heebbaa

شارك على مواقع التواصل

الفصل الأول:
كادت الأرض أن تنطق تحت قدميه لتصف شدّة هيبته وجماله الممزوج بخليطٍ نادرٍ جداً جمع بين جمال روحٍ متألقه بالأخلاق الحميدة وجمال ملامحٍ رجوليةٍ جذابة لتكوّن شخصية الآسر
ومن لا يعرف الآسر صاحب شركة من أهم الشركات التجارية في الوطن العربي،
تميز بين منافسيه بأن شركته لم تكن من مصدر أرثٍ ولا سرقةٍ ولا احتيال بل أسسها بتعبه وحسن أدارته بعد التوفيق من الله عز وجل
كما رافقه برحلة نجاحه ثلاثة من أكفئ أصدقائه أختارهم ليكون كل منهم بالمكان المناسب له ليبدع في مجالٍ أحبه وهذا ما حدث بالفعل
فكانت البداية شركة صغيرة جداً ومع دوام المثابرة والاعتماد على الله عز وجل أصبحت صرح يُحكى به أثناء اجتماعات الإداريين في أكبر الشركات.
انتهى الآسر من عبور رواق شركته ليدلف إلى مكتبه المؤلف من قسمين الأول طاولة المكتب الفخمة وأمامها يُركن مقاعد جلدية لا تقل فخامة عن باقي الأثاث من طاولات متنوعة الأحجام يعتلي البعض منها قطعٌ أثرية نادرة
وهناك أيضاً مكتبةٌ على أحد الجدران ليست كبيرة الحجم ولكنها تحمل أثمن الكتب النادرة والروايات العالمية المميزة وتحمل أيضاً معاجم بلغاتٍ عدة بالإضافة إلى سلسلة من كتب سميت ب: دليل السائح حول العالم، في الجهة الأخرى كانت تعتلي الجدار لوحة فنية رقيقة المعاني نُسّقة ألوانها لِتُظهر أمٌ تحتضن طفلها تبث له الطمأنينة بملامحها الهادئة وسط عاصفةٍ بحرية هوجاء كانت هذه اللوحة لغزٌ كبير بالنسبة للجميع لا يعرف معناها سوى الآسر نفسه.
أما القسم الثاني كان يحوي على طاولة خشبية مستديرة يلتف حولها أربعة من الكراسي الخشبية المصممة بطريقة تأثر نظر الأعين لشدة جمالها،
وهذه الطاولة طبعاً مخصصة للاجتماعات السرّية بين آسر وأصدقاءه الثلاثة رئساء أقسام شركته.
لم يمضي وقت طويل بعد أن دلف الآسر إلى مكتبه حتى تبعته السكرتيرة الخاصة بمكتبه وبيدها أدمان الآسر وهي قهوته الصباحية الخالية من السكر، تناولها من يدها وهو يشكرها بطريقة عملية ثم طلب منها أحضار بعض الملفات ليتابعها بنفس
انصرفت هايدي إلى مكتبها لتنفذ طلب مديرها أما الآسر فقد بدء ارتشاف قهوته بتلذذ وعيناه مثبته على تلك اللوحة الفريدة من نوعها...........
༺༺༻༺༻༺༻༺༻༺
رؤى.... روووؤى ..صوتٌ تعالى بالأرجاء ليجعل من تلك الفتاة المسكينة فتاة خارقة تقطع المسافات بأقل وقت ممكن كي لا ينال منها غضب زوجة عمها
بعد أقل من دقيقة وقفت أمام العجوز تقول باحترام:
_أنا هنا الآن ماذا علّي أن أفعل
_ردت زوجة عمها بنبرة تكبر: يكفي ما قد أضعتي من وقت حتى الآن بعملٍ لا قيمة له اذهبي ونظفي الحظيرة ثم عاودي قطف ثمار الطماطم الناضجة
_أومئت برأسها: حاضر سأفعل ما طلبته مني في الحال
قالت كلماتها وسلكت طريق المزرعة لتذهب نحو الحظيرة ولكن رعشةً سرت في أنحاء جسدها عندما
_قابلت الهيثم بطريقها فنظر لها بغضب وقال: إلى أين أنتِ ذاهبت ألم أطلب منكِ أن تغسلي ثيابي
_ردت بتلعثم خوفاً من بطشه وقالت: كنت أقوم بذالك لولا أن أوقفني نداء زوجة عمي وطلبت مني بعدها أن....... قُطعت كلماتها عندما صرخ بصوته الغليظ: أأنتِ دابةٌ أم ماذا ألا تعلمي أني مضطر لهذه الثياب ويجب عليكِ غسلها
قال كلماته تلك وسار متجه نحو المنزل تحت نظرات رؤى المتعجبة فهل فعلاً اكتفى هذه المرة فقط بقول بعض الكلمات اللاذعة بدون أن يتعرض لها بالضرب أو بعض العقوبات القاسية يا له من تحسن كبير في أخلاقه المفقودة منذ زمن
نفضت تلك الأفكار وتابعت سيرها نحو الحظيرة لتنهي عملها بسرعة كبيرة جداً وبالفعل انتهت بعد وقت قصير ولكن ما أثار فضولها أنها شاهدة زوجها الهيثم ووالدته يعتليا أحد سيارات المنزل لينطلقا بعيداً عن المزرعة فوجدتها فرصة ذهبية لتسرع إلى المنزل لأكمال غسيل ملابس ذالك المتعجرف لربما تجنب نفسها سماع بعض الإهانات لاحقاً، لم يطول الوقت حتى انتهت من عملها كان أحساس الإرهاق يكاد يتمكن منها ولكن ليس لديها خيار الراحة فهناك الطماطم بانتظارها بدئت سيرها وهي تكلم نفسها:
هذه هي الحياة المكتوبة لك يا رؤى يجب عليكِ أن تتأقلمي ربما يكون هناك فرجٌ في يوم من الأيام توقفت فجأة أمام غرفة مكتب والدها سابقاً التي مُنعت من الدخول إليها منذ أن توفاه الله ها هي تنظر حولها بسرعة ثم تدلف لداخلها متخفية كعادتها كلما سمحت لها الفرصة وهذا قليلٌ جداً ويكاد أن يكون نادراً لم تلبث الكثير من الوقت حتى خرجت مهرولة نحو حقل الطماطم لتبدئ قطف الثمار الناضجة ولحسن حظها لم يكن هناك الكثير منها في هذا اليوم فلم تُمضي من الوقت في جمعها سوى ثلاثة ساعات فقط وبعدها اختارت لها مكان بين الأوراق الكثيفة لتتخافه خلفها عن الأنظار ثم رفعت طرف قميصها لتسحب من تحته كتاباً صغيراً كانت قد اختارته من مكتبة والدها في هذه الأثناء أنتابها أحساس قوي بالجوع فمعدتها فارغة تماماً وهنا لم يخطر ببالها أكثر من تناول ثمرة طماطم حمراء لعلها تتخلص من هذا الأحساس المزعج فلديها ما هو أهم.
وزعت نظراتها بالمكان قبل أن تسلط عينيها على عنوان الكتاب والابتسامة تعتلي شفتيها وهي تقرأ العنوان
((تمرد امرأة على الطغيان))
هذا العنوان في البداية لم يذكرها إلا بتمردها على رغبة زوجة عمها وتسللها لغرفة ابن عمها ليلاً كاللصوص ليعلمها القراءة والكتابة حتى اتقنتها وأصبحت تقرئ الكثير من الكتب والروايات بالخفاء بدون أن يعلم أحد غير معلمها أنها تجيد القراءة والكتابة، قطعت سلسلة ذكرياتها ثم أعادت النظر للصفحة الأولى لقراءة المقدمة بعد أن دعت الله كثيراً أن يحفظ هذا الفتى الذي يدعى يامن أينما كان فهو قد سافر منذ زمن وقُطع اتصال العائلة به لظروفٍ غامضة لا أحد يعلمها.

(( لا أجيد المقدمات فحياتي بدئت بالصدمات لهذا تعلمت منها فقط أن أتمرد على البدايات لأنها وبكل صراحة مزيفة ومزخرفة بالكذب والنفاق
تسعدنا الأقوال وتخيب ظننا الأفعال
ننجر وراء الظاهر حتى نُصفع بسياط الواقع
هذا نحن قومٌ لم تغييرنا الأزمان))
((أعزروني أعزاءي القراء فأنا فعلاً لا أجيد المقدمات))
أعادت رؤى قراءة تلك المقدمة عدة مرات وفي كل مرة كانت تتأكد أكثر من أن الكاتبة لم تستعمل يدها للكتابة ولا حتى قدرات عقلها بل كانت تكتب بنبضات قلبها فيبدو أنها كانت جريحة القلب كحال حالها الآن
مررت رؤى عينيها سريعاً للورقة الأخرى لتقرئ أعلاها

الفصل الأول والأخير:
ثم تابعت القراءة لعلها تنتهي منه قبل عودة الهيثم ووالدته
فبدئت الكاتبة كلماتها:
ليس هناك أنسان ضعيف فكل منا بداخله قوة عجيبة لكن كثيراً منها قد كبتتها الظروف ومنها كبتناها نحن بخوفنا المبالغ به نعم خوفنا، وهنا يطرح السؤال نفسه من ماذا نخاف لا أظن أن أحد المضطهدين يعلمون أجابه محددة لهذا السؤال ربما خوفٌ من مجهول وربما خوف على شخص بمثابة الروح كأبن أو أب أو أم ولهذا أمثلة كثيرة في كل مكان حولنا ولكني لن أسرد تلك التفاصيل الآن سأكتفي بسرد قصتي لربما يقع كتابي هذا في يومٍ من الأيام بيد من هو بحاجة فعلاً للتمرد على الظلم
فيستفيد من ما مررت به من مراحل عدة في حياتي القصيرة فأنا الآن أتجاوز عقدي الثاني بخمسة أعوام
بدئت قصتي عندما كنت في الخامسة من عمري
عندما استيقظت على صوت صراخ أمي الذي ملئ منزلنا المتواضع ذو الفراش القليل والقديم بعض الشيء فركضت أليها لأجد والدي يجلس أمامها يهدئ من روعها ويطمئنها أن المسعفين في طريقهم ألينا ولكنها كانت تزيد من صراخها وهي تتلمس بطنها المنتفخة وتزفر الهواء بقوةٍ ثم تشهق وكأنها تختنق
كان والدي في هذه الأثناء مرتبك محتار لا يعلم ما يفعل ليخفف آلامها لم يدوم الحال هذا طويلاً حتى سمعنا صافرات الأسعاف تتعالى حتى وصلت إلا حيّنا وزع والدي نظراته بيني وبين وأمي ثم أسرع ألي وقال صغيرتي انتظري عودتنا عند أم مريم جارتنا سنأتي عما قريب برفقة شقيقكِ إن شاء الله
أومئت برأسي وسرت متجهة نحو منزل أم مريم كما طلب مني والدي مرت الساعات والدموع تزرف من عيني بصمت كان يتملكني شعورٌ غريب لا أدري من أين لطفلة بعمر الخمس سنوات أن تشعر بأنها فقدت أحد أغلى البشر على قلبها حل المساء وعاد والدي مع دموعه وخيبته ليقول لي أن أمي وأخي سبقانا إلى السماء وعليي أن أكون قوية بما يكفي لأكمل حياتي من دونهم كان يتكلم وكأنه مغيّب عن الواقع
مرّت أيام العزاء وأنا لا أفقه شيئا سوى أني اشتقت لأمي كثيراً ولا أحد يخفف من حزني سوى عمتي شقيقة والدي التي أقامت معنا تقريباً في تلك الفترة
أما والدي فقد ساء حاله كثيراً لشدة حبه لأمي وهذا ما علمته بعدما كبرت ولكن في تلك الفترة لم أعلم سوى أنا والدي سبقني أيضاً إلى السماء وبقيت وحدي أنظر إلى السماء معاتبة لماذا سمحت لأخي أن يرافق أمي ولم تسمح لي بمرافقة والدي.
حينذاك اضطررت للإقامة في بيت عمتي اللطيفة كما كنت أظن ولكن الأيام أثبتت عكس ذالك فكانت تبغضني بشدة وتحملني ذنب موت شقيقها بسبب والدتي وكأني لم أخسر أيضاً والدي ووالدتي وشقيقي............
**********
توقفت رؤى عن القراء عند هذا الحد فقلبها يؤلمها بشدة لشعورها بالشبه الكبير بين قصتها وقصة تلك الكاتبة البائسة فغلفت الكتاب بمحفظةٍ من النايلون وأحكمت أغلاقها ثم اقتربت من شجرة الزيتون الكبيرة وحفرة تحتها حفرة صغيرة لتضع الكتاب بداخلها كي لا يُكشف أمرها ثم أعادت المكان كما كان قبل أن تعبث به أناملها ولم تكاد تلتفت حتى لمحت ضوء سيارة الهيثم في طريق العودة إلى المنزل فركضت لتحمل ثمار الطماطم وتتجه نحو مكان تخزين المحصول لترتبها في الصناديق كما العادة فما أن انتهت حتى ألتفتت لتجد زوجها ينظر لها نظرة ترجمها عقلها ولأول مرة نظرة شفقة وقفت رؤى مكانها تستجمع شجاعتها لتسأله إن كان يريد منها أن تعمل شيئاً أخر ولكنه لم يترك لها فرصة لسؤاله عندما تركها ومضى تاركاً لخيالها أن ينسج الأساطير عن السبب الذي يجعل الهيثم بكامل قسوته وجبروته يشفق عليها سارت بخطوات بطيئة جداً ليهب الهواء مداعباً خصلات شعرها الشقراء ليجعلها ثائرة متمردة تأبى الخضوع والخنوع كصاحبتها
فتحت الباب الداخلي للمنزل لتظهر خلفه زوجة عمها متألقة بثيابها السوداء وحولها أبناءها الثلاثة بما فيهم الهيثم انطبعت نظرة الشفقة نفسها على أعين كل من أحمد و حازم أما هيثم الآن كانت نظراته فارغة لا توحي بشيء قط اقتربت رؤى بخوف ليس كخوفها المعتاد بل خوفٌ من نوعٍ آخر لم تجربه من قبل
كانت خطواتها ليست بالبطيئة ولا بالسريعة حتى وصلت لجانب زوجة عمها التي كانت تتوسط أبناءها
_ وعلى عينيها طُبعت نظرة القسوة لا غير فقالت بعد أن ابتلعت ريقها: لقد انتهيت للتو من عملي أتريدين أن أفعل أي شيء آخر
_ردت أم حازم: اجلسي يا رؤى
انتفض قلبها بشدة وكأنها تنتظر حكم أعدامها لكنها جلست وعينيها تفترش الأرض مستعدة لتلقي أسهم زوجة عمها المصوبة نحو قلبها كعادتها في كل مرة تكون بها هادئة هكذا وبالطبع لم تخيب ظنها ونطقت
_بقول: اليوم تم عقد قران الهيثم على سُميّة بنت أبي نوح وغداً إن شاء الله حفل زفافهما
رفعت رؤى عينيها نحو الهيثم الذي أكد لها بنظراته كلام والدته ثم نقلت نظراتها لزوجة عمها ولا يدور برأسها سوى جملة واحدة (ليس هناك أنسان ضعيف فكل منا بداخله قوة عجيبة) نظرت نظرة أخيرة للهيثم الذي صُدم من القوة التي اعتلت عينيها فجأة قبل أن تقف وتبدء حديثها الموجه له تزوجتك غصباً عني لأني لم أكن أتخيل أن أصبح زوجة لشخص اعتبرته بيوم من الأيام كأخي تحملت منك ما لم تتحمله أنثى على أملٍ أن يأتي اليوم الذي أرى فيه نظرات الحب والحنان كالتي كانت تسكن عين والدي عندما كان ينظر لوالدتي، انتفضت أم حازم من جلستها لتصفعها على خدها الأول ثم الآخر عدة صفعات متتالية، لكن كل هذا لم يكن كافي لأسكاتها فاعتدلت بوقفتها من جديد وعاودت النظر نحو الهيثم لتكمل لكني لم ألقى منك إلا الذُل والإهانات ولماذا فقط كي لا أخسر ما تبقى لي من أثر عائلتي، قالت كلماتها ثم اقتربت منه خطوة غير مبالية بقدر انفعال من هي أمامها عندما قالت: أرجو منك الآن أن تطلقني
وقبل أن يرد عليها ببنت شّفّة صدح صوت أم حازم بقول: هذا في أحلامك أيتها القبيحة سيتزوج الهيثم من أخرى ولكي أن تقبلي هذا برضاكِ أو أُعيد لكي ذكرياتك بالجلوس مع الدجاج والأبقار إلى أن تهتدي ويعود لكي عقلكِ الضائع
أغمضت رؤى عينيها بتذكر لتلك الليالي القاسية التي قضتها بين قن الدجاج و زريبة الأبقار ثم ابتلعت غصتها التي كادت أن تخنقها لولا أنها خرجت مسرعة من المجلس بل من المنزل بأكمله متجهة نحو المزرعة،
༺༺༻༺༻༺༻༺༻༺
انتهى الآسر من عمله باكراً هذا اليوم على غير العادة فمنذ زمن بعيد لم يعود إلى منزله مبكراً كهذا اليوم
طرق باب منزله ليُفتح له بعد القليل من الوقت لتظهر خلفه مدبرة المنزل التي تدعى سلامة رحبت به كما يليق بسيد هذا المنزل المتواضع الذي ردّ عليها ترحيبها بعملية كعادته ثم سألها عن عمته لتجيبه بأنها لم تبرح غرفتها حتى الآن
فما أن سمع كلماتها حتى انطلق نحو غرفة عمته متجاهلاً لسؤالها الآخر عن إذا كان يرغب بتناول الطعام.
مرّ أقل من دقيقة حتى وقف أمام باب غرفتها في انتظار أن تأذن له بالدخول
أما هي فلم تكن تعلم أن طارق الباب هو الآسر ظنت أنها سلامة فأذنت بدخولها لتتفاجأ به يقف أمامها وقد رُسم الحزن على عينيه حين رأى آثار دموعها التي حاولت أخفائها بسرعة ورسم عوضاً عنها ابتسامة رقيقة تناسب ملامحها التي لم تفقد جمالها رغم ما مر عليها من زمنٍ مصحوبٍ بالألآم والهموم
تنهد الآسر وهو يتقدم نحوها بضع خطوات وعينيه مثبتتين على عينيها محافظاً على صمته حتى جلس بجانبها على الأريكة من ثم ألتقط كفها بين كفيه بحنانٍ ورثه منها كما ورث جماله
_ثم قال: أهكذا تُمضين وقتك بينما أنا مشغولٌ بأعمالٍ لا قيمة لها
_ شهقت قبل أن تجيبه: ما الذي تقوله يا بني إن أعمالك تلك التي تصفها أنها بلا قيمة هي من أخرجتنا من مستنقع الفقر المهين وهي من ستؤمن لك مستقبلك ومستقبل أولادك من بعدك
_رفع كف يده ليضعه على مقدمة رأسه ليقول بغضبٍ مكبوت: وما فائدة كل هذا عندما يسرقكِ الحزن مني بعد أن سرقني العمل منكِ،
عمتي ألا تعلمين أنك أغلى ما أملك بل كل ما أملك ولا يوجد لحياتي أي معنى مع حزنك هذا فمن دون ابتسامتك لا حياة لي
حررت يدها من يده ورفعتها نحو رأسه لتضمه إلى صدرها بحنان أمٍ لم تلد بل ربت ونعم ما ربت
_ثم أردفت: أرجوك يا بني أعزرني ولا تلومني في حزني على من فقدت
_رد بصوتٍ يحمل بين طياته الأنين: أبعد كل تلك السنين يا عمتي مازال حزنك كما كان أول أيام الفراق
_سيأتي يوم وترزق بذرية صالحة إن شاء الله ووقتها فقط ستعذرني أما الآن فعلينا أن نتناول طعامنا فمن المؤكد أنك كالعادة لم تتناول أي شيء منذ الصباح قالت كلماتها تلك وهي تمسح دموعها بكفيها بطريقة فكاهية وترسم ابتسامتها المعتادة
ليتنهد الآخر ويلوم نفسه في نفسه لانشغاله عنها فهو يعلم أنها لن تنسى ما مر عليها وأنها مريضة قلب ولا شيء يمكن له أن يقتلها كالحزن فقرر أن ينهي الأعمال المستعجلة بين يديه ثم يأخذ أجازه طويلة يقضيها مع من منحته حياتها وصحتها لكي يكبر ويشتد عوده
_قطع أفكاره صوتها المحبب: ماذا بك يا آسر ستبقى واقفاً هكذا
_ آسف يا عمتي لقد شردتُ قليلاً ثم ابتسم هو الآخر وأجابها: أيعقل أن أتناول الطعام وأنتِ لستِ معي
_وأنت تعلم كم هذا يزعجني
_نعم كما تعلمين أنتِ كم دموعكِ تزعجني أيضاً وهكذا نصبح متعادلين
_أوووه كم كبرت أيها الفتى أصبحت متقن التلاعب بالكلمات ويصعب عليي مجاراتك بالحديث بعد الآن
لف يده حول كتفها ليقول من بين ضحكاته _المصطنعة لتغيير جو الحزن: يمكنني أن أفهم الآن أنكِ تعترفين بأن التلميذ تغلب على معلمته
_ كلا أنا لم أقل هذا كنت أنوه فقط أن هناك أخطاء تربوية يجب عليّ تداركها قبل فوات الأوان
_تعالت صوت ضحكاته النابعة من قلبه هذه المرة فلا أحد يستطيع تغيير مزاجه بهذه السرعة سوى العمّة المفعمة بطاقات العطاء ليقول من بين ضحكاته:
_ وما أول ما تريدين أدراكه
_هذا سرٌ أمني لن أبوح به لكن يكفي أن أقول لك بأنك فتى مدلل أكثر من اللازم ويجب عليّ اتخاذ اجراءات فورية واتباع الخطة البديل،
كانت تتكلم بنبرة تشبه نبرة صوت ضابط أمن متقاعد يحن للسلطة مما جعل آسر ينفجر بنوبة ضحكٍ جديدة لتشاركه بها وهي تجلس على المقعد الخشبي المقابل لطاولة الطعام ليجلس الآسر على المقعد المجاور لها وفي هذه الأثناء كانت سلامة تنقل الأطباق من المطبخ إلى طاولة الطعام ليتناولا طعامهما بجو المرح الخاص بهما.........
༺༺༻༺༻༺༻༺༻
وقف حازم بعد أن خرجت رؤى ليقول موجه حديثه _لشقيقه الهيثم: ألهذا الحد وصل شجعك لتظلم تلك الفتاة بهذه الطريق ألا يكفيها ما تحملته منك من ضربٍ وإهانات لتأتيها بخبر زفافك من أخرى أنسيت أنها ابنت عمنا
_رد الهيثم بعصبية مكبوتة وصوت يملئه القهر نعم أنا ظالم ألم أكن مظلومٌ في رأيك عندما جُبرت على الزواج من فتاة لا أريدها فقط لإرضاء والدتي ألا يكفيني ظلماً أن اعلم يوم زفافي أن من تُزف إليّ هي معشوقة أخي لكن والدتي رفضت أن تكون له لسبب لا أعلمه حتى الآن ألا يكفيني من الظلم أن امضي أربعة أعوام من عمري مع فتاة تدعى زوجتي وفي الحقيقة ليست إلا ابنة عمي لا أكثر ولا أقل
_ دوت صرختها بالمكان: كفى كف عن قول الترهات فلم يكن هناك ما يمنعك عنها
_ معكِ حق يا أمي ، قالها الهيثم ليكمل: لم يكن هناك ما يمنعني سوى وفائي لأخي يامن ولو عشتُ معها دهراً لن تكون لي في يومٍ من الأيام
_قال كلماته تلك ثم ألتفت إلى شقيقيه وأكمل: لهذا أريد الزواج فمن حقي أن أكوّن عائلة ويصبح لدي أطفال مثل غيري من الشباب الذين تتقارب أعمارهم من عمري
كان حازم حينذاك صامت تماماً أثر الصدمة مما سمع أما أحمد كان يوزع نظراته بين والدته وشقيقه الهيثم ومن ثم تعلقت نظراته بوالدته عندما وقفت بشموخ ثم اتجهت نحو غرفتها وكأنها لم تكن السبب بدمار حياة ابنيها لكنه لم يتعجب كثيراً من تصرفاتها فهو الوحيد الذي يعلم أن لدى ولدته ثأرٌ قديم ستأخذه حتى وإن انفقت في سبيله كل ما تملك ولا يضرها في شيء أن تدهس في طريقها على مشاعر أبناءها فقد دهست على ضميرها وأبادته منذ البداية...........
༺༺༺༺༺༻༻༻༺
في مكان ليس ببعيد:
كانت تجري بدون وجهت و شعرها الثائر يلحق بها في محاولةٍ منه أن يلامس خديها الناعمين لمسح الدموع الغزيرة التي تجمعت في مقلتيها لتجري بسرعةٍ رهيبة فوق وجنتيها الخزفيتين المصبوغتين باللون الأحمر أثر صفعات أم حازم لها، توقفت بعد أن تقطّع نفسها بسبب الجري السريع لتجد نفسها في المزرعة أمام تلك الشجرة التي دفنت تحتها روايتها المثيرة للإهتمام بالنسبة لها، بدئت تخطو نحوها بخطوات بطيئة وبرأسها تتكرر كلمات الكاتبة بعشوائية (ليس هناك أنسان ضعيف فكل منا بداخله قوة عجيبة)>><<( لربما يقع كتابي هذا في يومٍ من الأيام بيد من هو بحاجة فعلاً للتمرد على الظلم(
_ انتهى عقلها من ترديد تلك الجمل عندما وصلت لمكان الرواية فجلست على ركبتيها وهمت لتخرجها وتكمل قراءتها لعلها تجد بها حلاً ينفعها في محنتها، انحنت لتلتقط التراب بيدها ولكن سرعان ما نفضت التراب من يديها ووقفت ثم نظرت للمكان بعيون منتفخة من أثر البكاء وبدئت تخاطب الكاتبة وكأنها تراها: آسفة سيدتي ولكني لن أتّبع خطاكِ بل سأكتب روايتي بيدي هاتين ثم أعود يوماً إليكِ لأقرئ ما كتبته ، كلانا نملك الجرح ذاته مع اختلاف بعض الظروف، ففي هذه الحالة أود أن أتأكد من صلاحية قراراتي فهل ستكون صائبة ومشابهة لقراراتكِ وانتصر في النهاية أم سأكون حمقاء ساذجة لا أصلح سوى لرعاية البقر والدجاج وفي كلا الحالتين يجب عليّ تحديد من أكون، أرجوكِ تمني لي أن أكون مثلك لأتمكن من التمرد والتغلب على الظلم والظالمين جميعاً
انتهت من حديثها الذي كان بمثابة جرعة مضاعفة من القوة والأمل والعزم على تحدي الصعاب ثم عادت نحو المنزل متخطية الجميع وكأنهم لم يكونوا متجهة نحو غرفتها ومن ثم إلى الحمام لتقضي وقت ليس بقليل أسفل الماء الساخن المختلط بدمعات عينيها تستعيد ذكرياتها البعيدة فتارتاً تتذكر حنان والدتها قبل رحيلها وتارتاً أخرى تتذكر عيون والدها وأخيراً هدتها ذاكرتها ليومٍ كانت سابقاً تود لو يمحى من مخيلتها ولكنها الآن بحاجة أن تعصر ذاكرتها لتعيدها لذالك اليوم
فلاش باك
كان والدها طريح الفراش فقد أنهكه المرض وهو شابٌ لا يتعدى عقده الثالث سوى بثلاثة أعوام عجز وقتها الأطباء عن تشخيص مرضه المفاجئ الذي أدى فيما بعد لوفاته بدون أن يعلم أحد ما الذي أصابه في ذالك الوقت كان مدرك أن نهايته قد اقتربت وماله إلا أن يوصي طفلته الصغير رغم صغر سنها ولكنه لا يثق بأحدٍ سواها فقد اخفى عن الجميع مكان أوراقه المهمة التي سيضمن بها مستقبل صغيرته فاقترب منها عندما كانت تجلس بجانبه وقبّل يدها الصغيرة ثم قال وعيناه مثبته على وجهها الملائكي: غداً عندما تكبرين ستغادرين هذا المنزل إلى منزل زوجكِ المستقبلي يومها لا تنسي أن تأخذي حقك من هذا المنزل فقد حفظته لك في المكان الذي لطالما اختبأتِ به عندما كنت تخطئين بشيءٍ كنت قد طلبته منكِ
قال كلماته ثم ضمها إلى صدره ليُسمعها لحن فراقٍ قد عُزف بنبضاتِ قلبٍ أيقن أنه مفارق لا مُحال....

الوقت الحاضر:
ارتعش جسدها عندما تذكرت كلمات والدها قبل وفاته بساعات فضغطت بكفيها على رأسها بشدّة محاولة استرجاع كلمات والدها وفهمها
ثم ارتمت على الأرض منهارة من البكاء الشديد .....
༺༺༺༺༻༻༻
دلف أحمد إلى غرفته ورأسه يعج بالذكريات فقد كان مدلل عمه عمير والجميع يغارون منه لشدّة تعلق عمير به فكيف له أن يصمت عن كل ما يحدث لأبنته أمام عينيه بدون أي ردت فعل
جلس على الأريكة وهو يحمد الله أن زوجته عند أهلها برفقة أطفالها فهو الآن بحالة يرثى لها ولا يجب لأحد أن يراه على تلك الحال فصراعه مع ضميره قد انهكه ففي كل يوم يرى تسلط وجبروت والدته على تلك المسكينة يقبض قلبه وكأنه هو السبب في كل ما يحدث
وكأن عمه عمير يلومه في كل لحظة على صمته المبهم هذا ولكنه لا يملك من الشجاعة ما يكفي ليفضح أعمال والدته فهي في الأول والأخير والدته ولا يستطيع خوض هذه الحرب ضدها فقول شيئاً مما يعرفه يعني كسر أول حلقة من السلسلة وبعدها ستتلاحق الحلقات حتى ينكشف ما يعرفه وما يُخفى عنه وعندها ستتدمر عائلته بأكملها وسيفقدون مكانتهم الاجتماعية بين سكان القرية
مرر يده على وجهه بعنف ثم جدد قراره أمام نفسه بأنه سيبقى صامتاً متفرجاً ولن يحاول تغيير أي حدث من الأحداث حوله.......
༺༺༺༺༺༻༻༻༻
1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.