heebbaa

شارك على مواقع التواصل

الفصل السادس

تنهد القاسم متعجباً من تصرفات صديقه فمنذ الأمس وهو يتصرف بغرابةٍ لم يعهدها منه ولكنه أوجد له عذراً بأن الأيام الماضية كانت صعبة جداً على الجميع وكان ختامها احتمالية فشل مشروعهم الجديد بسبب بيع قطعة الأرض التي لاتبلغ مساحتها ذرةً أمام أهميتها فهي تقع في وسط أرض المشروع وبدونها لن ينجح مشروعهم قط.
بينما كان يفكر بكل تلك المصائب أتاه الخالد حاملاً لخبرٍ آخر يضاف إلى قائمة المصائب فما أن سمع عن مرض ميرا حتى ضرب كفيه ببعضهما وقال: هذا الذي كان ينقصنا لنصبح أتعس فريق إداري في التاريخ كله فالمصائب تلف وتدور حول الكرة الأرضية ولاتجد أجمل من رؤوسنا حتى تنصب عليها

_ما بالك يارجل تعترض على أقدارٍ قدرها الله ألا تجيد الحمد في السراء والضراء

_أستغفر الله لم أقصد الاعتراض ياخالد فقد خانتي الكلمات وخرجت رغماً عني بسبب ما نمر به من مشاكل في هذه الفترة الكئيبة

_لاعليك ياصديقي إن الله غفوراً رحيم والآن أخبرني ماذا قال لك الآسر

_رد القاسم بشرود: حال الآسر غريب هذه الأيام فلم يجيب على اتصالاتي فطلبت، رقم المنزل أجابتني عمته وقالت لي بأنه نائم وطلب أن لا يوقظه أحد

_إنه يحمل نفسه عبئاً فوق طاقته فلندعوا الله أن يخفف همه والآن هيا ياقاسم كفى مضيعتاً  
  للوقت علينا أنجاز أعمالٍ كثيرة هذا اليوم.
انصاع القاسم لكلمات خالد واستأنف عمله من جديد كما فعل الآخر أيضاً..........
༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻
ارتفعت الشمس حتى أنها أحتلت كبد السماء معلنة منتصف النهار ولم يصلوا إلى أي خبر أو طريق يدلهم على مكان رؤى لم يتركوا مشفى أو مركز شرطة دون أن يسألوا عنها به لعله أصابها أي مكروه في غياب أم مالك عن المنزل. في هذه الأثناء كانت شكوك الهيثم تكبر و تتأكد مع كل ساعة تمر من غير أن يصلوا لشيء فقد كان يدعو الله أن يخيّب ظنونه وتكون بخير أما أم مالك فقد كانت تزرف الكثير من الدموع ففي قرارة نفسها تعلم جيداً أن رؤى لن تخرج من المنزل بهذا الشكل إلا لسببٍ قاهر ولكنها قد وافقة على اقتراح يامن بأن يذهبوا إلى منزل والدة رؤى وهي تعلم أن هذا الخيار كالقشة التي يتعلق بها الغريق فلن تنجي ولن تغيير شيئاً ولكنها الخيار الأخير.
مرّ وقتٌ ليس بقليل وهم يقطعون المسافات حتى وصلوا إلى بوابة منزل كبير يبدو عليه مظاهر الثراء.
ركن يامن سيارته بالقرب من المنزل ثم ترجلوا منها جميعاً متجهين نحو باب هذا المنزل وبعد عدّة طرقات فتحت لهم سيدة يبدو أنها مدبرة المنزل فأسرعت أم مالك بقول: مرحباً
أومئت الأخرى برأسها وهي تقول بعملية: أهلاً وسهلاً وقبل أن تكمل قالت لها أم مالك: هل يمكننا مقابلة المدام فتون إن سمحتي
_ ظهرت علامات التعجب على وجه تلك الامرأة فهي تعمل في هذا المنزل منذ زمن ولم يأتي أحداً من قبل يطلب مقابلة السيدة فتون ولكنها أردفت بعملية مرة أخرى: ومن أقول لها
_أجابها الهيثم هذه المرة: قولي لها بأن يامن وهيثم الحمداني يودان مقابلتها
_ أومئت برأسها ثم توجهت نحو غرفة السيدة فتون وما إن ذكرت أمامها أن سيدة ومعها شابان يدعوان يامن وهيثم الحمداني يودون مقابلتها حتى انتفضت من مكانها وقالت أدخليهم بسرعة إلى مجلس الضيوف، بضع دقائق وسأكون جاهزة لمقابلتهم
قالت كلماتها وهي تتجه بسرعة نحو خزانة ثيابها لتنتقي منها مايناسب لمثل هذا اللقاء.....
في نفس الوقت كانت أم مالك تحاول جاهدة حبس دموعها فهي في مكان يجب عليها التماسك قليلاً أما هيثم فكان شبه متأكد من ظنونه وبالنسبة ليامن كان الأهدأ بينهم فلديه بعض الأمل في أيجادها.
لم يمر سوى بضع دقائق حتى أتاهم صوت السيدة فتون مرحبة بهم وسرعان ما قفزت ذاكرة كل من الهيثم ويامن إلى أيامٍ خوالي عند وقوع نظرهما على سيدة الجمال ولم يكون حالها أفضل فقد كانت تتأمل ملامح من تركتهم أطفالاً وأصبحوا الآن رجالاً ذات بنيةٍ قوية وسرعان ما غزت الدموع رمادية عينيها عندما أطالت النظر ليامن الذي أكتسب الكثير من ملامح عمه عمير رحمه الله.
_تنحنح الهيثم قبل أن يبدئ بقول: نأسف على مجيئنا من غير موعد مسبق
_ليتكم أتيتم منذ زمنٍ بعيد فطيلة السنين الماضية وأنا في انتظار من يأتي ويطمئن قلبي على صغيرتي ماذا جرى لها وكيف هي أحوالها هل هي كارهة لي أم محبة هل حياتها سعيدة أم تعيسة كتعاسة أيامي بدونها
لم تستطيع أم مالك مقاومة دموعها بعد أن تأكدت بأن رؤى ليست عند والدتها وهي لا تعلم عنها شيئاً فوضعت يديها على وجهها وانهارت باكية مما أثار فضول السيدة فتون لتسأل بخوفٍ شديد لا تدعيه على ابنتها وهذا ما أجبر يامن أن يقص لها كل ما جرى...........
༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻
في مكانٍ بعيدٍ كل البعد تسللت إلى أنفها رائحة عفنة فحاولت فتح عينيها فلم تستطيع كما أنها لم تكن تستطيع تحريك أي طرف من أطرافها مما أكد لها بأنها مقيدة ولكن ماالذي جرى لها حتى تصبح بهذا الحال فسرعان ما عادت ذاكرتها إلى الصباح بعدما ودعت خالتها أم مالك ثم توجهة إلى أنجاز بعض الأعمال المنزلية هرباً من التفكير بلقائها مع الهيثم المقرر في هذا اليوم وبعدها لم يمر سوى وقتٌ قليل حتى أعلن جرس الباب رنينه فظنت أن خالتها قد نسيت البطاقة البنكية خاصتها وعادت لأخذها ولكنها تفاجأت بفتاة فاتنة تقف أمامها وبيدها حقيبة تدعي أنها بائعة عطور لشركةٍ مشهورة
_ابتسمت لها رؤى وقالت: شكراً لك أنستي فلست بحاجة إلى العطور أمتلك منها الكثير
_ ردت الفتاة بنعومة مصطنعة: لكني أمتلك أجود أنواع العطور وأود أن تعاينيها وتعطني رأيك بها حتى وإن لم تبتاعي منها شيئاً فرأيك يهمني
_وافقت رؤى وبدئت تشتم العلبة الفاخرة من العطور لكنها بدل أن تنعم بالرائحة الفواحة أصابها دوارٌ شديد وسرعان مافقدت وعيها.

في الوقت الحاضر

حاولت جاهدة تحرير أوصالها لكنها فشلت وما زاد رعبها صوتٌ تبغضه غزا مسامعها: لا تحاولي أيتها اللعينة فلن تنجي من قبضتي هذه المرة
ارتعدت أوصالها ودق قلبها بعنف من شدة خوفها الذي كاد أن يقتلها مكانها لولا لطف الله عز وجل........
༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻
نجح الآسر في الهرب من الجميع حوله بحجة النوم ولكنه لم يستطيع الهرب من خلايا دماغه العصبية التي تعمل بنشاطٍ زائدٍ أثرى تفكيره المستمر منذ الأمس بما ينبغي عليه فعله.
حسم أمره أخيراً وقرر البوح لعمته بما يشغل باله وليتساعدا في التفكير ربما يصلا معن لتفسيرٍ يقنع عقله الثائر فانتفض مسرعاً نحو غرفة عمته ولكنه لم يجدها فتوجه نحو مدبرة المنزل لسؤالها عنها ولكنه سرعان ما توقف مكانه عندما أتاه صوتها من أحدى الغرف، كانت قدماه تتحرك بسرعة نحو مصدر الصوت ولكنه فقد القدرة على الحركة فجأة عندما وجد عمته جالسة أمام شابان وامرأة ودموعها قد أغرقت وجنتيها مما تسمعه منهم عن ابنتها رؤى
مرّة عليه هذه الدقائق المليئة بالحقائق المرّة وكأنها دهراً كاملاً قبل أن يدخل مجلس الضيوف ويُلقي التحية و السلام على الجالسين ثم يتجه لاحتضان عمته متعجباً من القدر الذي سبقه بأخبارها عن ماكان يحترق بكتمانه عنها، ضمته بشدة هي الأخرى وهي تقول: رؤى مفقودةٌ ياآسر صغيرتي عانت و تعاني الكثير قلبي يؤلمني حقاً لطالما قلت لك أن صغيرتي تتذوق المر في ذلك المنزل ولطالما أجبتني بأنها بين أهلها فلن تُضام لماذا كذبت عليَّ ياآسر لماذا قلت لي أنها بخير

_عمتي أرجوكِ أهدئي وأعدكِ أن أعيدها لأحضانكِ وإن كلفني هذا حياتي كلها

_رفعت السيدة فتون يديها إلى السماء وهي تقول لن أقول سوى حسبي الله ونعم الوكيل عليكِ يا أم حازم شكوتك إلى الواحد الأحد فقد حرمتني زوجي و ظلمتي ابنتي ثم أضعتها أثرى ظلمك لها فكيف لي أن ألتقيها مرة أخرى،
في هذه الأثناء كان كل من يامن والهيثم عاجزين عن قول أي شيء فقد كانا مطأطئين رؤوسهما نحو الأسفل بخزي من أفعال والدتهما التي لطالما كانا خيرُ شاهدين على أكثرها أما أم مالك فلم تكتفي بزرف الدموع فقد نهضت وقالت موجهة الحديث للجميع: وهل سنبقى جالسين هنا كثيراً نندب حظنا والفتاة لايعلم مايحدث لها الآن سوى الله
تنحنح الهيثم ثم قال: سأتوجه الآن إلى القرية للبحث عنها هناك فقلبي يقول لي بأني سأجد هناك ما يدلني على طريقها
_شاركه الآسر الحديث بقول: إذاً سآتي معك
_أضاف يامن: وأنا سأكمل البحث هنا
_كادت أم مالك أن تتكلم ولكن سبقها الآسر بقول: هل لكِ سيدتي أن تبقي مع عمتي لحين عودتنا وأعدك أن نبذل قصارى جهدنا حتى نعثر عليها ونعيدها سالمة إن شاء الله
_نظرة أم مالك نحو السيدة فتون بتفكير ثم قالت: ولكن أخاف أن تعود رؤى للمنزل ولاتجدني هناك
_سيدتي ألم تقولي بأنها لم ترتدي ثياب الخروج ولم يكن لديها أي نيّة للذهاب إلى أي مكان وهذا مابدا لكم من حال المنزل أيضاً فهذا يعني أنها تركت البيت مجبرة وإن كنتِ ستسألينني من أين حصلوا على عنوان المنزل وأنتِ لم تدرجي عنوانكم في أي وثيقة سأجيبك ببساطة بأن كما وصل الهيثم ويامن لها عن طريق موعد جلسة المحكمة فمن المؤكد أن هناك من كان يتربص بها أيضاً من ذلك الحين وانتهز فرصة غيابكِ عن المنزل لافتعال أمراً ما لإخراجها من المنزل ليقع المحظور وهنا يجب علينا تحديد أعداء رؤى الذين علموا بموعد الجلسة وللأسف، قال كلمته الأخيرة وهو ينظر نحو يامن والهيثم ثم أكمل: لم يخطر في بال أحدنا أحداً أكثر عداوةً لرؤى من والدتكما السيدة أم حازم ولهذا أنا مع الهيثم بأن نبدأ من القرية
_أومئت أم مالك برأسها وهي تقول: سأبقى مع السيدة فتون لحين عودتكم قالتها بدموعٍ غزيرة
_يجب علينا أن نسرع، قالها الهيثم ليكمل: لا أظن أنهم قد وصلوا إلى القرية بعد فالطريق إلى هناك طويل ويستغرق الكثير من الوقت
_ وضع يامن يديه على رأسه محاولاً تخفيف صداعه ثم قال: لاأظن أن وجودي هنا سيشكل فارقاً سآتي معكم
_رد عليه الهيثم: أأنت واثقٌ من قرارك هذا
_أجابه يامن بنبرة لم يعهدها منه فقد كانت مليئة بالألم والأسى مع الإصرار والتحدي ممزوجةٌ مع القوة والرجولة: رؤى ابنة عمي ومايحدث لها يمس شرف العائلة بأكملها ولن أسمح لهذا أن يحدث وإن كنت سأواجه الآن أفعال أمي وحدي، مسح وجهه بانكسار ثم أضاف: اتمنى من كل قلبي أن لا يكون لوالدتي أي علاقة بما يحدث الآن يكفينا عار أفعالها القديمة
اقتربت منه السيدة فتون ووضعت كفيها على وجنتيه وقالت له بصوت مليءٌ بالحنان: لادخل لكم بتلك الأفعال أرجوك خفف عنك ياولدي فأنتم أيضاً عانيتم الكثير من الظلم
_ خانته دموعه وهي تسيل على وجنتيه فسرعان ما مررت راحتيها لتمسح دمعاته وهي تقول سبحان من رسم ملامح عمير على محياك هذا
لم يطل الوقت حتى وقفت من جديد لتقول موجهة الكلام لثلاثتهم هيا أذهبوا فدربكم طويل أدعو الله أن يرعاكم ويعيدكم إليَّ سالمين غانمين بصحبة ابنتي الحبيبة
انصاعوا لطلبها وانصرفوا متوكلين على الله........
༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻
في المكان العفن ذاته كاد الخوف أن يقتلها عندما سمعت صوت زوجة عمها وهي تقول: لا تحاولي أيتها اللعينة فلن تنجي من قبضتي هذه المرة
لم تكن العتمة مسيطرة على أعينها فقط بل امتدت لجميع أوصالها لتعلن غيابها عن الوعي من جديد
أما أم حازم فقد أخرجت من حقيبتها الكثير من النقود لتقدمها للذي لهث أمامها ككلبٍ حصل على القليل من العظام مكافأةً على صيده الثمين، وقبل أن تقدم النقود له نظرة إليه بطرف عينها وقالت: هذا نصف المبلغ وعندما تصل بها إلى القرية ستنال النصف الآخر
ابتسم بشيطانية لتظهر أنيابه الصفراء المتهالكة من كثرة تناوله للسجائر بشكلٍ مفرط ثم قال: لاعليك فما كان عليك تكبد عناء المجيئ إلى هنا فقد كنت أوصلتها بنفسي إلى المكان المتفق عليه من قبل
_لم يأتني الصبر على المكوث في القرية بعد أن سمعت عن نجاح خطتك تلك فقررت أن أقطع نصف المسافة لأرى كنزي بعيني هاتين قالت كلماتها ثم ركلت جسد رؤى الساكن بقدمها ثم أضافت أحقنها ببعض المخدر لايجب عليها أن تستيقظ أثناء الطريق كي لا تُعرضنا لمشاكل ليست في الحسبان
_لا عليك سيدتي فالفتاة التي تساعدني تعمل ممرضة ولديها مايكفينا من المعلومات عن التخدير فكل خطوة محسوبةٌ تماما
_ هيّا إذاً تأهبوا للعودة إلى القرية فلا يجب علينا أن ندع المزيد من الوقت للعاشقان فمن المؤكد أنهما علما عن غيابها وأول ما سيفكران به هو أن يبحثان عنها في القرية أني أعلم جيداً مايفكر به أبنائي فإن وصلا القرية قبلنا سيصعب علينا نقلها إلى المكان المتفق عليه ولهذا السرعة مطلوبةٌ الآن
_ لكِ ذالك سيدتي سننطلق على الفور قال كلماته ثم توجه نحو الفتاة التي تساعده وأمرها بأن تحقن رؤى بالمخدر ليسهل التعامل معها أثناء الطريق.........
༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻
جلس الفهد بجانب زوجته على السرير وهو يرسم على محياه ابتسامة حب يخفي خلفها خوفه الشديد على معشوقته الممددة أمامه بجسدها النحيل الذي خسر رشاقته بسبب هذا المرض العقيم الذي يأبى تحريرها من سلاسله المتشابكة فالخوف وهواجس الشك مع الغيرة المرضيّة قد انهكوا طاقة تحملها وحولوا حياتها لمجرد دائرة تدور حولها إلى حين أن تُهلك أو تُجبر على الخروج منها وهنا يبدئ دور الفهد فهو القوة الوحيدة التي ستؤثر على وتيرة دورانها ليخرجها قبل أن يفقدها إلى الأبد فهو غير مهيئ لمثل هذه الخسارة ولهذا يجب عليه الصمود في مواجهة وقهر وسواس معشوقته القهري .
نظرة له بعينين دامعتين ثم قالت بصوتٍ منكسر وحزين : أعذرني يافهد فإني أدرك جيداً مدى معاناتك معي منذ أن أصبتُ بهذا المرض ولكني ورغم معرفتي هذه لا استطيع تغييّر أي سلوك من سلوكي
ابتلعت ريقها ثم أكملت: لا أعرف إلى متى ستحتمل مني كل هذه المعاناة ولكني أرجو الله أن يشفيني قبل أن تملني وتهجرني فلا طاقة لي على العيش من غيرك أنت كأنفاسي إن غبت عني سأختنق حتماً
توسعت ابتسامة الفهد حتى ظهرت بعضاً من خطوط الضحك على طرف عيناه فزادته وسامةً فوق وسامته فلعيناه الكحيلة جمالٌ خاص يخطف القلوب ويأثر الأنظار وهذا سببٌ أضافي لإثارة غيرة ميرا المفرطة فهي تظن أن كل النساء تراه بعينيها ويُفتنون بجماله كحالها أما هو فلا ترى عينيه سواها وفي هذا أجابها:

أميرتي مدللتي جميلتي بدايتي أنتِ
قدري بل أجملُ أقداري أنتِ
حلمي بل أعظم أحلامي سعادتكِ أنتِ
حزني بل جُلّ أحزاني تتمحور بدموعكِ أنتِ
ليتك تعلمين من أنا ومن أنتِ فأنتِ ملكةٌ وأنا مملوكٌ استعبدني هواكِ فجعلني مقيداً بخيوط عشقكِ أنتِ
قال كلماته تلك ثم التقط كفها بين كفيه برقة ثم طبع عليه قبلةٌ وثق بها معاهدة عشقه لها، لم يكن منها أي رد سوى الدموع فلم تكن تملتك موسوعةٍ من الكلمات تصف أحساسها المرهف بصدق كلماته
_خفف عنها الآسر عندما قال مارأي حبيبتي أن نقضي بقيّة هذا اليوم خارجاً
_نظرة له بعينيها المنتفختين أثرى البكاء وقالت: أين
_أجابها وهو يمسك كفيها ليحثها على الوقوف: لا أعلم ربما في الأسواق بين المحلات التجارية أو ربما في أحد الحدائق كي نحلق مع أصوات العصافير أو يمكن لنا أن نذهب إلى قمة أعلى الجبال لنعانق السماء هناك هيا بنا سنقرر عندما نخرج قال آخر كلماته وهو يحملها بعجلة متجه نحو خزانة ثيابها لينتقي لها ثوباً يناسبها
أما هي فقد تحولت دموعها لضحكاتٍ متتالية غير مصدقة بأن زوجها استعاد شخصيته المرحة تلك أو أنه لم يفقدها ولكنها لم تكن تراها في الأوقات الماضية لايهم ففي الحالتين هي سعيدة جداً لوجوده بجانبها مسانداً لها في سرائها وضرائها...........
༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻

طال الطريق وقلب العاشق يتمزق مع كل ذكرى تقتحم ذاكرته ضحكتها دموعها نشاطها يأسها كل حالاتها قد عصفت بمخيلة الهيثم حتى عاد طيفها يلاحقه فتارةً يبتسم لرؤيتها تبتسم أمامه وتارةً أخرى يتجهم وجهه مظهر علامات الحزن لرؤيتها تتألم كحالها عندما كان يبرحها ضرباً لم يعد يحتمل فوضع يديه على رأسه بقوة ثم قال بصوتٍ مسموع أفزع من أمامه: كفى.... كفى
أوقف يامن السيارة فوراً ليطمئن على حال أخيه الذي تحول فجأة من قمة القوة إلى قاع الضعف
أكمل الهيثم غير عابئ بأسئلة يامن وآسر عن إذ كان بخير وكأنه فاقد الأحساس بمن حوله: كفى دعيني وشأني أعلم أني المذنب الوحيد أعلم بأني الظالمُ الأكبر ولكني متعبٌ حقاً سأفعل كل ما تريدين مني أن أفعله لكن كفي عن الظهور أمامي كفي عن تذكرتي بذنوبي فلم أعد أحتمل أررجووككِ، قال آخر كلماته بصوتٍ شبه مسموع ثم استسلم لأغمائه مما أثار الرعب في نفس يامن على شقيقه فطلب من الآسر أن يتولى القيادة إلى أقرب مركز طبي بينما هو يحاول بكل الطرق أعادة وعي شقيقه من جديد ولكن دون فائدة،
كان الآسر يقود بسرعة جنونية حتى وصل إلى أقرب مستشفى فدخل مسرعاً نحو قسم الأسعاف ليتلقاه هناك طاقم من الأطباء الذين اسرعوا لأداء واجبهم فقد ادخلوا الهيثم إلى غرفة الفحص ليتم الكشف عن سبب الأغماء
كان يامن متوتراً بشدة أما الآسر فلم يكن يعلم ماعليه فعله الآن فهو في موقف لا يحسد عليه فعقله عند تلك المسكينة المفقودة وقلبه عند عمته التي لايعلم عن حالها شيئاً الآن بعد أن علمت الكثير عن معاناة ابنتها الوحيدة والآن حال الهيثم الذي يصعب على قلبِ الكافر فويلٌ لكل تلك المصائب التي صُبت معاً في آنٍ واحد على رأس الآسر...........
༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻
طال الوقت على تلك المسكينة قبل أن تستعيد وعيها لتجد نفسها مقيدة على كرسي من الحديد الصدئ بدون أن تُعصب عيناها فهي ترى ما حولها بشكلٍ غير واضح، جالت عيناها بالمكان لتجده خاوياً لا يحوي إلا على بعض الجرذان التي اصابتها بالفزع عندما أقترب أحدها من قدميها فظنت أنه سيقوم بغرس أنيابه بها فانتفض قلبها بشدة وقطراتٍ من العرق البارد قد تجمعت على جبينها وهي تقول بأعلى صوتٍ يمكنها أصدراه ياااااااارب ليس لي أحدٌ سواك نجني من هذا الكرب يااااااارب
قالت كلماتها ثم فتحت عيناها لتشهد على تمزيق جلدها ولكن سرعان ماخاب ظنها عندما وجدة الجرذ يحمل بفمه قطعة خبز يابسة كانت مرمية على الأرض بجانبها ثم يعود مسرعاً إلى وكره
فحمدت الله وشكرته ثم ابتسمت وقالت لنفسها: ما خاب من قال يااااارب
قضت ساعاتٍ طوال وحدها في هذا المكان المهجور لامؤنث لها سوى لسانها الذاكر فلفظ الجلالة وحده مايخفف وحشة هذا المكان ويُسري الطمأنينة في قلبها لعلى الفرج قادم مع قدوم الصباح المنتظر..........
༺༺༺༺༺༺༻༻༻༻

أشرقت شمس صباحٍ جديد لتعلن عن يومٍ آخر يضاف على قائمة اللحاق بمن سبقوه من الأيام العجاف الذين أقسموا أن يمضوا ببطءٍ يضني القلب
هذا ماكان يفكر به يامن وهو ينظر إلى شقيقه الممدد أمامه على أحد الأسرّة البيضاء تتصل بجسده أنابيب طبية متنوعة وكأنه أصبح فجأة كالدمى ثابتاً دون حراك
_قطع أفكاره صوت الآسر وهو يقول خفف عنك يا يامن لابد أن يستعيد وعيه عاجلاً أم أجلاً بإذن الله
_وجه يامن نظره نحو أحد الشاشات يتابع بها نبض شقيقه ثم قال بعينان دامعتان: أرجو ذالك من الله رغم أن حديث الطبيب عن دخوله في غيبوبةٍ تحولية لا يطمئن أبداً
_تنهد الآسر ثم قال محاولاً انتقاء كلماته كي لا يزيد جرح قلب من أمامه ألماً: يمكننا نقله إلى أحد مشافي المدينة ليتلقى العلاج هناك وفي نفس الوقت ستتولى عمتي رعايته بينما.. تلعثم الآسر بكلماته ولكن أنقذه يامن عندما أكمل عنه: لانملك الكثير من الوقت علينا استكمال طريقنا نحوى القرية فلا أحد يعلم ماذا يحدث الآن لتلك الفتاة المسكينة وهي بين مخالب وحوشٌ لاترحم
كان الآسر مستغرباً من موقف وكلام يامن فلم يكن ليمر بباله أنه أحدهم يستطيع وصف والدته بالوحش مهما كانت تملك من صفاتٍ سيئة فهي تبقى أماً أنجبت وربت وعلمت ويجدر بالولد برَّ والدته في كل الأحوال هذا ماكان الآسر يفكر به عند شروده الذي قطعه يامن يقول: هيا ياآسر علينا أن نلتقي بالطبيب المشرف على حال الهيثم لنحصل على رقم محموله لكي نتمكن من التواصل معه ومتابعة حال الهيثم أثناء رحلتنا
_ كيف لنا أن نتركه وحيداً على هذا الحال لن أبرح هذا المكان قبل أن أنقله إلى المدينة ليتلقى العلاج هناك برعاية عمتي
_ سالت دمعات يامن بغزارة قبل أن ينطق ب: أتظن أن قلبي لا ينفطر على الحال الذي أصبح به لا أرجوك لا تظن بي هكذا أنا فقط أدرك أن ماأصابه نتيجة عذاب ضميره له وإن حدث مكروه لرؤى سأخسره إلى الأبد لهذا أود أن أنقذها قبل أن أفقدهما
_ارتعش جسد الآسر وهو يقول: ألهذا الحدد قد تصل الأمور
_ ابتسم يامن بشحوب قبل أن يجيبه ب: وأكثر
_ إذاً سأكلم عمتي لتتدبر موضوع الهيثم بينما نمضي نحن إلى القرية متوكلين على الله
أومئ يامن برأسه ثم توجه نحو غرفة الطبيب المشرف بينما أجرى الآسر اتصاله.............
༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻
تكرار غياب الآسر على غير عادته أثار حفيظة أصدقاءه فقرر القاسم بالنيابة عن خالد والفهد التوجه نحو منزل الآسر ليتحرى عن ما يخفيه الآسر عنهم وهناك صُعق من ما سمعه من السيدة فتون فقد كان يعلم أن مصيبة ٌ ستقع على رؤوسهم أثرى هذا الغياب المفاجئ والغير مبرر.
_قلب كفيه وهو يقول: لماذا لم يخبرنا على الأقل كنا سنقف بجانبه ونقدم له مانستطيع من المساعدة
_ابتسمت السيدة فتون كعادتها وهي تجيبه: لاأعلم يابني لماذا لم يخبركم إلى الآن يبدو أنه لم يرغب بأشراككم بمثل هذا الأمر خوفا عليكم
_خوفاً علينا، أعادها القاسم بتعجب ثم أكمل: خوفاً من ماذا أرجوكِ أخبريني فقد نال القلق مني أوفر منال
_هدء من روعك ياولدي ماقصدته أن هناك بلاغ عن اختفاء ابنتي في مراكز الشرطة وإن ثبت أن الآسر ومن معه يخفون أي معلومات ويتصرفون من تلقاء أنفسهم ربما سيتعرضون للمسائلة القانونية ولهذا أظن أنه لم يخبر أحدكم عن نيته بمتابعة هذا الموضوع بنفسه،
كانت كلماتها ممزوجة ببعض الدموع التي تجمعت في مقلتيها عند ذكرها لاختفاء ابنتها لم تكن المتأثرة الوحيدة بل هناك كانت أم مالك جالسة بصمت تحاول استحضار كل كلمة قالتها رؤى عن تلك القرية لربما تتذكر تفصيلاً ما يمكن أن يفيد في العثور على أميرتها المفقودة.
في هذه الأثناء تعالى صوت محمول السيدة فتون مظهر اسم الآسر أعلى شاشته فردت بسرعة عسى أن يكون حاملاً لخبرٍ سار ولكن خاب ظنها وظن من يسمعا معها صوت الآسر عندما أخبرها بما جرى للهيثم وهم في طريقهم إلى القرية فقد انهارت باكية بعد أن عجزت عن التعبير بأي كلمة فسرعان ما التقط القاسم المحمول قبل أن يصل إلى الأرض وأول ماقاله: لن أعاتبك الآن على فعلتك هذه أعطني العنوان بدقة وسأتولى هذا الأمر بنفسي
_رد الآسر بتعب ظاهراً بصوته: أشكرك على تقدير الظروف التي أمر بها أما عن العنوان سأرسله لك برسالة
_حسناً قالها القاسم ثم أكمل بنبرة رجاء: انتبه لنفسك وكن واثقاً بأني سأكون جاهزاً في أي وقت لمساندتك فقط ثق بي
_أعلم يا قاسم لاداعي لتذكيري فأنت خير أخٍ لم تلده أمي
انتهت المكالمة بينهما على هذا الحال ليقترب بعدها من السيدة فتون التي أحرقت خديها بلهيب دموع الألم على فلذة كبدٍ لم تحظى بنعيم رؤيتها منذ صغرها ويبدو أن ظلم البشر سيحرمها منها طيلة ما تبقى من عمرها طب
تنحنح القاسم ثم قال: هل تودين مرافقتي أم أذهب وحدي إلى هناك وعند الانتهاء من الأجراءات اللازمة لنقل الهيثم اتصل بك لكي نلتقي في المشفى المركزية للمدينة
_لا سأرافقك لاطاقة لي للانتظار
_ هنا تفوهت أم مالك بأول كلماتها إذا لم يعد هناك داعي لوجودي هنا سأعود إلى منزلي
_لا أرجوكِ أبقي معي فوجودك بجانبي يحسسني بالأمل في عودة ابنتي
_ لا تقلقي عزيزتي سوف أعود إليكِ عندما تعودين من سفرك هذا وإلى ذالك الحين سأدعو الله كثيراً أن يشفي الهيثم ويعيده كما كان
_ابتلعت السيدة فتون ريقها وهي تقول بحرج: ألن تذهبي معي
_ليتني أستطيع لما فارقتك فأني أرى بكِ ملامح صغيرتي ولكني لاأقوى على السفر وأخاف أن أعيق سفركما فتتأخرا على الهيثم بسببي
_أومئت السيدة فتون برأسها مع ابتسامة عذبة ثم قالت: لن يطول غيابي انتبهي لنفسك حتى أعود، أرجوكِ لا ترهقي نفسك بكثرة البكاء لابد أن تعود رؤى وإن رأتك حزينة ستحزن كثيراً لطالما كانت حساسةٌ جداً في صغرها
_ ومازالت فهي كالملاك ، قالت أم مالك كلماتها تلك ثم انصرفت مودعة على أملِ لقاءٍ قريب أما السيدة فتون فقد استأذنت من القاسم لكي تجهز نفسها لينطلقا نحو وجهتهما...........
༺༺ـ༺༺༺༻༻
صوت أقدام تأتي من خلفها تقترب رويداً رويدا وعلى وقع كل خطوة يتسارع نبض قلبها خاصة أنها تسمع وقع أقدام أكثر من شخص، اغمضت عيناها بشدة لتفتحهما بعد قليل عقب سماعها لأبغض صوت سمعته في حياتها عندما قالت أم حازم: كيف كانت ليلتك أيتها السافلة أأمل أنه قد نال أعجابك مكان أقامتك الجديد
لا إجابة بقيت رؤى صامته تنقل عيناها بين أم حازم وشابٌ كان يقف على يمينها
اقتربت أم حازم ببطء شديد حتى كادت أن تلتصق بالأخرى التي حاولت جاهدة التزحزح عن مكانها ولكنها لم تقوى سوى على رفع رأسها هرباً من المواجهة المباشرة ولكن هيهات كيف تنجو من براثن شيطانةٍ بشرية كهذه،
انحنت أم حازم ببطء شديد استنفذ الكثير من طاقة تحمل هذه الصغيرة ثم رفعت يدها لتقبض على شعرها بقوة كبيرة لتقول بصوتٍ كالفحيح: على ماذا تحبيني أن أحاسبك في البداية
كان صراخ رؤى يتزايد مع تزايد قبضت أم حازم على شعرها فقد تقطعت بعض خصيلاته الذهبية بين أصابعها ودون أن تكترث لكم الآلام التي سببتها لهذه الفتاة نظرة إلى الواقف أمامها وقالت: أغلق فمها لا أريد أن أسمع صوتها المزعج هذا
انصاع الآخر لطلبها وأحضر قطعت قماش ثم أجبر رؤى على فتح فمها ووضع لفافتاً من القماش بين فكيها ثم لف قطعة أخرى حول رأسها مغلقاً بها ثغر هذه المسكينة كي لاتتمكن من اصدار أي صوت لتكمل أم حازم مابدئته وتذيقها شتى أنواع العذاب دون أن تحسب ليومٍ تقام به محكمة السماء العادلة ويُنصف كل مظلوم يوم يقتص من ظالمه
لم يكن لدى رؤى سبيلاً للتعبير عن ألامها حينذاك سوى بالعنين المكتوم والدموع الغزيرة كما أنها كانت تغيب عن الوعي تارةً ثم تستعيد وعيها من جديد لتتألم بشدة ثم تغيب تارةً أخرى، وعلى هذا الحال مرَّ أكثر من ساعتين فقد ذاق جسدها النحيل أنواع العذاب كالجلدِ والحرقِ والصفع والركل ولم تكن لتتوقف تلك الامرأة عن أفراغ غلَّ وحقد السنين بجسد الفتاة الضعيفة لولا أن أتاها صوت الممرضة: المنفعل ستموت في الحال إن لم تتوقفي عن هذا
كورة أم حازم قبضتها ثم قالت: لا لاأريدها أن تموت الآن فلديها الكثير ويجب عليها أن تهبني ما أبغى منها قبل موتها
لم تكن رؤى في وعيها الكامل فشدّة الآلام أنهكت قواها ولكنها أدركت ما يحدث حولها عندما أصدرت أم حازم أمرها لذالك الشاب بأن يفك رباطها ويقدم لها بعض الطعام
بالفعل نفذ ماسمعه من أمرٍ بسرعة وقدم لها القليل من الحليب مع الخبز المجفف
ولكنها لم تكن لتقبل أي لقيمة من طعامهم فهي تفضل الموت عن هذا الذُل
وهذا ما أثار غضبه هو الآخر ليصفعها على وجهها صفعتاً ضاعفت من سيل الدماء المندفع من فمها وأنفها ولكنها لم تبالي ولم تبدي أي ردت فعل بقيت ساكنة دون حراك فابتعد عنها متوجه نحو الخارج وهو يثرثر بألفاظٍ نابية لا تخرج إلا من فم أنسانٍ لا يمتلك ولاحتى ذرة واحدة من الأخلاق والمبادئ.......
༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻
2 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.