elsayed elrayess

شارك على مواقع التواصل

أستيقظت .....

على هزات رقيقة من يد زوجى أستيقظت ، كانت الشمس قد غابت ولا ينير المكان سوى أضاءة قادمة من الأباجورة فى نهاية الردهة ، أعتدلت ببطء وأنا أتثاءب ومن ثم أقول بصوت يخالطه أثر النعاس :- 

هى الساعة كام  دلوقتى ....؟

أبتسم ( حمدى ) وهو يجلس على طرف الكنبة ويقول :-

الساعة دلوقتى تسعة .... يلا قومى علشان هنخرج  

يااااه .... كل ده نوم .... أنا نمت كتير اوى كده ليه .

ماما ...قالتلى على اللى حصل النهاردة .... ده أكيد أرهاق من السفر .... يلا علشان عاوزين نخرج نتمشى ونلف بالعربية ونتعشى بره .

أوك .... حاضر هقوم أخد شاور وألبس .

قبل أن تقوم وتطبع قبلة على خد زوجها قائلة فى حب :-

شكرا يا حبيبى .

قبل أن تصعد مسرعة إلى غرفتها ، بينما تناول هو ريموت التلفاز ليفتحه ويتابع الفيلم الذى يعرض .....

دلفت ( سلمى ) إلى الحمام وهى تخلع ملابسها وتنزل تحت المياه الدافئة التى تنساب من الدش ولم تكد تنتهى حتى خرجت الى حجرتها وفتحت دولابها لتخرج منه فستان أسود اللون طويل الأكمام ومطرز من عند منطقة الصدر ...فجلست على حافة السرير وأرتدت زوج من الجوارب السوداء التى تصل لمنتصف فخذيها ثم أرتدت الفستان قبل أن تقف أمام المرآه لتصفف شعرها ، ثم تضيف لوجهها بعض من المكياج الخفيف ، ثم أرتدت بالطو من الصوف الأسود الثقيل الذى يصل حتى ركبتيها وتناولت حقيبتها السوداء اللامعه الصغيره لتنزل السلم فى هدوء لزوجها الذى كان مازال فى موضعه كما هو و مازال يشاهد التلفاز ، فألتفت إليها و هويرفع حاجبيه مندهشا و يطلق صفيرا منغوما من شفتيه ينم عن الأعجاب ويقول فى سعادة :-

أيه القمر ده .... ماشاء الله ... وكل ده فى نصف ساعة بس ، ده رقم قياسى جديد ليكى .

شوفت بقى أنا سريعة أزاى .... يلا علشان منتأخرش .

قالتها (سلمى ) وهى تضحك فى مرح 

تناول (حمدى ) مفاتيح سيارته ال بى أم دبليو من على المنضدة أمامه وهو يقول مرحا :-

يلا بينا يا قمرى .

قبل أن تتأبط ( سلمى ) ذراع زوجها ويخرجوا معا ليستقلوا سيارته ويتحركوا بها ، أشعل ( حمدى ) كاسيت سيارته ليصدح صوت فيروز بأحدى روائعها المعتادة والهواء البارد يتسلل لهم يحمل عبق المطر ورائحة الشتاء المحببة للنفس .... كانت تلك من أجمل لحظات ( سلمى ) وهى تجلس بجانب زوجها فى تلك الأجواء الرائعة ، كانت الشوارع خالية ومضاءة فى بعض أجزاءها ومظلمة فى البعض الأخر ولم تمض سوى عشرة دقائق حتى كانا قد وصلا إلى المطعم المقصود ، فركن ( حمدى ) سيارته قبل أن يترجلا منها معا .

كان المطعم موجود على هضبة عالية يصل إليها طريق لا يسمح بمرور السيارات ، كان المطعم يحتل نصف مساحة الهضبة تقريبا ومضاء بأضاءة من النيون مبهر وتتوسطها لافتة ضخمة عليه الأسم (The view ) .

كانوا فى منتصف الطريق تقريبا عندما قال ( حمدى ) فى ضيق :- 

لقد نسيت المحفظه والسجائر فى السيارة ، لازم أرجع أجيبهم . 

فقالت ( سلمى ) وهى تضم شفتيها فى ضيق :- 

أجى معاك يا حبيبى .

لا .... متتعبيش نفسك ... أستنينى هنا وأنا خمس دقايق وهرجعلك .... متقلقيش 

قالها لها وهو يتحرك مسرعا نازلا لسيارته ، بينما أخرجت ( سلمى ) كتاب صغير من شنطتها وهى تستند على السور وتقلب فى صفحاته .

كان ( حمدى ) قد أقترب من سيارته بالفعل عندما وقفت شاحنة سوداء بطريقة مفاجئة أمامه وقفز منها خمسة رجال ، أعترض أثنان منهما طريقه وأحدهما يقول له بشدة :- 

تعال معانا لو سمحت بهدوء ومن غير مقاومة .

توتر ( حمدى ) وهو يقول غاضبا مستفسرا :-

أجى معاكم فين وليه ....؟

قبض أحدهم على معصم ( حمدى ) بقبضة كالفولاذ وهو يسحبه بقوة بينما باقى الرجال يحيطون به كأحاطة السوار بالمعصم  ، لكن ( حمدى ) قام بدفع الرجل فى صدره ، ليسقط الرجل على ظهره بعنف ثم يستدير ( حمدى ) مسرعا ليحاول الأفلات من بينهم ، ليفاجىء بقبضة من أحد الرجال الأخريين تصطدم بوجهه ، فتراجع (حمدى) على أثرها بضعة خطوات للخلف وهناك دوارغريب يحيط برأسه .... قبل أن يجد يديين قويتين تحيطان به وتكبلانه لتشل حركته ، قبل أن ينهال عليه باقى الرجال بالضرب المبرح ، فصرخ ( حمدى ) من الألم وهو ينادى بأسم زوجته :-

(سلمى ) ... ألحقينى يا ( سلمى ) ، بلغى البوليس .

تناهى الصوت إلى مسامع ( سلمى ) التى أستدارت فى سرعة وآلقت نظرة من أعلى السور لتجد زوجها ملقى أرضا وهويقاوم بعنف وثلاثة رجال يحاولون سحبه إلى الشاحنة ، بينما الرجلين الأخريين يحاولان شل حركته .... لم تكد     ( سلمى ) ترى هذا المشهد حتى صرخت فى رعب وفزع وهى لا تدرى ماذا تفعل ...؟ 

كان المطعم أبعد من أن يصل إليه صراخها أو تستنجد بالعاملين به وكان الشارع خالى تماما ، فألقت حقيبتها والكتاب الذى كانت تمسك به وهى تجرى فى سرعة هابطة المنحدر محاولة أنقاذ زوجها .....

جرت بأقصى سرعة سمحت بها عضلات ساقيها والكعب الذى ترتديه ، كانت المسافة بعيدة نسبيا وكانت عضلاتها تنهار لأنها ليست معتادة على بذل هذا المجهود البدنى .... قبل أن يختل توازنها وينكسر كعب أحدى حذائيها لتسقط على وجهها ويرتطم رأسها بالأسفلت ، لكنها تحاملت على نفسها وهى تنهض وتتخلص من حذاءيها بسرعة لتصبح حافية القدمين لا ترتدى سوى جواربها ، ألقت نظرة سريعة على زوجها والمسافة تقل بينها وبينه ، كانت قد خارت قواه تماما وهو يحاول أن يتشبث بباب الشاحنة فى يأس وهم يدفعونه بداخلها بأقصى قواهم وأحدهم يقفز فى مقعد القيادة أستعدادا للأنطلاق بالسيارة .

كانت الدماء تتساقط من جرح فى جبهتها أثر سقوطها لتغطى أحدى عينيها ، عندما رأت بعينها الأخرى على الرغم من الرؤية المشوشة السيارة وهى تتحرك مبتعدة .... صرخت برعب بأسم زوجها وهى تركض خلفها فى اصرار ، كانت الأمطار تتساقط بغزارة والأرض أصبحت زلقة والأضاءة ضعيفة و ( سلمى ) تجاهد لألتقاط أنفاسها بصعوبة وتلهث بقوة والسيارة تبتعد وتبتعد .....

وبأخر طاقة لديها وبعد أن فقدت الأمل نهائيا فى اللحاق بالسيارة ، ركزت رؤيتها على رقم السيارة لتلتقطه بدقة وتكرره ....

270609...... 270609...... لا تنسى يا ( سلمى ) أنه 270609 القاهرة ....

270609 القاهرة ......

قبل أن تسقط على ركبتيها وعيناها معلقة بنهاية الطريق حيث أختفت السيارة فى أول منحنى وهى تكرر رقم السيارة دون توقف .....

 

#  #  #  #  #  

أندفعت ( سلمى ) من باب الفيلا إلى داخل البهو ، كانت الساعة قبل منتصف الليل بقليل ، وبمجرد دخولها أنتفض والد زوجها العميد ( أحمد السعدنى ) واقفا حيث كان يجلس مطالعا كتاب ما وهو يقول فى دهشة :-

فى أيه ..... أيه اللى عمل فيكى كده يا بنتى ...؟ وفين ( حمدى ) أبنى ... مش أنتم كنتم مع بعض ...؟

كانت ( سلمى ) فى هيئة مزرية تماما ، بدون حذاءها و جواربها السوداء الممزقة من عند أصابعها ومن عند ركبتها اليمنى ، مبتلة بالكامل وشعرها غير مهندم ، يوجد أثر جرح غائر فى جبهتها ودماء جافة تغطى عينها ووجنتها اليسرى ....قبل أن تسقط على ركبتيها أرضا ، فتحرك والد زوجها نحوها محاولا أن يلتقطها وكانت والدة زوجها قد تناهى إلى مسامعها صوت زوجها المندهش فخرجت مندفعة من حجرتها حيث كانت تستعد للنوم  ورأت هيئة      ( سلمى ) المزرية ففزعت وخافت ونزلت تجرى مسرعة من الطابق العلوى ، ودارت العديد من السيناريوهات المشؤومة برأسها خصوصا عندما لم تنل جواب من ( سلمى ) على أسئلة زوجها تروى بئر حيرتهما .

كانت ( سلمى ) وسط كل هذا لا تشعر بأى شىء مما يحدث حولها ، لا ترى سوى ظلال مهتزة لشبحى والد ووالدة زوجها .....

كانت قد خارت قواها خصوصا أنها لم تتوقف عن الركض منذ حادث أختطاف زوجها ، كانت فى مكان غريب ولا تعرف أى شخص هنا سوى عائلة زوجها ، لم تستطع أن تستقل السيارة عائدة للمنزل لأن المفاتيح كانت مع زوجها ولم تجد أمامها أى أحد فى هذه المنطقة الجديدة يقدم لها يد المساعدة وبالتالى لم تجد أمامها سوى السير حينا والركض أحيانا للعودة للمنزل وحتى هذا لم يكن بالهين ....  كانت الأمطار تنهمر بغزارة والرياح الباردة تهب بقوة تكاد تقتلعها من مكانها وتجمد أوصالها ، وعلى الضوء الخافت الذى تبثه مصابيح الأضاءة الموزعة فى الطرقات حاولت أن تهتدى إلى المنزل ولم يكن هذا بالهين او اليسير ، لكنها تمكنت من فعلها بعد ان أنهكت تماما وحان الوقت لكى تستسلم وبأخر ما تبقى لها من قوة وطاقة قالت بصوت واهن مهزوز :-

270609 القاهرة .... (حمدى) أتخطف ....

قبل أن يطبق الظلام على وعيها .... وتفقد الوعى ,,,,,

ويسود الصمت المكان .....

    


#  #  #  #   #  

0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.