محمد حسن عبد الجابر

شارك على مواقع التواصل

- 2 -
كانا يجلسان فى مقهى ( اللؤلؤة ) فى واحدة من أفضل المناطق الريفية بمدينة الأسكندرية ,  يتميز المقهى  بمساحة شاسعة  فهو  يستولى على  المساحة الأرضية بالكامل للعقار الذى يعلوه كما أنه يطل على  ناصية الشارع العمومى  ..
هذا العقار ملك عم جابر و هو رجل أشيب الشعر و قد بلغ من العمر ستون عاما   كان جالسا فى المقهى و الذى يملكه أيضا مع سيد و هو رجل أربعينى , يجلس عم جابر على مقعده المميز أمام مكتبه و فى الجهة المقابلة للمكتب كان يجلس سيد و أمامه  منضدة  صغيرة وضع عليها
صينيه تحمل  فنجان القهوة المانو و كوباً من الماء ..
على هذا المكتب يتم أمضاء عقود الأيجار أو التمليك للشقق الخالية بالعقار ,     عم جابر يتحدث دوما مع الزبائن عن الشقق الخالية بفخر و فى ثقة محسومة لما يمتاز به العقار من موقع جغرافى  حيوى و كامل الخدمات ناهيك عن رخصة البناء التى حصل عليها من الحى للعقار بأكمله و التى  تجنب السكان شبح مشاكل الهدد أو التصالح و ما شابه من كوابيس تلاحق المواطنين على فترات متقاربة ..
كان سيد  يخطب ود عم جابر فى محاولة لتقليص  قيمة الأيجار لكن بائت محاولاته بالفشل و كاد أن يثير غضب عم  جابر فقرر أن يكف عن المحاولة      و يقبل بكلام عم  جابر لأنه يدرك أن الأتفاق مناسب له و عليه فقد جرف مجرى الحوار  و أشار بأصبعه للخارج الى فيلا تبدو غريبة الأطوار تقع على قرب من المقهى و بالتالى من الشقة التى سيقيم بها  فسأل عم جابر عنها فى شغف على سبيل التعرف على المكان و ما فيه , لكن فى الواقع سيد من الشخصيات اللبلابية يتعايش و ينمو على معرفة أخبار الغير و التطفل على حياتهم و نقل الأخبار بعد أضافة التوابل الأدبية لها و هذا بالتأكيد  يزج  به فى مشاكل متنوعة مما أدى أيضا لأنتزاعه لقب عصفورة  و  بجدارة ..
كان  واضحا  على  تعابير وجه عم جابر أنها أتسمت  بالغضب عندما جادله سيد فى قيمة الأيجار  و عندما غير سيد الموضوع بمكر و حول وجهة الكلام للأستفسار عن الفيلا كان يتوقع أنه بذلك يساعد عم جابر على أن تعود قسمات وجهه المقبوضة للبشاشة المعهودة عنه لكن ما حدث كان غير ذلك ..
لقد تبدلت ملامح عم جابر من الغضب للأنزعاج و التوتر 
و بدا الحزن جليا فى عينيه  بعد سؤال سيد ..
عقد سيد حاجبيه و قال : مالك يا عم جابر ؟ و ماله البيت دة ؟
عم جابر فى شرود : فيلا كمال القناوى .. الفيلا دى يا سيد يابنى كل أهل القرية تعرفها كويس و يعرفوا أهلها اللى كانوا موجوديين فيها , وقتها كله كان بيحب بعض و القرية دى كانت عيلة واحدة  كبيرة فى المناسبات الحلوة والوحشة كله كان يتجمع و نفرح سوا ونحزن سوا .. لحد لما حصلت الفاجعة !!
تمتم سيد فى ذعر : أيه اللى حصل يا عم جابر ؟؟
أستطرد عم جابر و قد تغرغرت عيناه : من 6 سنين كانت عيلة الحاج كمال القناوى صديقى و حبيبى - الله يرحمهم - طالعين رحلة مصيف ..  كان  كمال          و زوجته الحاجة هنية و أبنتهم هويدا و سمر زوجة أبنهم  و الحفيدين التؤام   ريم  و مصطفى  4 سنين  ولاد  سمر و نضال ..  راكبين الأتوبيس السياحى     و فى طريقهم الفرامل هربت من الأتوبيس والسواق كان على سرعة عالية فركب الجزيرة و أتقلب .. كان فى نقل تقيل جاى ورا منه حاطط بسرعته ملمش نفسه لبس فيه و هرسه و كل اللى فى الأتوبيس اتوفوا قبل ما توصل الأسعاف !!
- أنفلتت دموع عم جابر على دون رغبة منه و فشل فى مقاومتها -
شرد سيد للحظات من فرط الصدمة ثم عاد و سأل : أنت قولت نضال يا عم جابر ابن الحاج كمال و أبو الطفلين صح ؟ كان فين ؟ و ايه اللى حصله ؟
عم جابر : نضال الوحيد اللى نجا فى العيلة دى لأنه مكانش معاهم .. نضال بطل الجمهورية فى الملاكمة و كان وقتها بيدرب ملاكمة فى أكاديمية خاصة  و كان عنده أجتماع مهم جدا مع أدارة الأكاديمية  اليوم دة لازم يحضره و فعلا قرر يحضره بعد ما أتفق مع الأدارة  أنه هيسافر على طول بعد الأجتماع و فعلا    حجز بصعوبة  تذكرة فى الأتوبيس اللى معاد رحلته بعد                                رحلة الأتوبيس اللى طلع فيه عيلته ..
سيد فى نهم : و بعدين ؟
عم جابر : عرف الخبر على الطريق وهو فى الأتوبيس لما سمع السواق بيتكلم فى الموبايل و سواق زميله  بيبلغه بالخبر  فـ جن جنونه  و صبر لحد لما الأتوبيس اللى هو راكبه وصل لمكان الأتوبيس المهروس  اللى كان
مقبرة لعيلته كلها و فى يوم واحد !!
قدر الله و ما شاء فعل و محدش يعز على اللى خلقه يبنى ونعم بالله , بس الصدمة كانت فوق أحتمال نضال , حبس نفسه بعدها فى الفيلا دى 4 سنين مانع أى حد يقرب منه أو من الفيلا و كان يطلع منها للشديد القوى بس
و ساب شغله و زهد الدنيا !!
سيد : و السنتين اللى بعدهم  دول راح  فين  ساب  الفيلا ؟
عم جابر : ميقدرش يروح فى حتة و يبعد عن الفيلا دى و يسيب ذكرياته فيها لأنه كبر فيها و أتجوز وخلف فيها .. بس الزنقة وحشة و اربع سنين من غير شغل ولا دخل صعبة برضه و أتضطر أنه يبيع عربيته علشان يصرف و بعدها باع دهب كتير و لما لقى مفيش فايدة من الوضع دة  و بعد ألحاح غير منقطع من زمايله الكباتن فى الأكاديمية  , وافق أنه  يرجع يدرب بوكس تانى بس فى الفيلا عنده و خاصة أنه عامل لنفسه فى الفيلا جيم صغير كدة و مكان تانى فيه حلبة ملاكمة كان بيتدرب فيه من زمان و الحاج كمال كان بيشجعه وبيدعمه ..               قرر زمايله أنهم ميتخلوش عنه فكانوا بيقابلوه بشباب عايز يتمرن فى    مجموعات خاصة و بدأ يخرج من القوقعة اللى دخل فيها بس برضه                         لسة حاطط حاجز كلفة زجاجى مع كل الناس ..
سيد فى فضول : و الحاجز دة معاك أنت كمان يا عم جابر و أنت صاحب والده    و شكلك كنت قريب منه ؟
أندهش عم جابر من تأهب مراكز الفضول  لدى سيد و قال له : بص يا سيد بما أنك فطن كدة و بتحب التفاصيل هريحك بس علشان أقولك مغزى كلامى دة كله ليه فى الأخر .. الحاجز الزجاج دة بيتكسر معايا أنا بس يا سيد فاهمنى ؟؟
رد سيد و قد ضاقت عيناه فيما يوحى بالغباء : تقصد  ايه يا عم جابر ؟
عم جابر : القصة دى بطلت أتكلم فيها من زمان و أهل القرية كمان لأن بتقلب علينا أوجاع بتعصر قلوبنا بس أنا حكيتلك  لانك غريب عن القرية و متعرفش أحداثها  فكان واجب عليا أحكيلك علشان أفطنك .. 
نضال عامل زى حقل الألغام يا سيد لو قربت منه  .. هينفجر فى وشك .. عيش معانا فى سلام و ملكش دعوة بحد  و أنسى الفيلا دى  بس متنساش تحذيرى ليك من اللى ساكن  جوة الفيلا دى .. عيش فى حالك لأن أهل القرية دلوقت بقى كله فى حاله لأسباب كتير منها أعباء الحياة  و  أهمها المحزنة اللى عاشها أهل القرية يوم ما نضال خسر عيلته و الوضع أتغير بعدها ..
أومأ سيد برأسه و كانت عيناه شاردتان الى لا شئ  ..  فتناول عم جابر القلم  ومضى بأسمه فى الوريقات التى أمامه ثم
أزاحها لسيد و ناوله القلم ليفعل كما فعل ..
تم أمضاء العقود و دفع التأمين و المقدم و أتمام عملية الأيجار و عزم  سيد على الرحيل فوقف ممسكا بحقيبة ملابسه و قبل  مغادرته للمقهى و صعوده  لأستلام الشقة  بسط  يده ليسلم على عم  جابر  و هو يقول له :
أن شاء الله معرفة خير ..
فمد عم جابر يده ليسلم على سيد و هو ضاغطأ على يده و  قال له :
تذكر يا سيد .. تذكر أن تتذكر .. خليك دايما فى حالك ..
**********************
الظروف التى مر بها نضال لم تكن عادية على الأطلاق .. تجاوز محنة الفراق  كان أمرا معقدا بالنسبة لنضال,هذا الشاب و الذى يبلغ من العمر ثلاثة وثلاثون عاما .. بقايا حطام أنسان بداخله كانت مازالت متمسكة بالحياة و جعلته يعود تدريجيا .. عاد و لكنه تبدل تماما و كأنه شخص أخر و كان ذلك واضحا لمن كان يعرفه .. الصدمة كانت ثقيلة عليه و مازال يشعر بوطأتها , تحول من شخص أجتماعى مرح لأكثر شخص صمتا و الأقل كلاما على الأطلاق ..
فيلا  كمال القناوى تم تصميمها على طراز حديث من قبل مهندس ديكور ذات صيت مشرف فى مجاله , تم الأخذ بعين الأعتبار عند تصميم الفيلا  بناء حمام سباحة طبيعى مثله كمثل أى حمام سباحة و لكن نضال بنفس عين الاعتبار طلب من المهندس تصميم حمام سباحة  أضافى و لكن بمواصفات مختلفة نوعا ما      و بجانب هذه المواصفات يكون موقع حمام السباحة فى مكان مغلق له سقف        و يكون مخفى عن الأنظار قدر الأمكان .. و قد كان .. و نجح المهندس
فى تلبية رغبات نضال اللوغاريتمية !!
كانت المحصلة النهائية رائعة لتصميم الفيلا و تنفيذها من قبل المهندس حلمى مهندس الديكور الذى فعلها على المعتاد منه ..
لقد وضع الحاج كمال ما أختزنه طيلة حياته من جنيهات دهب و أموال  فى ابتياع قطعة الأرض و بناء فيلته الحالية عليها و التى عاش حالما بها ليستمر شمل أسرته فى الترابط و يعيش هو و أبنائه و أحفاده فيما بعد فى مكانا واحدا يسعهم جميعا و يمكنهم من الأنسجام و التكيف ..
أنتقل كمال القناوى الى فيلته الجديدة منذ حوالى خمسة عشر عاما هو و أسرته من منزل قديم   يقع  بالقرب من  الفيلا    ..
*****************
اليوم و بعد مرور ستة أعوام على حادثة أسرة كمال قناوى يعيش نضال فى الفيلا وسط  ذكرياته و ألامه و مع حربه الداخلية فى المقاومة من أجل البقاء ..  هذه الفيلا و قد خيم عليها من الخارج شبح الحزن و الكأبة  و كأنها حزينة على فراق ساكنيها , باتت أضاءة الفيلا سقيمة معظم الوقت حتى  التفاعل فى محيط  جنينة الفيلا و الحركة  حول حمام السباحة الأساسى قلت هى الأخرى من الأدق وصفها بشبه معدومة فقد غابت الملائكة الصغيرة الذين كانوا يملئون هذه البقعة مرح    و فرح و طاقة أيجابية , قلما ما يستخدم نضال هذا الجزء من الفيلا بعد الحادثة خاصة و أنه قد تم تخصيص الطابق العلوى بالكامل لنضال بعد زواجه من سمر   و كان فى البداية يحتل نصف الطابق عندما كان أعزب فبجانب غرفته الأساسية  كان يستغل غرفتان أخريتان غير غرفته الخاصة واحدة منهما حولها لجيم مصغر من بارات وتارات بأوازان متعددة و بعض الماكينات الرياضية المتواضعة , والغرفة الأخرى أسس فى مركزها حلبة ملاكمة و فى أركانها وضع  أدوات الملاكمة من قفازات و كيس الملاكمة الرملى و غيرها من أدوات ..                و ساعده فى  ذلك أن الغرف تكتسب مساحات فسيحة تلهم  بأبتكار أفكار فى أستخدامها و أستغلال بعضها بشكل مختلف ..
الطابق السفلى كان يضم غرف عديدة منها مثلا غرفة كمال قناوى و زوجته هنية  و غرفة أخرى لأبنتهم هويدا ..
من أبرز الأماكن المتواجدة بالطابق السفلى ذاك الممر الطويل و الذى يشبه الدهليز .. عند المرور منه يشعر الماشى و كأنه فى جيب خفى من الفيلا , أخر الممر باب خشبى ضخم  فخم .. عند فتح الباب يظهر حوش صغير بعده يوجد سور من السياج الحديدية هذا السور يطوق غابة مصطنعة و أن جاز التعبير             و لكنها بدون نباتات  يتوسط هذا السور باب حديدى
من نفس السياج الحديدية المكونة للسور يسمح بالدخول و الخروج منه  !!
الغابة على النحو التالى ..  حمام السباحة و الذى وضع نضال  تصميمه مع المهندس حلمى عندما شرع فى تشييد هذه  الفيلا ,  حمام السباحة كان ملحق به درج سلم خرسانى مكسو بالسيراميك و لكنه أكبر من المألوف لدى حمامات السباحة فكان أعرض من الطبيعى .. محيط  حمام السباحة كان عبارة عن أرض صخرية صناعية  خصص جزء منها ليكون رملى و فى زاوية من هذا المحيط تستقر  بناية أرتفاعها عن الأرض حوالى متر على شكل صخرة مدرجة
يجلس على سطحها نضال !
شاب قوى البنية مفتول العضلات و قد كان
شاردا و كأن ذهنه محلقا فى عوالم أخرى !!
رن هاتف نضال و الذى كان بجانبه فأنتبه و عاد الى عالمنا أمسك هاتفه           و نقر على أيقونة الرد الخضراء على شاشة هاتفه و كان المتصل هو أسر ..
نضال فى صوت محشرج بسبب فترات الصمت التى تقضيها حنجرته :
أزيك يا أسر .. قدامك أد أيه و توصل ؟؟
أسر : الحمد الله يا كابتن .. أنا وصلت و واقف أدام  بوابة  الفيلا ..
  ممكن تفتحلى ؟
نضال فى أقتضاب : أنت لحقت .. أنت لسة مكلمنى  من شوية  ..
أسر : النهاردة  يوم  الحد و السكة رايقة ..
نضال :  جايلك ..
و خرج نضال مسرعا فى الممر الطويل بعد أن أوصد  الباب الحديدى للغابة الصناعية  لكنه  دفع الباب الخشبى الضخم  خلفه
و لم يتحقق من أحكام غلق الباب الخشبى  جيدا  !
أسر هو شاب لا يتجاوز الخامسة عشر من عمره من الناشئين فى رياضة الملاكمة يقوم بتدريبه كابتن نضال فى كورس برايفت على رغبة من أسر منذ حوالى عام و توصلا لبعضهما من خلال أحد الكباتن زملاء نضال سابقا فى الأكاديمية  التى كان يدرب فيها و أحد المخلصين لنضال و قد أصر على    مساندته  و تقديم العون له للخروج من محنته ..
مر أقل من دقيقة و كان نضال يفتح البوابة ليسمح لأسر بالدخول لكن أمرا جعله ينزعج و يحملق فى أسر و قال له بعد أن صار صوته أجش : أيه دة يا أسر ؟!
تلعثم أسر عند الأجابة و جاوبه : أسف يا كابتن دة جاكس الكلب بتاعى  و للأسف محدش عندى فى الفيلا  دلوقت أسيبه معاه وهو كمان أصر بشكل غريب  أنه يجى معايا .. معلش هو هيقعد فى هدوء يستنانى لحد لما أخلص التمرينة و نمشى على طول ..
رد نضال فى زجر : أنا مبسمحش بكدة لحد يا أسر بس أنا بعزك و هوافق المرة دى بس أستثناء   ..  خليه دايما يبقى قريب منك ..
رد أسر منشكحا  فى أنفراجة : حبيبى يا أبو الكباتن .. أوامر ..
دخل أسر و جاكس و أوصد نضال خلفهما البوابة الحديدية للفيلا  و توجهوا صاعدين الدرج للطابق العلوى حيث صالة تدريب الملاكمة الخاصة بتدرب نضال و التى أتخذها موقعا لتدريب الناشئين ..
بدل أسر ثيابه بملابس رياضية  و شرع فى الأحماء قبل البدء فى التدريب متبعا توجيهات كابتن نضال و الذى كان يجهز أدوات التمرين و يعد برنامجا لتدريب اليوم , على مقربة جلس الكلب جاكس فى أسترخاء باسطا  ذراعيه
و مفترشا رجليه يتابع صديقه ..
بينما كان نضال منهمكا فى تدريب أسر و قد أندمجا الأثنان وهما يستمتعان بهذه اللحظات و التى تجعلهما يرتقان الى حالة من السعادة والرضا النفسى و هذا الشعور يكون وليد ممارسة الرياضة عندما يعتبرها الرياضى أسلوب حياة  ..  كان شعورا كفيلا لأن ينسيهما حضور الكلب و الذى أختفى وراح يتسلل عبر الدرج بعد أن أنتصبت  أذناه و أشتدت و هذا يدل على أرتيابه من أمر ما ,    الكلاب تشعر وتحس وتشم وتسمع ما هو غير مألوف و تتجه                                  لتبحث عن ما هو مريب و غريب فى المكان !
نزل جاكس على الدرج و سلك الممر الطويل و قد بدأ نباحه يشتد كلما أقترب  من الباب الخشبى الضخم الفخم و الذى تركه نضال  مواربا  دون  قصد ..
فجأة تزايد  نباح الكلب فأنتبه كلا من نضال و أسر لأبتعاد الكلب                    و هرول نضال دون تعقل يلاحقه أسر وهو لا يفهم سبب ذعر مدربه لكنه أستشعر أن هناك أمرا مزعجا جعل جاكس  ينبح هكذا , كان النباح يعلو كلما أقتربوا  وقتها فهم نضال الى أين توجه جاكس فتتحول هرولته للوثب خاصة و قد بلغ  نباح جاكس لذروته ثم أنقطع فجأة !!
وصل نضال و أسر أخر الممر فوجدا الباب الخشبى غير موصد و عندما جذبه نضال بعنف على أخره و دخل هو و أسر حتى صعق أسر من هول المنظر !!
و أيقن نضال حينها أنه أصبح فى ورطة حقيقية ..
أستطاع جاكس أن يتسلل من السياج الحديدية لداخل الغابة الصناعية لكنه لم يستطع أن يفلت من بين فكى التمساح رعد
و الذى داهمه عندما فلت من السور الحديدى !!
رعد هو السر الذى كان يخفيه نضال و أسرته عن كل أهل القرية عدا عم جابر   و الذى كان يعرف بأمر التمساح الذى أطلق عليه نضال أسم رعد منذ أن         أشتراه  له  والده  وهو فقس صغير  ..
رعد يصل طوله الأن لحوالى أثنان متر ونصف المتر.. كان قابعا أسفل  الصخرة المدرجة و قد تخضب فكيه بالدماء أثر الفتك بجاكس وقطمه الى نصفين !!
مشهد كان كفيلا بأن يصل بأسر للأنهيار و قد هاج و ماج  و هو يصرخ غير مستوعب  ما حدث لكلبه و غير مصدق لوجود هذا الكائن الذى يقع على بضع خطوات و يفصله عنه مجرد  سور حديدى .. حاول نضال جاهدا تهدئة أسر و قد جلجلت صيحاته للخارج بسبب وجود نافذة  تهوية صغيرة  فى المكان تسمح بدخول أشعة الشمس والهواء كما أنها تطل على شارع  رئيسى  .. حاول نضال السيطرة على أسر و أن يهدئ من روعه  حتى لا يشعر من بالخارج بما حدث و ينكشف سر رعد بعد كل هذه السنوات لكن بائت محاولات نضال بالفشل و أضطر أسفا لأن يكيل له لكمة متوسطة الى  ذقنه أنهت الموقف بأن سقط  أسر مغشيا عليه ثم خرج نضال فى الممر مسرعا متوجها للبوابة الرئيسية للفيلا                      بعد سماعه تكرار صوت جرس الفيلا  لمرات عديدة ..
يفتح نضال و هو  يتمتم باللعنات فقد حدث ما كان يتوقعه و لا يرغبه  , وجد     عم جابر و جمعا من أهل القرية و قد تعرف على بعضهم و برز من بينهم سيد الذى كان يفسح لنفسه و يشق طريقه بين الجمع ليجد نفسه يقف فى مواجهة  نضال مباشرة و قد أصبح عم  جابر على جانبه  !
سأله عم جابر و سط صيحات المتواجدون : أنت بخير يا نضال يبنى ؟؟ أحنا سمعنا نباح غريب لكلب و صوت حد  بيزعق أو بيتخانق .. فى مشكلة معاك ؟ نقدر نساعدك ؟
نضال : مفيش حاجة يا عم جابر دة التلفزيون و كان صوته عالى حبة .. أنا أسف على الأزعاج  دة  يا جماعة و تشكروا .. تسلم يا عم جابر و ..
هنا قاطعه سيد و عينيه تخترق الفيلا  للداخل و قد  تقدم خطوة  فخبط كتفه فى نضال وتزحزح  وخطى البوابة الحديدية و قال : بس يا كابتن نضال دة مش صوت تلفزيون خالص .. دة كان صووو....
رمقه نضال بنظرات صارمة كاسحة و صار صوته أجش ثم تحول بناظريه لعم جابر وقال له فى ضجر  بعد أن أمسك بذراع  سيد و قد  أحكم عليه قبضته بقوة فقطع جملته و ثبته مكانه  :  مين دة ؟!!
لم يعط سيد فرصة للحوار أن يستمر و حاول أن يتقدم مرة أخرى للدخول و أستكشاف الفيلا و معرفة ما حدث كذلك لم يعطه نضال الفرصة و فى لمح البصر جذبه من ذراعه فـ تقهقر سيد للخلف ثم  وجه له نضال لكمة قوية جعلت الدم يسيل من أنفه ..  كانت لكمة عنيفة
تسببت فى كسر عظمة أنفه و جعلته مترنحا غير متزنا !!
نضال من الطراز الذى لا يعبأ بالعواقب عندما يثار غضبه لكنه كان يجيد توجيه اللكمات لمراكز الوجه على حسب الموقف الذى يتعرض له !
كاد الأنفلات  أن يعم المكان لكن تدارك عم جابر الموقف و صاح فى الجمع بالأنصراف بعد أن حمل أحدهم سيد على كتفه متجها به الى مستوصف القرية لعمل الأسعافات اللازمة له  و قد  كان سيد يخطرف و يتوعد نضال فى هذيان أنه سيدفعه ثمنا غاليا لما أرتكبه فى حقه ..

داخل الميدان كانت الفوضى مازالت تسود المكان رغم أنتهاء العرض و مغادرة فريدة و ماسة للميدان , و لحسم الفوضى و فض الموقف كان لا مفر  من  فك قيود طارق العايق و صرفه عن المكان .. بات ذلك جليا للمتعقلون المتواجدون من أصحاب المحال بالميدان , بالفعل شرع أحدهم و المدعو أيمن بمساعدة شريف    و كريم من فك قيود العايق و ما أن أنتهوا حتى سكبوا على رأسه جردلا من الماء البارد فسهل عملية الأفاقة و قد نجحت محاولتهم ..
كان العايق جالسا أرضا  ممددا رجليه و ظهره مستندا لجذع الشجرة الراسخة     و قد أتخذ هذا الوضع بواسطة الثلاث شباب , بدأ العايق يستجمع نفسه تدريجيا وهو يلتفت حوله فيجد نفسه فى هذا الوضع و هو نصف عارى و أمامه جمع من الناس يضحكون و يتابعونه و كأنه قرد يقدم أحدى فقرات القرداتى , كان المشهد  يزيد من  صعوبة أستيعاب  العايق لما حدث له فيصرخ فيهم و هو يتسائل و ظل يردد جملة واحدة فى ذهول  : أيه اللى حصل .. أيه اللى حصل ..
بدأ ينهض و هو غير متزن فيقع و يعاود محاولة الوقوف مرات و مرات          و الجمع  من حوله يبتعد و ينتشر عشوائيا فى الميدان تحسبا لأى تهور ينتج من العايق  مع ألقائه بكلمات وجمل سخرية من هنا وهناك
بما يفيد أن ينظر لوجهه !!
وقف العايق أخيرا بصعوبة و كان تأثير خليط  البرشام مع الحشيش مع البنج الذى تعرض له عقله  جعله يمشى  و كأنه زومبى حتى وصل لمحل أيمن الذى يعرض أمام محله نموذجا لبيع نظارات شمسية و سحب العايق المرأة الدائرية المصغرة   و نظر فيها فأتسعت عيناه و ثغر فاه و ألقى المرأة بتهور على الأرض فتهشمت و هم  فى ألتقاط الحجارة من الأرض فهرع الناس من حوله و ساد الهرج و المرج لكن العايق تناول الحجارة وبدأ فى تصويبها فى جنون تجاه محل
- وشم و رسم - و هو يسب فريدة  سبابا مقذعا و أصبح فى حالة من الهيستيريا الكاملة فأحدث أتلافات  بالغة فى الديكورات الزجاجية التى تتزين بها واجهة المحل هنا أنقض عليه الثلاثة الذين حرروه من قيوده و تمكنوا من السيطرة عليه            و قيدوه مرة أخرى و أتصلوا بفريدة و التى لم ترد عليهم فكانت غارقة فى سبات عميق , فتم الأتصال بماسة و أخبروها بما حدث و كانت تتحدث
مع شخص بجانبها طلب منها أن تخبرهم بأن يتحفظوا عليه
لقليل من الوقت و سينتهى الموضوع  ..
ماسة كانت بصحبة والدها العقيد أحمد السويفى رئيس مباحث  قسم  شرطة     فى أحدى المناطق الريفية بمحافظة الأسكندرية ..
كان العقيد السويفى  قد أنهى عمله فى هذا اليوم على دون رغبة منه  و غادر قسم الشرطة بأوامر من أبنته ماسة و هى أبنته الوحيدة و فؤاد قلبه , ليذهبا سويا و يختاران هدية مناسبة للحاجة عفاف زوجة السويفى و والدة ماسة بمناسبة عيد زواجهما و فى طريق العودة بعد أن أبتاعوا هدية قيمة , قصت ماسة على  والدها و صديقها  - كذلك تشعر تجاهه منذ نشأتها -
ما حدث معها و مع فريدة اليوم فى الميدان وتضجر لأنها لم تخبره من بداية الأمر فأخبرته أنها رغبة  فريدة و كان يتحتم عليها أن تحترمها ..
مر وقت قصير حتى وصل السويفى و أبنته  ماسة للميدان , لاحظت ماسة ما حدث لديكورات المحل فأنفعلت و صرخت فى زجر و توبيخ لطارق العايق وهو مكتوف الأيدى و ملقى أرضا و تسللت دمعة من عينيها حزنا على الخسائر التى لحقت بالمحل دون أن تبالى بخسائر العايق و التى دفعته للقيام بذلك ..
على أثرها تم مجاملة السويفى باشا من بعض الشباب المتواجدون منهم أيمن
-  صاحب محل نظارات شمس و أكسسوارات -  فى الميدان  و كريم
- صاحب محل صيانة و بيع هواتف محمولة و أجهزة لاب توب                                   و كاميرات مراقبة - و كانا على معرفة به  جيدا و قد قضى لهما سابقا بعض الخدمات الصعبة بتوسط من ماسة , فقاما بحمل و شحن العايق فى حقيبة  سيارة السويفى باشا  كما طلب منهما و غادر سيادة العقيد ليعود مرة أخرى لمكان عمله و معه أبنته و العايق , طلب من ماسة أن تتصل بفريدة و تخبرها أن تحضر فورا لقسم الشرطة و بحوزتها كل الدلائل التى تثبت وقائع التحرش من رسائل               و فويسات و أيضا الفيديو الذى تم تسجيله بالمحل ..
*****************
دخل نضال الفيلا مزمجرا غاضبا يلعن سوء الحظ و يلعن الأغبياء و يتعجب لتبدل الحال فى غمضة عين .. من الأستمتاع بالتدريب الى ما وصل اليه الأمر , حمل أسر على كتفه و صعد به للطابق العلوى و دخلا غرفة ضيوف و بدأ نضال مهمة الأفاقة لأسر حتى نجح لكن بمثابة أستعادة أسر أستيعابه  كاد أن يدخل فى نوبة هياج مرة أخرى لكن أجبره نضال بلطف على التريث و الهدوء و أخبره أنه يدرك كم هو مؤلم أن يفقد كلبه و له كل الحق فى أن يحزن عليه و أوضح لأسر أنه  يقدر  هذا الأحساس و  يعرف مذاقه جيدا و مقدار الألم لفقدان عزيز سواء من البشر أو حيوان يكون بعد تربيته بمثابة واحدا من الأسرة  ..                   أخبره أن التمساح رعد  يساعده بأن يظل قلبه ينبض فهو أعز صديق لديه و هو العزيز الوحيد الباقى لديه بعد ما فقد عائلته , أخبره أن
رعد صديقه منذ أكثر من 18 عاما !!
أخبره  أنه كان يراعيه  منذ أن كان فقس صغير حتى بلغ عمره ثلاث سنوات     و بلغ حجمه حوالى  متر .. وقتها  عزموا على  الأنتقال لمنزل أخر فقرر أن يخصص له بيتا مناسبا داخل المنزل الجديد و هذا ما حدث و أنتقلوا جميعا للفيلا بصحبة رعد  و الذى عاش معهم فيها خمسة عشر عاما حتى تحول نضال        و رعد  لصديقان  و أستمرت بينهما العلاقة و هو يتعامل معه بحظر من منطلق  أن  رعد فى النهاية كائن مفترس ! لقد أخبره نضال بكل ذلك !
بدا الأندهاش و الذهول واضحا على وجه أسر و كأن حديث نضال معه جلسة تنويم مغناطيسى .. بكى أسر لفقدان جاكس فأعتذر له نضال و كان هذا صعبا على نضال  لكنه فعل و كرر أسفه لأسر لما فقده و طلب منه أن يظل أمر رعد  سرا بينهما  حتى لا تتم مصادرته من قبل وزارة البيئة                                   فلن يتحمل فراق  أخر من تبقى له فى هذه الحياة ..
فى هذه اللحظات مر أسر بأحساسين متماوجين متناقضين .. شعور  بالتعاطف مع نضال و شعور بالأنتقام لكلبه .. لملم نفسه و جمع أشيائه فى ثقل و هو مفعم بالبؤس و غادر و هو يهمهم فى أسى و يقول : هنا كانت مقبرة جاكس !
أنفرد بعدها نضال بنفسه فى غرفته محاولا الخلود للنوم للأنفصال بعض الوقت عن الواقع و ما أن حاول حتى رن جرس الفيلا فظن أن أسر قد  نسى شيئا و عاد ليلتقطه فذهب و فتح البوابة الحديدية لكنه تفاجأ بقدوم قوة من قسم الشرطة لتنفيذ الأحكام و طلبوا منه أن يذهب معهم لقسم الشرطة و عندما سأل عن السبب أنطلقت الجملة التقليدية .. هناك هتعرف ..
فأوصد البوابة الحديدية خلفه و ركب السيارة الخاصة بهم  و غاب عن أنظار    عم جابر و الجالسون فى مقهى اللؤلؤة  المقابل للفيلا ..
و على  الفور أستقل عم جابر سيارته مع عددا من الرجال الشهام  ليلحقوا بسيارة الشرطة و يذهبوا للقسم  ليكاتفوا نضال لتجاوز محنته ..
*****************
داخل قسم الشرطة كان العقيد السويفى جالسا على  مكتبه و فى كامل هيبته       و على  وضعه , كان يوجد أمام مكتبه  كرسيين أنتظار جلد تجلس ماسة على واحدا منهما و فريدة على الأخر .. طارق العايق كان يقف فى أحد زوايا  المكتب فى رهبة و ذلة و رغم ذلك كانت بداخله رغبة ملحة فى الأنقضاض على فريدة    و الفتك بها لكنه  يعى  جيدا أنه لو فعل ذلك فسيودع حريته لفترة مجهولة المدة    و من الأسباب الداعمة لفقدان حريته تاريخه المشوه و سجله الملئ  بمحاضر تحرش و تعدى , رغم ذلك حاول فى مناوشة الموقف و صرح  بأنه يرغب فى تحرير محضر لفريدة لتعمدها أحداث عاهة مستديمة فى  وجهه ..
هنا أنفجر العقيد السويفى فى الضحك فأرتعدت فرائص العايق و سكن الرعب قلبه ثم قال له السويفى : محضر عاهة  قدام  محاضر منها : تحرش
- و قام السويفى بتشغيل عدد من الفويسات و الفيديوهات التى تدين العايق بعد أن حصل عليها من فريدة  و ماسة  -  
و تعدى و بلطجة  و تهشيم ملكيات خاصة غير تعاطى
و أتجار المخدرات و .... الخ
فبدت الخيبة واضحة على وجه العايق ..
أجرى السويفى هذا التحقيق بنفسه فى مكتبه و بعد أجراء مكالمة هاتفية بقسم الشرطة التابع للمنطقة التى تمت فيها الواقعة و أخبر معاون  المباحث هناك  أنه كان يمر بمحض الصدفة و وجد هذه المشكلة فتولى حلها بنفسه فى مكتبه و ذلك ليبرر السويفى  و يقنن التحقيق مع العايق فى قسم الشرطة الذى يعمل به ..
خاطب العايق العقيد فى توسل : أوامرك يا باشا ..
العقيد السويفى فى تغطرس : هتشيل من دماغك خالص موضوع محضر عاهة   و فواحة و الهبل دة و هتمضى على محضر عدم تعرض و هتشيل فريدة من دماغك نهائى و ألا ....
فقاطعه العايق فى نبرة توحى بالأمتثال التام لما يقول : مفهوم يا بشوية مفهوم .. و همضى .. همضى  ..
خرجت  فريدة و ماسة من المكتب بعد أن طلب العقيد السويفى من أبنته أن تسبقه الى المنزل و سيرسل معها من يقوم بتوصيلها هى وفريدة و سوف ينهى بعض الأمور فى مكتبه و يلحق بها على المنزل و سيحتفظ بالهدية التى قاما بشرائها ليقدمها لزوجته عندما يعود ...
*****************
بالقرب من غرفة مكتب العقيد السويفى  كانت تقع غرفة مكتب النقيب أسلام  ظابط المباحث  و الذى أصدر أمرا بضبط و أحضار المدعو نضال كمال القناوى بسبب تحرير سيد مصطفى الدمنهورى محضرا فى نضال يدعى فيه أن الأخير قد أعتدى عليه  و أبرحه ضربا مما أدى لأحداث أصابات بالغة و أبدى سيد رغبته  فى أستكمال المحضر  و أرفاق تقرير طبى لحالته لينال من نضال ..
كان نضال يقف أمام مكتب النقيب و حوله عم جابر و بعض رجال القرية الذين جائوا لمساندة نضال , فى زاوية هناك كان يقف سيد مع أحد أمناء الشرطة
و هو بلدياته من كفر الدوار و يدعى محمود وهو الذى ساعد فى تحريك المحضر        و سرعة ضبط و أحضار نضال لقسم الشرطة !
*********
عندما خرجت فريدة و صديقتها ماسة من مكتب العقيد كان يتوجب عليهما المرور من أمام مكتب النقيب أسلام لتتمكنا من الوصول للدرج المؤدى لأسفل و منه للخروج  و المغادرة ..
عندما أقتربت فريدة من مكتب النقيب كان نضال يقف عائقا للمرور و فريدة خلفه تستأذنه ليفسح لها الطريق لتتمكن من المرور فأنتبه لها نضال و أفسح لها الطريق بالفعل وهو يعتذر لكنه بعد ما فعل ذلك و أصبح الطريق واسعا تسمرت فريدة فى مكانها و هى تنظر لنضال نظرة لم يستطع أن يفسرها و بينما كان نضال لا يبالى بنظرات فريدة التى لا يفهمها مدت له فريدة يدها بالسلام وهى تقول له :
أزيك يا كابتن نضال ؟ أقدر أساعدك ؟
رد عليها نضال فى عدم أكتراث لأنه لا يعرفها : الحمد الله .. شكرا ..
ثم أشاح بوجهه بعيدا !!
حتى أنوثة فريدة الطاغية لم تحرك لنضال ساكنا فلم يعد شئ بقادر على التأثير فى نضال فما مر به بدله لشخص لم يعد يدهشه شئ !
ماسة جذبت فريدة من ذراعها و الفضول سيقتلها لتعرف ما العلاقة التى تربطها بهذا الشخص و كيف لم تحكى لها من قبل .. لكن فريدة طلبت من ماسة طلبا غريبا .. طلبت منها أن تتوسط عند ظابط المباحث أن يساعد نضال و يخرجه من الورطة التى يقع فيها و هى لا تعرف كنهها و بعدها                                    ستشبع فضولها و تخبرها بما تريد ..
و بالفعل أمتثلت  ماسة لطلبها بحكم قوة صداقتهم و دخلت مكتب الظابط أسلام بعد أن طرقت على الباب وسمح لها بالدخول .. رحب بها النقيب بحفاوة  ليس فقط لأنها أبنة رئيسه فى العمل و لكن يرجع الترحيب و الأستقبال المميز لنظرة الأعجاب التى تملأ عينين أسلام فى كل مرة يقابل فيها ماسة بمحض الصدفة ..
طلبت منه أن يساعد الشاب المدعو نضال .. فأخبرها أنه تعدى على شخص       و هشم أنفه فأخبرته أن هذا جميل ستحفظه له لو تم .. و على أثره أستدعى الظابط سيد و نضال وعرض عليهما الصلح فرفض بالطبع سيد و لكن وبخه أسلام  و أرهبه عندما ذكر له أن نضال يرغب فى تحرير محضر له بأقتحام فيلته لسرقتها فأنعقد حاجبى نضال من الدهشة لأنه لم يتذكر أن طلب ذلك من الظابط , و أستطرد الظابط و أخبر سيد أنه سينتظر بالقسم لحين أنهاء عرضه طبيا  للحصول على التقرير الطبى فى الصباح كما أنه سيحتجزه مع نضال بسبب محضر الأقتحام و السرقة , بدا التوتر واضحا على سيد الذى يرفض تماما فكرة أن يقضى ليلة داخل الزنزانة مع المجرمين على شاكلتهم هذا غير حبسه مع نضال فى مكانا واحدا .. أشتغل عقله و أنزعج بمثل هذه الأفكار فأضطر  لأن يميل للصلح                           و يتنازل عن المحضر !!
شكر نضال النقيب  أسلام  -  خريج  مدرسة العقيد السويفى -  فقال له أسلام أشكر فريدة  قريبتك  و أشار له بالأنصراف .. رحل نضال وهو ينظر للكارت الشخصى الممسك به فى يده و قد منحته له فريدة قبل أن تنصرف و قبل دخوله  مكتب الظابط  , قد يكون ما حدث من فريدة هو أول موقف من سنوات يثير فضول  نضال و يشغل الجزء الخلفى من ذهنه !
كان الفضول أيضا قد تمكن من ماسة لتعرف ما الذى يربط فريدة بالمدعو نضال  و هى تستشعر  أنها قد رأت نضال  من قبل  لكن التفاصيل قد محاها النسيان ..        و سألتها كيف تعرفه جيدا و هو لا يتذكرها  فى حين أن فريدة من الصعب أن ينساها  من يقابلها و لو لمرة واحدة  !
فى السيارة التى تقلهما للعودة بدأت فريدة فى أخماد  نار الحيرة التى لسعت ماسة و أخذت تذكرها  فتقول لها و قد تغرغرت عيناها بالدموع :     
   فاكرة الحادثة المريعة اللى بابا أتوفى فيها من 6  سنين ؟؟
ماسة فى شئ من الحزن : طبعا فاكراها .. الله يرحمه ..
فريدة  : كانت  نفس الحادثة اللى أتوفيت فيها أسرة نضال كلها .. بابا كان سائق أتوبيس الرحلات  اللى كان فيه عيلة نضال .. و تصدرت الحادثة دى وقتها التريند على مواقع التواصل الأجتماعى و كانت حديث وسائل الأعلام  و تعاطف الجميع مع نضال لحجم ما فقد .. نضال ساعتها  كان كالمجذوب عقله قفل وقتها على  الحادثة و مطلعش منها غير بألم و معاناة الفراق !!
وقتها مركزتش مع مصيبة  نضال لأن فراق بابا كان أكبر صدمة و كان كفيل أنه يشغلنى و يلهينى   ..  بعدها بفترة جبت رقم نضال و أتصلت بيه علشان أعزيه ولكنه  دخل  فى نوبة صمت  تام و بصراحة مهتمتش أتصل تانى  بعدها , بس كان صعبان عليا  و كان نفسى أقدمله أى مساعدة
حتى لو دعم معنوى بس محصلش نصيب ..
ماسة  قد ربطت بعض الخيوط و أستحضرت من ذهنها صور للحادث  و تذكرت وجه نضال ثم خبطت بكفها على جبهتها وقالت لفريدة :
فكرتينى يا صاحبة التريندات .. أبقى أفتحى النت لأنك ركبتى التريند النهاردة
بفيديو  طارق العايق اللى أجتاح النت !!

********************

1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.