني رنينُ بريدي الإلكتروني المُهمَلُ منذُ فترَةٍ طويلةٍ حتَّى كدتُ أنسى وجودَهُ . أتِلكَ هي الرِّسالَةُ التي انتظَرتُها طويلاً ؟ أو رُبَّما خُيِّلَ إليَّ ، أيُعقَلُ أنَّها بهذهِ القسوةِ وهذا الكَمِّ من الألَمِ ! كيفَ لقلبٍ واحدٍ أن يَحتَمِلَ كُلَّ ذَلكَ ! أيَكفيهِ عُمراً واحِداً كي يَعتادَ هذا الوجعَ ، أو يتعايشَ معَ جُرحٍ لن يَندَمِلَ أبداً مهما طالَ عليهِ الزَّمنُ ، الآن فقط أدرَكتُ كيفَ لم تقو شفتاكَ أن تنطُقَ تلكَ الكلِماتِ ، وأبى صوتَكَ أن يُطلِقَها . هنيئاً لِصَبرِكَ رام .
أيَّاماً أُخرى انقضَت من عُمرِ الزَّمنِ ، وصمتُكَ يزدادُ صمتاً ، ورحيلُكَ يبتَعِدُ تائهاً حارَت بهِ السبلُ .
صباحٌ آخرَ أستقبِلُهُ وحيدةً ، ضَجِرةً أُطِلُّ من نافِذَتي الصَّغيرَةِ ، يُطالِعُني وجهُ أيلولَ يَرمقُني من بعيدٍ ،لا ألمَحُ فيهِ سوى نبضاتُ حَنينٍ ..
جاءَ أيلولُ الحزينُ ... جاءَ مرَّةً أُخرى ... جاءَ مُحَمَّلاً بذكرياتِ السنينِ ... جاءَ ليوقِظَ الماضي من غفوتِهِ ... تُنعِشُني نسماتُهُ البارِدةُ ... تَسري في جسَدي رعشَةً تُوقِظني من غفلَتي ، أُشيحُ بوَجهي عن النَّافِذَةِ بألَمٍ ، هارِبةً من سطوَةِ الماضي ، من نوبَةِ أرقٍ تَجذِبُني نَحوَهُ بعدما أمضَيتُ زمناً أُجاهِدُ كي يَهجُرَني ويبتَعِدَ عنِّي بحلوِهِ ومُرِّهِ . أصنَعُ قَهْوَتي رفيقَةُ صباحاتي ، وأجلِسُ بِصُحبَتِها أعبَثُ بدفاتِري علِّي أهتَدي لِحلُمٍ جديدٍ يَحمِلُني معَهُ لعالَمٍ بعيدٍ بعيد عن كُلِّ شيءٍ بعيد ، أُسافِرُ فيهِ وأُخلَقث فيهِ من جديدٍ . تُخاطِرُني إلينا ، لم أُكَلِّمْها هذا الصباحُ ، منذُ أسبوعٍ ذهبَت معَ والِدِها لزيارَةِ عمَّتِها الوحيدَةِ ، اعتَدتُ أن أُحادِثَها كُلَّ صباحٍ ومساءٍ ، لم أستَطِعْ اعتيادَ غيابَها ولا حتَّى يومٍ واحدٍ فكيفَ لي بِأسبوعٍ كاملٍ ، أَمْسَكْتُ هاتِفي ، وقرَّرتُ مُحادثةَ حَسَّان ليعودَ بها فلم أعُد أحتَمِلَ خلوَّ حياتي وكُلَّ تفاصيلي منها وقبلَ أن أضغطَ رقمَهُ أسمَعُ رنينَ بريدي الإلكتروني مَن يا تُرى ؟ فَتَحْتُ حاسوبي لِأرى عدَّةَ رسائلٍ ... جودي تُخبِرُني بِقُربِ عَودَتِها بعدَ انتِهاءِ حفلاتِها المُقرَّرةِ في الخارجِ ، أسعدَتني كثيراً هذهِ الرِّسالَةُ اشتَقتُ لكِ جودي ولِلفوضى التي تُسبِّبينَها بحماسَكِ الدَّائمِ . أَمَّا الرِّسالَةُ الثَّانيةُ فمن صَبا تُخبِرُني بما أعرِفهُ مُسبقاً وهو موعِدُ خُطبَةِ نزار لها ، سعيدَةٌ لِأجلِكِ صَبا ستُحقِّقينَ حلمَكِ أخيراً ، أمَّا الرِّسالَةُ الثَّالِثةُ والتي فاجأتني كانَت من رام الغائبُ الحاضِرُ ، ارتجفَ قلبي حينَ قرأتُ اسمَهُ ، مزيجاً من الخوفِ والقلَقِ ، الفرحِ المُغلَّفِ بالألمِ غمرَني ، حدَّقتُ دقائقَ بالرِّسالَةِ قبلَ أن أفتحَها وأقرأ ما بِداخلِها ، ماذا تُخبِّئينَ لي هذهِ المرَّةُ أيَّتُها الرِّسالَةُ المسكينَةُ يا تُرى ؟ ..
- حينَ تبدأُ الأرضُ بارتِداءِ عباءَتِها الشَّتويَّةِ ... وتفتَحُ قلبَها لِلمطَرِ ... حينَ تلبِسُ السَّماءُ وِشاحَها الدّاَكِنِ ... ويغزوها الغيمُ المُسافِرُ ... وتحارُ الشَّمسُ المسكينَةُ كيفَ تُبَعثِرُ نورَها من خلفِ عتمَةِ الضَّجَرِ ....... تَختبي طُيورُ الفرَحِ من بردِ الشِّتاءِ المُستَعرِ ... وحدَهُ الحزنُ يَحتَضِنُ الحَنينَ ... ويَمشي مُختالاً في الازقةَوالشَّوارعِ ... يَمضي حُرَّاً مُغترَّاً لا يعبأ لِلوَردِ الذَّابلِ يَحتضِرُ ... ولا لِلشَّمسِ الشَّاحِبَةِ تدلَّت خيوطٌ منها ذهبيَّةً من بين حبَّاتِ المطَرِ ... خجلى لا دِفءٌ ولا نور ... بسحرِ جمالِ طلَّتِها تعتَذِرُ ... عجيب أمرُ ذَلكَ الكائنُ الشَّتويُّ ... يتحدَّى كُلَّ الفصولِ ... لَكِنَّهُ في الشِّتاءِ يصيرُ... أشَدَّ اعتِزازاً ... وأكثرَ غِبطةً وحبورا ....... لنا في كُلِّ شتاءٍ معَهُ موعِداً ... على حدودِ المطَرِ ينتظِرُ ... من بردِ الحَنينِ يصنَعُ لنا موقِداً ...
رحلوا يا روز رحَلوا ، وما تركوا لي سوى حُزني صديقاً لوحدَتي ... وشتاءً طويلاً رفيقاً لسنواتي القادِمَةِ . ما خاطرَني البَوحُ مرَّةً ، على أبوابِ كُلِّ شتاءٍ أقِفُ مُترَقِّباً ذِكراهُم ... مُعاتِباً أطيافَهُم ... كيفَ يرحلونَ دونَ وداعٍ ؟ كيفَ طاوعَتهُم قلوبُهم أن يتركوني في غُربَتي مُشتاقاً إلَيهِم ويرحلواووداعي يستَخسِرون ... أقِفُ على أبوابِ الشِّتاءِ حائراً تائهاً ليسَ معي سوى حُزني صَديقي الوفيِّ ... ما الذي دعاني هذا الشِّتاءُ لِأخونَ صَمتي في غفلَةٍ من حُزني ... روز أخبريني أَتُراكِ أنتِ مَن كُنتِ طوقَ نجاتي من يأسٍ استعمرَني ومأساة استوطنَت روحي ؟! أَتُراها عيناكِ سبيلُ خلاصي ؟! أعَيناكِ بَحري الذي سأَدفِنُ فيه أسراري !
رام الغريب
في تلكَ الفترَةِ تبادَلنا عدَّةَ رسائلٍ ، بدأتُ أُلاحِظُ رغبَتَهُ لِلكلامِ ، هوَ الذي اعتنقَ الصَّمتَ شريعةً .احتَرتُ كيفَ أردُّ على رِسالَتِهِ الأخيرةِ كَتَبتُ :
رام العزيز .. الشِّتاءُ وإن كان موسِمَ الحُزنِ وموعِدَنا الدَّائمِ معَهُ فلا تَنس يا صَديقي أنَّهُ موسِمَ الخيرِ والمطَرِ أيضاً ... وأمَّا ذِكرى من رحلوا فهي يا صديقي جاثِمَةٌ في أعماقِ القلوبِ باقيَةٌ هُناكَ مَحفورةٌ إلى الأبَدِ لا تعبأ لِلفصولِ ولا لتعاقُبِ الزمَنِ ، في أيِّ لحظَةٍ قد تثورُ وتَهدِمُ كُلَّ سَدٍّ نكونُ قد بنيناهُ بينَنا وبينَها لِنُحافِظَ عليها من جيرِ الزَّمنِ وغفلَةِ النِّسيانِ ... ونحنُ إمَّا أن نواجِهَها بِحِكمَةٍ وقوَّةِ إرادةٍ ،فنجتازُ امتِحانَ الخالِقِ ومشيئَتَهِ بِصَبرٍ وإيمانٍ صادقٍ ... وإمَّا أن نَهرُبَ من أقدارِنا ، ونُسَلِّمَ أنفُسَنا لِلهلاكِ بأيدينا ، ونستَسلِمَ لِلحُزنِ واليأسِ فنُمضي ما بقيَ لنا من عُمرٍ في هَمٍّ وحُزنٍ وكدَرٍ خاسرينَ مُتَحَسِّرينَ تائهينَ في عالَمٍ من وهمٍ وشَتاتٍ ... مَحرومينَ رحمةَ الإلَهِ الخالقِ .
كتبَ لي رِسالَةً أخبرَني فيها بِقصَّتِهِ ، ولِأوَّلِ مرَّةٍ منذُ تعارُفِنا كتبَ دونَ غموضٍ ، دونَ كِنايَةٍ ، ودونَ تَوريَةٍ ، ودونَ استِعارَةٍ ، دونَ أن يُلبِسَ الحقيقةَ ثوباً من الكلِماتِ المُنَمَّقَةِ ، ودونَ تجميلٍ وتَبرير ، باحَ لي بما عجِزَ لِسانُهُ أن ينطِقَهُ ، ورفضَ صوتُهُ أن يَحمِلَهُ بِغُصَّةِ الدَّمعِ وحُرقَةِ الوجَعِ :
رحَلوا يا روز . رحلوا وما ترَكوا لي سوى الحسرةَ ... فتكَ الغادِرونَ بعائلَتي يا روز ، وليسَ هذا فحسب بل وفتكوا بمُعظَمِ أهلِ قريَتي ، غدروهُم بِمجزرَةٍ من أفظَعِ وأبشَعِ المجازرِ التي ارتكبَها الحاقِدونَ في تلكَ الحقبَةِ من الأزمةِ ، راحَ ضَحيَّتَها عشراتُ الأطفالِ والنِّساءِ والشُّبانِ الذينَ لا ذنبَ لهُم سوى أنَّهم مُسالِمونَ أبَوا أن يُلَطِّخوا أيديَهُم بِدماءِ الأبرياءِ ، رفضوا أن يُدَنِّسوا أرواحَهُم بِسمومِ الحربِ .
مُقتضَبَةٌ رِسالَتَهُ تلك ، كما هي أحاديثَهُ دوماً – وماذا أرَدْتُهُ أن يَقولَ بعدَ الذي قالَ في البضعِ كلِماتٍ التي عوَّضَت عن آلافِ السُّطورِ المُحتمَلِ أنَّها مُخبَّأةً وراءَ صَمتهِ العَميقِ – كتَمتُ غُصَّةً أحرقَت قلبي بلهيبِ الغضَبِ ، ألجمَت لِساني عن قَولِ أيِّ حرفٍ ، ولا حتَّى تَنهيدَةُ ألَمٍ خرجَت من صَدري ، فقَط ثِقَلٌ أطبقَ على قلبي ، وحبَسَ أنفاسي ... كَم هي هائلَةٌ وعَظيمَةٌ القوَّةُ التي علينا أن نَمتلِكَها كي نحتَمِلَ مثلَ هذه الفاجِعةِ ! أيُّ كَلِمَةٍ قد تُخمِدُ حرائقَ القلبِ الذي عصفَت بهِ نارُ الحربِ وكأنَّهُ وحدَهُ مَن ألقَت عليهِ أوزارَها ! ماذا يُمكِنُ أن يكونَ بعدَ أن يفقِدَ الإنسانُ كُلَّ صِلَةٍ لهُ بالحياةِ !؟
أنا اليومَ أُقَدِّسُ صمتَكَ رام ، وأَرثي يأسكَ ، وآسى لِحالِكَ ، لَكِن ما يَسَعُني أن أقولَ ؟ وكيفَ لي أن أكتُبَ لكَ ما يَعتَصِرُني من ألَمٍ ؟ أنَّى لي أن أُوَاسيكَ وقد بلغَ بي الأسى مبلغَ العَجزِ ؟
صبراً قلوبُنا صبرا
وهل يُطيقُ القلبُ بعدُ صبرا ؟!
ظُلماً ... وحِقدا
حُزناً ... وقهرا ؟!
صموداً ... وشموخا
عزَّةً ... وشرفَ
وبعدُ ... قهرا !؟
ضاقَت بِنا الرُّوحُ ، واستُنْزِفَت أمانينا
عُمراً رحلَ ، والجِراحُ بعدُ تَنزِفُ
وقُلنا :
بعدُ صبرا
كفى ... يا وطناً كا
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.