- 1 -
لكل فعل رد فعل مساوى له في المقدار .. قانون نيوتن ..
لفريدة النحراوى رأى أخر .. قانون أخر .. ولد من رحم قانون نيوتن ولكن تم تطويعه من فريدة بما يتماشي مع أحداث الحياة المعاصرة ..
لبعض الأفعال رد فعل أكبر بكثير من الفعل .. قانون فريدة ..
***********
فريدة تتمتع بقسط وافر من الجمال , ناهيك عن الجمال الظاهرى فهى تمتلك أيضا قدراً وافراً من الجمال الداخلي .. جمال الروح .. هي خريجة كلية الفنون الجميلة وقد التحقت بها عن رغبتها لتفريغ طاقتها الأبداعية في هوايتها الأولي الرسم ..
تبدو كقطة سيامي جميلة ناعمة هادئة لكن من يحاول القرب منها فى سخف أو العبث معها يجد نفسه في نفس مأزق من تعرض لقطة بلدى شرسة عندما يعبث بأحد صغارها ..
الويل لمن يتجاوز الخط المرسوم له من فريدة ..
*********
المناخ الربيعى السكندرى يصبغ المكان بنسيمه هنا في أحد الأحياء الراقية في مدينة الأسكندرية , الشمس الساطعة و الهواء العليل يضرب أناف المارة كأنه يداعبهم بين الحين والأخر في شعور من الأنسجام مع رائحة الورود المختلطة به و التى تنبعث من جنينة الميدان الذى يتوسط الحى , هذا الميدان الذى تم ترميمه و أعادة أفتتاحه مرة أخرى فى عام 2019 بعد أن تغير شكله كما تغيرت معالم أماكن عديدة فى مدينة الأسكندرية فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى حديثا ,
تم تجهيز الميدان ليتحول لمركز تجارى مصغر
ينعش الحركة الأقتصادية في هذا الحى ..
فى وسط الميدان رقعة خضراء دائرية تتوسط الرقعة شجرة راسخة عتيقة تلقي بظلالها علي الرقعة الخضراء المحاطة بشجيرات صغيرة تم غرسها وقد زينتها الورود بألوانها الزاهية , قليل من المقاعد الخشبية المتناثرة في الجنينة بالشكل الذى يخدم التصميم الجمالي لها ..
مع الأخذ في الأعتبار عند تحديث الميدان بناء محال تجارية متجاورة بشكل ملتف حول الجنينة وعلي مسافة قريبة منها فتضفي طابع أوروبى علي المكان , تتميز هذه المحال أن مساحتها جيدة وتصلح لجميع الأغراض كما أن تواجدهم في نفس الدائرة مع أختلاف النشاط الذى يسلكه كل محل يجعل من الميدان بؤرة أقتصادية تجذب وتستوعب أحتياجات الوافدين المتنوعة ..
من أكثر المحال تميزا في الميدان ذاك المحل الذى يخطف الأنظار لروعة تصميم الواجهة الخاصة به و الديكورات المنفذة بحرفية في الطريق الممهد للدخول لهذا المحل صاحب أسم - وشم و رسم -
داخل المحل بعد خطف نظرة ماسحة للمكان بدرجة 360 يشعر العميل و كأنه في عالم أفتراضي من فرط روعة الرسومات الـ 3D التى تكسو جدران المحل من الداخل , هناك في أحد زوايا المحل تقف ماسة السويفى , شابة في الخامسة والعشرين من عمرها على قدر متوسط من الجمال لكنها تتمتع بجاذبية أنثوية يصعب تحديد مصدرها هل جاذبيتها ترجع لكونها رقيقة أم لبراءة ملامحها أم لخفة ظلها من المحتمل لعدة صفات تنفرد بها ماسة غير كونها
من أسرة ميسورة الحال و أبنة رجل ذا سلطة و نفوذ ..
كانت ماسة واقفة أمام طلبية جديدة من الأحبار , أحبار الرسم فوق الجلد و أحبار الوشم تفصلهم وتنقلهم لترتب كلا منهم في مكانه ..
ماسة خريجة فنون جميلة مولعة بالرسم والأبداع وتحويل كل ما هو قبيح الى شئ رائع على سياق المثل الشعبى - تعمل من الفسيخ شربات - لذلك قررت أن تمارس هوايتها وتطبق ولو مخزونا قليلا مما تعلمت في الكلية من خلال هذا المشروع الصغير الذى قررت أن تنفذه هي و صديقتها الأنتيم
محل – وشم و رسم –
لتنفيذ أحدث أشكال التاتو ( الوشم ) بألوانه لتحويل الندوب الجلدية ألي رسومات مذهلة تخفي معالم الندوب المخيفة , بعد أن أكتسبت هذه المهارة هى و أنتيمتها فى أحد أستديوهات تعليم الوشم ..
كما يوفر المحل خدمة الرسم و الكتابة فوق الجلد ناهيك عن أوبشن الرسم علي الجدران لتزيينها برسومات 3D و خلافه بأسعار مغرية غير أتقان مهارة رسم لوحات فنية لأشخاص أو غير ذلك حسب طلب العملاء ..
***********
نزلت فريدة من العقار الذى تقطن به هناك في أحد أحياء مدينة الأسكندرية و الذى لا ينتمي للأحياء من الطراز الراقي ولا من الطراز الشعبي لكنه يتماشي مع الطبقة البرجوازية ..
كانت تتحرك فى سرعة راغبة الوصول لمكتب الصحة و هو ليس ببعيد عن منزلها , لتلقي الجرعة الثانية من لقاح كورونا و هى تأمل أن تنهى ذلك في وقت قصير لتتمكن من الذهاب بعدها لمباشرة عملها في مشروعها المتواضع ..
في طريقها لمقصدها لم تسلم فريدة من مضايقات و معاكسات تواجهها بصفة مستمرة في حياتها اليومية نظراَ للهيب الأنوثة الذى يتدفق منها رغم أنها ملتزمة بالحجاب ونمط ثيابها يتفق ويتماشي مع الحجاب لكنها دوما جاذبة للأنظار لأن مفاتن جسدها تفرض نفسها ,
كعارضات الأزياء هن اللاتى ينجمن الثياب وليس العكس , هى أعتادت مثل هذه المهاترات وتعلمت فن التعامل معها فتتجاهل تارة و ترد علي أحدهم لفظيا تارة أخرى و أحيانا ينمو الموقف فيصل لطرقعة كف يدها علي وجه أحد المتحرشين و ذات مرة تطور الموقف لأن تبصق في وجه أحدهم لفظاظة التحرش اللفظى معها !
كلاً منهم كان يأخذ نصيبه على قدر مضايقته لفريدة , لم يؤرق فكرها ويعكر صفو مزاجها من المتحرشين و يزعجها غير طارق العايق ..
و التى بائت كل محاولاتها لصده عنها بالفشل , هذا الشاب الذى يكبرها
ب خمس سنوات , عمره ثلاثون عاما و يسكن في نفس الحى وبالقرب من البناية التى تعيش فيها فريدة , يدعى أنه أنيق و شيك و يتباهى دائما و يتحاكى عن أسعار قطع ثيابه باهظة الثمن و التى تتميز بالذوق الأوفر الغير محبب لعامة الناس , قد يكون محقا فى أن ثيابه باهظة الثمن فهو لا يبخل على نفسه فى هذا الدرب لكن ثيابه تتسم بالشعبية والفوضوية هكذا يراها الأغلبية لفظاظة رسوماتها و غرابة ألوانها !
أطلق عليه مجموعة من المحيطين به لقب العايق كنوع من التنمر لكنه لم ينتبه لذلك فنرجسيته جعلته يقتنع باللقب و يصدقه و أعتمده كوصف يليق به !
لا يكف أطلاقا عن مضايقة فريدة و قد تعرض لها سابقا مرارا لا حصر لها حتى وصلت درجات صبرها معه لأخرها
وها قد قررت أن تطبق معه قانون فريدة ..
- لبعض الأفعال رد فعل أكبر بكثير من الفعل -
*********
وصلت فريدة لمقصدها , ها هو مكتب الصحة الذى ستتلقي فيه جرعة لقاح استرازينيكا يظهر عن قرب وكأنه منفذ لتوزيع اللحوم مجانا علي المواطنين , يتكدس عدد كبير من المواطنين أمام مكتب الصحة وذلك بعدما أكتظت ساحة الأنتظار الداخلية و أزدحمت عن أخرها بالوافدين لتلقي جرعات الوقاية مما أدى لتكويم الباقيين بالخارج ..
تسللت فريدة خلال الحشد في محاولة لحجز رقم مع أحد المتطوعين من الوافدين لتلقى اللقاح و الذى تولى مهمة تسجيل الأسماء بأرقام و ذلك لتحفظ دورها , عندما حصلت على الرقم الخاص بها أيقنت أنه لا مفر من الأتصال بصديقتها و شريكتها و أخبارها أنها من المؤكد ستتأخر عن الموعد الذى أبلغتها به بالأمس ..
- فريدة : الوووووو
- ماسة : أيه يا بطل .. أتلقحتى ؟
كانت جملة ماسة مدمجة بضحكة ماكرة في روح من الدعابة
- فريدة : أظبطي يا بت مش كفاية الكلاب الضالة اللي مبيبطلوش نبح عليا , شكل الشغل كدة مريح عندك ؟
- ماسة : مفيش غير عميلة واحدة دخلت ترسم فراشة علي قفاها وكان نفسى أضرب الفراشة بعد ما خلصتها - ماسة فى الواقع تمقت الفراشات - بس ضبط النفس بقي زى ما علمتينى علشان أكل العيش ..
- فريدة : مفيش فايدة فيكى .. أخبار الكاميرات أيه ؟
- ماسة : شغالين تمام اللى جوة واللي على الواجهة و بتسجل متقلقيش , جربتها و جاهزة لتصوير قانون فريدة عملياً ..
بس أنتي متأكدة أن الكلب الضال بتاعك دة جاى المحل النهاردة ؟!
- فريدة : قصدك المسعور مش الضال , طارق العايق عدى خطوط و حدود معايا لازم يحاسب عليها اللي باقى من عمره !
أرسل لى بالأمس رسالة علي الواتس من رقم جديد غير ارقامه التى تتصدر و تملأ قائمة البلاك ليست يخبرني فيها بعد مغازلة جنسية كتابية أنه يرغب في رسم تاتو من ايدى في المحل و أختار اليوم الأحد لأنه يدرك انه من أكثر الأيام التى يقل فيها ضغط الشغل ظناً من العملاء أن المحل أجازة يوم الأحد !!
قد عزمت على أن لا أندهش بقدرته على معرفة معظم تفاصيل حياتى بهذه الدقة !!!
- ماسة : على العموم أنا جهزت كل اللى طلبتيه , فلنفعلها !
- فريدة : تقريبا بينادوا على رقمى , أقفلي .. سلام .. سلام ..
**************
الغضب .. الطمع .. الشهوة ..
أذا لم يتوفر بداخل كل بشرى ديمر التحكم في هذه الغرائز كديمر الأضاءة فقد سلم نفسه للهلاك ..
هناك العديد من الذكور المصابون بالأستمناء الفكرى هذا الصنف تسيطر على تفكيره شهوته العارمة وبدورها تؤثر علي أفعاله تجاه المجتمع , طارق العايق خير مثال أو لدقة التعبير هو شر مثال لهذا الصنف من الذكور , فهو لا يبتلع فكرة وجود أناث عفيفات كلهن فى نظره غانيات ولكل واحدة منهن درجة مقاومة تفقدها عندما يرغب هو في ذلك !
العايق كان لديه تلف بالغ فى زر الديمر الخاص بالتحكم فى الشهوة , كان العايق يستعد في غرفته بصحبة شرذمة من أصدقاءه من نفس المذهب الفكرى وكأنه عريس فى ليلة عرسه , كان يتباهى أمامهم بثقة مجهول مصدرها أن لديه المقدرة بالأيقاع بفريدة و التمكن منها , كان يدندن علي أيقاع أغنية - الليلة يا سمرا - فتهمس شفتاه بكلمات
الليلة .. الليلة يا فريدة العنيدة ..
نفث سحابة كثيفة من دخان الحشيش ثم فعلها مرات و مرات و كأنه يلتهم سيجارة الحشيش من بين أصابعه و نظر فى ساعته وشرد لبرهة بنظرة حالمة تسبح في سموات الخيال و قال .. الأن ..
***************
أخيرا بعد قضاء ساعتان من الزمن فى مكتب الصحة تلقت فريدة الجرعة الثانية من لقاح كورونا و هرولت مسرعة من المكان ممسكة بشهادة تلقى اللقاح بعد ختمها و كأنها نالت شهادة التخرج و ظنت أن لا تعود أدراجها لهذا المكان مرة أخرى , لم تفطن بعد الى أنه بعد مرور ستة أشهر من تلقى الجرعة الثانية هناك جرعة ثالثة تنشيطية من لقاح كورونا ستتلقاها ..
أتخذت فريدة أول توكتوك مر من أمامها الذى قام بدوره و نقلها فى غضون ربع ساعة ألى الميدان ..
دخلت فريدة الميدان وهى ترمقه بنظرات صارمة تتفقد هدوء المكان و سكون الوضع تراقب حركة المارة فى شرود حتى أنتبهت لصوت صديقتها ماسة : فريدة .. تعالى ..
ما أن أقتربت منها فريدة حتى أمسكت ماسة بيدها و شدتها برفق للداخل , تجاذبت ماسة أطراف الحديث مع شريكتها وهى تعرض لها ما تم فى طلبية الأحبار و قد فرزتها و سكنتها و ....
فريدة : نسكاااااافيه ..
أومأت ماسة برأسها مبتسمة : اوكيييه ..
قامت فريدة بفتح قائمة تشغيل الأغانى علي موبايلها و الممتلئة بموسيقى عربية و أجنبية و قليل من الأغانى المنوعة .. ثوان معدودات و كانت موسيقى رائعة للموسيقار الموهوب عمر خيرت ترن فى أرجاء المكان , باكو من الشيكولاتة الدارك تم أخراجه من شنطة فريدة و فتحه ليستقر علي منضدة على شكل جذع شجرة و تم وضعه فى أنتظار فنجانين النسكافيه ..
لحظات من الأنسجام و الأنغماس فى الموسيقي و التفاعل معها بحركات رقيقة جميلة مع الأستمتاع بأحد مصادر السعادة لديهما وهى الشيكولاتة الدارك مع النسكافيه و قد أطلقتا على هذا الثنائى
( النسكافيه و الشيكولاتة الدارك ) لقب الأفيونة ..
لم يعكر صفو هذا المناخ الأبداعى غير أقتحام طارق العايق المكان و الذى لم يتكبد عناء طرق الباب فدخل حتى أستقرت قدماه فى مواجهة
منضدة جذع الشجرة ..
فى ذات اللحظة تبدلت موسيقى عمر خيرت الرومانسية
لموسيقى بيتهوفن الحماسية ( سمفونية الحرب العالمية الثانية ) تلقائيا !!
نظرات متبادلة بين الثلاثة أنكسرت بأنسحاب ماسة بعد أن رمقته فى أشمئزاز ثم توجهت لمراقبة الكاميرا و أعدادها للتسجيل صوت وصورة و أخلاء المساحة لفريدة و طارق لسهولة التنفيس عن تفكيره الشهوانى
كجزء من خطتها مع فريدة ..
- فريدة و قد هبت واقفة وهى تخاطب العايق :
أتفضل طلبات حضرتك أيه ؟
- طارق ينظر متفحصاً ثيابه ثم يعيد النظر لفريدة قائلاً فى سماجة :
الطقم الجديد عامل شغل جامد باينه !
- فريدة :
واضح أن حضرتك أخطأت العنوان ممكن
تتفضل برة لو سمحت ؟
- طارق : بالعكس أنا في المكان الصح و مع موزة صح الصح .. وجاى علشان عايزك تكتبيلى علي جبينى بحبك بخط أيدك الملبن دى ..
وفي أقل من الثانية كان يمسك بأحدى يديه راحة يدها ويجذبها تجاهه و يضع يده الأخرى علي خصرها فأنتفضت فريدة فى وقت أستغرق نانو ثانية
و أنتزعت يدها و سحبت زجاجة أسبراى كانت بجوارها - عن قصد - ورشت منها فى وجهه فسقط على الأرض مغشياً عليه ..
تحركت ماسة من أمام الشاشة الموصلة بالكاميرا بعد أن ضمنت تسجيل ما حدث صوت وصورة ثم توجهت فى تؤدة الى حيث كان طارق مرتميا على الأرض ..
شرعت فريدة في أخراج حبل من مكان ما بالمحل و قد تم تخزينه لحين أستخدامه و قد كان , كانت تتحرك فى ثبات وهدوء هى و ماسة و كأنهما تستعدان لرسم لوحة فنية جديدة .. أحساس بالنشوة أنتاب فريدة وهى تعد أدواتها الخاصة بالرسم و الوشم .. أحساس بالتشويق و الرغبة متدفق من قبل ماسة فى أتمام ما تنوى عليه فريدة ..
جردته فريدة بوحشية من ملابسه العلوية فخلعت عنه التيشيرت الخوخى البطيخى العنابى - فخفخينا الألوان التى يهواها - و الذى كان يرتديه و ألقته على وجهه وهو ملقى على ظهره أرضا ثم جرته هى و ماسة لخارج المحل جراً حتى أستقر به الحال عند الشجرة الراسخة العتيقة التى تتوسط الجنينة فى وسط الميدان ..
فى هذه اللحظة بدأ جذب أنتباه المتواجدون داخل الميدان يحدث تدريجيا تجاه هذا المشهد دون تعليق أو مشاركة , فقط يتابعون بدهشة في صمت لأستيعاب الموقف , أصحاب المحال المجاورة و الذين يعرفون فريدة و ماسة بدأوا يبزغون واحدا تلو الأخر مهرولين الى الشجرة يسألون فريدة فى نبرة صوت تغلفها شهامة المصريين :
ما الأمر .. هل هو حرامى ؟؟ ماذا سرق بن الــ.....
ردت ماسة فى ثبات : ليس بحرامى بل هو أسوأ .. أنه متحرش و حاول مرارا و تكرارا الأعتداء على فريدة ..
نزلت الكلمات ثقيلة على أذانهم و هم يتابعون الفتاتان فى محاولتهن لأيقاف طارق و أسناده لتتمكنا من تكبيله فى الشجرة , هموا فى مساعدتهن لكن فريدة رفضت تدخل أى شخص للمساعدة و منعت العديد من الشباب و الرجال من الأعتداء على العايق
بجملة صارمة .. دة يخصنى لوحدى ..
و تمكنت منه هى و ماسة و نجحتا فى تقييده بالشجرة و ذلك لنحافة جسمه و توسط طول قامته و مازال العايق غارقا في حالة الأغماء أثر بخ البنج فى وجهه , لقد أحكمت فريدة ما تقوم به بمساعدة ماسة و تم تضفير تيشيرت طارق بما يسهل وضع هذه الضفيرة علي فمه و لفها حول الشجرة وعقدها بما يتيح تثبيت رأس طارق و ألتصاق مؤخرة رأسه بالشجرة حتى لا تتدلى على صدره و تتمكن فريدة
من تنفيذ ما عزمت عليه ..
بعدها أنسلت فريدة داخل المحل تتبعها ماسة لأحضار المنضدة الخشبية الصغيرة - جذع الشجرة - و معدات الوشم والرسم , سرعان ما كان كل شئ جاهزا للأستخدام بالخارج , تم توصيل جهاز الوشم بالطاقة .. بجانب الجهاز كانت توجد أبرة الرسم فوق الجلد وهى عبارة عن ما يشبه قلم معدنى فى اخره توجد قطعة معدنية أشبه بقمع صغير يتم ملأه بالحبر المراد الرسم به فوق الجلد , هذا الحبر يمنح الرسمة عمر زمنى لها لا يزيد عن حوالى عشرة أيام و تكون أزالتها من على طبقة الجلد سهلة , أنما ابرة الوشم متصلة بالجهاز الموصل بالطاقة و بأمكانها أن تحفر الرسمة أو الكلمة تحت الجلد بشكل يمنحها عمر زمنى مدى الحياة يصعب جدا مسحها أو أزالتها و أن تمت المحاولة فهذا يتسبب بعدها فى تشوه و ندوب جلدية تظهر بعد أخفاء الوشم المراد أزالته ..
و قفت فريدة لبرهة تنظر للمنضدة ثم تحول ناظريها لطارق .. ثوان معدودة مرت عليها أسترجعت فيها فريدة مدى القبح والعطن الذى شعرت به تجاه طارق العايق بسبب تحرشه اللفظى و الغير لفظى مرارا لا حصر لها دون أستجابة منه لمحاولاتها فى صده و أرجاعه عما كان يفعل , فى هذه اللحظات أيقنت فريدة أن درجات صبرها قد بلغت أخرها حقا فتدفق أفراز هرمون الأدرينالين بداخلها و كان السبب وراء ظهور ضبابية قاتمة فى تعابير وجهها ..
أنتبهت فريدة لأصوات المتجمهرين وقد بدأت صيحاتهم تتعالى وهم يتابعون المشهد من خلال شاشات موبايلاتهم و التى كانت مثبتة بأيديهم تجاه طارق المكبل بعد أن عزموا على تسجيل اللحظات الراهنة تأهبا لمفاجأة ستحدث لا يعرفونها لكنهم يتوقعون
فيتزايد شغفهم للتصوير ..
خيط رفيع بداخل فريدة كان يفصل بين الجموح والتعقل وهى تنظر للمنضدة لأستخدام المعدات الموجودة أعلاها لكنها حسمت الموقف فى حزم و عن أقتناع و قررت تطبيق قانونها فى الحياة و جنحت للجموح !!
بالفعل سحبت فريدة أبرة الوشم من على المنضدة و التى تصدر رنينا يوحى لسامعه أنه فى عيادة طبيب أسنان لتلبى رغبة طارق الذى طلب منها أن تكتب على جبينه .. ستلبى رغبته و لكن على طريقتها الخاصة ..
مر الوقت سريعا و قد فعلتها فريدة وسط ذهول الحاضرين و الذين سيطرت عليهم سلطة العادة - المتأصلة فى المصريين - أن يشاركوا الموقف من خلال تصوير ما يحدث لتوثيقه ورفعه على
شبكة التواصل الأجتماعى وتداوله فيما بينهم ..
لقد أنتهت فريدة أخيرا .. فريدة دقت وشم على جبين طارق
باللون الأحمر .. لقد وصمت طارق وصمة ستلازمه أينما ذهب ..
لقد وشمت على جبهته جملة :
- أنا متحرش حقير -
سيعود طارق من غيبوبته المؤقتة لكنه سيستغرق بعض الوقت ليستوعب ما هو فيه و سيحتاج الكثير من الوقت ليصدق ما حدث معه ..
أنهت فريدة ما عزمت عليه بنجاح دون الأكتراث للتجمهر الضخم الذى تكون حول الشجرة الراسخة , لملمت معداتها هى و ماسة و توجهت فى هدوء داخل المحل و كأنها كانت تعزف مقطوعة موسيقية أو كانت ترقص سلو مع صديقتها .. دخلت تاركة طارق مقيدا علي الشجرة يلقي مصيره دون الأهتمام بما يصير له بعد ذلك ..
كان يوماً مرهقا حقا لفريدة من أول تلقى اللقاح صباحا حتى اللحظة التى نفذت فيها قانونها مع طارق العايق .. كان هذا كافيا لها اليوم ..
أغلقت فريدة بمساعدة ماسة المحل و أنصرفتا من الميدان و داعبت ماسة فريدة وهى تقول لها : بقي يحط أيده تعلمى عليه كدة يا مفترية .. أمال لو أغتصبك كنتى عملتى فيه أيه ؟؟
جاوبتها فريدة بضحكة عالية : و غلاوتك كنت قصيت رمز رجولته بالمقص و فى الشارع !!
و خبطت على كف ماسة بطرقة مع تبادل الضحكات ثم
ودعت كل منهما الأخرى بقبلات حارة كعادة البنات عند الأتصال و عند الأنفصال تقدمن وصلة أحضان وقبلات و كأنهما فى المطار و أذا التقيا بعد خمس دقائق تكررا نفس الوصلة وهذا يرجع الى أنها عادة مشتركة بين البنات و أغلب العادات تموت بصعوبة !
بعد ملحمة القبلات و الأحضان أنصرفت كل واحدة منهما لمقصدها ..
و ما أن وصلت فريدة لمنزلها حتى دخلت علي والدتها الحاجة سهام و التى كانت تجلس على الركنة فى غرفة الليفنج تشاهد التلفاز فألقت عليها السلام و قبلتها ثم دخلت غرفتها و أرتمت فى عرض السرير و غطت فى سبات عميق ...