elsayed elrayess

شارك على مواقع التواصل

ديسمبرعام 2000

طريق القاهرة القادم من المطار الساعة الحادية عشر ليلا 

انطلقت سيارة بى أم دبليو موديل 2000 فضية اللون تنهب الطريق بسرعة عالية نسبيا .....

كانت الأصوات تتردد بداخل السيارة تحمل بهجة وسرور وترددت ضحكات قصيرة سعيدة .....

كان العميد ( أحمد السعدنى ) يقود السيارة وبجانبه ولده الطبيب ( حمدى ) القادم من الأمارات منذ قليل مع عائلته الصغيرة المكونة من زوجته ( سلمى ) وأبنته الصغيرة ( فريدة ) اللتان تجلسان فى المقعد الخلفى للسيارة وبجانبهما والدة زوجها السيدة ( زينب الجيار ) .

قالت ( زينب ) فى سعادة وهى تقبل ( فريدة ) فى حب :- 

أخيرا .... أخيرا رجعتوا بالسلامة وهتقعدوا فى مصر معانا على طول ، الحمدالله ربنا أستجاب لدعواتى ....

بينما قال العميد ( أحمد السعدنى ) بصرامته المعتادة :- 

بس أنت غلطان وأتسرعت يا ( حمدى ) خلتنا نبيع الشقة الفخمة اللى كنا قاعدين فيها جمب أهلنا وناسنا وروحت أشتريت فيلا فى الصحراء حطيت فيها كل فلوسك من الغربة وفلوس الشقة كمان ، ومن غير عقود كمان ....

ضحك حمدى بمرح قبل أن يقول معقبا : -

يا بابا ...أولا ده مش صحراء ولا حاجة ، ده مدينة جديدة وكل الناس النضيفة بتشترى فيها ..... ثانيا مساحتها الكبيرة والجنينة علشان ( فريدة ) وكلنا هنعيش مع بعض ده غير أنى ممكن أفتح فيها عيادة كمان وبعدين فى نفس المنطقة اللى فيها المستشفى اللى هشتغل فيها .... بالعكس ده أحسن حاجة عملتها ، ده غير أنها أستثمار للزمن ..... وبعدين ده صاحبى وعشرة عمرى مش محتاج أكتب معاه عقود وبعدين مفتاح الفيلا معانا أهو ويومين بالكتير وهنكتب العقود ، بلاش القلق ده ..... كل حاجة تمام أن شاء الله .

بينما أكملت والدته قائلة : -

متقلقش يا ( حمدى ) كل حاجة هتبقى كويسة وبعدين كفاية أن أحنا كلنا هنقعد مع بعض وهنشوف (فريدة) كل يوم كمان ، ده بالدنيا وما فيها .

نظر العميد ( أحمد السعدنى ) لحفيدته النائمة كالملاك بالمقعد الخلفى بمرآة السيارة وهو يقول :-

عندك حق يا ( زي.......

قطع حديثه صرخة ( حمدى ) المفزوعة وهو يصرخ قائلا :-

حاسب .... حاسب 

كانت أمامهم سيارة نقل ضخمة أنحرفت عن مسارها بشكل مفاجىء قادمة من الأتجاه المعاكس لتتجاوز الرصيف الفاصل قبل أن تنقض على سيارتهم كالوحش الهائج ، حاول العميد ( أحمد ) أن يتفاداها لكنها كانت تسير بسرعة جنونية وسائقها فقد القدرة على التحكم بها نهائيا ، لتصطدم بهم وتطيح بالسيارة التى أنقلبت عدة مرات بصوت مفزع وصوت التحطم المعدنى والأرتطام يصم الأذان ....قبل أن تستقر السيارة بى أم دبليو على جانب الطريق وقد تشوهت معالمها تماما وهى مقلوبة على ظهرها والنيران مشتعلة بها ....

       

   #  #  #  #  #  

5 ديسمبر 2000

جلست ( سلمى ) على الأرض فى تلك المستشفى الحكومى أمام العناية المركزة ، كان وجهها ممتلىء بالسحجات والكدمات ويبدو عليها التعب والأرهاق ، لكن ليس بها أى أصابات ظاهرية واضحة ، وبمجرد خروج ذلك الطبيب الأربعينى من العناية ، حتى أنتفضت ( سلمى ) واقفة وهى تجرى نحوه مسرعة وتقول بقلق :

طمنى يا دكتور على حالة ( فريدة ) بعد أذنك .

نظر لها الطبيب لبضع لحظات قبل أن يقول :-

مفيش أى جديد للأسف وكل يوم الحالة بتسوء عن اليوم اللى قبله ، بنتك محتاجه رعاية أحسن من كده بكتير .... ده غير العملية اللى محتاجاها بأسرع ما يمكن ..... للأسف الأمكانيات هنا مش كفاية ومش هنقدر نعملها حاجة .

والحل ... الحل أيه ؟

الحل أنك تنقليها من هنا بأسرع ما يمكن لأى مستشفى أستثمارى وتعمليلها العملية هناك .

بكت ( سلمى ) فى قهر وهى تقول :- 

أنا معيش مليم ، كل حاجة راحت أبوها وجدها وجدتها ماتوا كلهم فى الحادثة , وهى زى ما أنت شايف وأنا مكنش ليا غيرهم .... كلهم ماتوا و أنا أطلع من الحادثة المريعة دى بشوية كدمات وسحجات .... سبحان الله       يارتنى كنت مكانك يا بنتى ، يارتنى كنت أنا ....

قبل أن تكمل قائلة :-

قبل الحادثة أبوها الله يرحمه باع الشقة وحط تحويشة العمر فى شرا فيلا من واحد صاحبه من غير أى ضمان ولا عقد ولا حاجة ....كان بيقول ده صاحب عمرى ، أهو صاحب عمره لما رحتله أتوسل علشان يدينى فلوس وياخد الفيلا تانى علشان أعمل لبنتى العملية وأنقذ حياتها ....قالى الندل بكل بجاحة أن مفيش حاجة من ده حصلت ومفيش حاجة تثبت عملية البيع أو أنه أخد فلوس .... أخد الفيلا والفلوس و أنكر كل حاجة ، حسبى الله ونعم الوكيل فيه .... أشوف فيه يوم ..... أعمل أيه بس .... أعمل أيه يا ربى ....

نظر لى الطبيب لعدة ثوان وتعبير الأسف يملىء وجهه وهو يقول فى آسى و تأثر واضح :- 

ما باليد حيلة ، مفيش أدامك غير أنك تستنى معانا وأنا هحاول أقدملك ميعاد العملية .... ربنا معاكى يابنتى .

قبل أن ينصرف ويتركها وحيدة .....

وهى تبكى ......

وتبكى .......


   #  #  #  #  # 


 

7 ديسمبر 2000

كانت ( سلمى ) تزداد ضعفا وفقرا، أنقلبت حياتها بين طرفة عين من النقيض للنقيض ...... من الغنى للفقر ، من السعادة إلى الحزن .....

كانت تجلس فى حجرة صغيرة متهالكة فى حى قديم بالقرب من المستشفى الحكومى التى تمكث بها أبنتها .....

كانت الفلوس القليلة التى تمكنت من جمعها بعد أن باعت مصوغاتها الذهبية القليلة التى كانت ترتديها بالأضافة إلى حسابها البنكى الذى كان به بضعة ألوف من الجنيهات كادت أن تنفذ وهى لا تدرى ماذا ستفعل غدا ....

أو كيف ستنقذ حياة أبنتها .....

عندما سمعت طرقات قوية على باب حجرتها ......

أنتفضت فزعا كعادتها منذ الحادثة و أتجهت ناحية الباب وفتحته ببطء لتلقى نظرة على الطارق لتجد أمامها صديق زوجها المهندس ( حسنى عبد الواحد ) ، تجهم وجهها بمجرد رؤيته وأنقبض قلبها لتقول : -

أنت عرفت عنوانى أزاى ..... وأيه اللى جابك دلوقتى ، ضميرك صحى وقررت ترجعلى فلوسنا .

أبتسم بسخرية وسماجة وهو يقول :-

تقدرى تقولى كده تقريبا ، ممكن أدخل علشان نعرف نتكلم ونتفق ...؟

ترددت لثوانى قبل أن أحسم قرارى وأقول له وأنا أفسح له الطريق للدخول :- 

أتفضل ...لما نشوف هتقول أيه .

دلف إلى الحجرة بخطوات بطيئة وهو ينظر بأحتقار إلى جدرانها المتهالكة وأرضيتها المتسخة قبل أن يقول :-

أنا عاوزك فى شغلانة بسيطة .... الشغلانة ده هتحل ليا كل مشاكلى وهتحل ليكى مشكلتك وتنقذ حياة بنتك . 

نظرت له ( سلمى ) بأستغراب وهى تقول :-

شغلانة أيه ده ...؟

عملية ...عملية بسيطة مش هتاخد ألا دقايق 

عملية أيه ده 

هكذا رددت ( سلمى ) 

نظر لها ( حسنى ) لبضعة ثوان قبل أن يقول :-

عملية قتل 

قتل .... شكلك أتجننت ، أنت مش بس حرامى ونصاب لا وعاوز تبقى سفاح كمان .... بره .... أمشى أطلع بره ، تصدق أن أنا غلطانة أنى دخلتك وسمعتلك أصلا أنت عم ......

قاطعها قائلا فى غضب :- 

مش عاوز غلط وقلة أدب .... لو أنتى مقتلتيش فى غيرك كتير هيرضى يقتل ، بس أنتى اللى هتخسرى .... أنتى اللى هتفضلى عايشة فى المستنقع ده وبنتك هتموت ومش هتقدرى تلحقيها .....فأهدى كده وأسمعينى .....

صرخت فيه فى غضب وهى تقول :- 

ولما فيه كتير ممكن يقتل .... جيت ليا ليه ، أيه اللى حدفك عليا ؟

علشان أنتى ملكيش سوابق ومفيش أى علاقه أو صلة تربطك بالضحية أو حتى بيا .

نظرت له ( سلمى ) لبضعة ثوانى قبل أن تقول :- 

يعنى أنتى محتاج ليا دلوقتى مش كده ... ؟

زى ما قلت ليكى العملية كده كده هتتعمل سواء أنتى عملتيها أو غيرك ، وبرده كده أو كده مفيش أى شكوك هتحوم حواليا ، بس أنا قلبى الطيب قالى أنتى أولى من الغريب خصوصا أنك محتاجه كل قرش علشان بنتك .

يعنى أنت سرقتنى ودلوقتى جاى تبتزنى علشان ترجعلى حقنا مقابل أنى أساعدك فى تنفيذ أفكارك القذرة ..... تصدق أنك أوسخ أنسان شوفته فى حياتى . 

وأنتى هتوافقى .... أنا جاى هنا وواثق ومتأكد أنك هتوافقى .  

قبل أن يخرج من جيب معطفه ظرف صغير قدمه إليها وهو يقول :- 

الظرف ده فيه كل التفاصيل .... فيه صورة الست اللى هتقتليها وعنوانها وأزاى تدخلى الفيلا و أزاى تخرجى منها .... أنا عاوز الموضوع يبان كأنه سرقة علشان محدش يشك فى حاجة ، النهارده بليل يكون الموضوع ده خلصان .

نظرت له ( سلمى ) قبل أن تقول بتردد :-

وفلوسى ... هاخد فلوسى أمتى ؟ وأضمن منين  أنك مترجعش فى أتفاقك .... أنت واحد ملكش كلمة . 

نظر لها بأستخاف وهو يقول :- 

بنتك لو قلتى أه هنقلها حالا لأحسن مستشفى فى مصر وهحط مبلغ تحت حساب علاجها .... ولو خلصتى الموضوع ده النهاردة بكره الصبح أن شاء الله هتدخل تعمل العملية ، لكن لو قلتى لا .... أنا هاخد الظرف وأمشى ولا كأنى قلتلك حاجة .

طيب والست ده مين ...؟ وعندها عيال ولا لأ .... وعملتلك أيه ؟

تؤ ...تؤ...تؤ .... ل ده ميخصكيش يا ( سلمى ) ... كده كفاية عليكى ، قلتى أيه ... أتفقنا .

قالت ( سلمى )  وقد حسمت قرارها :- 

ماشى ، هقتلها .... مفيش أدامى حل تانى ، بس بنتى تتنقل المستشفى دلوقتى وميعاد عمليتها يتحدد 

بس كده حالا .... يلا بينا .

قالها وهو يتحرك خارج الحجرة و أنا أتبعه فى أستسلام قبل أن أقول :- 

بس لعلمك لو منفذتش أتفاقك لأى سبب هقتلك أنت كمان .... ما اللى يقتل مرة ممكن يقتل التانية والتالتة كمان ....

ضحك بأستخفاف :- 

أكيد ... أكيد .... يلا بينا متعطلناش 

قبل أن نتجه لنقل أبنتى ( فريدة ) لمستشفى أخرى وخلال ساعتين كان قد تم الأعتناء بها وتحديد موعد لعمليتها بالغد بعد دفع باقى مبلغ العملية المرتبط دفعه بتنفيذى لجزئى من الأتفاق ....

كانت هناك نظرة أنتصار مرتسمة على وجه ( حسنى عبد الواحد ) وهو يعلم أنه قد أحكم قبضته عليا و أنى أصبحت طوع بنانه .....

أكد عليا مرة أخرى أن أكون حريصة وألا أؤذى أى شخص أخر سواها .... وأن أقتلها هى فقط وأن أجعل الأمر يبدو أنه حادث سرقة تطور بالصدفة لقتل ....

فكرت أن أبلغ عنه الشرطة .... لكنى تراجعت فليس هناك أى دليل يؤيد كلامى ، فحتى الظرف الذى أعطاه ليه ليس دليل أدانة له .... وحتى أذا أبلغت الشرطة وتمكنت من أثبات كلامى وتم سجنه فأنه قد ينتقم من ومن أبنتى ....حتى لو لم يفعل هذا .... فكيف ستقوم أبنتى بعمل العملية دون الأموال التى سيقوم بدفعها ،

كنت بين المطرقة والسندان ، وليس أمامى خيار أخر .... أما حياة أبنتى لأما حياة تلك السيدة التى لا أعرفها ....

وهكذا أصبح الأختيار سهل ورجحت كفة أبنتى ، لكنى أقسمت أنه لو خدعنى هذا الوغد المدعو ( حسنى ) بأى صورة من الصور ولم يسدد تكاليف عملية أبنتى .... أو حاول أن يبتزنى مرة أخرى بأى شكل من الأشكال بأنى سأقوم بقتله .... وبأبشع وسيلة ممكنة .....

هكذا حسمت قرارى لتنفيذ هذا الأمر الكريه ..... 

  #  #  #  #  #  

كانت الأمطار تتساقط بغزارة لتدوى بصوت عالى كطلقات الرصاص .....

كانت الساعة الثامنة مساء تقريبا لكن نظرا للأمطار الغزيرة والبرودة القارصة فقد تحولت المدينة إلى مدينة أشباح وساعد على هذا وجود هذه الفيلا فى هذا المكان المنعزل .....

كانت الفيلا مجاورة للفيلا التى كان يفترض بنا أن نسكنها ، تلك التى باعها هذا الوغد لنا ، حاولت أن أتناسى تلك الذكريات الأليمة التى غيرت مجرى حياتى تماما لأركز فى المهمة التى أنا بصدد تأديتها .....

كم كنت أستحقر وأكره نفسى لموافقتى على أداء هذا العمل القذر لكن للأسف لم يكن باليد حيلة لقد وضعنى ذلك الوغد أمام معادلة حسابية بسيطة لأما حياة تلك المرآة لأما حياة أبنتى وجزء من أموالنا ...... ولقد كان الأختيار سهل بالنسبة لى كأم وهى حياة أبنتى بالطبع ......

دوى البرق ليضىء المكان لبضعة لحظات ويعكس صورتى على زجاج النافذة المغلقة الموجودة بالدور العلوى ، كنت قد تسللت بالفعل لداخل المنزل بسهولة على حسب التعليمات التى تركها ذلك الوغد لى ....                                    عندما أنعكست صورتى على الزجاج لم أصدق أن هذه هى أنا ......

كنت أرتدى السواد وأغطى وجهى بقلنسوة الجاكت الذى أرتديه ، وأحكمت أغلاقه على جسدى بينما غطيت يداى بقفاز سميك حتى لا أترك أى بصمات خلفى .

كنت أقترب بخطوات حذرة من الحجرة التى حددها لى وأنا أتحسس السكين الضخم المخبأ فى حزامى أسفل ملابسى ....

وفجأة فتح باب الحجرة لأجدها فى وجهى ، تلك المرآة التى معى صورتها والمراد بى قتلها ، كان يبدو أنها تفاجأت برؤياى كما تفاجئت أنا ....قبل أن تقول فى خوف وفزع :- 

من أنت ؟ ماذا تفعل فى منزلى ؟ وكيف دخلت لهنا ...؟

لثوان دارت كل ذكرياتى وأحداث حياتى برأسى ....

تذكرت كل شىء ....

تذكرت طفولتى وحنان أمى .....

تذكرت أبى وحكمته .....

تذكرت زوجى وكيف ألتقيت به وأحببته من أول نظرة .....

تذكرت أبنتى ومشاعرى يوم ولادتها .....

تذكرت أول قبلة طبعتها على وجنتها وأول كلمة نطقت بها .....

كيف وصل بى الحال لهذا .....

هل أيمانى وثقتى برحمة الله سبحانه وتعالى ضعبفة لهذه الدرجة .....

هل لهذه الدرجة يسهل السيطرة على وأن أتخلى عن كل مبادئى وقيمى ....

هل سأكون قاتلة ....

هل سأقتل أم وأحرم أولادها منها .....

هذه ليست أنا .....

بالتأكيد ليست أنا .....

ووجدت نفسى أقول بتلقائية :- 

أنا أسفه ....والله العظيم أسفة .

فقالت لى بهدوء وحنان :-

عاوزه فلوس ، عاوزة تاكلى ...؟

تراجعت بظهرى و أنا أقول :- 

بنتى فى المستشفى ومحتاجة عملية ضرورى 

ممكن أساعدك أحنا أغنيا الحمد الله ، أحكيلى بس 

تراجعت بظهرى وأنا أقول فى توتر : -

أنا أسفة .... أنا مش عاوزة حاجة خلاص .

ألتفت لأهرول تاركة كل شىء خلفى عندما سقط السكين أرضا مرددا صدى ورنين معدنى مميز ، أنحنيت فزعة لألتقطه عندما أصطدمت عيناى بعينى تلك الفتاة المرعوبة .....

كانت طفلة نحيلة ترتدى ملابس النوم المميزة للأطفال وعمرها لا يتجاوز بأى حال من الأحوال الثمانية أو التسعة أعوام على أقصى تقدير .....

وقبل أن أتحرك قيد أنملة ..... صرخت الفتاة ....

صرخت وصرخت بصوت مدوى ، كان صوتها مزعجا جدا ....

كان يحرق أعصابى ، كان يدمر البقية الباقية من تماسكى .

قبل أن تجرى ناحية والدتها ، التى يبدو أنها توترت بصراخ أبنتها ورؤيتها للسكين بيدى الذى كنت أنحنيت لألتقطه لأخفيه فى ثيابى مجددا ، لتفقد ثباتها الأنفعالى وطيبتها وهى تنقض على ......

تنقض على كذئبة شرسة تدافع عن صغارها ، لتسقطنى أرضا وهى تكيل لى اللكمات ....

حاولت أن أدافع عن نفسى وسددت لها عدة لكمات بدورى .....

قبل أن أشعر بذلك السائل الدافىء اللزج الذى لوث يداى ......

كنت مازلت ممسكة بالسكين فى يدى الذى أصبح مغطى بالدماء ، بينما تراجعت هى ممسكة بصدرها فى آلم وهى تجاهد لألتقاط أنفاسها ..... بينما أبنتها لا تزال تصرخ وتصرخ ......

صراخ هستيرى متواصل .....

قفزت ناحيتها ....فجرت فى رعب ودلفت إلى حجرة والدتها ....

حاولت أن أسكتها لكنها أستمرت فى الصراخ والركل والضرب ....

أمسكت بها ووضعت يدى على فمها محاولة أسكاتها .....

لم أدرى كم مضى من وقت لكنها سكتت أخيرا .....

أرتخى جسدها وفقدت عينيها بريق الحياة 

وسكتت للأبد 

كانت أمها تزحف ببطء وتغطى الأرضية بدمائها النازفة حتى وصلت للحجرة لتحاول أنقاذ أبنتها لكن الوقت لم يسعفها ، لتلفظ أنفاسها الأخيرة على أرضية الحجرة بينما أبنتها أصبحت جثة هامدة على السرير ......

نظرت للسكين المغطاة بالدماء ودسستها فى ملابسى .....

نظرت لما حولى وأنا غير مصدقة أن يداى قد أقترفت هذا ....

شعرت بالخوف والفزع والندم .....

ألتفت خلفى لأغادر الغرفة ، لأجد ذلك الطفل أمامى ....

كان يبدو أنه قد أستيقظ من النوم لتوه .....

أصطحبته لخارج الغرفة وأغلقت الباب خلفى .....

قال بصوته الطفولى :-

ماما فين ....؟ فين ماما ....؟ 

أصطحبته لغرفته قبل أن أقول له بهدوء : -

نام .... ماما نامت .... كمل نوم ولما تصحى الصبح هتلاقى ماما صحيت .

وضعته فى سريره ووضعت عليه الغطاء قبل أن يلفت نظرى تلك الصورة ....

صورة الأم والأبنة والأبن ومعهم الأب .....

ذلك الأب الذى كنت أعرفه جيدا ....

كان الأب هو ( حسنى عبد الواحد ) .

ذلك الوغد خدعنى مجددا لقتل زوجته ، لكنى قتلت أبنته أيضا ..... ، أى وحش آدمى هذا اللعين الذى تجرد من كل المشاعر الأنسانية ومشاعر الأبوة ليدفع لى ويستغلنى ويساومنى لقتل زوجته وفى وجود أبنائهما فى المنزل معها .....

عليك اللعنة أيها الحقير .... بل عليك ألف لعنة ولعنة .....

ألتقطت الصورة ودسستها فى جيبى قبل أن أنصرف بسرعة لأغادر ذلك المنزل ......

كان على الذهاب لمقابلة ذلك الوغد المدعو ( حسنى ) ....

كان يجب على أن أجعله يوفى بوعده قبل أن يعلم بما حدث هناك ... فأنا لا أضمن رد فعله بعد أن يعلم بمقتل أبنته ......

عليه اللعنة ..... عليه ألف لعنة ولعنة ..... 


#  #  #  #  #  

 بابا .... بابا.... ماما وتوتو مش بيتحركوا .....

هى قالتلى نام ولما تصحى هيصحو ..... بس هم مصحوش ....

هكذا قال الطفل لوالده فى الهاتف وهو يبكى فى خوف .

أنتفض ( حسنى ) من على مكتبه وهو يقول : -

ما تخافش .... ما تخافش يا حبيبى ، أنا جايلك أهو .... بابا جايلك على طول .

ليغلق الهاتف وهو يقول فى جنون : -

بنت الكلب ... بنتى .... قتلت بنتى 

وجدها أمامه فى منتصف مكتبه واقفة فى صمت متشحة بالسواد ، فقال فى غضب هستيرى :- 

عملتى أيه ....عملتى أيه يا مجنونة يا بنت الكلب ؟

قلت له بغضب :-

أنا برده اللى مجنونة ..... ليه ؟ خلتنى أقتل مراتك ليه ...؟

أنهار على كرسى مكتبه مجددا وهو يقول فى حزن :- 

علشان فلوسها .... علشان بوليصة التأمين ، علشان كل حاجة بأسمها وملكها وأنا فاشل ... مجرد فاشل لا أملك شىء وهى المتحكمة فى كل حاجة ، كنت لازم أخلص منها علشان أتحكم فى كل حاجة ..... بس بنتى ، بنتى ماتت ليه ، قتلتيها ليه ؟

نظرت للأرض بأسى و أنا أشعر بغصة فى حلقى :- 

حادث .... كان الأمر كله حادث .

أنتفض واقفا مجددا وقد أستعاد نظرة الغضب والجنون مجددا فى عيناه : -

حادث .... حادث يا بنت الكلب ....أنا هقتلك أنتى وبنتك زى ما قتلتى بنتى . 

قبل أن ينقض على بعنف وفى يده فتاحة الخطابات ، دفعته للخلف وجريت .... لكنه جرى خلفى بأصرار وجنون ..... أنقض على مرة أخرى بحجمه الضخم كان كالثور الهائج المتعطش للدماء و أزداد جنونا على جنون .....

قاومت وجريت لأجد نفسى عند حافة الشرفة فألتصقت بها بظهرى فى خوف....

حاول أن يدفعنى لكنى تفاديت أنقضاضته ، قبل أن أدور حول نفسى برشاقة و أدفعه بكل قوتى ليتراجع بظهره ويصطدم بسور الشرفة ويختل توازنه .....

حاول أن يتماسك و يتشبث بأى شىء لكنه لم يتمكن من هذا .....

ليسقط من الشرفة فى الدور السادس ....

ليسقط أرضا جثة هامدة فى منتصف الطريق ......

وعندها علمت أنى خسرت كل شىء ....

خسرت نفسى وأصبحت قاتلة .....

بحثت عن الأموال الموجودة بالمكتب فلم أجد سوى مبلغ لا يتجاوز العشرة ألاف جنيه فجمعتهم سريعا ودسستهم فى جيب سترتى  لكنى للأسف لم أتمكن من فتح الخزانة المغلقة بأحكام ....

ركضت على المستشفى الموجودة بها أبنتى .....

كنت أمنى نفسى بأن تكون العشرة ألاف كافية حتى ولو لأجراء جزء من العملية أو حتى كمقدم ...... لكن للأسف يبدو أن عقابى الآلهى لم يتأخر كثيرا لأنى 

لم أكد أصل حتى وجدت جسد أبنتى مسجى على محفة يدفعها الممرض وقد فارقت الحياة و أصبحت جسد بلا روح ..... 

تشبثت بالمحفة وحاولت أيقاظها .... ناديتها بأسمها العديد من المرات بلا مجيب .... حاول الممرضين أبعادى عنها ....لكنى أخذت أصرخ فى جنون .... منادية أياها  :- 

( فريدة ) .... ( فريدة ) ماتسبينيش يا ( فريدة ) مش بعد كل اللى عملته تروحى منى ....

سقطت أرضا منهارة ، لم أستطع ألتقاط أنفاسى ....كان هناك ثقل هائل يجثم على صدرى .... وتدور فى رأسى العديد من الأفكار السوداء المرعبة لما ينتظرنى فى هذه الحياة ....

ها أنا لم أتمكن من أنقاذها ولم تنتظرهى حتى أودعها ......

فارقت تلك الحياة القاسية لتلاقى ربها وتركتنى وحيدة ....

خسرت أبنتى ...أبنتى ماتت .... هذا هو الأنتقام العادل منى لما أقدمت عليه ....

لم أقدرعلى وداعها ...... 

تحاملت على نفسى لأقوم من سقطتى وأدفع من حاول مساعدتى من الممرضين أو الأطباء ..... قبل أن أغادرالمستشفى وأمشى كالمومياء وسط الأمطارالتى تنهمرعلى من السماء مثل أنهمار دموعى ندما وأسفا ....

لم أكن أعلم لأين أنا ذاهبة ..... أو ماذا سأفعل وحيدة فى هذه الحياة خصوصا بعد ما أقترفته يداى .....

لكنى أخذت أسير وأسير من دون هدى.....

لأنسى كل شىء ....

كل شىء عن حياتى السابقة وما حدث بها  ...... 

  

#  #  #  #  #  

  فتحت عيناى .....

لأجد الفتى الذى تركته منذ عشرين عام وقد أصبح شاب ....

شاب ينظر لى بكره وحقد وغل .....

قبل أن يقول لى بصرامة : -

أعلم أنك تذكرتى ، نظرة عينيك لى تغيرت .... نظرة الجهل أختفت منهما .

قلت بصوت منخفض حزين : -

أيوه أفتكرت ، أفتكرت كل حاجة .... أنت صح ، أنا اللى قتلتهم ... قتلتهم وقتلت بنتى معاهم .

نظر لى بتفحص وهو يقول بشك : -

بنتك ماتت معاهم ليه وأزاى ؟ وقتلتيهم ليه ...؟

نظرت له وصمتت تماما ....

ماذا سأقول له ...؟

يكفيه ما عرفه ...يكفيه ما عاشه من عذاب وآلم ....

سأترك له ذكرى والده السعيدة غير ملوثة .... لن أخبره أن والده هو السبب .... لن أخبره أن طمع وجشع والده دمر أسرته وكان السبب فى مقتله هو شخصيا ومقتل زوجته وأبنته من قبله ، ووفاة أبنتى .....

بابا .... بابا هو اللى دفعلك علشان تقتلى ماما .... بابا هو السبب فى كل ده مش كده ...؟ لما كبرت عرفت أن بابا مش هو الأنسان المثالى اللى كنت فاكره ، ورثت كل أموال أمى ، لكنى لم أنس .... لم أنس قط .... بس ليه أنتى عملتى كده ... ليه ... ؟

فاجأنى بما قاله ويبدو أنها أستنتج الكثير من ملابسات تلك الليلة فرفعت رأسى نحوه  وأنا أجيبه قائلة :- 

أبوك سرق فلوس جوزى ، وأنكر كل حاجة بعد ما جوزى مات فى الحادثة وبنتى كانت بين الحياة والموت فى المستشفى ..... كانت بنتى بتموت أدامى وأنا مش عارفة أعملها حاجة ، وأبوك أستغلنى.... أستغل ضعفى وقلة حيلتى ، أستغل أنهيارى النفسى بعد وفاة جوزى والظروف اللى كنت فيها .... وعرض عليا عرض صعب أنى أرفضه ، أنت لو كنت مكانى مكنتش هترفضه ..... حياة بنتى قصاد حياة أمك .... أبوك كان عاوز أمك تموت علشان ياخد فلوسها وأختك ماتت بالغلط ... خطأ غير مقصود وبنتى أنا كمان ماتت فى المستشفى .... ده كان أنتقام ربنا منى .

نظر لى وألتقت عينانا وهو يقول :- 

الأن تأكدت كل شكوكى .... طمع أبى دمر حياتى وقتل أمى وأختى .

أقترب منى بهدوء قبل أن يخرج من جيبه محقن يحتوى على سائل شفاف ليضعه بجانبى وهو يقول : -

لسنين كتير حلمت باللحظة ده ، وحطيت مئات السيناريوهات فى رأسى لأزاى هتكون اللحظة ده ؟ وأيه كانت أسبابك ؟ وهعمل معاكى أيه ؟؟ ، أنا للأسف مش هقدر أقتلك بأيديا زى ما حلمت طول السنين اللى فاتت .... علشان أنا مش عارف أنتى ضحية من ضمن ضحايا أبويا وتستحقى الشفقة والرحمة ولا مجرمة وشريكة معاه وتستاهلى كل العذاب اللى عشتيه علشان أنجرفتى معاه .... بس أنا هكون أكثر رحمة منك وهسيب الأختيار ليكى أنتى ... لأما تعيشى مع كل الذكريات المؤلمه والسوده اللى أنتى أفتكرتيها ده ومع عذاب ضميرك زى ما أنتى سبتينى أعيش ليلتها ومقتلتنيش وفضلت أموت كل ليلة بعدها  ، لأما تموتى نفسك وتقابلى ربنا ( سبحانه وتعالى ) و هو اللى هيفصل بينا كلنا ... وكل واحد فينا ياخد جزائه وعقابه الآلهى .

قالها قبل أن ينظر لى مطولا ولأول مرة ألاحظ أن نظرة الكره فى عيناه التى كان ينظر بها إلى بأستمرار لم تعد موجودة ، قبل أن يستدير ويغادر المكان ويتركنى وحيدة ....

ألتقطت المحقن بيد مرتجفة كنت قد حسمت أمرى منذ أن تذكرت أحداث تلك الليلة لن أستطيع أن أحيا بعد الأن ربما ما ساعدنى على أن أحيا كل هذه السنوات الماضيه هو أنى لم أكن أتذكر شىء ، كانت هذه رحمة ربنا  ونعمة النسيان التى ساعدتنى على أن أحيا وأتعايش أما الأن فلم أعد أستطيع ، خصوصا أنى مشتاقة لأبنتى وأتمنى أن أراها وأحتضنها وأقبلها مجددا .....نظرت بجانبى وكنت مازلت مستلقية على الأرض  و ألقيت نظرة على تلك الفتاة الجميلة ....أبنتى.....( فريدة ) التى جلست بجانبى فى صمت وهى تبتسم لى فى حب .....

بادلتها الأبتسام وأنا أغرس أبرة المحقن فى وريدى ، قبل أن أضغط على المحقن لينساب السائل الشفاف فى عروقى ....

وأنا أقول فى هدوء وسكينة أنتظرت طويلا حتى أتحصل عليهما : -

أخيرا سألتقيكى يا أبنتى الحبيبة ..... أخيرا سأرتاح .

قبل أن أتمدد على الأرضية وأغلق عيناى وأستسلم للنوم ....

0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.