بعدما زالت الرهبةُ الأولى لحداثة الموقف، واختفى الشُّعور بالرضا تجاهَ الرفضِ المهذبِ
والحازم في الوقت ذاتِه لطلباتِ الركوبِ، وعقب رؤية الساخرين وهم يعانون من أجل
الوصول إلى الأراضي المرتفعة بلا جَدوى قبل أن تحيط بهم المياه العاتية وتبتلعَهم في
النهاية، كانت الرحلةُ مضطربةً وبغيضة؛ ففي نهاية المطاف، لم تكن السفينة مُتقنة
الصُّنع؛ فقد كانت تترنح بفعل الرياح على نحوٍ مروع، وكان من الصَّعبِ توجيهها طوال
الوقت تقريبًا. كانت الأمواج المتلاطمة ترتطم بشدةٍ بِقاعِها المسطَّح؛ مما جعل جميعَ الركاب
يصابون بدوار البحر، ويشعرون بالبلاء الشديد.
وداخل الهيكل الخشبي البائسالذي كان بمنزلة مقصورة السفينة، احتشَدت الطيور
والحيوانات والبشر معًا في فوضى. ويقول أحدُ الألواح عن الطوفان بأسلوب لا يَفتقر
لم يهنأْ أحدٌ في نومتِه قط بسبب وجود نمرٍ بنغالي يحدِّق فيهم من أحد » : للمبالغة الدرامية
الجوانب، أو قنفذ يقبع بجوار أرجلِهم العارية. لكن الأمر أصبح أكثر خطورة حين تململ
«. الفيلُ، وحين شعر الدبُّ القطبي بالإهانة من إهمالٍ متوهَّم
لن أتوقع وصفًا تفصيليٍّا من السيد سميث للرحلة البحرية للسفينة؛ فقد جمع بيانات
من مخطط كامل لمسار نوح طوالَ الأشهر العديدة التي استغرقتها الرحلة. أما الطبيعة
المتعرجة للطريق المتَّبع في الرحلة، والغرابة البالغة لإبحار نوح في دائرةٍ كبيرة، فهما دليل
على أن هذا الملاحَ المبجل، كان دومًا ما يصيبه التوتُّر، في ظل الظروف الكئيبة المحيطة به،
وهو عيبٌ علينا أن نسبل عليه، نحن أحفادَه، سِترَ الإحسان والصمت.