• اطلبوا العون على كل أحوالكم الدينية والدنيوية، بالصبر والصلاة التي تقربكم إلى الله وتصلكم به، فيعينكم ويحفظكم ويذهب ما بكم من ضر، وإن الصلاة لشاقة وعظيمة إلا على الخاضعين لربهم.
• وذلك لأنهم هم الذين يوقنون أنهم واردون على ربهم وملاقوه يوم القيامة، وأنهم إليه راجعون ليجازيهم على أعمالهم.
• يا أبناء نبي الله يعقوب، اذكروا نعمي الدينية والدنيوية التي أنعمت بها عليكم، واذكروا أني فضلتكم على أهل زمانكم المعاصرين لكم بالنبوة والملك.
• واجعلوا بينكم وبين عذاب يوم القيامة وقاية بفعل الأوامر وترك النواهي، ذلك اليوم الذي لا تغني فيه نفس عن نفس شيئا، ولا تقبل فيه شفاعة أحد بدفع ضر أوجلب نفع إلا بإذن من الله، ولا يؤخذ فداء ولو كان ملء الأرض ذهبا، ولا ناصر لهم في ذلك اليوم فإذا لم ينفع شافع ولا فداء ولا ناصر، فأين المفر؟!
• واذكروا يا بني إسرائيل حين أنقذناكم من أتباع فرعون الذين كانوا يذيقونكم أصناف العذاب، حيث يقتلون أبناءكم ذبحا، حتى لا يكون لكم بقاء، ويتركون بناتكم أحياء حتى يكن نساء ليخدمنهم، إمعانا في إذلالكم وإهانتكم، وفي إنجائكم من بطش فرعون، وأتباعه، اختبار عظيم من ربكم، لعلكم تشكرون واذكروا من نعمه عليكم أن شققنا لكم البحر فجعلناه طريقا يابسا تسيرون فيه، فأنجيناكم وأغرقنا عدوكم فرعون وأتباعه أمام أعينكم وأنتم تنظرون اليهم.
• واذكروا من هذه النعم مواعدتنا موسى أربعين ليلة ليتم فيها إنزال التوراة نورا وهدي، ثم ما كان منكم إلا أن عبدتم العجل في تلك المدة، وأنتم ظالمون بفعلكم هذا.
• ثم تجاوزنا عنكم بعد توتبكم فلم نؤاخذكم لعلكم تشكرون الله بحسن عبادته وطاعته.
• واذكروا من هذه النعم أن آتينا موسى عليه السلام التوراة فرقانا بين الحق والباطل وتمييزا بين الهدى الضلال لعلكم تهتدون بها إلى الحق.
• اذكروا من هذه النعم أن وفقكم الله للتوبة من عبادة العجل، حيث قال موسى عليه السلام لكم، إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل، إلها تعبدونه، فتوبوا وارجعوا إلى خالقكم وموجدكم، وذلك بأن يقتل بعضكم بعضا، والتوبة على هذا النحو خير لكم من التمادي في الكفر المؤدي إلى الخلود في النار، فقمتم بذلك بتوفيق من الله وإعانة، فتاب عليكم لأنه كثير التوبة رحيم بعباده.
• واذكروا حين قال آباؤكم مخاطبين موسى عليه السلام بجرأة: لن نؤمن لك حتى نرى الله عيانا لا يحجب عنا، فأخذتكم النار المحرقة فقتلتكم وبعضكم ينظر إلى بعض.
• ثم أحييناكم بعد موتكم لعلكم تشكرون الله على إنعامه عليكم بذلك.
• ومن نعمنا عليكم أن أرسلنا السحاب يظلكم من حر الشمس لما تهتم في الأرض، وأنزلنا عليكم من نعمنا شرابا حلوا مثل العسل وطائرا صغيرا طيب اللحم يشبه السماني، وقلنا لكم: كلوا من طيبات ما رزقناكم، وما نقصونا شيئا بجحدهم هذه النعم وكفرانها، ولكن ظلموا أنفسهم بنقص حظها من الثواب وتعريضها للعقاب.
• واذكروا من نعم الله عليكم حين قال لكم: ادخلوا بيت المقدس، وكلوا مما فيه من الطيبات من أي مكان شئتم أكلا هنيئا واسعا، وكونوا في دخولكم راكعين خاضعين لله، اسألوا الله قائلين: ربنا حط عنا ذنوبنا، ونستجب لكم، وسنزيد الذين أحسنوا في أعمالهم ثوابا على أحسانهم.
• فما كان من الذين ظلموا منهم إلا أن بدلوا العمل وحرفوا القول، فدخلوا يزحفون على أدبارهم، وقالوا حبة في شعرة مستهزئين بأمر الله تعالى: فكان الجزاء أن أنزل الله على الظالمين منهم عذابا من السماء بسبب خروجهم عن الحد الشرعي ومخالفة الأمر.
• واذكروا من نعم الله عليكم لما كنتم في التيه ونالكم العطش الشديد فتضرع موسى عليه السلام إلى ربه وسأله أن يسقيكم، فأمرناه أن يضرب بعصاه الحجر، فلما ضربه تفجرت منه اثنتا عشرة عينا بعدد قبائلكم، وانبعث منها الماء، وبينا لكل قبيلة مكان شربها الخاص بها، حتى لا يقع نزاع بينهم، وقلنا لكم: كلوا واشربوا من رزق الله الذي ساقه إليكم بغير جهد منكم ولا عمل، ولا تسعوا في الأرض مفسدين فيها.
• واذكروا حين كفرتم نعمة ربكم فمللتم من أكل ما أنزل الله عليكم من المن والسلوى، وقلتم لن نصبر على طعام واحد لا يتغير، فطلبتم من موسى أن يدعو الله أن يخرج لكم نبات الأرض من بقولها وخضرها وقثائها {يشبه الخيار ولكنه أكبر} وحبوبها وعدسها وبصلها فقال موسى عليه السلام مستنكرا طلبهم أتستبدلون الذي هو أقل وأدنى بالمن والسلوى.لاوهو خير وأكرم. وقد كان يأتيكم دون عناء وتعب، أنزلوا من هذه الأرض إلى أي قرية، فستجدون ما سألتم في حقولها وأسواقها، وباتباعهم لأهوائهم وإعراضهم المتكرر عما اختاره الله لهم، لازمهم الهوان والفقر والبؤس ورجعوا بغضب من الله، وكفرهم بآياته وقتلهم أنبيائه ظلما وعدوانا، كل ذلك بسبب أنهم عصوا الله وكانوا يتجاوزون حدوده.
• إن من آمن من هذه الأمة، وكذلك من آمن من الأمم الماضية قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم من يهود ونصارى وصابئة - وهم طائفة من أتباع الأنبياء - ممن تحقق فيهم الإيمان بالله واليوم الآخر: فلهم ثوابهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا.
• واذكروا ما أخذنا عليكم من العهد المؤكد من الإيمان بالله ورسله ورفعنا الجبل فوقكم تخويفا لكم وتحذيرا من ترك العمل بالعهد آمرين لكم بأخذ ما أنزلنا عليكم من التوراة بجد واجتهاد دون تهاون وكسل واحفظوا ما فيه وتدبروه لعلكم بفعل ذلك تتقون عذاب الله تعالى.
• فما كان منكم إلا أن أعرضتم وعصيتم بعد أن أخذ العهد المؤكد عليكم ولولا فضل الله عليكم بالتجاوز عنكم ورحمته بقبول توبتكم لكنتم الخاسرين بسبب ذلك الإعراض والعصيان.
• ولقد علمتم خبر أسلافكم علما لا لبس فيه حيث اعتدوا بالصيد يوم السبت الذي حرم عليكم الصيد فيه فاحتالوا على ذلك بنصب الشباك قبل يوم السبت واستخراجها الأحد؛ فجعل الله هؤلاء المتحايلين قردة منبوذين عقوبة لهم على تحايلهم.
• فجعلنا هذه القرية المعتدية عبرة لما جاورها من القرى وعبرة لمن يأتي بعدها حتى لا يعمل بعملها فيستحق عقوبتها وجعلنها تذكرة للمتقين الذي يخافون عقاب الله وانتقامه ممن يتعدى حدوده.
• واذكروا من خبر أسلافكم ما جرى بينهم وبين موسى عليه السلام حيث أخبرهم بأمر الله لهم أن يذبحوا بقرة من البقر فبدلا من المسارعة قالوا متعنتين: أتجعلنا موضعا للاستهزاء؟ فقال موسى: أعوذ بالله أن أكون من الذين يكذبون على الله ويستهزئون بالناس.
• قالوا لموسى: ادع لنا ربك حتى يبين لنا صفة البقرة التي أمرنا بذبحها فقال لهم: إن الله يقول: إنها بقرة ليست كبيرة السن ولا صغيرة ولكن وسط ذلك فبادروا بامتثال أمر ربكم.
• فاستمروا في جدالهم وتعنتهم قائلين لموسى عليه السلام: ادع ربك يبين لنا ما لونها، فقال موسى: إنه يقول إنها بقرة صفراء شديدة الصفرة تعجب كل من ينظر إليها.
• ثم تمادوا في تعنتهم قائلين: ادع لنا ربك حتى يبين لنا مزيدا من صفاتها لأن البقر المتصف بالصفات المذكورة كثير لا نستطيع تعيينها من بينها مؤكدين إنهم – إن شاء الله – مهتدون إلى البقرة المطلوب ذبحها.
• فقال لهم موسى: إن الله يقول: إن صفة هذه البقرة أنها غير مذللة بالعمل في الحراثة ولا سقاية الأرض وهي سالمة من العيوب وليس فيها علامة من لون آخر غير لونها الأصفر. وعندئذ قالوا الآن جئت الوصف الدقيق الذي يعين البقر تماما، وذبحوها بعد أن أوشكوا ألا يذبحوها بسبب الجدال والتعنت.
• واذكروا حين قتلتم واحدا منكم فتدافعتم كل يدفع عن نفسه تهمة القتل ويرمي بها غيره حتى تنازعتم والله مخرج ما كنتم تخفونه من قتل ذلك البريء.
• فقلنا لكم: اضربوا القتيل بجزء من البقرة التي أمرتم بذبحها فإن الله سيحييه ليخبر من القاتل. ففعلوا ذلك فأخبر بقاتله ومثل إحياء هذا الميت يحيي الله الموتى يوم القيامة ويريكم الدلائل البينة على قدرته لعلكم تعقلونها فتؤمنون حقا بالله تعالى.
• ثم قست قلوبكم من بعد هذه المواعظ البليغة والمعجزات الباهرة حتى صارت مثل الحجارة بل أشد صلابة منها؛ فهي لا تتحول عن حالها أبدا، أما الحجارة فتتغير وتتحول فإن من الحجارة ما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يتشقق فيخرج منه الماء ينابيع جارية في الأرض ينتفع منها الناس والدواب ومنها ما يسقط من أعالي الجبال خشية من الله ورهبة وليست كذلك قلوبكم وما الله بغافل عما تعملون بل هو عالم به وسيجازيكم عليه.
• أفترجون – أيها المؤمنون – بعد أن علمتم حقيقة حال اليهود وعنادهم أن يؤمنوا ويستجيبوا لكم؟! وقد كان جماعة من علمائهم يسمعون كلام الله المنزل عليهم في التوراة ثم يغيرون ألفاظها ومعانيها بعد فهمهم لها ومعرفتهم بها، وهم يعلمون عظم جريمتهم.
• من تناقضات اليهود ومكرهم أنهم إذا لقى بعضهم المؤمنين اعترفوا لهم بصدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحة رسالته وهو ما تشهد له التوراة ولكن حين يخلو اليهود بعضهم ببعض يتلاومون فيما بينهم بسبب هذه الاعترافات لأن المسلمين يقيمون عليهم بها الحجة فيما صدر عنهم من الاعتراف بصدق النبوة.
• هؤلاء اليهود يسلكون هذا المسلك المشين وكأنهم يغفلون عن أن الله يعلم ما يخفون من أقوالهم وأفعالهم وما يعلنون منها وسيظهرها لعباده ويفضحهم.
• ومن اليهود طائفة لا يعلمون التوراة إلا تلاوة ولا يفهمون ما دلت عليه وليس معهم إلا أكاذيب أخذوها من كبرائهم يظنون أنها التوراة التي أنزلها الله.
• فهلاك وعذاب شديد ينتظر هؤلاء الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون – كذبا -: هذا من عند الله؛ ليستبدلوا بالحق واتباع الهدى ثمنا زهيدا في الدنيا مثل المال والرئاسة، فهلاك وعذاب شديد لهم على ما يكسبونه من وراء ذلك من مال ورئاسة.
• وقالوا – كذبا وغرورا -: لن تمسنا النار ولن ندخلها إلا أياما قليلة، قل – أيها النبي – لهؤلاء: هل أخذتم على ذلك وعدا مؤكدا من الله؟ فإن كان لكم ذلك، فإن الله لا يخلف عهده أو أنكم تقولون على الله – كذبا وزورا – ما لا تعلمون؟
• ليس الأمر كما يتوهم هؤلاء؛ فإن الله يعذب كل من كسب سيئة الكفر، وأحاطت به ذنوبه من كل جانب، يجازيهم بدخول النار وملازمتها ماكثين فيها أبدا.
• والذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الأعمال الصالحة ثوابهم عند الله دخول الجنة وملازمتها ماكثين فيها أبدا.
• واذكروا – يا بني إسرائيل – العهد المؤكد الذي أخذناه عليكم بأن توحدوا الله ولا تعبدوا معه غيره، وبأن تحسنوا إلى الوالدين والأقارب واليتامى والمساكين المحتاجين وبأن تقولوا للناس كلاما حسنا، أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر بلا غلظة وشدة، وبأن تؤدوا الصلاة تامة على نحو ما أمرتكم وبأن تأتوا الزكاة بصرفها لمستحقيها طيبة بها أنفسكم ثم بعد هذا العهد الذي أخذ عليكم انصرفتم معرضين عن الوفاء به إلا من عصمه الله منكم فوفى لله بعهده وميثاقه.
• واذكروا العهد المؤكد الذي أخذناه عليكم في التوراة من تحريم إراقة بعضكم دماء بعض، وتحريم إخراج بعضكم بعضا من ديارهم ثم اعترفتم بما أخذناه عليكم من عهد بذلك وأنتم تشهدون على صحته.
• ثم أنتم تخالفون هذا العهد فيقتل بعضكم بعضا وتخرجون فريقا منكم من ديارهم مستعينين عليهم بالأعداء ظلمنا وعدوانا وإذا جاؤوكم أسرى في أيدي الأعداء سعيتم في دفع الفدية لتخليصهم من أسرهم مع أن إخراجهم من ديارهم محرم عليكم، فكيف تؤمنون ببعض ما في التوراة من وجوب فداء الأسرى وتكفرون ببعض ما فيها من صيانة الدماء ومنع إخراج بعضكم بعضا من ديارهم؟! فليس للذي يفعل ذلك منكم جزاء إلا الذل والمهانة في الحياة الدنيا وأما في الآخرة فإنه لا يرد إلى أشد العذاب، وليس الله بغافل عما تعملون بل هو مطلع عليه وسيجازيكم به.
• أولئك الذين استبدلوا الحياة الدنيا بالآخرة إيثارا للفاني على الباقي فلا يخفف عنهم العذاب في الآخرة وليس لهم ناصر ينصرهم يومئذ.
• ولقد آتيانا موسى التوراة واتبعناه برسل من بعده على أثره وأتينا عيسى ابن مريم الآيات الواضحة المبينة لصدقه كإحياء الموتى وإبراء من ولد أعمى وإبراء الأبرص، وقويناه بالملك جبريل عليه السلام، أفكلما جاءكم – يا بني إسرائيل – رسول من عند الله بما لا ويوافق أهوائكم استكبرتم على الحق وتعاليتم على رسل الله، فريقا منهم تكذبون وفريقا تقتلون؟!
• لقد كانت حجة اليهود في عدم اتباع محمد صلى الله عليه وسلم قولهم: إن قلوبنا مغلفة لا يصل إليها شيء مما تقول ولا تفهمه وليس الحال كما زعموا بل طردهم الله من رحمته بكفرهم فلا يؤمنون إلا بقليل مما أنزل الله.
• ولا جاءهم القرآن الكريم من عند الله وهو موافق لما في التوراة والإنجيل في الأصول العامة الصحيحة، وكانوا من قبل نزوله يقولون: سننتصر على المشركين ويفتح لنا حين يبعث نبي فنؤمن به ونتبعه، فلما جاءهم القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم على الصفة التي عرفوها والحق الذي علموه، كفروا به فلعنة الله على الكافرين بالله ورسوله.
• بئس الذي استبدلوا به حظ أنفسهم من الإيمان بالله ورسله، فكفروا بما أنزل الله وكذبوا رسله ظلما وحسدا بسبب إنزال النبوة والقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، فاستحقوا غضبا مضاعفا من الله تعالى بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبسبب تحريفهم التوراة من قبل وللكافرين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم عذاب مذل يوم القيامة.
• وإذا قيل لهؤلاء اليهود: آمنوا بما أنزل الله على رسوله من الحق والهدى، قالوا: نؤمن بما أنزل على أنبيائنا ويكفرون بما سواه مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم مع أن هذا القرآن هو الحق الموافق لما معهم من الله ولو كانوا يؤمنون بما أنزل عليهم حقا لآمنوا بالقرآن. قل – يا أيها النبي – جوابا لهم: لم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين حقا بما جاءوكم به من الحق؟!
• ولقد جاءكم موسى عليه السلام بالآيات الواضحات الدالة على صدقه، ثم بعد ذلك جعلتم العجل إلها تعبدونه بعد ذهاب موسى لميقات ربه وأنتم ظالمون لإشراككم بالله، وهو المستحق للعبادة وحده دون سواه.
• واذكروا حين أخذنا عليكم عهدا مؤكدا باتباع موسى عليه السلام وقبول ما جاء به من عند الله ورفعنا فوقكم الجبل تخويفا لكم، وقلنا لكم: خذوا ما آتيناكم من التوراة بجد واجتهاد، واسمعوا سماع قبول وانقياد وإلا أسقطنا الجبل عليكم، قلتم: سمعنا بآذاننا وعصينا بأفعالنا وتمكنت عبادة العجل في قلوبهم بسبب كفرهم. قل – أيها النبي -: بئس الذي يأمركم به هذا الإيمان من الكفر بالله إن كنتم مؤمنين، لأن الإيمان الحق لا يكون معه كفر.
• قل – أيها النبي -: إن كانت لكم – يا يهود – الجنة في الدار الآخرة خالصة لا يدخلها غيركم من الناس: فتمنوا الموت واطلبوه لتنالوا هذا المنزلة بسرعة، وتستريحوا من أعباء الحياة في دعواكم هذه.
• ولن يتمنوا الموت أبدا بسبب ما قدموه في حياتهم من الكفر بالله، وتكذيب رسله وتحريف كتبه والله عليم بالظالمين منهم ومن غيرهم وسيجازي كلا بعمله.
• ولتجدن – أيها النبي – اليهود أشد الناس حرصا على الحياة مهما كانت حقيرة ذليلة بل هم أحرص من المشركين الذين لا يؤمنون بالبعث والحساب، فإن الواحد منهم يحب أن يبلغ عمرة ألف سنة وليس بمبعده عن عذاب الله طول عمره مهما بلغ، والله مطلع على أعمالهم وبصير بها ولا يخفى عليه منها شيء وسيجازيهم بها.
• قل – أيها النبي – لمن قال من اليهود: "إن جبريل عدونا من الملائكة": من كان معاديا لجبريل فإنه هو الذي نزل بالقرآن على قلبك بإذن من الله مصدقا لما سبق من الكتب الإلهية كالتوراة والنجيل ودالا على الخير ومبشرا للمؤمنين بما أعده الله لهم من النعيم، فمن كان معاديا لمن هذه صفته وعمله فهم من الضالين.
• من كان معاديا لله وملائكته ورسله ومعاديا للملكين المقربين: جبريل وميكائيل: فإن الله عدو للكافرين منكم ومن غيركم ومن كان الله عدوه فقد عاد بالخسران المبين.
• ولقد أنزلنا إليك – أيها النبي – علامات واضحة على صدقك فيما جئت به من النبوة والوحي، وما يكفر بها مع وضوحها وبيانها إلا الخارجون عن دين الله.
• ومن سوء حال اليهود أنهم كلما أخذوا على أنفسهم عهدا – ومن جملته الإيمان بما دلت عليه التوراة من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم - نقضه فريق منهم، بل أكثر هؤلاء اليهود لا يؤمنون بما أنزل الله تعالى حقيقة، لأن الإيمان يحمل على الوفاء بالعهد.
• ولما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم رسولا من عند الله وهو موافق لما في التوراة من صفته أعرض فريقا منهم عما دلت عليه وطرحوها وراء ظهورهم غير مبالين بها، مشابهين حال الجاهل الذي لا ينتفع بما فيها من الحق والهدى فلا يبالي بها.
• ولما تركوا دين الله اتبعوا بدلا منه ما تتقوله الشياطين كذبا على ملك النبي سليمان عليه السلام حيث زعمت أنه ثبت ملكم بالسحر وما كفر سليمان بتعاطي السحر – كما زعمت اليهود – ولكن الشياطين كفروا حيث كانوا يعلمون الناس السحر الذي أنزل على الملكين: هاروت وماروت بمدينة بابل بالعراق، امتحانا وابتلاء للناس وما كان هذان الملكان يعلمان أي أحد السحر حتى يحذراه ويبينا له بقولهما: أنما نحن ابتلاء وامتحان للناس فلا تكفر بتعلمك السحر، فمن لم يقبل نصحهما تعلم منهما السحر ومنه نوع يفرق بين الرجل وزوجته بزرع البغضاء بينهما، وما يضر أولئك السحرة أي أحد إلا بإذن الله ومشيئته ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علم أولئك اليهود أن من استبدل السحر بكتاب الله ما له في الآخرة من حظ ولا نصيب ولبئس ما باعوا به أنفسهم حيث استبدلوا السحر بوحي الله وشرعه ولو كانوا يعلمون ما ينفعهم ما أقدموا على هذا العمل المشين والضلال المبين.
• ولو أن اليهود آمنوا بالله حقا واتقوه بفعل طاعته وترك معصيته لكان ثواب الله خيرا لهم مما هم عليه لو كانوا يعلمون ما ينفعهم.
• يوجه الله تعالى المؤمنين إلى حسن الألفاظ قائلا لهم: يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا كلمة {راعنا} أي راع أحوالنا، لأن اليهود يحرفونها ويخاطبون بها النبي صلى الله عليه وسلم، يقصدون بها معنى فاسدا وهو الرعونة فنهى الله عن هذه الكلمة سدا لهذا الباب وأمر عباده أن يقولوا بدلا عنها: {أنظرنا} أي انتظرنا نفهم عنك ما تقول وهي كلمة تؤدي المعنى بلا محذور وللكافرين بالله عذاب مؤلم موجع.
• ما يحب الكفار – أيا كانوا: أهل كتاب أو مشركين – أن ينزل عليكم أي خير من ربكم قليلا كان أو كثيرا والله يختص برحمته من النبوة والوحي والإيمان من يشاء من عباده والله صاحب الفضل العظيم، فلا خير ينال أحدا من الخلق إلا منه ومن فضله بعث الرسول وإنزال الكتاب.
• يبين الله تعالى أنه حين يرفع حكم آية من القرآن أو يرفع لفظها فينساها الناس فإنه سبحانه يأتي بما هو أنفع منها في العاجل والآجل أو بما هو مماثل لها. وذلك بعلم الله وحكمته وأنت تعلم – أيها النبي – أن الله على كل شيء قدير فيفعل ما يشاء ويحكم بما يريد.
• قد علمت – أيها النبي- أن الله هو مالك السماوات والأرض يحكم بما يريد فيأمر عباده بما يشاء وينهاهم عما يشاء ويقرر من الشرع ما شاء وينسخ ما شاء وما لكم بعد الله من ولي يتولى أموركم ولا نصير يدفع عنكم الضر بل الله هو ولي ذلك كله والقادر عليه.
• ليس من شأنكم – أيها المؤمنون – أن تسألوا رسولكم – سؤال اعتراض وتعنت – كما سأل قوم موسى نبيهم من قبل كقولهم: {أرنا الله جهرة} "النساء: 153"، ومن يستبدل الكفر بالإيمان فقد ضل عن الطريق الوسط الذي هو الصراط المستقيم.
• تمنى كثير من اليهود والنصارى أن يردوكم من بعد إيمانكم كفارا كما كنتم تعبدون الأوثان، بسبب الحسد الذي في أنفسهم، يتمنون ذلك بعد ما تبين لهم أن الذي جاء به النبي حق من الله، فاعفوا – أيها المؤمنون- عن أفعالهم وتجاوزوا عن جهلهم وسوء ما في أنفسهم حتى يأتي حكم الله فيهم – وقد أتى أمر الله هذا وحكمه فكان الكافر يخير بين الإسلام أو دفع الجزية أو القتال- إن الله على كل شيء قدير فلا يعجزونه ثم بعد أمر الله تعالى المؤمنين بالصبر على الأذى أمرةم بالثبات على دينهم وتقوية إيمانهم فقال:
• أدوا الصلاة تامة بأركانها وواجباتها وسننها وأخرجوا زكاة أموالكم إلى مستحقيها ومهما تعملوا من عمل صالح في حياتكم فتقدموه قبل مماتكم ذخرا لأنفسكم تجدوا ثوابه عند ربكم يوم القيامة فيجازيكم به إن الله بما تعملون بصير فيجازي كلا بعمله.