SaraMamdouh

Share to Social Media

صباح مصبوغ بشذى "كلمات" توقفت لأتناول بعض الأقراص الصباحية علها تعينني على مهام يومي؛ فانتبهت أنني لم أتناول أهمها منذ أسبوع. كيف مرت الأيام السبع، كيف لم تنهار قوتي أو تنتابني نوبات الصراخ الغير مبرر؟ لَعَلِّي دخلت في سبات طوال ذلك الإسبوع!!! فاجأتني قدر ما أسعدتني فكرة شفائي، ظننت أن المرض بأعراضه سيصاحبني حتى مثواي الأخير.
تلح على ذاكرتي الآن .. كانت جميلة يكاد سمار بشرتها يعكس ضوء القمر وعيناها نجمتان ساطعتان. تختال بسواد شعرها الفاحم الذي يكمل لوحة الليل البهي بكل تفاصيله. قهرها الفقر بعد خسارة مالية فادحة، قهرها ذل أبيها لإطعامهم بعدما كان يسير بين الغريب والقريب يوزع ماله غير عابئ. هالها انحدار أخيها إلى بركة الإدمان. انتحر الأخ ومات الوالد إثر صدمته فيه.
تسلَق الهم والحزن ظهرها واستقر فوق كتفيها فانحنت .. تحولت لمعة وجنتيها لظلام طمس ملامح وجهها .. احمرار عينيها الزائغتين مرعب وشرودها في اللا شيء مقبض. تنطق _ إذ هي نطقت_ بصوت مشروخ. تمشي فتدب بقدميها الثقيلتين الأرض؛ كأنها تدكها دكا. تجنبها الأحباب قبل الأغراب. أسمعُ من بعيد صوتها المشروخ تشكو تحدُّبَ ظهرها وذلك النقر المميت في رأسها.
فينوس السمراء استحالت إلى شبح.
ضاقت عَلَيَّ الأرض بما رحبت، أدور في حلقة مفرغة من الالتزامات والإهمال، ينقطع عني المعارف والأهل، أو قل إن شئت: انقطعت عنهم بعد حكايات وثرثرة وملل وزيف. فما عاد يزوروني سوى طيفها (فينوس السمراء) يؤنسني.
لا تواجهني بعينيها ولا تبتسم. تدخل إلى غرفتي صامتة شاردة لا تدب الأرض؛ بل لا تلمسها، تقبع في زاوية تتكور في جلستها كأنها تدعوني لمحاكاتها، وفعلا أجلس جلستها فأجد الراحة. تضع رأسها بين ركبتيها فأحاكيها. شهور تمضي لا ليل ولا صباح ..
لا أقرأ
لا أكتب
لا أشدو
لا أتكلم
لا أنام ولا أستفيق
ولأستكمل طقوسي الجديدة بت أمحو صوري وأوراقي القديمة إلى أن استوقفتني صورة قديمة بين أوراقي أظنها الأجمل. احتضنتها وتحدثت إليها. سألتها إلى أين رحلتِ وتركتني. ظلت تنظر إلىَّ دون أن تنطقَ. وبعد استعطاف رقت ودنت مني وقالت ابحثي بداخلك.
استيقظتُ على صوتها الرقيق، وأنعشت روحي بالماء البارد. نظرت إلى انعكاس صورتي في المرآة وقررت أن أستقل حافلتي البنفسجية وأعود لنفسي.
بحثت كثيرا عن ( زائر الكتف ) على طريقة اعرفْ عدوكَ. بِتُّ أحدد أهداف يومية لممارسة الرياضة. صار الركض صديق جديد. قدمني ذلك الصديق إلى آخر؛ وهو ملح البحر وسحر الاستحمام به. ثم صالحاني على صديق ثالث كنت أعرفه لكنه توارى خوفًا من زائر الكتف الثقيل (الكتابِ).
استشرتُ متخصصا فوصف لي تلك الحبوب البيضاء المستديرة التي ما إن تناولتها حتى استسلمتُ لها. أدخلت لقلبي السرور بلا هدف وساندتني بلا كتف. استعدتُ بعضًا من روحي ونشاطي. عاد الجميع بعدما رحلت ميدوسا وخف حمل زائر الكتف.
زارني طيفه محملاً ببقية روحي. اعتاد زيارتي يوميًا لا يسأل ولكني أجيب، لا يستحثني لعمل بعينه بل يعينني على البحث بين خبايا نفسي، لا يدفعني لفعل ولا حتى بدافع التحفيز بل يراقبني وأنا أفتش بين الأوراق، وأكتشف فينبهر باكتشافاتي التافهة وكأنها أعظم اختراع.
وذات صباح أمسكت بقلمي وسطرت، فيضًا من النور لا ينقطع، سلاسلَ أفكارٍ ممتدودةٍ تنتظرني لأفك رموزها، أصواتا من أزمان وعوالم أخرى متراصة في طابور تنتظر دورها لأكتبها.
جمعتُ أوراقي وساقني قدري إلى الغائب الحاضر بين ضلوعي، قضينا أيامًا سبعًا نتبادل الكلمات والموسيقى والأحاديث والذكريات والأخبار. واليوم .. اليوم فقط توقفت لأتناول بعض الأقراص الصباحية علها تعينني على مهام يومي، فانتبهت أنني لم أتناول أهمها منذ أسبوع.
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.