رأيتها ثلاث مرات. في لقائنا الأول كانت أكثر توترا، كنت مأخوذا بجمالها الطبيعي واطلالتها الناعمة، أسرتني بتفاصيلها البسيطة. عيناها براقتان بلون البندق دون اية رتوش، شعرها مرفوع لأعلى برباط اصفر ترتدي تيشرت أبيض مطرز بالذهبي وبنطال من الجينز الأزرق وحذاء أبيض يزينه رباط بلون رباط شعرها.
أنيقة متعطرة بالياسمين الخالص. انحناءات جسدها أصابتني بدوار، جعلتني أميل برأسي يمينا بينما خطواتها الرشيقة تكاد تسمعك موسيقى الطبيعة في جزر موريشيوس المفتوحة على المحيط بجوها الاستوائي. ولا أدري لم ارتبط إشراقها برائحة جوز الهند المنعشة؟ أما بشرتها فهي بلون الخوخ، أتراها بطعمه أم أشهى؟!
في المرة الثانية كانت أقل توتراً؛ حيث ألفت المكان وراحت تتجول بخطوات واثقة وكأنها تعزف لحناً.
اعترف بأن وجودها -رغم هدوءها- يربكني ويشعل ثورتي. حضورها يشحذ سمعي علِى أسجل حروفها وأعيدها على انفراد. تجعلني أرى الألوان أوضح، وعقلي يسجل حركاتها بالترتيب، بينما افتعل انشغالي وسط بركان المشاعر الذي يجتاحني. اختلس النظر لمحل وجودها واتتبع خطواتها الرشيقة وتعابير وجهها وانبهاراها دون أن أبدي اهتماماً، لكن قلبي يثور بين أضلعي.
أوثقت قلبي بحجر وألقيته في بحر مسؤوليات عملي ومشاغله حتى لا استشعر هذا الضعف والتعلق الطفولي أم لعلي أردت إخفاء علتي؟ أعلم أن لقاءنا محتوم ووشيك. فعندما تحسم أمرها لابد وأن تدنو مني وتحادثني وساعتها سيصبح لقاؤنا الحتمي هو نفسه فراقنا الأكثر حتمية.
في لقاءنا الثالث، كانت أكثر بهجة وتألقاً وكنت أكثر قلقاً وتجهماً فهو يومنا الأخير سوياً، اختارت لون سيارتها المفضل واليوم ستوقع عقد الملكية وأوراق الاستلام. تدق بكعب حذائها على باب قلبي. بادرتني بالتحية فرددتها دون اهتمام وقدمت أوراق الاستلام أطلب منها تدوين البيانات وقراءتها ملياً وطلبت منها أوراقها الرسمية.
- هلا صاحبتني في جولة ريثما تنتهي الاجراءات؟ فأنا أراقبك منذ زيارتي الأولى وعرفت أنك صاحب المعرض وأنك لا تتعامل مباشرة مع زبائنك إلا عند التوقيع، فهل أطمع في سابقة منك بأن تصاحبني في جولتي الأولى؟
عيناي تعلقت بعينيها، تأملت ملامحها على مهلٍ وعن قرب. رقة ملامحها هزمت مقاومتي ونظراتها قادت طموحي لعنان السماء، وافقتها بعيني وابتسامة. همت هي بالوقوف لكن قدماي رفضتا.
استجمعت قواي وشجاعتي وكرامتي وجعلتها تسبقني لاعتدل سوياً، وقفتُ وسرت خلفها وحواسي جميعها متنبهة لرد فعلها عن صوت خطوة أثقل من الأخرى.
أزاحت خصلة عن أذنيها وتهادت، فتقدمتُ خطوة أخرى. هنا تنبهت حواسها هي الأخرى وهمت باختلاس نظرة عن يسارها تجاهي لكنها تراجعت، فخطوتُ خطوتين سريعتين أأكد لها شكوكها، فزفرت زفرة حارة وتباطأت. ظننتها ستتوقف وتعتذر عن الجولة حيث شارفنا على الوصول لباب المعرض غير أنها استدارت بابتسامتها العذبة وعيناها اللامعتان وقالت بدلال.
- تعلمت القيادة على يد والدي لذا لا داعي للقلق، لكنها أول مرة أقتني فيها سيارتي الخاصة.
قالتها وعيناها العسليتان تعكس ضوء الشمس، واتجهت نحو باب السيارة ريثما اعتدلت واستقريت بجوارها، أدارت المحرك وانطلقنا.