ليل طويل غطّى صافيتا. البيت ساكن، الكل نايم، وفؤاد حامل شنطة صغيرة بكتفو. قبل ما يطلع، وقف بمنتصف الغرفة ونظر حواليه. كل زاوية تذكّرو بضحكة، بدمعة، بأيام مضت. همس بصوت مكسور:
– "سامحوني… بس ما عاد فيني أضل."
طلع بهدوء، قطع شوارع القرية، وسلك طرق جانبية مظلمة. كان المهرّب ناطر عند طرف الوادي. شاب غليظ الملامح، عيونو تدل على إنو شايف كتير وجوه ضايعة بهالطريق.
– "جاهز؟"
– "إيه."
المسير كان شاق. صعود وهبوط بين الجبال، والبرد يقرص العظم. فؤاد كان يحس قلبه عم ينفجر من التعب، بس فكرة وحدة كانت تدفعه يكمّل: عيون حنين. كان كل ما يوقف ليلتقط أنفاسه، يتخيّلها عم تبتسم وتقلو: "خليك قوي… ما ترجع لورا."
بعد ساعات طويلة، وصلوا للحدود اللبنانية. الطريق غير شرعي، بس كان الخيار الوحيد. زحفوا بين الصخور والشجيرات، وأخيرًا عبروا. فؤاد وقف، تنفس بعمق، وحس حاله بلحظة مفصلية: "تركت كل شي وراي… هلق بلش الطريق الجديد."
الأيام الأولى ببيروت كانت أصعب من كل شي تخيّله. ما كان عندو حدا، ولا مكان ينام فيه. أول ليلة نام بالحديقة، والبرد كان ينهش جسده. تاني يوم، لفّ بالشوارع يدور على شغل. المطاعم تسكّر بوجهه، الورشات ترفضه. بس هو ما استسلم.
أخيرًا، لقى صاحب معمل طوب، وافق يشغّلو كعامل يومي. الشغل كان قاسي: تحمل، عرق، شمس حارقة بالنهار، ووجع بالليل. بس فؤاد تحمّل، وكل ما تعب كان يردّد بينو وبين نفسه:
– "كرمالك يا حنين… كرمال وعدي."
مع الأيام، صار يتعوّد. كل قرش كان يخزّنو، وهو يحلم بالرجعة. وبالرغم من التعب والإهانة أحيانًا، كان يبتسم وهو يتذكر حنين.
كانت الغربة قاسية، بس هي اللي بلّشت تصنع من فؤاد رجل جديد… رجل عم يتعلم يوقف عإجريه من الصفر.