ما قدرت تنام ليان تلك الليلة.
كل الأصوات في البيت كانت غريبة… صوت المطر صار كأنه نبض بطيء، والساعة المكسورة على الحائط رجعت تشتغل فجأة.
قامت من التخت وهي ماسكة الكتيّب، قلبها عم يدق بسرعة، وعرفت جوّاها إنو ما رح ترتاح إلا إذا رجعت للمقهى.
لبست معطفها، طلعت من البيت، والمطر كان ساكت — ما في ريحة مطر، ما في ناس بالشارع.
أول مرة بتحس إن المدينة نفسها نايمة… بس عيونها مفتوحة عليها.
وصلت للمقهى، ولاحظت إن الباب مفتوح شوي، رغم إنو المفروض مسكّر بسلاسل.
دفشته بإيدها، ودخلت.
المقهى كان متل ما تركته بالضبط: الكراسي مقلوبة، الغبار مغطي كل شي، إلا طاولته — طاولة آدم — نظيفة تمامًا، وكأن حدا كان هون قبل دقيقة.
على الطاولة، كان الكوب موجود… بس هالمرة فيه ورقة مطويّة جواته.
فتحتها، مكتوب بخط آدم:
"الظلّ التاني دخل… والباب ما بينغلق إلا بدم وعد."
تجمّدت، وبلحظة سمعت الخطوات من خلفها.
كانت خطوات بطيئة، ثقيلة، كأنها تطلع من تحت الأرض.
استدارت، بس ما شافت حدا.
الظلّ انعكس عالزجاج، طويل، قريب منها أكتر من لازم.
قالت بصوت مبحوح:
"آدم… بدّي أعرف الحقيقة."
سمعِت نفس الصوت القديم، المره هادي أكتر، كأنه حزين:
"انتي كتبتي النهاية… وأنا بقيت فيها."
الأنوار خفّت، والهواء صار بارد لدرجة إن نفسها صار بخار.
الطاولة بدأت تهتز، والكوب انكسر بنصين، من داخله نزلت نقطة دم، وتبعتها كلمة مكتوبة بالحبر:
"الوقت انكسر."
فجأة، كل الصور القديمة على الحيطان انقلبت.
صارت صورها هي — ليان — قاعدة مع آدم، بنفس المكان، بتاريخ أقدم من كل شي تتذكره.
انهارت عالأرض، تمسك راسها، وهمست:
"مين أنا؟ شو صار؟"
الرد إجا من كل الجهات بنفس الصوت، متداخل كأنه من عشرين نسخة منه:
"انتي الوعد… وأنا الظل."