Enasmhanna

شارك على مواقع التواصل

وضعتُ الجريدة بعد أن تصفحت عناوينها فعلمت أني في العام 1918 وهي فترة انتهاء الحرب العالمية الأولى, وبأي مدينة بالتحديد، كنت في المجر.

استأذنت من تلك السيدة صارت تنظر ولي وكأني لست على طبيعتي معها فحتى إجاباتي كانت مقتضبةً جداً ..لأنني بساطة لم أفهم حتى الآن كيف انتقلت إلى هذا المكان والحقبة الزمنية! كل ما أذكره أن تلك الفجوة العجائبية التي ظهرت بعدما تمتمت تلك اللعبة بكلماتٍ غريبة, ومن ثم شعرت بنفسي أطوف هائمةً وكأنني بين المجرات.... حلقت وحلقت وكلمات اللعبة تتردد من كل مكانٍ من حولي... اعثري على الأوراق.

الأوراق هي سبيلي للخلاص" وبعدها همد كل شيٍ لأكتشف أنني استيقظت بإحدى المنازل المجرية إبان الحرب العالمية الأولى لا بل واسمي ميري !!

- ميري ! أأنت معي ؟

تساءلت تلك السيدة لأتنبه لها قائلةٍ بلعثمة:

- نعم, آسفة شردت قليلاً,

،وتعللت بأن رأسي يؤلمني كيلا أرافقها إلى العمل والذي أصلاً لم أعرف ما هو !فانصرفت وحدها إلى العمل .

صعدتُ إلى الغرفة التي استيقظت فيها وانتقيت من الخزانة ثوباً مناسباً, اعتمرت قبعة ًكبيرة وخرجت بعدها أتجول في الأنحاء، كنت على ما يبدو في قرية بسيطةٍ جداً ذات أكواخ ٍ بسيطةٍ حقيرةٍ تمتد على المرج الأخضر محاذية ً لنهرٍ كبير .

كانت النساء تعملن في كل المجالات من حولي. فرأيت النسوة تبيع وتتاجر وتحرث الأرض وترعى الماشية ولكن أين الرجال !! أيعقل ان كل شباب القرية قد اقتيدوا الى الحرب حينذاك !؟ كان وضع المرأة في بعض الدول الأوروبية في مطلع القرن العشرين سيئاً للغاية فكانت سلطة الرجل هي الحاكم المطلق لكل شيء وكان يجري الاتفاق على تزويج الفتيات حتى دون موافقتهن على ذلك مما أدى لوجود زيجات فاشلةٍ كثيرة وزاد الأمر سوءاً أن الطلاق كان ممنوعا في تلك الفترة ...فكان على النساء الصبر على بلائهن وخيانة أزواجهن ونفسياتهم السيئة .ولكني الآن أرى فارقاً شاسعاً ...يبدو أنه بسبب رحيل رجال هذه القرية إلى الحرب اضطرت النساء للعمل ووجدن أنفسهن أمام واقعٍ جديد وأصبحت حواء سيدة نفسها بكل تأكيد..

بقيت أنظر لتلك الفساتين المزركشة والأثواب الريفية البسيطة التي لا تمنع المرأة من القيام بأعمالها .
أدهشتني واجهات المحال التجارية قديمة الطراز حتى استوقفني بناء مكتوب على لافتته (((( مركز شرطة ناجيريف)))) حسناً يبدو أن معالم الأمور تضح شيئاً فشيئاً ، أنا في قرية ناجيريف ، تابعت السير أبحث عن مكتبة ما علي أفهم أكثر أين تقع هذه القرية ..حتى رأيت مكتبةً بسيطة ً تجلس فيها فتاةٌ شابة تبادلنا التحية والسلام ويبدو.أنها تعرفني كذلك !!!

انتقلت إلى رف الكتب أبحث عن كتاب له علاقة بالسحر فلربما وجدت ضالتي هنا فأنا إلى الآن لا أعلم ما الذي علي فعله حتى أعثر على الأوراق , وأين ؟ فكان خياري الأول هو المكتبة.
تفحصت المكتبة رفاً رفاً حتى عثرت على ضالتي في كتاب الجغرافيا وخرائط العالم ولكن يبدو أنه ليس للسحر مكان في هذه البلدة الصغيرة ! جلست على إحدى المقاعد لأطالع خريطة دولة المجر حتى وجدتها وصرت أبحث عن ناجيريف ...
آوه هذه هي "
(بلدة ناجيريف، قريةٌ صغيرة ٌواقعة على بعد ستون ميلا ً الى الجنوب من العاصمة المجرية

(بوداسيف ''هنغاريا ''وتحاذي نهر تيسا ) تعالت قهقهاتي المتعجبة وأنا أهتف : انتقلت مسافةً كبيرةً جداً بالزمان والمكان ! اللعنة !!
أغلقت الكتاب وتشكرت الآنسة وخرجت مكملة طريقي ولكني إلى الآن لم أفهم دوري هنا ازداد تساؤلي وحيرتي حتى رأيتهم من بعيد ،كانوا مجموعة من الشبان والرجال طوال القامة, عيونٌ كأمواج البحر بزرقتها الباهتة وشعرٌ تتفاوت ألوانه ما بين أشقرٍ و كستنائي متماشية مع بشرتهم البيضاء !!.من هؤلاء ؟!
لم أعط بالاً لهم وعدت أدراجي إلى المنزل لأرتاح قليلًا وغدا سأعاود البحث مجدداً لعلي أعرف سرهم.
ليلتي الأولى قضيتها في مطالعة هذه الكتب القليلة التي ترتص في رفوف المكتبة الصغيرة للمنزل ومن ثم النوم باكراً فلا يوجد شيء آخر أفعله .

وفي صباح اليوم التالي خرجت مجدداً لكني هذه المرة دققت بأدق التفاصيل ولم أترك رجلًا أشقر إلا تابعته ببصري لأفهم ما الذي يفعله بقرية كهذه وما زاد تعجبي أنهم يساعدون النسوة ويخالطونهم بطريقة مريبةٍ إلى حد ما!!

من هؤلاء!؟ بقيت أستطلع الأمر مدة من الزمن حتى قال أحدهم لصديقه
- فالنعد إلى المعسكر" وهنا تذكرت بعضا من قراءاتي عن الحرب العالمية الأولى أو لعل أفكاراً ومعلومات انبثقت لذاكرتي فجأة عن تلك الحقبة من الزمن !!
خلال الحرب شيدت الحكومة معسكراً لإيواء الأسرى بالقرب من البلدة ومعظم الأسرى كانو من الجنود الروس ،والمجر آنذاك كانت تمر بأزمةٍ مالية فاضطرت إلى سوق الأسرى للعمل كسخرة في القرى القريبة من المعسكر مقابل إعطائهم بعض الطعام..

...ولكن وما ترائى لي أن هؤلاء الرجال البيض أصبحوا وسيلة تسلية السيدات والنساء فى تلك القرية ووجدن فيهم ضالتهن المفقودة عندما اقتيد رجالهن إلى الحرب .
يا لسخرية القدر!! ....قلت لنفسي وأنا أرى النسوة يتمايلن ويتسكعن دون حياءٍ مع أولئك الجنود بكل حرية دون الشعور بالخزي أو العار ، عدت إلى منزلي بعد هذه الجولة المطولة واستلقيت على السرير وأنا إلى الآن لم أرى امرأة من بين تلك النسوة تشكل خطرا ًأو ساحرة على العكس كل شيء طبيعي هنا طبعا إذا استثنينا موضوع أولئك النسوة الخائنات ...وأنا سارحةٌ في أفكاري طرق الباب بخفة نهضت وفتحت لأرى شاباً وسيماً جداً يتكئ على حافته ويهمس
-هالو" ميري يا قمري المنير ونجمتي اللامعة . .
- من أنت !!!
قلتها بارتباك وخوف عندما حاول التقدم مني أبعدته قبل أن يدخل إلى المنزل وهو متفاجئ من تصرفي الذي على ما يبدو أنه غريب جدا بالنسبة إليه !
فقال بلهجة حزينة :
-ما بك اليوم يا حلوتي ...هاهو موعدنا ككل ليلة أم أنك عشقتِ أحداً غيري !!
-آوه لا ...لا أبداً اسمع ..

أمسكت صدغي أفركه بتوتر فما عشته بهذين اليومين كبيرٌ عليّ استيعابه !...

اسمعني لم أعشق أحدا ولكني اليوم تعبة جدا ً ولن أستطيع إدخالك إلى المنزل أرجوك ارحل الآن اتفقنا ...وسأكلمك لاحقا .

نظر لي بتشكك ثم زفر قائلاً :
-حسناً يبدو أنك لم تعودي راغبة بي سأذهب إلى الحانة إن عدلت عن رأيك ترينني هناك .
أومأت له ثم صفقت الباب في وجهه وأغلقت القفل جيداً وبقيت أنصت حتى استسلم للأمرورحل ،تنهدت واستلقيت على الأريكة متعجبة من هذه الجرأة لدى النسوة !... أنا متزوجة وعلى الرغم من أن علاقتي مع علاء متوترة ٌ قليلا ولكني أحبه .لا استطيع أن أفكر مجرد تفكير أن أخونه حتى ومع جندي من الماضي !!...
قهقهت عالياً من كلماتي
آوه يا إلهي ما هذا التفكير الآن !،نظرت الى ساعتي لأستطلع الوقت .....ولكن مهلاً ما هذا !!!
من البارحة صباحاً حتى الآن لم يتحرك العقرب سوى عشر دقائق ...كيف للزمن أن يسير ببطئ هكذا هنا أم أن ساعتي معطلة


***** استيقظت صباح اليوم الثالث مع إشراقه الشمس على وقع أقدام ثقيلة وكأن مئات الرجال تخطو أقدامهم الأرض وتزلزلها داخل هذا الشارع ...أبدلت لباسي على عجل وخرجت وكما توقعت ..كان عدد كبير من الجنود يبدو أنهم رجال القرية عائدون من الحرب بعد أن انتصروا على جيش العدو ولكن أي انتصار بعد هذا الذل والغدر الذي رأوه هنا ..!!!؟؟

عاد الرجال يتملكهم الشوق لحياتهم وعائلاتهم ولكن أين تلك الحياة الآن !!تبخرت وتلاشت ولم يعد لها وجود....عاد الرجال ورأوا نسائهم بذاك الشكل المخزي وهذا الضلال الشديد، وكانت صدمة النساء اللاتي عاد أزواجهن ليست بأقل صدمة من رجالهم !!

عادوا بعد انتصارهم ليفاجئوا بأن زوجاتهم كن مع رجال العدو وبين أحضانه في الوقت الذي كانوا فيه على جبهات القتال يحمون الأرض والعرض !

***********

وعادت كلمات اللعبة التي قالتها بصوتٍ كالهسيس تدق نواقيس ذاكرتي : مزقت زوجة أبي الوريقات فتبعثرت عبر التاريخ إثر تعويذةٍ لعينةٍ رددتها شفاهها بشكلٍ خاطئ... كانت ساحرة, عشنا مع ساحرةٍ لسنواتٍ دون أن ندري !!

ابحثي عنها كذلك... ستكون متواجدة في كل حقبةٍ تزورينها... لعلها تسترجع ما فقدته بغبائها....

*******

توالت أيامي هنا وتوالت المشاكل والأحداث من حولي بسرعة كبيرة جدا وكأنني جزء من فيلم تعرض أحداثه بطريقة متسارعة،
النسوة رفضن العودة إلى الأيام الخوالي مع أزواجهن اللذين تجرعوا المر بقلبٍ كسير ....ومنهن من رفض التخلي عن العشيق الأشقر الذي خطف قلبها ولبها وبالمقابل أصبح الرجال أكثر عدائية وقسوة ووحشية ...صاروا كالوحوش الثائرة الجريحة يشربون الخمر ليلاً نهارًا عسى أن ينسوا هذا الواقع المرير الذي تلطخوا فيه...
وبالمقابل تمنت النساء لو لم تنته الحرب وبدأن يفكرن بطريقة ما للتخلص من أزواجهن فقد أصبح العيش معهم مستحيلاً جداً وخاصة بعد انفتاحهن واستقلاليتهن بهذا الشكل الفج...
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.