heebbaa

شارك على مواقع التواصل

الفصل الرابع
شحوبٌ رُسم على ملامحه بجدارة وقد خسر من وزنه الكثير فعمله الشاق وتفكيره المستمر مع نومه المتقطع جعلوا منه رجلاً يائساً يرجو الموت ولا يلقاه كان ينتظر مع باقي العمال صاحب العمل ليأتي ويستلم بناءه جاهزاً فقد انتهوا من أنجازه كما طلب وبالفعل لم يطول الوقت حتى حضر المهندس أسامة واستلم البناء بعد أن أثنى على اتقانهم لعملهم وطلب منهم أن ينضموا لمشروعٍ آخر قام بتعهده مع صديقاً له منذ أيام فوافقوا جميعاً ورافقوه.
كان هيثم كالدمية الفاقدة لمعنى الحياة يجيب بإيماءاتٍ بسيطة على أي سؤال يوجه له ويقض العمل المطلوب منه بهمة واتقان بدون شكوى من أي شيء وعندما يأتي وقت استلام الراتب يستلمه من غير تأكد منه إن كان كاملاً أولا كل مايهمه هو متابعة بحثه لم يأتي لتلك المدينة الضخمة ليجمع ثروة بل أتى في البداية ليستعيد ابنة عمه التي أضاعها بسبب قساوة طبعه وحدة أسلوبه معها فهو يدك الآن كم كان ظالماً لها لهذا أدرك بعد كل تلك الأيام أن هدفه ليس أعادتها بل سماحها له، كي يهدئ باله ويكف طيفها عن ملاحقته ليعود لحياته وزوجته مرتاح البال من غير عبئ ذنب رؤى الذي يكاد يقسم ظهره فهو إلى الآن لم يستطيع الوصول لأي طرف خيط سوى اسم المحامية التي رفعت قضية الطلاق فهي الوحيدة التي تعلم أين هي رؤى ويمكن أن توصله إليها ولكن هذا من الصعب جداً.
قطع أفكاره صوت المهندس أسامة وهو يدعوهم لأن يترجلوا من المركبة لوصولهم إلى المكان المطلوب كان هيثم كعادته يتحرك بعملية بدون أن يعطي أهمية لأي شيء من حوله ولكن هناك مالم يكن ليتوقعه فما أن وقف مكان تجمع العمال حتى شهق أنفاسه وشخصت أنظاره لرؤية من كان يستحيل عليه التفكير أن يراه في هذا المكان وهذا التوقيت............
༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻
لم تعد للحياة معنى فبعد رحيل معشوقة الروح لم يتبقى لخالد أي سبب للحياة فقد مات وهو على قيدها وياله من موتٍ مريع فلا هو كالموت المريح ولاهو كالحياة
فمنذ أن تلقى خبر وفاتها وهو جامدٌ بدون أي تعبير،
جافته عيناه لتمنع عنه الدموع لايملك من الأحاسيس سوى أحساس الوحيد فرغم كثرة من حوله إلا أنه منعزلٌ تماماً فصلته عن عالمه أحلام يقظته الوردية فكلما زاد عدد المعزين زادت دهشته وقال في نفسه مالهذا الجمع الغفير أجنت الناس أم ماذا؟
يقدمون لي التعازي بمعشوقةٍ لم يكن لها أن تموت يالهم من حمقا!
أيظنون أنها ماتت ألا يعلمون أن المعشوقَ حيٌ لا يموت
وإن نال التراب شرف احتضان الجثمان
فللعاشق تعود الروح ليحتضنها مدى الأزمان......
༺༺༺༺༺༻༻༺༻༻
كعادتها دخلت غرفتها وهي تحترق بنار الغيظ من تلك الفتاة التي بدئت رحلة انتقامها بسرعة لم يكن لخيال أم حازم أن يتقبل فكل ماكانت تفكر فيه هو أن رؤى مشردة بدون مأوى تتسول من الناس لقمة عيشها وستعود إليها راكعة عاجلاً أم أجلاً ولكن الحقيقة كانت بمثابة صفعة صبغة كبرياءها بلون الندم القاتم على ما اقترفته يدها من خطأ قلب كل الموازين
فكيف لفتاة قد رسمت لها طريق الذل بيدها تتمكن من اثبات نفسها بهذه السرعة وغير كل هذا استطاعت توكيل محامية ورفع قضية طلاق على الهيثم
كادت أم حازم أن تُجن عقب أفكارها فقد كان عليها الانتظار بضع شهور حتى تستطيع إجبارها على التنازل عن أملاكها التي كتبها لها والدها قبل وفاته فهذه قوة الفتاة التي لاأحد يعلم عنها شيء حتى هي نفسها لأنها كانت صغيرة جداً ولاأحد يعلم أين خبئ عمير أوراق التمليك لطفلته لهذا بقي الأمر سراً لايعلمه سوى أم حازم وحدها وهي مطمئنة لجهلها بأمر عثور رؤى على جميع الأوراق


༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻
صدمة جعلته فاقد القدرة على التحكم بأطرافه
وقف هيثم غير عابئ بكلمات المهندس الذي كان يحثه على المضي قدماً نحو أرض المشروع الجديد
فجهازه العصبي أبى أن يستجيب لأي نداء خارج دائرة تركيزه المصوبة نحو ما رأته عينيه
أعظم ما أستطاع فعله في هذا التوقيت هو تحريك شفتاه من غير صوت لينتبه المهندس أسامة إلى ماينظر إليه الهيثم ليجد أن هناك من سيطر عليه الجمود أيضاً في الطرف الآخر وقبل أن يترجم عقله الموقف تعالى صوت الهيثم بترديد اسم يااااامن ثم سار باتجاه شقيقه الذي ركض إليه ليحتضنه ويشهد الجميع على لحظة لقاء شقيقين كان من المستحيل لقائهما في غير هذه الظروف لهذا كان لقاء فريداً من نوعه زُرفة به دموع الرجال حتى صفت قلوبٌ ملئت بالأسى على مر أربعة سنوات...........
༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻
_رؤى.....رؤى.....أين أنتِ صغيرتي......
_أنا هنا ياخالتي، ألن تكفي عن مناداتي بالصغير فقد بلغت سن الثامنة عشر، قالت كلماتها بطريقة فكاهية أجبرت الأخرى على رسم الابتسامة أعلى شفتيها لتكمل بنفس طريقتها المرحة: ومع هذا ستبقين صغيرتي ومدللتي إلا أن تكوني قد مللتِ دلالي لكِ
_لاااااا وألف لا لن أملّا أبداً
_ضربت أم مالك جبينها بخفة ثم قالت: لقد انسيتني ماقد جئتك من أجله
_ تفضلي قولي لي ما تودين فكلي آذانٌ صاغية
_ رسمت أمالك الجدية على ملامحها لعلمها بحساسية رؤى من ما ستسمعه ثم قالت: منذ قليل اتصلت بي المحامية سلام واعلمتني باقتراب الجلسة القضائية وقالت لي أيضاً صمتت قليلاً ثم أكملت بعدما حستها رؤى لأكمال حديثها بقول: ماذا هناك أيضاً
_ يتوجب عليك الحضور
_سرت الرعشة في أنحاء جسد رؤى وهي تقول:وهل سيكون الهيثم موجوداً هناك
رفعت أم مالك كف يدها لتضعها على كتف الأخرى في محاولة لبث لها بعض الطمأنينة
_ ثم قالت: سأكون بجانبك كما أن المحامية سما ستكون معنا وعندها لن يجرء أحداً الاقتراب منك أو مسك بأي سوء
رغم كلمات أم مالك المطمئنة إلا أن الخوف يتملكها فبعد الذي جرى هي تهاب حتى اسمه فكيف لها أن تقابله وجهاً لوجه.
سيطرت ملامح الشرود على براءة وجهها بوضوح مما جعل نظرات أم مالك تتحول لنظرات شفقة فهي أكثر من يستطيع أن يقرئ تعابير رؤى فلها مع مثل هذا الموقف ذكريات مريرة ولكنها سرعان ماأخفت تلك النظرات لترسم مكانها نظرة تحدي ثم غيرت مجرى الحديث لتشتت خيال رؤى عن رسم ذالك
_ اللقاء فقالت: هناك أمرٌ آخر يجب أن تعلميه
_ماهو؟
_ أخبرتني سلام بأنها استطاعة أقناع صاحب الأرض التي نالت أعجابك أن يبيعها لك ولم يبقى سوى الإجراءات القانونية لتصبح ملكاً لك
_ ابتسمت رؤى وهي تعود بذاكرتها إلى ماقبل الشهر والنصف عندما أتتها أم مالك وهي بين الكتب تنهي روايةً كانت قد أعجبتها
_ وقالت مقاطعة لها: يجب علينا أن نتكلم في موضوعٍ هام
_ خالتي ألا يمكنك تأجيل ذالك الموضوع إلى أن انتهي من قراءة النهاية أنها ممتعة حقاً ولا أود أن اتركها قبل أن انتهي من قراءتها
اقتربت منها أم مالك وأخدت الكتيب ثم أغلقته لتبدئ قولها ب: لا لا يمكنني
_ ربااااه لماذا تعامليني بلك القسوة، قالت رؤى كلماتها بلهجة المزاح
_لترد عليها الأخرى: وهل يجب عليكِ أن تقضي وقتك بين القراءة والنوم فقط
_ابتسمت رؤى وهى محافظة على لهجتها المرحة ثم قالت: أهناك ماهو أجمل من ذالك على هذا الكوكب ثقافة في النهار ونومٌ أثناء الليل يالها من حياةٍ رائعة
_وضعت أم مالك يدها أسفل ذقنها في طرقة استفهامية ثم قالت: وما فائدة القراءة والثقافة دون عمل ثم ما متعت النوم بدون تعب
_ وماذا عليَّ أن أعمل فأنا ليس لدي خبرة سوى برعاية المواشي وزراعة الأرض
_فقط! قالتها أم مالك بتعجب ثم أكملت: وهذا لا يكفيكِ لإقامة مشروعٌ خاص بكِ
_لا أعلم
_اقتربت منها أم مالك وقالت بصوت يحمل في طياته حنانٍ كحنان أمٍ يرعبها التفكير في مستقل طفلتها الوحيدة ولهذا قررت أن ترسم لها طريقاً واضحاً وثابتاً لتسيره بثبات وإن جار عليها الزمان: صغيرتي لا أحد في هذه الحياة يمكن أن يدوم لأحد فلهذا يجب عليك أن تعتمدي على نفسك وتبني عملك الخاص وهذا بالفعل ماكان يفكر به والدكِ عندما ترك لكِ رصيداً بنكياً باسمك ودوّن لك ذالك ضمن المعلومات المهمة التي كتبها لك في رسالته الأخيرة فلهذا يجب عليك أن تبحثي عن أرضٍ تلائم مشروعك الصغير ويؤسفني أنني لن أستطيع تقديم المسعدة لكِ في هذا المجال لأني لا أملك أي خبرة في هذا المجال
_ابتسمت رؤى من جديد وقالت: لاتحزني سأعلمك الكثير عن هذه الأشياء في الأيام القادمة أما الآن فكل مايخطر ببالي هو أن اشتري أرضاً واسعة وأقوم بتربية بعض الأبقار في نصفها الأول وسأقوم أيضاً ببناء مصنعٍ صغير للأجبان والألبان في نصفها الآخر فما رأيك
_هذا جيد صغيرتي فلنذهب الآن إلى المكتب العقاري لنبدئ البحث عن المكان المناسب
_رسمت رؤى الجدية على ملامحها ثم قالت: ألا يمكننا أن نأجل هذا قليلاً
_ لماذا التأجيل، قالتها أم مالك مستفهمة
_ تلعثمت رؤى بقول: أنا فقط... فقط أريد أن... أن
_تريدين ماذا انطقي بسرعة
_ اغمضت رؤى عيناها ونطقت بسرعة كما طلبت منها الأخرى: أريد أن أكمل الرواية
_ يا ألهي ألطف بي أحدثها عن حياتها ومستقبلها تحدثني عن الرواية
أسرعت رؤى نحو غرفتها وهي تقول لاتنفعلي خالتي سأرتدي ثياب الخروج خلال خمسة دقائق
ابتسمت أم مالك رغماً عنها عقب كلمات صغيرتها المشاكسة...
في العودة إلى الحاضر
ضمتها وهي تقول: شكراً لكِ خالتي على كل ما تقدمينه لي فأنتِ كل شيء بالنسبة لي فقد صنعتِ من جحيمي حياة وحولتي ضعفي لقوة ثم ثبتي أقدامي على درب مستقبلي سامحيني لن يكون لدي يوماً شيئاً اقدمه لك رداً على معروفكِ معي فكل مايمكن لي أن أقدمه لن يكون سوى ذرة واحدة مقابل ماتفعلينه من أجلي.
لم تكن أم مالك قادرة على منع دموعها فكلام رؤى أصاب صميم فؤادها فما كان منها سوى أن شدّدة من احتضانها
_ وقالت: ابتسامتك هي مكافئتي وأضيفي إلى ذالك إني لم أفعل شيئاً سوى رداً لمعروفٍ قديم
_ رفعت رؤى عيناها للأخرى في تعجب ثم سألتها: وما ذالك المعروف
_ لاتتعجلي صغيرتي ستعلمين كل شيء في وقته والآن يجب أن نذهب إلى مكتب المحامية سلام عليكِ أن تُمضي بعض الأوراق
رسمت على ثغرها ابتسامة بعد أن رفعت كفيها لتمسح الدموع العالقة على وجنتي أم مالك وهي
_ تقول: ألا تعلمين أن الدموع تضر بالبشرة وتفقدها نضارتها فلهذا كفي عن البكاء في كل موقف عليكِ أن تحافظي على جمالك الأخاذ هذا
_ ها قد كبرت صغيرتي وبدئت بإعطائي النصائح
_ لست صغيرة ولدي الكثير من النصائح فهيئي نفسك سوف أتولى مهمة العناية بصحتك منذ الآن
_ضحكت أم مالك وهي تتجه إلى غرفتها قائلة: لقد فات الأوان ياصغيرتي
شاركتها رؤى الضحكات لتتجه هي الأخرى نحو غرفتها لتجهز نفسها للذهاب إلى مكتب المحامية ولكن هذا لم يكن ليمنعها عن أكمال مشاكساتها المعتادة مع أم مالك........
༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻
اختلطت المشاعر بين شوق وحب وحزنٍ وخجل دام الصمت وقت ليس بقليل قبل أن يستأذن يامن من صديقة أسامة وينصرف إلى منزله بصحبة شقيقه الذي تغيرت ملامحه بشكل غريب فقد حفر الحزن على محياه ملامح الكبر في ريعان الشباب فعيناه الغائرتين أثر السهر والإرهاق مع بشرته الشاحبة بسبب قلة غذائه مجتمعين في جسدٍ نحيل جداً شكلو شخص فاقد لمعنى الحياة من الخارج والداخل مما أرعب يامن فما يمكن أن يكون قد أوصل شقيقه إلى هذا الحال وماالذي جاء به إلى هذه المدينة البعيدة جداً عن قريتهم
_ماذا وراءك ياهيثم، قالها يامن محدث بها نفسه
كل دقيقة كانت تمر تزيد من قلقه فخياله تولى مسؤلية رسم أبشع وأسوء الخيالات قرر أخيراً أن يقطع الطريق على خياله ويسأل شقيقه عن سبب تغيره هذا
بينما كان يستعد للسؤال قطع عليه الطريق صوت الهيثم
_ عندما قال: ماكان عليك أن تترك المنزل
_تنحنح يامن ثم قال: لم يكن لدي خيار آخر في ذالك الوقت
_ بل كان لديك لكنك جبان اخترت الهرب
_ في ذالك الوقت قد توسلت لأمي ولكنها أبت أن ترجع عن قرارها لهذا....... كان يامن يتحدث وكفيه يلتفا حول بعضهما في توتر ثم أكمل: لهذا شكرت الله أن رؤى لم تكن تعلم أي شيء عن حبي لها عند ذالك الوقت لم أكن أملك القدرة على أن أراها تزف لرجل آخر حتى وإن كان شقيقي وهذا أكثر ما وضح في عيني قسوة أمي على قلبي فرغم علمها مسبقاً بأنها ستخسر رؤيتي مدى الحياة إلا أنها لم تغيّير رأيها أبداً
كان الهيثم منصت لشقيقه الذي افترش الأرض بنظراته فمنذ أن بدء حديثه وهو ينظر نحو الأرض وكفيه يعتصرا بعضهما فهو الآن في موقف لايحسد عليه
بعد بضع دقائق صمت رأفتاً بشقيه قرر الهيثم استئناف حديثه
_ليقول: كان يجب عليك أن تخبرني بكل ماكان يجري من وراء ظهري
_ ماجرى قد جرى صحيح أني استغرقت وقتاً ليس بقليل حتى استطعت أن أُخرج نفسي من قوقعة العاشق المهزوم ولكني إلا الآن لم استطيع أن أخرج نفسي من دائرة الابن الذي ليس له أي قيمة عند والدته فهذا أكثر ما يؤلم قلبي ويمنعني من العودة إلى المنزل حتى ولو زيارة فأقسى مايمكن أن يمر به الانسان هو قسوة من هم أصحاب الحب الفطري فالأم والأب يحبان ويعطفان على أولادهما بالفطرة التي فطرهم عليها الله عز وجل وهذ سنّة من سنن الكون فكيف لي أن أتقبل قسوة أمي بهذا الشكل لماذا أنا من بين ملايين البشر لم أنال شيئاً من عطف أمي فعندما كنت أبكي واتوسل تحت أقدامها كانت تجيب بصوتٍ كالفحيح: لن تكون لك وإن قتلت نفسك فلا تتعب تلك النفس في مثل هذه الترهات، وعندما قلت لها بأني سأترك القرية ولن تراني أتعلم ماقالت لي؟ ....
كان يامن يتحدث والدموع تملئ عينيه فهذا حديثه الدائم مع نفسه ولكن ولأول مرة يعلو صوته به أمام أحدٍ ما.....
سأل ثم أجاب نفسه والهيثم يصغي له بتركيز واهتمام فيبدو عليه أن جرحه لم يشفى بعد: قالت لي: أرض الله واسعة اذهب ولا تعد فلن يغير ذالك شيء
ليس للأمور أن تسيير إلا كما خططت لها ومن يتعارض مع قراراتي فلتبتلعه الجحيم لا يهمني
ولهذا كتبت لك في تلك الورقة توضيحاً بسيطاً عن ماحدث معي، صمت يامن ثم رفع زيتونية عينيه ليلتقيا مع ليل عينا الهيثم القاتم ثم قال: أنا آسف على هذا الحديث أعلم بأني أرتكب خطأً عظيم في حديثي عن زوجتك بهذه الطريقة ولكني أتكلم عن شيءٍ مضى منذ سنوات وأنا الآن، قطع حديثه صوت الهيثم عندما قال: أنت تتكلم عن ابنة عمنا فقط ولم تكن ليوم زوجتي
صدمة لم يتوقع يامن سماعها فماذا جرى، وكيف حدث هذا، وهل لهذا سبب في مجيئ الهيثم إلى هذه المدينة، وماذا قد تكون فعلة والدته بطفلها المدلل بعد أن أعصى أوامرها، هذا وأكثر من الأسئلة التي خطرت على بال يامن قبل أن يبدئ الهيثم سرد ماحدث منذ أن غادر يامن وحتى لحظتهم تلك..........
༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻
ولأول مرة منذ تأسيس هذه الشركة ينعقد بينهم اجتماع وأحد المقاعد فارغ كان لهذا أثر في نفوس كل منهم
بعد أن مرَّ أسبوع والجميع في حداد على مُصاب صديقهم لم يتمكنوا من العمل على أي صفقة ولكن حان الوقت ليعودوا إلى عملهم فهناك الكثير من الأشخاص لا ذنب لها قد تعطلت أشغالها لفترة طويلة لهذا طلب الآسر عقد هذا الاجتماع وبدئه بكلماتٍ مختصرة وكأنه جُبر على العمل بوقتٍ لا يمكن له التفكير سوى بصديقه فشعوره ببعض الذنب كان يصيب قلبه بالقلق الدائم يظن أنه من كان يجب عليه أجبار خالد على المكوث في المنزل عند مرض زوجته وعدم السماح له بالعمل مهما حدث.
كان الفهد يراقب تعابير الآسر فعلم ما تكنه نفس لهذا رفع يده إلى كتف صديقه ليضغط عليه بخفة ليخفف من توتره الظاهر ثم قال: هون عليك فهذا القضاء والقدر وما كان عليك أن تفعل أكثر من الذي فعلته
رفع الآسر رمادية عينه نحو صديقه وكاد أن يجيبه لولا دلوف الخالد إلى المكتب وهو يقول: عذراً على التأخير لكنها عادتي المحببة ولا أستطيع التخلي عنها
نظر كل من آسر وفهد وقاسم إلى بعضهم البعض فآخر ما كانوا يتوقعوه هو عودة خالد للعمل بهذه السرعة ولكنه قطع نظراتهم بقوله: هناك خبرٌ لا أظن بأنه سيعجب أي منكم
_أومئ الآسر له بأن يكمل فأكمل بقول: الأرض التي اعتمدناها لإكمال أرض المشروع الجديد قد بيعت وانتقلت لاسم مالكة جديدة
_ وكيف علمت، قالها القاسم مستغرباً ليرد عليه خالد : برأيّ يا صديقي عليك أن تفكر في الحل لا أن تبحث عن مصدر معلوماتي، قال كلماته وهو يبتسم كعادته عندما يحاول اشعال فتيل قنبلة المشاكسات بينه وبين القاسم وهذا أكثر ما ثار دهشتهم هل هو فعلاً تخطى فاجعة موت زوجته وطفله أم أنه تحت تأثير الصدمة حتى الآن جميعهم أثروا في نفسهم الجواب ذاته فخالد ليس طبيعياً رغم أنه يبدو كذالك وماأكد ذالك جوابه عندما رد عليه القاسم بقول: وماعملك أنت لماذا لم تجد الحل
أجابه خالد ليصدم الجميع معاً: لم يكن لدي الكثير من الوقت يكفي أني أحضرت لك رقم المحامية التي انهت معاملة البيع أما أنا فيجب أن انصرف في الحال لأن منى طلبت مني أن لا أتأخر وأنا كما تعلمون لا أستطيع أن أرفض لها طلباً، قال كلماته ثم وقف منصرفاً بعد أن قدم المصنف للقاسم الذي كان يحوي على المعلومات الكاملة بما يخص تلك الأرض
نظر الآسر نحو الباب الذي خرج منه صديقه متتبع أثره بعينيه لم يطل الوقت حتى فقد أعصابه ورمى جميع الأوراق على الأرض وهو يقول لقد فقد عقله فقد عقله رباه ماذا عليَّ أن أفعل من أجله
_اسرع قاسم إليه وهو يحاول تهدئته بقول: هوّن عليك يا أخي ربما أيام وسيتقبل الحقيقة رغم قساوتها ولكن حتى ذالك اليوم يجب علينا أن نتماسك لنمده بالقوة ونعينه على الصبر فمصابه ليس بالهيّن فجميعنا نعلم كم كان يعشقها
_وهذا ما يقتلني أنني أعلم كم يعشقها وكم قضى من السنين وهو يطلبها من الله ولهذا أيضاً لم أستطيع تخيل كم الآلام التي صُبت على نابضه عندما فقدها
_اقترب الفهد قليلاً منه رغم أن حال قلبه لايفرق كثيراً عن حال قلب من أمامه ولكنه تحامل على نفسه وقال: أهدئ ياآسر فالله أرحم به مني ومنك وارحم من أن يُنزل المصيبة قبل أن يُنزل الصبر ويهيئ قلوبنا لها فقولنا هذ ما هو إلا تزمر من قضاء الله
_ رفع الآسر كفيه عقب ماسمع ليغطي بهما وجهه ثم ردد الاستغفار عدة مرات ودموعه تسيل خلف كفيه، مرَّ وقت ليس بقليل قبل أن يفرج عن عينيه ويملئ رئتيه بالهواء البارد ليردد بصوتٍ مسموع لاحول ولا قوة إلا بالله حسبي الله ونعم الوكيل عليه توكلت وبه استعين
ساد الصمت بينهم حتى قطعه صوت القاسم وهو يهمُّ لجمع الأوراق التي تناثرت في كل مكان: اللهم أعني على ما بليتني فكل ذنبي هو أني صديقٌ لحفنةٌ من المجانين
لم يطل الوقت حتى جمع كل الأوراق المتناثرة وانصرف لمكتبه لينصرف خلف الفهد عائداً إلى عمله هو الآخر تاركا الآسر شارداً في تفاصيل تلك اللوحة التي انسته كل ماكان يفكر به فتلك اللوحة كالسحر فعندما يشرد بكم الأمان التي تبثه تلك الأم لطفلها وسط الأمواج الهائجة ينسى حتى اسمه.
............
༺༺༺༺༺༺༻༻༻༻
1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.