• مثل ثواب المؤمنين الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة يضعها الزارع في أرض طيبة فتنبت سبع سنابل في كل سنبلة منها مائة حبة والله يضاعف الثواب لمن يشاء من عباده فيعطيهم أجرهم دون حساب والله واسع الفضل والعطاء عليم بما يستحق المضاعفة.
• الذين يبذلون أموالهم في طاعة الله ومرضاته، ثم لا يتبعون بذلهم بما يبطل ثوابه من المن على الناس بالقول أو الفعل لهم ثوابهم عند ربهم ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا هم يحزنون على ما مضى لعظم نعمهم.
• قول كريم تدخل به السرور على قلب مؤمن وعفو عمن أساء إليك أفضل من صدقة يتبعها إيذاء بالمن على المتصدق عليه، والله غني عن عباده، حليم لا يعاجلهم بالعقوبة.
• يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا الرسول لا تفسوا ثواب صدقاتكم بالمن على المتصدق عليه وإيذائه فإن مثل من يفعل ذلك مثل الذي يبذل أمواله بقصد أن يراه الناس ويمدحوه وهو كافر لا يؤمن بالله ولا بيوم القيامة وما فيه من ثواب وعقاب فمثل هذا مثل حجر أملس فوقه تراب فأصاب هذا الحجر مطر عزيز فأزاح التراب عن الحجر وتركه أملس لا شيء عليه فكذلك المراؤون يذهب ثواب أعمالهم ونفقاتهم ولا يبقى منها عند الله شيء والله لا يهدي الكافرين إلى ما يرضيه تعالى وينفعهم في أعمالهم ونفقاتهم.
• ومثل المؤمنين الذين يبذلون أموالهم طلبا لرضوان الله مطمئنة أنفسهم بصدق وعد الله غير مكرهة كمثل بستان على مكان مرتفع طيب أصابه مطر غزيز فأنتج ثمرا مضاعفا فإن لم يصبه مطر غزير أصابه مطر خفيف فاكتفى به لطيب أرضه وكذلك نفقات المخلصين يقبلها الله ويضاعف أجرها وإن كانت قليلة والله بما تعملون بصير فلا يخفى عليه حال المخلصين والمرائين وسيجازي كلا بما يستحق ثم ضرب تعالى مثالا يصور به حال المنفق ماله رياء فقال:
• أيرغب أحدكم في أن يكون له بستان فيه نخل وعنب تجري في خلاله المياه العذبة له فيه من كل أنواع الثمرات الطيبة، أصاب صاحبه الكبر فأصبح شيخا ولا يقدر على العمل والكسب وله أبناء صغار ضعفاء ولا يستطيعون العمل، فأصابت البستان ريح شديدة فيها نار شديدة فاحترق البستان وهو أحوج ما يكون إليه لكبره وضعف ذريته؟! فحال المنفق ماله رياء للناس مثل هذا الرجل، يرد على الله يوم القيامة بلا حسنات في وقت هو أشد ما يكون حاجة لها مثل هذا البيان يبين الله لكم ما ينفعكم في الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون.
• يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، أنفقوا من المال الحلال الطيب الذي كسبتموه وأنفقوا مما أخرجناكم من نبات الأرض ولا تقصدوا إلى الرديء منه فتنفقوه ولو أعطي لكم ما أخذتموه إلا أذا تغاضيتم عنه مكرهين على رداءته، فكيف ترضون لله ما لا ترضون لأنفسكم؟! واعلموا أن الله غني عن نفقاتكم، محمود في ذاته وأفعاله.
• الشيطان يخوفكم من الفقر ويحثكم على البخل ويدعوكم إلى ارتكاب الآثام والمعاصي والله يعدكم مغفرة عظيمة لذنوبكم ورزقا واسعا والله واسع الفضل، عليم بأحوال عباده.
• يؤتي السداد في القول والإصابة في العمل من يشاء من عباده ومن يعط ذلك فقد أعطي خيرا كثيرا ولا يتذكر ويتعظ بآيات الله إلا أصحاب العقول الكاملة التي تستضيء بنوره وتهتدي بهديه.
• وما أنفقتم من نفقة قليلة كانت أو مثيرة ابتغاء مرضاة الله أو التزمتم فعل طاعة لله من عند أنفسكم لم تكلفوا بها، فإن الله يعلم ذلك كله فلا يضيع عنده شيء منه وسيجازيكم عليه أعظم الجزاء، وليس للظالمين المانعين لما يجب عليهم، المعتدين لحدود الله، أنصار يدفعون عنهم عذاب يوم القيامة.
• إن تظهروا ما تبذلون من الصدقة بالمال فنعم الصدقة صدقتكم وإن تخفوها وتعطوها الفقراء فهو خير لكم من إظهارها لأنه أقرب إلى الإخلاص وصدقات المخلصين ستر لذنوبهم ومغفرة لها والله بما تعملون خبير فلا يخفى عليه شيء من أحوالكم.
• ليس عليك –أيها النبي- هدايتهم لقبول الحق والانقياد له وحملهم عليه وإنما تجب عليك دلالتهم إلى الحق وتعريفهم به، فإن التوفيق للحق والهداية إليه بيد الله وهو يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فنفعه عائد إليكم لأن الله غني عنه ولتكن نفقتكم خالصة لله فالمؤمنون حقا لا ينفقون إلا طلبا لمرضاة الله وما تنفقوا من خير قليلا كان أو كثيرا فإنكم تعطون ثوابه تاما غير منقوص، فإن الله لا يظلم أحدا. ولما ذكر الإنفاق في سبيله دعا المؤمنين إليه وبين لهم المصارف التي ينفقون فيها، فقال:
• اجعلوها للفقراء الذين منعهم الجهاد في سبيل الله من السفر طلبا للرزق يظنهم الجاهل بحالهم أغنياء لتعففهم عن السؤال ويعرفهم المطلع عليهم بعلاماتهم من الحاجة الظاهرة على أجسامهم وثيابهم ومن صفاتهم أنهم ليسوا كسائر الفقراء الذين يسألون الناس ملحين في مسألتهم وما تنفقوا من مال وغيره فالله به عليم وسيجازيكم عليه أعظم الجزاء.
• الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله في الليل والنهار، سرا وعلانية بلا رياء ولا سمعة فلهم ثوابهم عند ربهم يوم القيامة ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمرهم ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا فضلا من الله ونعمة. ولما رغب تعالى في الإنفاق في سبيله لما فيه من التعاون والتكافل بين المسلمين، حذر مما يناقض ذلك وهو الربا، فقال:
• الذين يتعاملون بالربا ويأخذونه لا يقومون يوم القيامة من قبورهم إلا مثل ما يقوم الذي به مس من الشيطان فيقوم من قبره يخبط كما يخبط من به صرع في قيامه وسقوطه، ذلك بسبب أنهم استحلوا أكل الربا ولم يفرقوا بين الربا وبين ما أحل الله من مكاسب البيع، فقالوا: إنما البيع مثل الربا في كونه حلالا فكل منهما يؤدي إلى زيادة المال ونمائه، فرد الله عليهم وأبطل قياسهم وأكذبهم وبين أنه تعالى أحل البيع لما فيه من نفع عام وحرم الربا لما فيه من ظلم وأكل لأموال الناي بالباطل بلا مقابل، فمن جاءته موعظة من ربه في النهي والتحذير من الربا فانتهى عنه وتاب إلى الله منه، فله ما مضى من أخذه للربا لا إثم عليه فيه، وأمره إلى الله فيما يستقبل بعد ذلك، ومن عاد إلى أخذ الربا بعد أن بلغه النهي من الله وقامت عليه الحجة فقد استحق دخول النار والخلود فيها وهذا الخلود في النار المقصود به أكل الربا مستحلا له أو المقصود به البقاء الطويل فيها، فإن الخلود الدائم فيها لا يكون إلا للكفار أما أهل التوحيد فلا يخلدون فيها.
• يهلك الله المال الربوي ويذهبه، إما حسا بتلفه ونحو ذلك أو معنى بنزع البركة منه ويزيد الصدقات وينميها بمضاعفة ثوابها فالحينة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ويبارك في أموال المتصدقين والله لا يحب كل من كان كافرا عنيدا مستحلا للحرام، متماديا في المعاصي والآثام.
• إن الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله وعلموا الأعمال الصالحة وأدوا الصلاة تامة على ما شرع الله وآتوا زكاة أموالهم لمن يستحقها لهم ثوابهم عند ربهم ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمورهم ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا ونعيمها.
• يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، خافوا الله بأن تمتثلوا أوامره وتجتنبوا نواهيه، واتركوا المطالبة بما بقى لكم من أموال ربوية عند الناس، إن كنتم مؤمنين حقا بالله وبما نهاكم عنه من الربا.
• فإن لم تفعلوا ما أمرتم به فاعلموا واستيقنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم إلى الله وتركتم الربا فلكم قدره ما أقرضتم من رؤوس أموالكم، لا تظلمون أحدا بأخذ زيادة على رأس مالكم ولا تظلمون بالنقص منها.
• وإن كان من تطالبونه بالدين معسرا لا يجد سداد دينه فأخروا مطالبته إلى أن يتيسر له المال ويجد ما يقضي به الدين وأن تتصدقوا عليه بترك المطالبة بالدين أو إسقاط بعضه عنه خير لكم إن كنتم تعلمون فضل ذلك عند الله تعالى.
• وخافوا عذاب يوم ترجعون فيه جميعا إلى الله وتقومون بين يديه ثم تعطى كل نفس جزاء ما كسبت من خير أو شر، لا يظلمون بنقص ثواب حسناتهم ولا بزيادة العقوبة على سيئاتهم.
• يا أيها الذين آمنوا واتبعوا رسوله، إذا تعاملتم بالدين بأن داين بعضكم بعضا إلى مدة محددة فاكتبوا ذلك الدين وليكتب بينكم كاتب بالحق والإنصاف الموافق للشرع ولا يمتنع الكاتب أن يكتب الدين بما يوافق ما علمه الله من الكتابة بالعدل فليكتب ما يمليه الذي عليه الحق حتى يكون ذلك إقرارا منه، وليتق الله ربه، ولا ينقص من الدين شيئا في قدره أو نوعه أو كيفيته فإن كان الذي عليه الحق لا يحين التصرف أو كان ضعيفا لصغره أو جنونه أو كان لا يستطيع الإملاء لخرسه ونحو ذلك فليقم بالإملاء عنه وليه المسؤول عنه بالحق والإنصاف. واطلبوا شهادة رجلين عاقلين عدلين فإن لم يوجد رجلان فاستشهدوا رجلا وامرأتين ترضون دينهم وأمانتهم حتى إذا نسيت إحدى المرأتين ذكرتها أختها ولا يمتنع الشهود إذا طلب منهم الشهادة على الدين وعليهم أداؤها إذا دعوا لذلك ولا يصبكم الملل من كتابة الدين قليلا كان أو كثيرا إلى مدته المحددة فكتابة الدين أعدل في شرع الله وأبلغ في إقامة الشهادة وأدائها وأقرب إلى نفي الشك في نوع الدين ومقداره ومدته إلا إذا كان التعاقد بينكم على تجارة في سلعة حاضرة وثمن حاضر فلا حرج في ترك الكتابة حينئذ لعدم الحاجة إليها ويشرع لكم الإشهاد منعا لأسباب النزاع ولا يجوز الإضرار بالكتاب والشهود ولا يجوز لهم الإضرار بمن طلب كتابتهم أو شهادتهم وإن يقع منكم الإضرار فإنه خروج عن طاعة الله إلى معصيته، وخافوا الله –أيها المؤمنون- بأن تمتثلوا ما أمركم به وتجنبوا ما نهاكم عنه ويعلمكم الله ما فيه صلاح دنياكم وآخرتكم والله بكل شيء عليم فلا يخفى عليه شيء.
• وإن كنتم مسافرين ولم تجدوا كاتبا يكتب لكم وثيقة الدين فيكفي أن يعطي الذي عليه الحق رهنا يقبضه صاحب الحق يكون ضمانا لحقه إلى أن يقضي المدين ما عليه من دين فإن وثق بعضكم ببعض لم تلزم كتابة ولا إشهاد ولا رهن ويكون الدين حينئذ أمانة في ذمة المدين يجب عليه أداؤه لدائنه وعليه أن يتقي الله في هذه الأمانة ولا ينكر منها شيئا فإن أنكر كان على من شهد المعاملة أن يؤدي الشهادة ولا يجوز أن يكتمها ومن يكتمها فإن قلبه قلب فاجر والله بما تعملون عليم، لا يخفى عليه شيء وسيجازيكم على أعمالكم.
• لله وحده ما في السماوات وما في الأرض خلقا وملكا وتدبيرا وإن تظهروا ما قلوبكم أو تخفوه يعلمه الله وسيحاسبكم عليه فيغفر بعد ذلك لمن يشاء فضلا ورحمة ويعذب من يشاء عدلا وحكمة والله على كل شيء قدير.
• آمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بكل ما أنزل إليه من ربه والمؤمنون آمنوا كذلك كلهم جميعا آمنوا بالله، وآمنوا بجميع ملائكته وجميع كتبه التي أنزلها على الأنبياء وجميع رسله الذين أرسلهم، آملين بهم قائلين: لا نفرق بين أحد من رسل الله، وقالوا: سمعنا ما أمرتنا به ونهيتنا عنه وأطعناك بفعل ما أمرت به وترك ما نهيت عنه ونسألك أن تغفر لنا يا ربنا فإن مرجعنا إليك وحدك في كل شئوننا.
• لا يكلف الله نفسا إلا ما تطيق من تطبيق الأعمال لأن دين الله مبني على اليسر فلا مشقة فيه، فمن كسب خيرا فله ثواب ما عمل ولا ينقص منه شيء ومن كسب شرا فعليه جزاء ما اكتسب من ذنب لا يحمله عنه غيره. وقال الرسول والمؤمنون: ربنا لا تعاقبنا إن نسينا أو أخطأنا في فعل أو قول ناقص منا، ربنا ولا تكلفنا ما يشق علينا ولا نطيقه كما كلفت من قبلنا ممن عاقبتهم على ظلمهم كاليهود ولا تحملنا ما يشق علينا ولا نطيقه من أوامر والنواهي وتجاوز عن ذنوبنا واغفر لنا وارحمنا بفضلك أنت ولينا وناصرنا فانصرنا على القوم الكافرين.