heebbaa

شارك على مواقع التواصل

الفصل التاسع

انتهت رؤى من تجهيز نفسها بمساعدة وصال التي نالت عناية طبية كافية لتقف من جديد على قدمها المصابة ولكن بصعوبة نوعاً ما فرغم أصابتها تلك إلا أن حالها أحسن من حال رؤى لهذا قررت أن تساعدها كنوع من التكفير عن ذنبها ....

ابتسمت لها رؤى بعد أن انتهت من ارتداء الملابس التي أبتاعها يامن لها من المتجر القريب من المركز الطبي وقالت: شكراً لكِ لن أنسى معروفكِ معي فلولاكِ لا أعلم ما الذي كان سيجري لي في ذلك المكان العفن

نظرت وصال إلى رؤى بتعجب سرعان ماامتلئة عيناها بدموعٍ غزيرة لتجري على خديها الناعمين ما دعى رؤى لرفع كفيها ومسح تلك الدموع لتقول الأخرى: أي معروفٍ هذا بعد الذي فعلته بكِ

رسمت رؤى ابتسامة متعبة على ثغرها وقالت: أجمل ما قد مرّ في هذا المأزق أني تعرفت على صديقة مثلك يمكنني الوثوق بها فيكفيني أنكِ لم تخذليني عندما وثقت بكِ لهذا أرجوكِ كفي عن تذكر الجزء السلبي مما حصل فأنا الآن متشوقة لرؤية خالتي أم مالك أظن أنها افتقدتني كما افتقدتها ، أكملت رؤى كلماتها وهي تحث صديقتها على السير نحو الباب لتخبر الآسر بأنها تجهزت للمضي نحو مدينة محبوبة قلبها السيدة أم مالك كما أنها متشوقةٌ جداً لرؤية والدتها التي حرمت منها ظلماً كل تلك الأعوام

*************************************************

انطلق مسرعا ًنحو الشركة بعد أن أوصل السيدة أم مالك إلى منزلها واطمئن عليها بأنها تناولت دوائها وجلست في مكانها المفضل أمام زهورها المتنوعة لتقرء القرآن بعد أن كتبت للقاسم أسماء الوجبات المفضلة لدى رؤى ليطلبها لها كما وعدها .كان يتمنى لو أنه يستطيع أن يبقى معها أكثر فعينيها الدافئتين بالحنين يبثان الراحة إلى قلبه المتصحر من جفاف مشاعر عائلته المتفككة ففي الظاهر فقط هم عائلة أما الحقيقة كل منهم يعيش حياة منفصلة عن الأخر فلا حنان أم أمام الموضة والسهرات ولا عطف أبٍ أمام العمل والسفر المستمر فيالا تعاسة حظه الذي جعله واحداً من أفراد هذه العائلة ......

قطع حديثه مع نفسه عندما وصل إلى باب الشركة ليركن سيارته في مكانها المخصص ويتجه مسرعاً إلى مكتب الفهد بعد أن اتصل بخالد ليأتي هو الأخر ويقص عليهما كل ما حدث بالتفصيل ................

******************************************************************************

مضى وقت ليس بالقليل والآسر يقود سيارته بأسرع ما يمكن ليصلوا نحو وجهتهم قبل غياب الشمس وفي هذا الوقت كان كل منهم يعيش بعالمه الخاص متخبطٌ بين أفكاره وكان أكثرهم تشتتاً الآن هو يامن الذي يعيش حالة من فقدان التوازن فما مر عليه في الأيام الماضية صعبٌ جداً وأصعبه قول التي يحسبها والدته عندما قالت له:ياابن عمير فهل هو فعلاً ابن عمير أم كانت تثير غضبه فقط أو تشبهه بعمه كما يفعل الجميع ولا تقصد النسب كما فهم هو هل كل حياته عبارة عن كذبة أم هناك خطأ ما هل هو ابن حلال أم ......... مسح وجهه بعنف قبل أن يكمل عقله تسائله الأخير مما جعل الآسر ينتبه لحاله الغير طبيعي فانعطف بسيارته نحو أول استراحة ودعا الجميع للتوجه إليها ليأخذوا قليلاً من الراحة قبل أن يكملوا طريقهم من جديد .

تحاملت رؤى على نفسها لتهبط من السيارة بمساعدة يامن لترافق وصال إلى الاستراحة بخطواتٍ بطيئة بسبب شدّة ألامها

استغل الآسر ابتعاد الفتاتين عنهما ووضع يده على كتف يامن ثم قال كنا صديقين حميمين في الماضي ابتسم يامن

_لتذكره أيام طفولته ورد بعد أن رسم على ثغره ابتسامة مجاملة بالطبع كنت صديقي الوحيد تقريباً

_ابتسم الآسر لدنوه من هدفه الأساسي وهو التقرب من يامن ليبوح له بما يثقل قلبه لهذه الدرجة فهو على ثقة بأن هناك شيئاً لا يعلمه قد حدث معه فقال له: يمكنني سماعك بإصغاء إن أحببت البوح لي

_ابتسم يامن وقال بدون مقدمات: قالت لي ياابن عمير لا أعلم إن كانت تقصدها فعلاً أم هو تشبيهٌ مجازي فقط

أعاد الآسر الكلمات ببطء: يا ابن عمير ...........

ما أعلمه أن لدى عمتي فتاة واحدة فقط ولكن رزقت قبلها بمولود توفى يوم ولادته حتى أنها لم تراه قبل وفاته ولكنهم أخبروها بأنه أبصر الحياة وهو مريضٌ للغاية ثم توفى هذا ما أذكره من تلك القصة فقد روتها لي منذ زمنٍ بعيد .....،

كان الآسر يتكلم وكأنه يكلم نفسه ولكن لم يكد يكمل حديثه حتى اقتربتا الفتاتان منهما من جديد فقال ليامن بصوتٍ منخفض دعنا نكمل حديثنا فيما بعد قال كلماته ثم توجه

نحو سيارته وخلفه يسير كل من الحائر والحالمة والنادمة فلكل منهم بحرُ أفكارٍ يغوص به كما يشاء..........

**************************************************

أطالت الجلوس في غرفتها فقد اقترب النهار من نهايته وهي لم تغادر غرفتها مما أثار استغراب ابنتها شيماء التي أتت لرؤيتها منذ الصباح مما دعاها لتكسر قوانين والدتها وتطرق عليها باب غرفتها تطلب الأذن للدخول إليها ولكن لم يأتها الرد فعادت إلى مجلسها وانتظرت لم يطول الوقت بعدها كثيراً حتى فُتح ذلك الباب وطلت من خلفه بهيبتها المعتادة اقتربت منها شيماء والقت عليها التحية لترد الأخرى كعادتها وكأن شيئاً لم يحدث معها ولكنها تفاجأت بعد ثواني قليلة بالحقائب والأمتعة التي تملئ سيارة ابنها حازم الذي هبط الدرج مع زوجته وأولاده وزوجة أخيه أحمد وأولاده وبيد كل منهم حقيبة تحمل أشياءه الخاصة فنظرة لهم نظرة توحي بالسؤال عن ما يحدث

فأمر حازم الجميع أن يسبقوه إلى السيارة ثم وقف أمام والدته بانكسار وقال: اضطررنا للانتقال إلى العاصمة لنوفر عملاً مناسب لنا ولنكون بالقرب من الهيثم فهو الآن بحاجة لنا ....،
قاطعته شيماء بقول: وما عمل النساء والأولاد لتأخذهم معك إلى العاصمة يمكنك تركهم هنا والذهاب وحدك

نظر حازم إلى والدته نظرة ذات مغزى وعينيه تمتلئ بالدموع الحبيسة دون أن تهطل وقال: فكّرة في هذا من قبل ولكني لن أستطيع العيش بعيداً عنهم فهم قطعة من قلبي فلا يمكنني تركهم

فهمت أم حازم قصد ولدها جيداً فهو يريد أن يبعد ليحمي عائلته منها

لكن شيماء تعجبت من رده كما تعجبت أكثر من صمت والدتها المطبق التي تركته وسارت نحو المجلس وكأن شيئاً لم يكن فودعت شقيقها الأكبر وتمنت له السعادة والعودة برفقة الهيثم من جديد فلن تستطيع أن تتدخل أكثر طالما والدتها لم تعلق ...........

*****************************************

رُسمت الدهشة على وجه كل من خالد والفهد مما يسمعان من أخبار فانتفض الفهد وقال بعصبية مفرطة كيف له أن يذهب وحده ألم يحسب للخطر الذي يمكن أن يكون متربص به في تلك المنطقة

_أتخاف على الآسر ...، قالها القاسم ليكمل: وهو أكثرنا حذراً في كل شيء لم يكن في حياته متهوراً لو لم يكن يعلم جيداً إلى أين هو ذاهب لما فعل ولا تنسى أيضاً أنه قضى طفولته في تلك القرية

_ لم أعد أعلم من منكم المتسرع ومن العاقل ومن المجنون ...، قال الفهد كلماته تلك وهو يضرب كفاً على كف ثم نظر لخالد ليقول: ماذا بك صامتٌ هكذا وكأن الأمر لا يعنيك

_ رد الخالد بهدوء: لا بل يعنيني وبشدّة أيضاً لكني أثق بالآسر فوق ما تتخيل إن كان هو من قرر الذهاب وحده فهذا الذي كان يجب أن يحدث ولو قرر غير ذلك لكان الصواب أيضاً

_ نظر الفهد إليه بنظرة يئس وقال: إنني الآن وفي هذه اللحظة أحسد نفسي عليكم جميعاً المعتوه والمجنون والمختل فهل يمكن لأحدكم أن يقول لي كيف لا أحسد نفسي على هذه النعم كلها

حبس القاسم أنفاسه كي لا ينفجر ضاحكاً على هيئة الفهد الذي لاحت على وجهه علامات الجنون ولكنه سرعان ما نظر للخالد ليجد وجه الآخر مالا للون الأحمر أثر حبسه لأنفاسه أيضاً فماأن التقت عيناهما حتى انفجرا ضاحكين

وهنا لم يكن من الفهد سوى أنه ألتقط كل ما طالته يداه ليقذفه عليهما وهما يجريان خارجين من باب المكتب ليذهب كل منهما إلى مكتبه فماأن وصل القاسم إلى مكتبه حتى صدح محموله الخاص برنينه العالي معلن عن مكالمة من والدته فضرب على رأسه بكف يده عندما وجد الساعة قد تخطت الخامسة فرد مسرعاً: سأصل بعد قليل اعذريني على هذا التأخير

_لم تجيبه سوى بكلمتين: أنا بانتظارك

انهت كلماته مع انهاء المكالمة ليجري القاسم بعدها نحو منزل عائلته كي لا يتأخر أكثر ............

***************************************************

توقفت أخيراً سيارة الآسر أمام منزل أم مالك ليهبطوا منها جميعاً

كانت السعادة ظاهرة على وجه رؤى رغم آلام جسدها المتفرقة فماأن وصلوا إلى باب المنزل حتى فتحته أم مالك وكأنها تنتظرهم خلفه، اسرعت رؤى لاحتضانها وكأنها غائبة منذ شهور، كان موقفاً لا تصفه سوى دموع أم مالك التي اختلطت بدموع رؤى وكأنهن أمٌ التقت بابنتها بعد طول غياب

انتبهت أم مالك بعد وقت ليس بقليل للواقفين خلف رؤى والتعب الظاهر على وجوههم فحاولت أن تتدارك الأمر
_بقولها: الحمد لله على سلامتكم جميعاً أعذروني ولكن رؤيتي لصغيرتي أعمت بصري عن سواها، قالت كلماتها وهي تشير لهم بيدها نحو الداخل لتكمل: أهلاً وسهلاً تفضلوا

دخلوا جميعاً بعد أن ردوا تحيتها ولكن سرعان ما توقفت رؤى مكانها كالصنم عندما تفاجأت برؤية والدتها تقف أمامها فلم تكن تتوقع بأنها ستجدها هنا ولكن لأم مالك والقاسم رأيٌ أخر فماأن علمت أم مالك بخبر قدوم رؤى حتى طلبت من القاسم أن يتواصل مع السيدة فتون وأخبارها بأن تحضر إلى بيتها لتلتقي بابنتها الوحيدة التي بكتها ليالي كثيرة لم تكن تحصي عددها

في هذه اللحظات لم تكن رؤى قادرة على الحركة فقد كانت تخطط بأن تذهب هي لمقابلة والدتها لا أن تجدها أمامها فجأة من دون أن تهيئ نفسها لهذا اللقاء فما كان منها أي ردة فعل سوى أنها وقفت تنظر لعيني والدتها وتقارن بين ملامحها قديماً والآن إلى أن فقدت القدرة على التركيز بنظرها من شدة الدموع فأغمضت عيناها لتشعر بعد ثواني قليلة بكفٍ ناعمٍ يمسح دموعها بلطفٍ وكأنه جمع حنان ودفئ الكون بأكمله ففتحت عيناها لترتمي بأحضان والدتها ترتوي من نبع حنانها لتعوض ما قد فاتها طيلة السنوات الماضية كان الجميع متأثر جداً فحالهما يصعب على قلب الكافر ولكن سرعان ما قرر الآسر أن يغير الأجواء قليلاً خوفاً على قلب عمته الذي ابتُليا بالضعف من شدة الحزن على زوجها وأولادها قال مازحاً: يالا هذا الزمان فمن رأى أحبابه نسيَّ أصحابه أهٍ أه هكذا هي الدنيا

_نظرة إليه السيدة فتون بتعجب وقالت: ألمثلك أن يقول لمثلي هذا الكلام

_ الم تري نفسك غارقة بأحضان تلك الفتاة دون أن تقولي لي كلمة واحدة فقط، قالها الأسر وهو يسير نحو الكنب ليجلس مدعي الحزن

_ تلك الفتاة أعادتها رؤى تحت أنفاسها لتقول بصوتٍ واضح :أهذه غيرةٌ أم ماذا

_نظر أليها يامن متعجب من شخصيتها الجديدة التي لم يعهدها بها يوماً أما الآسر فقال: يمكنك اعتبارها هكذا

_ضحكت السيدة فتون ثم اقتربت منه بعد أن ساعدة رؤى على الجلوس  لتقول وهل لقلبي الضعيف هذا أن يحتمل حزن الآسر

انهارت حصونه سريعاً أمام كلماتها فاحتضنها وقال بسعادةٍ تملأ صوته اشتقت لكِ جميلتي

_أما زلت مصرٌ أن تناديني بهذا اللقب أين هذا الجمال الذي تدّعيه

رد يامن هذه المرة سبق لسان الآسر عندما قال: بغض النظر عن جمالك الخارجي لديكِ جمال روحٍ أخاذ يحق له أن يأسر الآسر ومن سواه

ابتسمت بخجل ثم شكرت يامن على كلامه المحبب إلى قلبها فمنذ أن كان فتى صغير وهي تشعر بمحبته تملأ قلبها

في هذه الأثناء دعت أم مالك الجميع للجلوس ليبدئ بينهم حديثٌ مليء بروح المرح يتجاذب طرفيه كل من الآسر ويامن فكلاهما يمتلكان حساً فكاهي لطيفٌ جداً .............

***************************************************

في مكان آخر جلس القاسم أمام والدته بعد أن سلم عليها سلاماً يليق بغيبته فقالت: في كل مرة تطيل غيبتك أكثر من المرة التي قبلها فمنذ أن قررت الإقامة في منزلك الخاص وأنت منعزل كلياً لاتهم لسهراتنا ولا للدعوات التي يقيمها والدك ولا حتى تعطي أي اهتمام لمظهرنا الاجتماعي أمام الناس عندما ترفض الحضور لحفل قد أقامه والدك أو والدتك فهل يمكن لك أن تقول لي ماالذي يجب علينا فعله لإرضاء غرورك هذا

كان القاسم صامتاً مستمعاً لحديث والدته باحترام شديد رغم أنه على يقين بأن جوابه لن يعجبها لكنه تنهد ثم
_ قال: عذراً أماه أعلم بأني مشغولٌ جداً هذه الفترة ولكن........، قاطعته قبل أن يكمل كلامه بقولها: هذا ليس عذراً يقبل

_ حاول الهروب من الإجابة الحقيقية لكنها لم تترك له المجال فقرر أن يجيبها بصدق : أماه أنا لا أطيل غيبتي سوى لأنني سمئت المجيء إلى هذا البيت والانتظار لساعاتٍ طويلة دون أن أراكِ أو أرى والدي فكلٍ منكما مشغولٌ بحياته الخاصة أما عن الحفلات والدعوات فإنها لا تروق لي فكما تعلمين لاأحب مثل تلك الأجواء فلا يمكنني الخروج من المسجد إلى مثل تلك الاجتماعات التي تضطرني لملاطفة الفتيات ومجاملة بعض الناس كاذباً فكل تلك ذنوب لايمكنني حملها في عنقي يوم القيامة

_ ضربت كفاً على كف وهي تقول هذا أنت وهذا ماعلمك أياه أصدقاءك الساذجين على كلٍ لن أدخل معك في هذا النقاش الأن فالدي ماهو أهم قالت كلماتها ثم ثبتت نظرها نحوه لتقول غداً زفاف ابن صديق والدك أبو سالم القادري وأنت تعلم من هو أبو سالم وما مركزه في المجتمع

_ نعم أمي أعلم جيداً من هو أبو سالم ولكن ماهو المطلوب مني

_المطلوب واضح جداً يجب عليك أن تلبي الدعوة التي أتت باسمك

_ هذا مفهوم ولكن ماعلاقة تلبيتي للدعوى بمركز أبو سالم الاجتماعي

_سأشرح لك رغم أنني متأكدة أنك تفهم قصدي جيداً ولكن لاضرر في أن أعيد عليك مرة ثانية وثالثة

_حك القاسم اسفل ذقنه ليخفي ابتسامه  كادت أن تظهر لولا أن أدركها في أخر لحظة ثم قال : تفضلي أماه فأنا جاهز لتلقي أوامرك

_ ماشاء الله ليتك شاطرٌ في التنفيذ كما الكلام قالت كلماتها ثم عاودة رسم قناع الجد على محياها وقالت : أريد منك أن تلبي الدعوة وتتقرب من ابنته الوسطى فهي جميلةٌ وأنيقة ولها من شخصية أباها نصيبٌ كبير كما أنني قررت خطبتها لك ولكني أجلت موضوع الخطبة قليلاً إلى أن تلتقيان لأضمن موافقتها فأعلم أن لدي شابٌ مميزٌ لا يمكن لفتاة أن ترفضه مهما كان وضعها الاجتماعي

ابتسم القاسم بل ضحك فهذه المرة لم يستطيع أن يضبط نفسه مما أغاظ والدته ولكنها اخفت غيظها وراء ابتسامة ليقول لها القاسم: أنت تضمنين موافقتها ولكنك لن تضمنين موافقتي فأنا لن أتزوج لتحقيق أي مصلحة عندما أقرر الزواج سأختار من يدق لها قلبي لا من يزيد بها رصيدي البنكي فأنا لست بحاجة لسلعة بل بحاجة لزوجة صالحة لأكمل معها حياتي

_ قل الآن ماتشاء ولكن أعلم أنك لاتملك خيار الرفض غداً سترافقنا إلى الحفل وستتم خطبتك على نيرمين بعدها وهذا أخر كلام عندي أرجو أن تكون قد فهمت وألا سيكون حسابي معك عسيرٌ جداً أيها الفتى العنيد

قالت كلماتها بعصبية مفرطة ثم انطلقت نحو غرفتها دون أن تسمع منه أي كلمة أما هو بقى كما هو فقد أعتاد على هذه المعاملة منذ صغره يتلقى الأوامر ثم ينفذ بدون اعتراض حتى وإن كان الظاهر غير ذلك فهو يهمه جداً رضا والديه تنهد بقوة ثم توجه لخارج المنزل ليعود إلى منزله الصغير الذي أختاره ليكون ملجأ له بعيداً عن حياة المظاهر التي كان يعيش بها في هذا المنزل الكبير ...............

********************************************************

قاد سيارته مبتعد عن المنزل الذي تربى به وكبر وهو لا يعلم إلى أين سيذهب وأين وكيف سيعيش فعقله مشتت بين خطايا أمه وغربة والده التي علم سببها الآن بعد كل تلك السنين كما أنه لا يعلم أي حياة تنتظر عائلته بعد أن أصبح بلا مأوى وبلا مال أيضاً ،هنا في هذه اللحظات علا محموله برنين قطع أفكاره ليظهر على شاشته اسم شقيقه أحمد فأجابه بصوتٍ باهتٍ

_أهلا أحمد

_ كيف حالك أخي

_ الحمد لله على كل حال

_ أحببت أن أخبرك بأني كلمت يامن ليساعدني بالعثور على منزلٍ للإجار ولكنه أصر عندما علم بقدومكم أن نبيت بمنزله إلى أن يشاء الله ونعثر على عملٍ مناسب كما أنه وعدني بأن يخبر أصدقائه المهندسين لكي يأمنوا لنا سكنناً مناسب فيما بعد

_ حسناً هذا جيد الآن

قال كلماته ثم أنهى المكالمة مع شقيقه ليردد في نفسه

قول الله تعالى: ((ومن يتقِ الله يجعل لّه مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب))

********************************************************

في جلسةٍ عائلية بحت أنتهو جميعهم من تناول الطعام واستأذنت وصال منهم لكي تعود إلى منزلها بعد أن ودّعت رؤى وشكرتها على اللطف الذي غمرتها به ......

والآن قد حان وقت الحديث عن كل ماحدث صحيح أن الجميع كانوا منهكين بسبب السفر الطويل ولكن هناك أمور لا تُأجل .بدئت السيدة فتون حديثها الموجه لابنتها الغالية على قلبها : حبيبتي أعلم أنكِ متعبة ولكن يجب أن نتحدث قليلاً

_رسمت رؤى ابتسامة عريضة على وجهها ثم قالت : لا لست متعبة فمنذ أن رأيتك أنتِ وخالتي أم مالك نسيت آلامي ولم أعد أشعر بأي تعب وكأنه سحرٌ ما قد سرى على جسدي

لم يكن لدى السيدة فتون ماتقوله لصغيرتها التي نضجت إلى هذا الحد بعيداً عنها ولكنها ضمتها إلى صدرها وهي

_تقول : لاأحد يعلم سوى الله كم أنا سعيدة الآن برؤيتك وكم كنت أعاني في غيابك المرير كمر العلقم على قلبي

_نظرة رؤى إلى عيني والدتها وقالت : فلننسى الماضي أرجوكِ لاأريد أن أتذكر ماقد جرى فيه مجرد ذكراه يؤلم قلبي يكفني أنني علمت الحقيقة كاملة وعلمت بأنك لم تتركيني بمحض أرادتكِ كما كانو يقولوا لي دائماً

_وهل لعاقلٍ أن يترك فتاة مثلك بمحض أرادته ،

هنا صدح صوت يامن ليقطع حديثهما دون مقدمات : هل كان لكِ طفل غير رؤى

تفاجئ الجميع من سؤاله عدا الآسر الذي عذره لمعرفته بما يشغل باله

_ردت السيدة فتون بهدوء : نعم رزقت بطفلٍ قبل أن أُرزق برؤى بخمس سنوات ولكنه توفى فور ولادته

_ كيف توفى

_لا أعلم ولكن يومها كان يوجد في القرية قابلة واحدة وكانت ويومها صدفة يوم ولادة أمك بك قالوا لي أن ولادتها متعسرة وأخذت القابلة وقتٌ طويل جداً حتى أتت ألي مما أدى لاختناق طفلي قبل أن يبصر النور ، تنهدت السيدة فتون ثم أكملت كان ذلك اليوم عسيرٌ جداً ولكن ماالذي دعاك لهذا السؤال

_ سمعت من أحدهم هذا فأحببت أن أتأكد نظر إليه الآسر نظرة أستغراب ولكنه لم يعلق

_أما رؤى فقد عدلة جلستها وقالت : دعونا الآن من الماضي علينا أن نتصرف في موضوع الأوراق التي أجبرتي على توقيعها زوجة عمي

_بماأنك وقعتها وأضفتي بصمتك لا أظن أنه يمكننا فعل شيء ،هذا ماقالته السيدة أم مالك

_خالتي الأوراق التي وقعتها تحمل تاريخ   بداية الشهر القادم يعني عندما يصبح عمري ثمانية عشر عاماً كاملة فإن بعتُ ماأملك الآن للآسر بموافقة الواصية الشرعية عليِ وهي أمي فلا فائدة من الأوراق التي وقعتها في الأمس لأنني لايمكنني البيع مرتين خلال شهر واحد

_توسعت عينا الآسر ثم قال : ولماذا أنا

_نظرة إليه لتلتقي عيناها بعينيه مباشرة ولأول مرة فتملك الحياء من نظرته المليئة بقصص الغرام فمن كالآسر يعرف الحب والوفاء ومن كارؤى تجيد قراءة عينيه بإتقان ، مرّة تلك الثواني بأعجوبة بينما استعادة ثباتها ثم قالت بصوت جاهدت أن يكون طبيعي : لأنك الأنسب

فخياراتي متمحورة حول يامن وأنت وخالتي أم مالك ولكن يامن ابنها وممكن أن تضغط عليه بأسلوبٍ ما، مثل أخوته أو أولادهم أما خالتي أم مالك فإنني أخاف عليها من مكر تلك الامرأة فأنا لاأضمن أن تتعرض لها بأسلوبٍ ما لأجل التنازل أما أنت الوحيد الذي لاتعلم عنك شيئاً لامكان أقامتك ولاحتى مكان عملك

_ابتسم الآسر لذكاء تلك الطفلة التي قضت طريق العودة شاردة تفكر بما يجب عليها فعله ثم قال : وهذا يعني بأنكِ ستأتي للإقامة معنا أنت والسيدة أم مالك

نظرة رؤى للسيدة أم مالك تنتظر أي أشاره منها ولكن أم مالك بقيت ساكنة فقط تنظر لها بابتسامتها المعتادة فتلخبطت رؤى قليلاً ولكنها أعادة نظرها نحوه مجدداً

_وقالت : إن قبلت خالتي لايوجد لدي مانع
وإن رفضت لن أتركها بمفردها أبداً

_ يبدو أنكِ تستحقين كل ذلك الحب الذي تكنه لكِ السيدة أم مالك

_ وكيف لاتستحقه قالتها أم مالك لتكمل كيف لا هي التي عوضتني عن كل أحبابي الذين فقدتهم لأسبابٍ متفرق عبر هذه السنين الطويلة التي تراكمت لتصبح عمراً كاملاً

_ وهذا يعني بأنك موافقة ...،قالتها السيدة فتون

_لترد عليها: نعم رغم أنني لم أعتاد مفارقة بيتي وأزهاري إلا أني لن أغامر برؤى مرة أخرى سأفعل كل ماهو مناسب لحمايتها

_ إذاً سننتظركم أنا ويامن في الأسفل إلى أن تجمعوا بعض أغراضكم المهمة قالها الآسر ثم انطلق برفقة يامن نحو باب المنزل

_ لن نتأخر إن شاء الله قالتها أم مالك وهي تهم بالوقوف لتتجه إلى غرفتها ولكن سبقتها رؤى وقالت خالتي ابقي هنا مع أمي أنا سأتكفل بجمع الأغراض ، كادت أم مالك أن تعترض بسبب التعب الظاهر على رؤى لولا أن الأخرى أصرت أن تقوم هيا بجمع احتياجاتهما فسلمت أم مالك للأمر الواقع وجلست مقابل السيدة فتون تتجاذب معها أطراف الحديث بعد أن انطلقا الشابان نحو الأسفل كما قال الآسر فهو قصد أن يختلي بيامن ليسأله عن مايفكر به بعد أن أخفى عن عمته ماقالته أم حازم فهو يظن أن هناك أمراً ما يدور في رأس يامن وماأكد له ذلك الطريقة التي سأل فيها السيدة فتون

_ ابتسم يامن قبل أن يجيب على تساؤلات الآسر ثم قال : نعم أخفيت عنها الأمر إلى أن أتأكد فيكفيها ماعانته بسبب الفقدان لن أزرع بقلبها أملٌ كاذب بعودة أبنها بعد كل تلك السنين وتُظهر بعدها التحاليل عكس ذلك لهذا سألجئ أولاً لتحليل ال DNA ثم سأفعل ماهو مناسب

_صراحةً أني اتفق معك بالرأي هذه المرة

_هذه المرة فقط

_نعم فأنا لا أحكم على المستقبل حتى يصبح حاضراً

_ يالا حكمك اللامتناهية كم أنت مثقف يا صاح

_ضحك الآسر بغرور لينظر له يامن بطرف عينه ثم ينفجرا ضاحكين متجاهلين أوجاع قلوبهم

فيالهم من ملوكٍ تربعوا على عرش زمانهم الذي ضيق عليهم كل السبل ومازالوا يملكون روح المرح كسلاحٍ فعال يتغلبوا به على الأزمات والصعاب ........

أما رؤى فما أن دخلت إلى الغرفة بعد أن تظاهرة بالقوة أمام والدتها وخالتها حتى خارت قواها من شدّة الآلام التي داهمتها بعد أن انتهى مفعول الأقراص المسكنة التي تناولتها أثناء طريق العودة فتحاملت على نفسها حتى أخرجت العلبة الحاوية على تلك الأقراص وتناولت قرصين منهما لكي تستطيع تكملت أظهار الثبات أمام من أفطر قلبها حزنهم الظاهر بسبب ماحدث لها............

*********************************

كان ماضي بين الدروب من غير وجهةٍ معينة فقط يلف شوارع المدينة حاملاً لخيباته المتكررة فكيف له أن يتزوج من فتاة لا يطيق النظر أليها فقط ليحقق بعض النجاح لوالده في عمله

ما هذا الذي يجري هل بعض الصفقات أهم من سعادته عند والديه، مرّة الدقائق والساعات وهو تائهٌ بين الأزقة لا يعلم إلى أين يجب أن يتجه لم يدري بنفسه إلا وهو في الشارع المؤدي إلى منزلها نعم ساقه قدره إلى منزل السيدة أم مالك ليتفاجأ بالآسر ويامن بجانب بناءها يبدوان وكأنهما ينتظران أحدهم فقدّر أنهما ينتظران السيدة فتون لعلمه بأنها أتت لاستقبال ابنتها، فركن سيارته بالقرب منهما وهبط منها ليلقي السلام عليهما ويطمئن على حالهما وحال رؤى

أتاه الرد من الآسر بأنهما بأحسن حال والفضل كله لله عزَّ وجل

_ثم قال القاسم موجه كلامه لصديق عمره: تأهب يا صديقي لمواجهة الفهد في الغد

_ لماذا ما الذي جرى

_ لا شيء يذكر فقط عندما سمع قصة ماحدث تحول لقسورة غالب لايستطيع أحد الوقوف أمامه

_ ماذا، قالها الآسر ثم نظر للسماء وقال رحمتك يا الله فهو من غير تحوّل كارثة كيف مع التحول

_ فليكن الله في عونك، قالها يامن ثم أضاف سأذهب الآن عليّ أن أجهّز المنزل فأخي حازم سيأتي اليوم هو وعائلته مع عائلة أحمد من القرية

_ لم تقل لي قبل الآن قالها الآسر بتعجب

_ ليرد يامن: لم تأتي فرصة مناسبة بعد، كلمني أحمد ليطلب مني مساعدته في أيجاد منزل للإجار لهم ولكني أصريت أن يأتوا إلى منزلي في البداية ومن ثم أبحث لهم عن منزل مناسب

_ أليس هناك شيءٌ غريب في تركهم للقرية في هذا التوقيت بالذات فكما رأينا أم حازم شبه منهارة على ما جرى لابنها الهيثم فكيف لهم أن يتركوها في هذه الحالة

_ كل مايجري في هذه الأيام غريب ومعقد لن تقف على هذا الأمر

قال يامن كلامه ثم انطلق نحو الشارع الرئيسي بعد أن ألقى تحية سريعة عليهما

أما قاسم فقد شرد في أخر كلمات ليامن رددها في نفسه ثم ابتسم ابتسامة يئس عندما تذكر أن الأبواب مغلقة والهموم مفرقة ولكن لن يخيب من قال يارب ............

**************************************************

دخل منزله وبيده باقة من الزهور المتنوع ذات تنسيق لطيف جداً جلس بتعب على أول أريكة ثم نظر للزهور التي مازالت بين يديه يتأملها تارة ويشتم رائحتها تارة أخرى ليعود بذاكرته إلى ماقبل عامٍ مضى

فلاش باك:

منى ...... منى أين أنتِ

_أنا هنا حبيبي في الشرفة  أعتني بأزهاري

_توجه خالد نحوها وهو يضحك على هيئتها فوجهها ويديها قد امتلأتا بالتراب الأحمر المخصص للزراعة حتى شعرها لم يدعه وشأنه بل عبث به هو الأخر ولكن كان أمامها أحواضاً منسقتاً بطريقة عبقرية فالورد الأحمر المتداخل مع الأزرق النادر المختلط بالبنفسجي قد شكلوا لوحةٌ فنية يعجز عن رسمها أمهر الرسامين

كان خالد يوزع نظراته بين الزهور الجميلة وحال زوجته المذري بسبب تلك الزهور ثم قال: ألا تستطيعين تنسيق تلك الأزهار من غير أن تسبحين بالتراب

_انتبهت الآن لنفسها فرسمت على وجهها ملامح الصدمة ولكن سرعان ماأخفتها بمهارة أنثى لاتقبل الهزيمة : لن تتذوق متعة الزراعة إن لم تغوص كالنباتات في التراب لتستشعر حنان التراب على التراب فلا تنسى بأننا منه وإليه

_ أممم ،قالها وهو يضع أصابعه أسفل ذقنه بطريقة توحي بأنه يفكر ثم قال وهو يقطع المسافة الفاصلة بينها بخطواتٍ بطيئة: فلسفة الرد هذه يجب أن تُدرس فعلياً

_ ومن قال لك ياحبيبي بأني لم أعلمها لأطفالي كما أني علمتهم زراعة وتنسيق الزهور

كانت تحكي بثقة كبيرة قبل أن يحملها ويسير بها نحو الحمام لينزلها هناك ويقول بعد أن أغلق الباب : لن تخرجي من هنا قبل أن تزيلي كل تلك الأتربة عن نفسك قال كلماته ثم توجه نحو الشرفة ليزيل الأتربة المتناثرة بكل مكان ولكنه توقف عند حوض الأزهار يتأمله ثم قال جمالكنّ يشفع لها.

الوقت الحاضر :

امتلأت عيناه بالدموع بعد أن احتضن باقة الأزهار التي قدمها له أطفال الميتم الذين تعلموا تنسيقها من معشوقة قلبه فرفع يديه إلى السماء يسأل الله أن يلهمه الصبر والسلوان لفراق محبوبته التي تركته وحده في منتصف الطريق فلا هو قادر على المضي قدماً ولا يستطيع الرجوع

كم هناك من حياةٌ أصعب وأقسى من الموت بحد ذاته .............

*******************************************

كان يحدّث الآسر باختصار عن الأحداث التي جرت أثناء غيابه عندما أتاه صوتها فارتعش قلبه وكأنه سمع صوتٌ قادم من الجنّة، ألتفت إليها بسرعة ورد سلامها بعد أن رُسمت ابتسامة عريضة على وجهه وكأنه لم يكن يسبح في أعماق كآبته منذ قليل

كانت أم مالك تتكئ قليلاً على يد السيدة فتون التي بدورها ألقت السلام على القاسم فهي تعتبره كولدها هو باقي أصدقاء الآسر فهم يشكلوا في نظرها سداً  منيع لبعضهم فلاأحد يستطيع العبث به أو الاقتراب منه .

نقل القاسم نظره للسيدة فتون ليرد سلامها هي الأخرى كما أنه ألقى التحية على رؤى التي كانت متأخرة عنهم قليلاً لترد التحية وهي تبحث بعينيها عن يامن لاحظ الآسر ذلك قبل أن يقول : انصرف يامن منذ قليل فقد قال أن عليه تجهيز منزله لاستقبال شقيقه وعائلته

_ شقيقه أعادتها رؤى لتكمل : عن أي شقيق تتحدث

_ شقيقه حازم

_رُسمت الصدمة على محياها وهي تقول وما الذي أتى بحازم في هذا الوقت هل جرى للهيثم مكروه

نظر لها مباشرةً لايعلم ماالذي حدث له إلا أن ناراً قد أوقدت في جسده ورعشةً قوية تملكته عندما استشعر اهتمامها بالسؤال عن حال الهيثم ياله من شعور فاق تحمله للحظات قبل أن يتمالك نفسه

_ويجيبها سبب مجيء حازم مجهولٌ إلى الآن اكتفى بتلك الكلمات للإجابة عن سؤالها فلم يستطيع لفظ اسم الهيثم على لسانه أو أن يطمئنها عنه فعلى مايبدو تذوّق الآسر طعم الغيرة لأول مرة في حياته ، فماأن انتهت كلمته الأخيرة حتى توجه نحو سيارته وخلفه توجهوا جميعاً إلا القاسم الذي سار للجهة المعاكسة نحو سيارته هو الأخر بعد أن ألقى تحية وداع سريعة على الجميع.............

**************************************

أول مرّة تحب ياقلبي وأول يوم أتهنى ياما على نار الحب قالوا لي ولقتها من الجنة أول مرة أول مرة .....، كان الفهد يتراقص وهو يردد كلمات تلك الأغنية لمعشوقة قلبه التي كانت تنعم قلبه بصوت ضحكتها بعد أن شاركته الرقص فقد كان سعيدٌ بل أسعد أنسان بعد أن ذهب للطبيب المتخصص بحالة ميرا المرضية ووصف له التغيّر الطارق على زوجته في الآونة الأخيرة فرد عليه الطبيب بقول: الحمد لله هاهي زوجتك تتماثل للشفاء بعد أن وصلت بمرضها لدرجة كان يصعب الشفاء منها ولكن عليك أن تحذر جيداً فهذه فترة حساسة جداً فبرّغم من الشفاء الظاهر على المريض إلا أن أي موقف محرج بالنسبة له ممكن أن يعيده إلى نقطة الصفر فعليك أنت وكل من يحتك بها الحذر الشديد في معاملتها وطمأنتها إلى أن نتأكد من شفاءها التام

_ اطمئن دكتور سأكون حذر جداً فقد تعبنا جداً حتى وصلنا إلى هذه النتيجة لا أحبذ الرجوع ولا خطوة إلى الوراء.....،

قطع شروده بكلام الطبيب عندما أتاه صوتها _المعشوق وهي تقول : مارأيك في أن تدعوني إلى العشاء بمناسبة سعادتك هذه التي لاأعلم سببها إلى الآن

_ أمممم وما رأيك أن تذهب لتجهزي نفسك قبل أن ألغي موافقتي فلديك عشر دقائق فقط

_فقططط ، قالتها وهي تركض نحو غرفتها لتختار من ملابسها مايليق بهذه الدعوة

وبالفعل لم يمر أكثر من العشرة دقائق عندما وقفت أمامه بكامل أناقتها فلفستانها الوردي مع حجابها الأف وايت المطرز بالون الوردي دورٌ كبيرٌ في زيادة جمالها الهادئ جمالاً لتظهر في النهاية أميرة على عرش الجمال والأناقة....،

وقف الفهد مقابل لها يتأملها وهو يمرر أصابع يده بين خصلات شعره ثم قال بعد أن سألته عن غلطٍ ما يراه في مظهرها: لماذا كل هذا الجمال فأنا أخاف عليكِ أن تصابين بالحسد فلهذا أود أن أتراجع عن تلك الموافقة المتسرعة

_ أنت جادٌ فيما تقول ..، قالتها وهي تقلب شفتيها بحزنٍ طفولي لم يستطيع امساك نفسه بعده فاانفجر ضاحكاً قبل أن يقول لها وهل وعدتك يوماً بشيء وأخلفت وعدي

_رفعت رأسها عدة مرات لتنفي بطريق أكثر طفولة من سابقتها فرفع كف يده يدعوها لتلتقطها بكف يدها لينطلقا سوياً خارجين من المنزل ليحقق لها طلبها وحتى وإن كان على حساب وقت راحته الجسدية .......

*****************************************

انتهى يامن من تجهيز منزله كما أنه جهز أنواعٌ مختلفة من الطعام داخل الثلاجة ثم ترك المنزل متجه نحو المستشفى ليرى الهيثم فلم يستطيع الراحة قبل أن يطمئن على حاله وهناك عندما وصل وجد أحمد يقف خلف الزجاج الفاصل بينهم وبين الهيثم شاردٌ به ودموعه تسيل على خديه بصمتٍ مطبق

رفع كفه على كتفه موسياً له فقال الأخر دون أن يحرك عيناه عن موضع الهيثم : أنه يفارقنا يايامن إن لم يكن اليوم فاالغد وأن لم يكن الغد فبعد غد أو اليوم الذي يليه أو الذي بعده لا أعلم في أي يوم ولكن ماأعلمه أن الهيثم لن يعود

سالت دموع يامن هو الأخر لتعلو من حلقه شهقةٌ نبهت أحمد ليقول : لا تبكي ياصغيري فلكل منا يوماً يجب أن يدفع فيه حساب أعماله والهيثم رغم كل صفاته الحسنة إلا أنه كان لسنوات اليد التي تبطش بها والدته فقد ظلم رؤى كثيراً عندما نفذ كل مايُطلب منه بدون تفكير ،أبتلع غصته ثم أكمل: كل مايحدث له عبارة عن ضميرٍ استيقظ متأخر فأهلك صاحبه ولو لم تتمرد رؤى على الظلم وتغادر في تلك الليلة لأستمر ضمير الهيثم في ثباته ولتطاول أكثر في أهانتها وتعذيبها لينتقم لكبريائه منها فقد كان يظن بأنها فضّلتك عنه وأقامت معك علاقة حبٍ قبل أن ترحل عن الديرة ...،

كان يامن متعجب من قدرة أحمد على الحديث بهذه الطريقة بدون أن يتكلف وكأنه ينطق بكلماتٍ بسيطة لا عن مصير شقيقه الأصغر .

انتبه احمد لتعجب يامن وقال بعد أن عاودت عيناه الدموع : هذا ليس كلامي بل كلامه هو كان يتصل بي في كل ليلة ويحكي لي الكثير عن مايحدث داخله في كل يومٍ يمضي بدون أن يجد رؤى حتى في يوم التقائكما هاتفني ليحكي لي عن مدى ندمه عندما علم أن مغادرتك بسبب والدته لا بسبب رؤى فيومها كان منهارٌ جداً

فقط كان يود أن تسمح له هذه الحياة بأن يعوض تلك الفتاة بأي شيء لكي تسامحه ولكن تلك المرأة التي لا أعلم لماذا تدعى والدتنا وقفت بطريق راحة قلبه من جديد عندما اختطفتها ليصبح بعدها بهذا الحال

اتكأ يامن برأسها على كتف أحمد وشهقاتها تتوالى ليقول بأحرفٍ متقطعة : قالت لي ياابن عمير

_التفت أحمد بجسده كامل نحوه ووضع كفيه على كتفيه يهزه بقوةٍ نوعا ما ثم قال : وهل أنت حزين لأنها ليست والدتك كم أنت أبله هذا خبرٌ يستحق الاحتفال فأنا ادفع نصف ماتبقى من عمري لأستيقظ ذات يوم وأحدٌ ما يقول لي بأني لست ولدها ولم أأتي من بطنها

_نظر إليه يامن والدموع قد جفت بمقلتيه: وماأدراك بأني لست ولدها و....... ، لم يستطيع تكملت كلماته لقسوتهم

_ صغيري أنا لااستبعد عنها ذلك ولكني استبعده تماماً عن عمي عمير فهو أشرف مخلوق عرفته فقد قضى عمره يصدها ويقفل أبوابه بوجهها فأنا أعلم مالاتعلمه لهذا أقول لك أنت أبن زوجة عمي رحمه الله السيدة فتون الذي أدعوا أنه ولد ميتاً

كانت الصدمة ظاهرة على يامن بشدّة فهذه المرة الأولى التي يسمع بها أحمد يتكلم عن والدته بهذه الطريقة فطول حياته كان يتجنبها نعم ولكنه يحترمها كثيراً في غيابها وحضورها ولكنه الآن قد طفح كيله فجلوسه مع الهيثم في الأيام الماضية جعله كالوحش الضاري لايفكر بشيء ولايحسب حساباً لشيء أيضاً فهو يرى الهيثم ضحية والجاني والدته لو كانت حكيمة بعض الشيء لما خسر بالبداية والده ثم عمه ثم شقيقه الأول وهو يامن عندما غادرهم ثم شقيقه الأخر وهو الهيثم عندما أوصلته أعمالها إلى فراش الموت............

**********************************************

في بيت السيدة فتون استقبلت ضيوفها بأحر جمل الترحيب ثم دعت أم مالك إلى الغرفة المخصصة للضيوف لتنعم بالقليل من الراحة إلى أن يعم نور الصباح وعندها ستجهز لها غرفةٌ خاصة بها لتقيم بها هذا ماقالته لها والابتسامة لاتفارق محياها أما أم مالك فشكرتها لحسن استقبالها وقالت :لا تكلفي على نفسك سيدتي هذه الغرفة تكفني إلى أن أعود إلى منزلي

_ ماهذا الكلام ..، قالتها السيدة فتون بتعجب عندما لاحظة حرج أم مالك من الإقامة خارج منزلها لتكمل : البيت كله تحت أمرك فمن الغد تختارين الغرفة التي ترتاحين لها لتكون غرفتكِ حتى وإن كانت غرفة الآسر ، قالت أخر كلماته وهي تنظر نحو الآسر الذي جعلهم يضحكون على هيئته عندما نطقت كلماتها ولكنه سرعان ماتمالك نفسه عندما شعر بأنه وقع في فخ النساء هذه المرة

_فقال لينقذ نفسه من شباكهنّ: لن يغلا شيئاً عليكِ سيدتي فإن أخترتها ستكون تحت تصرفك خلال بضع ساعات فقط

_ ابتسمت أم مالك لذكاء هذا الشاب الذي استطاع أن يخرج نفسه من هذا الموقف بدون أن يعترض كلام عمته فقالت له: دمت سالماً وادعو الله أن يكتب لك الخير أينما اتجهت

_ انهت السيدة فتون هذا الحوار بلطف عندما طلبت من أم مالك الدخول للغرفة التي خصصت لهذه الليلة لترتاح فقد ظهر التعب جلياً على وجهها

_أما رؤى همّت لتسير خلف أم مالك لولا أن أتاها صوت والدتها بنبرة رجاء: هل لك أن تنامي الليلة في أحضاني

_نظرة لها رؤى بعينين لمعتا بلمعة شوقٍ لا يعرفه إلى من حُرم من أحضان أمه ثم ارتمت بأحضانها تشتم رائحتها وكأنها كانت تنتظر هذا الطلب ليقتنع عقلها بأنها عادت فعلاً إلى نبع حنانها لتشرب منه حتى تروي ظمأها الذي كاد أن يهلكها.

وهكذا انصرف الجميع ليسلموا أنفسهم لسلطان النوم الذي كان بانتظار كل منهم بفارغ الصبر ........
2 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.