أكوان للنشر والترجمة والتوزيع

شارك على مواقع التواصل

ذهب أفراد الأسرة إلى الريف لقضاء إجازة الصيف وسط المروج الخضراء في العزبة التي تمتلكها الأم في محافظة القليوبية؛ رقعة أرض تبلغ مساحتها اثني عشر فدانًا، مزروعة بأنواع مختلفة من الخضر، والفاكهة يحيط بهذه المساحة الشاسعة سياج من أشجار الجزوارين، والصنوبر المتكاتف، وبدت نباتات الزينة تشغل مكانًا فسيحًا في أقصى الشمال من هذا البستان، كان البستان مزروعًا على أحدث طراز يحتوي على حوش من نباتات البقس جار عليها مقص البستاني ليرسم منها إطارات انبسط بينها وشي منمنم من خضرة منسقة أكمل تنسيق كأنها نسيج من دمقس مشجر، إن مقص البستاني لم يسمح لورقة أن تعلو على نظيراتها، واضطرت الطبيعة على الرغم من تمردها أن تكون خادمًا مطيعًا للفن، وقد احتوى هذا البستان على أشجار الزيتون، والخروب، والكروم المتكاثفة تحد الطريق، وقد تناثرت شعيرات الدوجود ذات الزهور البيضاء، والثمار المستديرة القرمزية، وأشجار الأرجوان، وقد تكاثرت عليها البراعم التي لا تزيد في الحجم عن ظفر الإبهام، كان هناك توتر ينسال من شجرة إلى شجرة، وكأنه سحابة غير مرئية، وأخذت الطيور تنقض مبرقة من شجرة إلى شجرة، أما ميرفت فقد سرت الحياة في أعطافها كما تنتعش أعواد النبات إذا خرجت من الحجرات المغلقة إلى رحبة الفضاء؛ فإن نفسها المجبولة على الشفافية قد تفهمت الجمال الذي لا يتحدث بلغة، وأدركت ما يستتر وراء هذا الجمال من خطة فنية جميلة، وضعتها العناية في لحظة صفاء، فالنفوس المرهفة تجيد التذوق، وتعرف كيف تستخرج من لسان الصمت تعبيرات تجسد الإرهاف، والحس، وكما أن النفوس المرهفة سريعة التأثر فهي كذلك سريعة التكدر، والأرواح الشفافة هي أولى بتعقل الموجودات، لما لها من القدرة على التعبير عن افتتانها بالجمال المنسق، والبيان الصامت الذي يقف على ألسنة الزهور.
أخذت ميرفت تنظر إلى الورود في دهشة، وافتتان، فقد علق السحر كلمات الإعجاب على شفتيها فأردفت تقول لأمها، وقد خرجت عن صمتها:
- أحسبك تعرفين شاعر الهند طاغور أليس كذلك؟
- بالطبع أعرفه، بل، وأحفظ مقاطع كاملة من أشعاره.
- لقد قال طاغور حينما رأى الأزهار، وقد سرت ناظريه "إنني أعتقد أن للزهور مدرسة في جوف الأرض"، وأنا أعتقد كذلك.
الأم وهي تشير إلى زهرة اللوتس:
-حدثيني في أي صف من صفوف المدرسة توجد هذه الزهرة؟
لقد شغفت ميرفت بكل ما في الطبيعة من فتنة، وأبهرها نور الصباح الذي يخرج إلى الدنيا بلا استحياء، وأعجبها في الشمس شجاعتها على بعث ضوء لا يتوقف، إن شمس الحقول غنية عن التعريف فأشعتها النقية تتراقص فوق الماء الجعد كأنها مكوك دقيق لا يأتلي ينسج بساطًا من ذهب على سطوح الماء التي كانت غارقة في السكون، أما النسيم فأخذ ينساق، ويتدفق من العلا، وكأنه أتى ليحرر الإنسان، لقد شغفت ميرفت بأشعة الشمس، وبالقبة الزرقاء، والسحب المتكاسلة التي تجمعت في السماء، وفتنها أيما افتتان الأرض الخضراء، ومراعي الحيوانات، والأبقار المنتشرة بوفرة في الريف، وطلائع الياسمين الذي يحاكي عذريتها، وجمالها، ذلك الجمال الذي صور على وجه أبيض كأبهى ما يكون التصوير، الحق أن جمالها مما يسر الشاعر أن يخلع عليه كل خياله؛ فهي ذات ملامح بهية طاهرة تبعث التقدير في مهجة الشقي العنيد، لقد بدا جمالها، وبساطتها منسابين كالحلم بين أشجار عتيقة لوحتها الشمس، وامتلأ وجهها سعادة، وحيوية، فقد كانت تطفح سعادة كأن كائنًا لا مرئيًا يلاطفها باستمرار هذا، وقد بدت منجذبة نحو الريف، وطبيعته الخلابة التي امتلأت حتى فوهتها بالفتنة، لقد جذبتها أشجار البانيان المنتصبة على ضفة إحدى البرك، والأنهار التي سطت عليها الشمس بلا استئذان، وقفت ميرفت على حافة النهر الصغير متربصة بسكونه، وسرعان ما أخذ النهر يستفيق من ركدته، وانطوائه، وسار يجري سريعًا على غير عادته، وكأنه فطن الى أن هناك نفس شاعرة تحتاج لوحيه.
هنا تنبأت ميرفت بأن عناية السماء تتعقبها؛ لذلك فلم تنسَ أن تناجي الله بتلك النجوى الصوفية التي حفظتها عن طاغور:
- "يا حياة حياتي، سأحاول دومًا أن أحتفظ بجسدي نقيًا، عالمة بأن لمستك الحية تمتد لتشمل أعضائي كلها. سأحاول أن أجعل أفكاري بمنجى من أي زيف، عالمة بأنك أنت الحقيقة التي توقظ نور الحق في فكري، سأحاول أن أقصي دومًا الشرور من قلبي، وأن أحتفظ بحبي نقيًا مزدهرًا، عالمة بأنك تسكن في الموقع الخفي من قلبي، وسأجتهد في أن أجلوك في أعمالي عالمة بأن قدرتك هي التي تمنحني القوة على العمل".
أما ليزا فقد شغلت وقتها بركوب الخيل، والتجول في الدروب المختلفة، وبدا حصانها وهو يتوثب بها توثبات راقصة، كأنه يعبر عن حفاوته بها، فلم تسأمها حياة القرية كما كان ينتظر من فتاة أرستقراطية النشأة، والمولد، بل كانت قولتها المأثورة:
-"ما أثمن فرصتي في الريف".
أما الأب فلا يرى إلا وهو يلعب بالنرد مع زوجته أو أحد جيرانه المقربين أو يلعب الشطرنج مع ليزا أو ممتطيًا جواده في شموخ، وكأنه عنترة أو مستسلمًا لنوم عميق، وفي الريف يكون الاختبار الحق لمن هم أصحاب الحس، ومن هم معدوميه، وإذا أردت أن تعرف رصيد الإنسان من الحس الرفيع فراقب انفعالاته حينما يجد زهرة كانت بالأمس ريانة، واليوم مشرفة على الذبول.
إن النفوس المغلقة أشبه بالبرعم الساخط على وجوده، والذي يتردد في السقوط متى واتته الفرصة لذلك، والبرعم يتوق الى الليل، أما الوردة المتفتحة فهي تنادي النور ليخلصها من الظلام، وأصحاب الذوق الخبيث يستسلمون للنوم العميق متى كان الحديث عن الجمال، أما أصحاب الذوق الفطري السليم فتستفيق أرواحهم متى كان هناك جمال، وبالجمال يتخلص المكدور من كل ما ليس خفيف كضحكته.
ليزا (وهي تشير الى الخضرة):
-إن نصيبي الحقيقي من متاع الدنيا سوف يأتي من هنا.
أما الأم التي كانت تصطحب ميرفت في نزهة خلوية فقد وقفت أمام شجرة موردة بأزهار مختلفة ألوانها، ولمست بيديها برعمًا لم يتفتح بعد. ثم أشارت الى البرعم، وقالت تحدث ميرفت:
- ليس من غندرة الأزهار أن تظل محتجبة في براعمها المغلقة، ولكنها الحكمة الإلهية التي تمنح المدعين الفرصة لاختبار مواهبهم هل يستطيع السحرة أن يُخروجوا من رحم البراعم زهرة، وليس في استطاعة أحد أن يحيل البراعم الى أزهار، إن هز البرعم، وسحقه لن يحيله الى زهرة؛ فاللمسة تفسده، وتمزق أقوافه، وتذروها على التراب، ولن يتبدى أي لون، ولن يفوح أي أريج.. فالذي ينير البرعم يتأتى له ذلك في يسر.
ميرفت (في ضراعة):
-سبحان الله.
بدا الريف، وقد غرقت أنغام الطيور في ربيع أخضلته، حيث يتجاوب همس الأشجار مع همس الأمواج.
جلست ميرفت على مقربة من أحد الأشجار، وقد وضعت الى جوارها كتابين أحدهما رواية لإميل زولا، والآخر ديوان للشاعر طاغور في تأمل، لقد مر من عمري ما كنت أدعوه حزنًا، والآن لا بأس من أن أتقبل ابتسامة الفجر والتجاوب مع غدير المساء، هذا في الوقت الذي راحت فيه "ليزا" تعزف على العود لتسجل بالموسيقي عبق الكلمات الشاعرية التي خرجت من فم ميرفت.
وهنا خرجت ميرفت عن تأملها، وغادرت الشجرة التي تجلس تحتها، وذهبت الى حيث تجتمع الحيوانات، وما أعجب أن نجدها تقرأ للبقرة إحدى خرافات لافونتين، وبعد أن أيأسها صمت البقرة، وعدم تجاوبها قالت ليس في الريف ما يزعج سوى عدم فهم الحيوانات لأشعار لافونتين، إننا ندين بالكثير من أشعارنا الى الريف؛ لما فيه من صمت، وجمال.
قالت ميرفت، وقد أمسكت بغصن شجرة:
-تمنيت لو كنت زهرة لا تعاقب من يقطفها ولا تثني على من يحمل الرحيق، تمنيت لو كنت زهرة لا تعاقب من غرسها، تمنيت لو مكثت الى الا بد بجوار زهرة شامبا. تمنيت لو كانت دموعي بحرًا ليغطيها اللوتس بأوراقه البيضاء الملائكية، لقد علمتني الأزهار ألا أعاقب اليد التي تقتلعني، بل أكتفي بأن أسكت في نفسي الرحيق.
الأم، وقد كانت تصطحب ميرفت في تجوالها:
-ولكنك يا صغيرتي أكثر جمالًا من كل الزهور، انظري الى تطلعات الأزهار، وإيماءاتها، وكأن لسان حال كل زهرة يقول تمنيت لو كان لي سمت، ووقار، وجمال هذه الفتاة.
- (محتزة)، ولكن ثمة شوكة في موضع ما تحز في قلبي، وتؤلمني ألمًا مستمرًا.
- لكل زهرة شوكة تؤلمها لكي تحفظها سالمة.
- ولكنها تحفظني متألمة.
- أزيحي عنك شبح الألم فهل هناك زهرة تتألم تقدر على الابتهاج بمثل هذه الشجاعة؟
- لا يا أمي لا يمكنني أن أرى الألم يتحدى أي وجه؛ فأنا أعرف مرارته، تمنيت لو جردت الأزهار من أشواكها؛ فأغلب الظن أن هذا الاهتزاز من جانب الأزهار يمكن تفسيره على أنه استغاثة لكي نحررها مما علق بها من شوك.
- عبثًا تقولين؛ فمن الجنون أن نلتمس لمن يسعد بالألم سعادة في غير الألم، على أن الأزهار لو كانت عارية من الشوك لاخترعت لأغصانها الشوك؛ لكي تحمي جمالها من عبث الآخرين، وتقلبات الطبيعة، (ثم لمست بيديها الحانية على وجه ميرفت) وهذا الصفاء يحتاج لشوك ليعصمه من الانهيار.
ثم بدت، وكأن فكرة عميقة قد أثارتها:
-وأنا سأزرع الشوك لكي أحفظ لكِ السعادة، والكرامة.
أما ميرفت فأخذت تتحدث الى أمها:
- إن الطبيعة تأسر الإنسان بجاذبيتها، ولا تنيب عنها قوى أخرى، ولقد أمعن الريف في نفسي أثرًا فالأرض الخضراء مما يفتن اللحظ، وكنت أعرف أنني سأفتن حتى إخمص القدم بهذا الفردوس المفقود ما إن وضعت قدمي في هذه القرية الفاتنة حتى أيقنت أنني سأمضي هنا وقتًا طويلًا.
الأم:
-(نعم ستمضين وقتًا طويلًا) قالتها في شجاعة.
ميرفت (مستطردة):
-فمن جميع الأنحاء تحتضن العين منظر القمم الدائرية المسننة، القمم الحادة الزوايا، وترى العين الأشجار المختلفة، (ثم أشارت الى أشجار النخيل) هذه أشجار النخيل تبدو في ضوء الشمس الباكر كاشفة عن حمرة، عسجدية تنعكس ظلالها في النهر كالمشاعل، وتبدو الشمس مضرجة بالدماء كأنها جرح يشتعل اشتعالًا في الشرق، وأيضًا أخشاب الصندل، وأشجار الطلح المزهرة (مقاطعة أمها التي تهم بالكلام)، والبحيرات يا ماما فهي أشد مشاهد الجمال كشفًا عن فتنتها، فهي واضحة لا تختبئ فيها الفتنة. انظري الى الماء الأزرق الجلي الزرقة، شفاف الى حد مذهل، والسماء اللازوردية الكثيفة المصطبغة باللازورد على طبقتين تنشر فوق الماء جمالها الأخآذ (كاشفة عن فرحة) فالماء، والسماء يتمازجان بعضهما في بعض هنا.
- إنه لمما يثلج صدري أن أراك مغتبطة الى هذا الحد بالريف، وما دامت الفرحة قد تجاوزتك الى هذا الحد فيمكن أن أقول لك..
- ما الذي تريدين قوله يا ماما؟
- أنت تعرفين جيدًا أن هذه المزرعة هي كل ما أملك؛ فهي ثروتي الخاصة ورثتها عن أجدادي..، والآن فقد قررت أن أجعل منك الوريثة لها.
- ماما ماذا تقولين!
- نعم يا ميرفت قررت أن أكتب لك هذه المزرعة بكل طبيعتها الفيحاء؛ لكي تكون ملكًا لك من بعدي، هذا ما تأمرني به العاطفة.
(وهنا أخذت الدهشة ميرفت، واستولى عليها الذهول، والفرح)، ومضت الأم تقول:
-إنني أقيس الأمور بدقة، ولا بد، وأن أزرعك بالقوة؛ كي لا يفترسك الفقر من بعدي، على أن هذا الأمر سيظل سرًا لا يسمع به أخد سوانا..، وليشهد الله أنني ما قصدت مكيدة بذلك، بل هي الأمومة، وما يمليه عليّ الضمير من نصح.
كانت الأم ترمي من وراء ذلك القرار حماية ميرفت من ظلم عدلي، وقسوته؛ لذلك رأت أن تكتب لها هذه القرية بأكملها حتى تلتمس فيها العزاء، والمأوى، وظل ما وعدت به الأم سرًا لا يعلم به أحدًا حتى ابنتها ليزا، وقد اتخذت الأم هذا القرار الشجاع بعد طول فكر، وتدبر.
ليس هناك من وسيلة معقولة لحفظ مصير فتاة معدمة سوى هذا الفعل النبيل، هكذا أخذت الأم تحدث نفسها، ثم مضت تقول كيف أتخلى عنها، والى من أكِلها. ليس هناك مخرج لحفظ عذرية الفتاة، والإبقاء على طهارتها سوى اتخاذ هذا المسلك.
ميرفت هي ابنتي التي تمنيت لو أنجبتها من صميم أكبادي.، ولكن ما ضر تلك الأحشاء إن هي أنجبتها أم خرجت من غيرها، ما دامت تلك الفتاة قد أودعها القدر أمانة في أحضاني. إن كل اللقطاء يخرجون من أحشاء بلا حضن.
لا بد إذن من إنقاذ الموقف، وليس هناك من وسيلة معقولة سوى ما اتخذته من قرار، فهذا التصرف سيضع حدًا لعجرفة عدلي، وستتقلم أظافر جنونه، وتهوره رغمًا عنه. أما ليزا فلها أب يتولاها، وأنا أعرف أن ميرفت أكثر حنوًا على ليزا مني، ولن يعرف قلبها الجور أبدًا نحو أختها.
وقفت ميرفت متأملة في الخضرة من حواليها، وأطربها رقص الأزهار، وشعرت أن هناك ألفة بين الأشجار، وبعضها، وأخذت تنظر في حياء الى المداعبات الحارة بين الأعشاب، وأوراق الشجر.
لقد كانت ميرفت فتاة تعشق الجمال، والطبيعة، وتذوب في الأبدية، وتكاد تتفانى في وحدة مع الجمال، والجمال ليس الشجر، والنخيل، والتلال الهرمية الشكل، ولكنه أعمق من كل هذا؛ إنه آية تضمها النفس المؤمنة لكتابها المقدس.
لم يبق على انتهاء إجازة الصيف سوى أسابيع ثلاثة فقط، تلك الإجازة التي استمرت أربعة أشهر كان الرجل يقتطعها بالعودة من آن لآخر الى القاهرة لاستئناف، ومباشرة أعماله التي بات لزامًا عليه إتمامها. أما الأم فضيلة فلم يكن لها مثل هذا الانتظار لقد كان الهم الأكبر للمرأة الاستغراق في قضايا غاية في العمق، وغاية في القوة؛ لذا فكان حتمًا عليها أن تجد ما يمنعها من مجاراة الابنتين في متعتهما،
وفي الوقت الذي تقف فيه ميرفت على الخط الوهمي بين الفقر، والثراء هل هي صاحبة حق مشروع في الثراء الذي ينتظرها. أم أنها ابنة أبدية للمرارة، والحسرات التي لا تعرف لها نهاية؟
في هذه الآونة التقت ميرفت بشاب كان يتردد على العزبة صيفًا للاصطياد، وهو يعمل مهندسًا، ولكنه شغوف بصيد الطيور. لقد جمعتهما المصادفة، وجعلتهما يتحابان، فالصدفة وحدها هي المدانة في قصة الحب هذه، وليس لإنسان من ذنب إذا كان له قلب يخفق، فحتى القديسات لهن قلوب تخفق للحب، فالحب عمل مشروع لكل القلوب؛ لذا لم يكن من قبيل الحماقة أو الاستهتار أن نجد ميرفت الفتاة الرزينة أن نجدها تخفق لأحاديث هذا الشاب رغم احتجاجها في بادئ الأمر على كلمات العشق، والغزل غير أن استجابتها لكلمات الشاب لم تكن من قبيل التسرية. فبعض الفتيات يجدن في الحب وسيلة لمواجهة الملل، والبعض يجدنها وسيلة للتسرية، وأخريات يجدن في الحب طريقًا الى الرومانسية إلا أن الفتاة العاقلة هي التي تستمع الى الأصوات المخلصة القادمة من العقل، والقلب.
لقد التقى بها هذا الشاب، ويدعى "أدهم"، وكان اللقاء الأول بعد أن نزل من سيارته المكشوفة، وهو يحمل حقيبة قماشية صغيرة تتدلى من أعلى كتفيه بحزام طويل. ممسكًا في يده اليسرى بندقية صيد، وقد كان مزودًا في هذه المرة بكل ما يحتاج إليه من معدات الصيد.
أما ميرفت فكانت جالسة كعادتها دائمًا تقرأ كتابًا صغيرًا، رأها الشاب عن كثب، وما إن شاهدها حتى أخذ يسرع الخطى نحوها، وسرعان ما اقترب منها، وألقى عليها بالتحية. عندئذ انتفضت الفتاة، وألقت بالكتاب من يديها كمن استيقظت لتوها من حلم مفزع، ثم أخذت تسأله في سخط:
- من أنت؟
وعلى الفور أجابها مداعبًا في لهجة الواثق من نفسه:
- "صاحب هذه الشجرة"
فرمقته بنظرة سخط. ثم تركته في تأدب، وانصرفت، وهنا أخذ الشاب يستعد لصيده.
تكرر هذا الموقف مرة ثانية حينما وقفت ميرفت تحت إحدى أشجار الصنوبر الشاهقة، وهي تنظر الى يمامة متمنية الإمساك بها، في اليوم التالي ذهب إليها الشاب، وهي سارحة في كتاب أودعته يديها؛ فنظرت إليه نظرة أقرب الى التعاطف منها الى الفتور، وحدثته في أدب جم، وطيبة ألهبت جرأته.، ولكن ما إن اقتفى أثرها، وهي تركن الى إحدى الأشجار حتى ابتدرته بكلمات ناعمة قائلة:
-"وهل هذه الشجرة هي الأخرى شجرتك؟"
قال:
-نعم "في وقار"
-ربما كان البستان بأجمعه هو بستانكم، ويبدو أننا مغتصبون لحقوقكم التاريخية في هذا المكان.
- (في جرأة، وثقة) ليته كان بستاننا لأهديه لك عن طيب خاطر
(وقد تظاهرت بالغضب):
-قل لي ما الذي أتى بك الى هنا؟
(في حيرة، وتلعثم):
-أتيت لأعطيك اليمامة التي كنت تتربصينها بالأمس.
تقبلت ميرفت منه اليمامة؛ مما أحدث سعادة غير متوقعة في نفس الشاب.
إن الرجل الذي يقدر في المرأة أنوثتها تقديرًا عقليًا يستأثر إعجابها، ويحرك لواعجها. أما الرجل الذي يصر على النظرة المثالية للمرأة، ويحيطها بهالة من الملائكية يولد فيها عظمة مزيفة، وسرعان ما تصبح بالنسبة له فاكهة محرمة، أو فينوس التي تستحق غض البصر عنها، وكما تطرب المرأة لحديث الكبرياء فإنها تطرب أكثر لحديث الغرام الذي يخاطب طبيعتها المكونة من لحم، ودم، وليست هناك امرأة إلا ويستميلها الحب. إلا ميرفت فإذا كانت كلمات الحب قد نالت من تماسكها فإن الهموم التي تعض رأسها. جعلت منها كائنًا فريدًا، ورغم أن أدهم كان شابًا ثريًا، يملك عمارة شاهقة بمنطقة مصر الجديدة بينما هو يأتي الى الريف لممارسة هوايته في صيد الطيور، ورغم أنه أحب ميرفت! إلا أن هناك حلقة مفقودة حالت دون تقدم هذه العلاقة.
لقد قرر أدهم الزواج من ميرفت، إلا أن قلبها لم تبلغ به كفاية الأسباب لقبول هذه الرابطة، وقد كاشفت ميرفت أمها بهذا النبأ، وقد أخذتها الدهشة، والغبطة لهذا العرض إلا أن عدم الاكتراث كان من نصيبها، واستطاعت أن تكمل سعادتها ولا شك أن هذا اللون من ألوان السعادة، مما يغري قلوب التعساء، والنابضين بالألم الذين يقفون على أهبة الاستعداد لأعظم الشرور التي تقذف بها السماء لمن اختارتهم ليتجرعوا كل معين الألم في جرعة واحدة، ولأن يكونوا حملة أوسمة المأساة، ونياشين العذاب.
وما إن عرض أدهم على ميرفت التقدم لها حتى بدت، وقد اصفر لونها، وأجابته في لهجة متألمة:
-ولكنني لا أحب الزواج.
فأجابها بلهجة متهكمة:
-ولكن الزواج لا يؤكل.
ولم تكن هذه الدعابة مما تستطيبه الفتاة فتركته، وانصرفت. فهرع وراءها يستوقفها:
-ولكني أحبك!
وهنا أجابته بلهجة مفعمة بالضنى:
-ولكني لا أطمئن للحب؛ فالحب مخاطرة مهلكة لا بد لها من ضحية، هل من المعقول أن نريد ما يهلكنا، لم يعد في قواي متسع لتهلكة فارحمني (واستطردت تسأله) ما الحب بحق العناية؟! إن القلوب التي تحب هي قلوب مرهفة أضناها اليأس؛ لذا فهي تتخذ من عذاب الحب سلاحًا على الضنى، ليس من المعقول أن أحب، نعم أنا أسمع دائمًا خفقات ضارية تمزق صدري، وكأنها قرون وحش، ولكن لا، وينبغي على القلوب المرهفة أن تظل بمنأى عن الإحساس بالحب، فلست بحاجة الى سيد لكي أقتفي أثره.
إن قراءتها المستمرة، ومواظبتها على التطلع أضفى على عباراتها رصانة، وتماسكًا قل أن تجد له مثيلًا عند أي من بنات جنسها؛ فلقد أصبح تفكيرها خصبًا، وواعيًا، وصارت مخيلتها، وكأنها فوق مستوى العالمين، وليس بدعًا أن نرى اللقيطة ترفض الزواج من مهندس؛ لأن أفكاره عن الحب، والزواج لم تتحدد بعد، أو هي مشتتة، وفقيرة على حد قولها، والمرأة الذكية تضع ذاتها أمامها، وتساوم عليها، أما المرأة العادية فهي لا تساوم بل تتقبل الزواج في قناعة، ورضا، ولا يفيدها أن تعرف ما إذا كانت قد باعت نفسها أم استثمرت ذاتًا أخرى.
ميرفت ترفض الزواج انطلاقًا من حقوقها المشروعة في الرفض، والاختيار.
- لقد سألت أدهم عن أسبابه في الارتباط؟ هل جمالي هو الذي دفع بك الى الولع بي أليس كذلك؟
- نعم جمالك هو الذي سحرني، وأسر مني العقل، والقلب.
- الرجل الذي يعشق المرأة لجمالها. إنما يعشقها؛ لأنه وجد فيها ما يصالحه على غرائزه، لا أريد أن أتزوج بهذه الطريقة؛ فلا أريد أن تحط من شأني بهذا العرض الرخيص.
- ولكن كيف تريدني أن أحبك قالها بعجرفة، وبلهجة ثائرة أنت تعرفين أن البشر جميعًا يحبون بهذه الطريقة، ويتزوجون لهذا السبب؛ فاتركي جانبًا أفكارك المثالية فالرجل يحرص على اختيار المرأة التي تناسبه، كما تختـار المرأة كذلك الرجل الذي يناسبها.
- إذن فلست مما يناسبني، فأنا أريد رجلًا يعشق روحي، ويحب في كل مجهول، وليس كل ظاهر، ويكتشف في كل غامض، أنا لا أمانع في الزواج؛ فالممانعة في الزواج ليست من خصال الأنثى، بل كل ما أريده هو رجل يشعرني، يعايش تجربتي، يكابد الآمي، يفتخر بما لي مـن كيان أسـير، وكرامة مخنوقة، وطبيعة قد شكلتني بنفسها باختصار أريد رجلًا يفك رموزي، ويحترم تجربتي
"في سوء فهم":
- أنت تتحدثين عن حبي لك، وكأنه مؤامرة تحاك ضدك، عشق الروح مستتر كالروح تمامًا، العلم به أمر معقول، ولكن التعبير عنه أمر متعذر، وبالغ التعقيد، وعاشق الروح لا يفاخر بذلك، فالأمر يدفع الإنسان للتكتم أكثر من أن يدعوه للمجاهرة.
"في قلق"
-لماذا؟
- لأن تأوهاته مما يعد عليه عدا؛ فالآخرين ينظرون إليه بوصفـه (ضحية)، وليس بطلا عاطفيا. واذکري یا ميرفت انني سأظل باقيًا على حبي لك، ورغم تفرقتك غير المبررة بين الروح والجسد فأنا الذي اتهمته بحبك دون أن يعير روحـك اهتمـامًا، سأظل باقيًا على عاطفتي، ولا شك أن الإبقاء على الحب قويـًا أمـر يخضـع لعناية الروح والجسد، كما نخضع نحن لعناية السماء.
أخذت ميرفت تبذل أقصى ما تستطيع لكي توقف مد هذا التحدي الـعـارم؛ لأن بصيرتها النافذة جعلتها توقن بأن هذه الكلمات البليغة لا تحمل في طياتها أي مسحة عاطفة.
فالحب الذي تتطاول عليه الرغبة هو حب فاسد؛ إنه معركة تهدف للنيل من العواطف، فالحب الصادق ينبغي أن يكون مفعمًا بالصفاء.
ورغم وضوح موقف ميرفت من أدهم إلا أنه كان يكثر من التودد إليها محاولا التأثير عليها، إلا أنها في كل مرة يلقاها فيها تتندر في حكمة من حبه لها، بل، ومن مشاعره التي تغط بكلمات كبيرة لا تؤدي إلى شيء؛ لذلك أخذت تلقى اللائمة على المشاعر الجوفاء، وترثي في أسى الحب القاصر.
"أدهم":
-محبوبتي، مهلك ما كل هذه النظرة المأساوية، وهذا الحنق على الحب؛ لولا الحب لما اتصلت ألسنتنا بالكلمات، ولولاه ما صرنا بشراً نعقل، ونتصرف (أيتها الحبيبة).
وقد أحدثت كلمة أيتها الحبيبة رجفة في جسد ميرفت، واستطرد أدهم قائلاً:
-انظري يا عدوة الحب ماذا أحدثت فيك كلمة حبيبة من رجفة أكان للكراهية عليكِ مثل هذا النفوذ؟! سيدتي ما ضر قلبك إذا تلقـى الخفقات من قلب آخر، وما ضر عروقك إذا جرت فيها الدماء من مجرى آخر، وما ضر روحك لو امتزجت فيها روح أخرى، وما ضر شخصك لو توحد فيه كائن آخر؟ فأنا أحبك حتى لأحب الألم في سبيلك، ليس حب تملك، ولكنه مما تمليه العاطفة النبيلة.
- إنني أرتاح لكلماتك الثائرة، وأرتاح لدفاعك المستميت عن حبك، ولكن الـحب مدان، ودفاعك هذا أقصى ما سيحدثه هو أن يخفف عنه الـحكم، ولكنه لن يستطيع أن يبرأه، إن كل الحماقات، والتفاهات، وألوان العبث، وجرائم الجنس، وغير ذلك.. قد تم بسند من الحب، العار كان في حداثته حب.
الحب موجود نعم، ورغم أنه يولد طاهرًا إلا أنه لا يلبث أن يدنس بفعل ادعاءاتنا، وتحجرنا أمام إحباطات الحياة، وقد نست نفسها هل يستطيع طفل دخل إلى الحياة بفعل نزوة أن يبقى طاهرً؟ إنه ابن حرام، الشر يلذ له فعله، هكذا شأن الحب إنه عاطفة لقيطة هوجاء يغلب عليه الأنانية التي تدخله فـي دوامة مقطوعة الحلقات، ثم تسممه بالجنس الذي يعلي هذه الأنانية، فهمت فالحب محض لغو
- قل لي ألم تحب من قبل أن تراني؟
- نعم أحببت
- وماذا كان حظك من هذا الحب؟
- أحببت زميلة لي في الجامعة، ولكني لم أستطع مكاشفتها أو حتى التقرب إليها؛ فكظمت عواطفي، وأبقيتها خرساء مهذبة؛ وذلك للفارق في المسـتوى الاجتماعي والطبقي.
(ضاحكة):
-إن الحب إذا لم تدنسه الخطايا تتولى الفوارق الطبقية تدنيسه.
- وماذا كان نصيبك من زميلتك التي أحببتها؟
- في أسف لا شيء سوى الحرمان.
- حسنًا؛ فالحرمان هو نهاية عادلة لكل حب صادق، الحب المزيف ينجح في إشباع ذاته، أما الحب الصادق فيتولى الحرمان إشباعه.
- وأنا أحبك، أحب فيك طهارتك ونصاعة روحك؛ ولذلك أريد أن أتزوجك.
- حتى لو علمت أن الزواج الذي تنشده كفيل بإهدار كل ما تحب؟ ليست هناك عذرية أو طهارة بعد الزواج.
لقد ضيقت عليه الخناق بردودها العميقة، ووضعته في موقف حرج، وكادت رأسه تنضب بحثًا عن حل؛ فأخذ يفكر وسرعان ما قال:
- العذرية يا سيدتي تتحقق أكثر بالزواج، والزواج وحده هو القائم على حماية الطهارة، وهو الذي يحفظ للمرأة عذريتها كاملة.
- فلو تسامت حواء على آدم لما كانت عذريتك، بل، ولما كنت؛ فكل عذرية تسلم لما بعدها، وما من امرأة تفخر بكونها عذراء إلا بعد الزواج.
هكذا فإن الوجود الإنساني يتطالب تكاتف جهود مضافة فوق وجودنا، لست أكفي وحدي لتحقيق ذرية وإقامة نسل، وأنت كذلك، لا بد من أن تعينيني على أن أكون أبًا، إن أي امرأة قادرة على منحى هـذا الشرف، ولكنه لن يكون شرفًا إذا تكفلت به أي امرأة، أنت تعرفين أن كل زوجة امرأة، ولكن ليست كل امرأة زوجة.
أما ميرفت فقد نظرت إليه نظرات باردة جامدة لا تحمل أي استجابة؛ لأنها لا تقبل مسوح الكلمات استعاضة عن العواطف.
(مستطردًا في غضب وحشي):
-كيف لا يمكنني أن أكون أبًا بمفردي، وأنا رجل كيف لا، رباه باركني لماذا كل هذا التوسل والأعذار لماذا كل هذا الذل، وهذا الخضوع (موجها حديثه إلى ميرفت) ألا يكفيك الحب معذرة لي؟! ألا تكفيكِ حاجتي إليكِ؟! ألا تحرك فيك كل هذه الضراعات، والتوسلات أي ساكن، ولكن قد يكون من قبيل النفاق لو أعلنت أنني لن أستطيع أن أحيا بدونك.
لا فالمرأة لم تكن متنفسي في أي وقت مضى، فلقد وفر علينا الله هذه الحسرة، كان من المقدر أن تكون حياتي سلسلة مـن الآلام، والأحزان الأبدية لو أنني أعلنت على الملأ أو حتى على نفسي بأنني لا أقوى على الحياة بغير امرأة (صارخًا) لم تحسب عدد ساعاتي في الوجود بموافقة امرأة، أي امرأة كانت؛ فأنا لا أستمد وجودي من النساء
لن أتوسل إليك أكثر من ذلك لكي تتقبلي الزواج منى رغم أنه ليس هناك شيء لا يحسن إتمامه إلا بالتوسلات، الحب، والزواج، والطلاق لن يتحققا إلا بالتوسلات، لقد كنت أتوسل لأمي أن تحبني، وأتوسل لأصدقائي أن يمقتونني، وأتوسل لأبى أن تكون عواطفه أكثر طلاوة معي، إلهي في أي عصر من عصور الهمجية نحيا أصبحت العواطف تجر بأحزمة من التوسلات كما تسير العربة كيفما اتفق لجواديها.

وهنا رجته ميرفت أن يظلا صديقين:
-إنني حريصة على أن أبادلك حب الأصدقاء؛ فهذا اللون من ألوان الحب علامة نضج، وما من امرأة تبادر بالدخول مع رجل في مثل هذه العلاقة إلا حينما تكون مغلوبة على أمرها.
ورغم نهاية قصة الحب بين ميرفت وأدهم نهاية مبرمة إلا أن أدهم ما زال يحمل بقية من ذلك الحب الذي ولى، وذهب
لقد وعدها بأنه سيتركها مرغمًا، وآسفا، وقد باركت منه هذا التصرف؛ فالفراق أمر معقول إذا اختلفت الميول، وتباينت العواطف. وقد تنسى المرأة مع من تحب الفروقات الاجتماعية تنساها إلى الأبد، حتى لو كانت هي ابنة ساويرس، وزوجها أحد بؤساء "فيكتور هوجو" إلا أنها لا تستطيع أن تنسى الفوارق العاطفية لحظة واحدة فهي عاهة مستديمة في علاقتها، وإذا وهبت جسدها في مثل هذه العلاقة فإنها تهبه باحتقار وازدراء، وخبث فهي لا تغفل آثار جرح غائر في الروح لن تلهيها عنه لذة الجسد التي تراها نفاقًا، وهروبًا.
كانت آخر كلمات أدهم لميرفت بعدما أسدل الفشل ستاره على هـذه العلاقة:
-الآن يمكنني الاعتراف بأنني قد أحببت بطريقة خاطئة، ولكن ها هي البشـرية جمعاء تحب، وتعشق، وتقيم صداقات، وتكسب قلوبًا بهذه الطريقة الباهتة الممعنة في السخافة.
في صبيحة اليوم التالي وقفت ميرفت بمحاذاة إحدى البحيرات تفكر، وتتأمل فيما وجهته لمشاعرها من لطمة، كانت صورتها وقتئذ ملأى بالذهول، ورسم الملل الشامل على وجهها رسمًا دقيقًا وهادفاً، وأفعمت الكآبة صدرها حتى فوهته، وبدا واضحًا أن عقد العضلات على عظمتي وجنتيها الغليظتيـن قد توترتا وأخذتا تدوران تحت جلدها
وقفت ميرفت تهمس لنفسها همسًا مؤثرًا، وامتزج الكلام بدموعها مزجًا كاملاً؛ فخرج كلامها أشبه بالهرج، وبدا صوتها الغليظ العميق كأنه منبعث من بطن الأرض ينتشر على أديمها مسفًا وهي تقول:
-الحياة الحقيقية تبدو لي هامدة، ولا بد لي من عواطف حب وهمية أمارسها، ولا بد من عالم المغامرات الذي يضطرب في المسرحيات لأطلق نشاطي إلا أننـى، ويا أسفى، قلب لا قدرة لي على التمتع طويلاً بوهم من أوهامي؛ فالواقع مما يستعصي عليه فهم عواطفي، ولا يزال يعوزني شيء أملأ به هوة الفراغ في وجودي، ما أعقد الأحلام، وما أكثر الليالي اضطرابًا بالأحلام المعقدة التي لا نظير لها في الواقع أو حتى في الحلم، سوف أموت في كآبتي لو لم أحقـق أحلامي على أكمل وجه. إلا أنه ينبغي أن يقهر المرء نفسه، وينتصر على رغبته ما دام الخطر يساوى المتعة، ويتجاوزها.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.