Rashasalem

شارك على مواقع التواصل

لم يكن "أكرم" يوما خالي من التهذيب حتي يرفض يد تمتد إليه بالسلام لكن تلك الحمقاء ذات الملابس الغريبة آثارت حنقه وأستفزازه ؛ وأشاح بوجهه مبتعدا بنظراته نحو نافذة الطائرة ؛ فلقد ضاق صدره من تلك التصرفات الصبيانية المتهورة الصادرة من تلك الصبية التي لا تجيد التهذيب بعدم رفع صوتها والشجار لأتفه الأسباب دفاعا عن مقعدها وكأنها قضية مصيرية لها ؛ وزفر حانقا وهو يحادث نفسه:" بداية مش حلوة خالص كان ناقصني الشيطانة الصغيرة دي كمان بلبسها المبهرج ده "
وسبحت الطائرة محلقة بين غيوم وسحب كثيفة ولولا تلك الشيطانة الصغيرة لكانت رحلة "كرم" رائعة للغاية ؛ وأصابت الحيرة نفس "كرم" لهدوء تلك الشيطانة الصغيرة التي صاحبت الهدوء وجعلته رفيقها المخلص برحلتها ونظرا لحيرته مد بصر إليها فوجدها في سبات عميق من النوم وأرخت جفونها لتطبق برموشها الكحيلة ربانيا الكثيفة مخبئة عيونها وكان وجه ملائكي لا ينم علي شيطانتها التي رآها منها وتحمل ملامح دقيقة أبدع الله في خلقها وتساءل " كرم" عن هذا المزيج الغريب الذي تمتلكه تلك الفتاة الطفولية بتصرفات شيطانية ؛ وتسائل أيضا عن ما هو لون عينيها يا تري لتكتمل ملامحها في مقلتيه فهو لم يكترث للنظر إلي وجهها والتدقيق فيها ؛ ووجدها تتنفس بعمق كطفلة صغيرة تستشعر بالأمان فغفت دون أدني أستئذان و أرتسمت علي وجهها بسمة لطيفة وكأنما أتت لتمحو تصرفاتها الشيطانية علي حد قوله.
وعندما أستشعر بأنها علي وشك الأستيقاظ أشاح بوجهه حتي لا تضبطه وهو يتفرس في وجهها وملامحها ؛ واستيقظت المدعوة "حلا" وهي تتمطع كما القطة الصغيرة غير عابئة بمن حولها وبأنها علي طائرة وليست بمفردها وأرتطمت يدها بذراع "كرم" فأنتفضا سويا وبدأت في سيل من الأعتذرات أتبعه ندم ودفاع مستميت بأنها لم تقصد أن تزعجه وبأنها ليست مزعجة علي الأطلاق بل تأتي دائما معها الأمور بما لا تشتهي السفن ؛ ليوقفها "كرم" وهو يصيح :" كفاية .... أيه راديو وأنفتح ... عاملة زي خالتي بمبة اللتاتة كده .. أسكتي شوية .. كنتي نايمة ومريحة العالم من سخافاتك دي ومرتاحين كلنا " وأندهش بأنها لم تنطق بأي حرف وطال الصمت مما أرعبه أن يكون حدث لها مكروه أو جاءت قطة خفية وتناولت لسانها لتصبح بهذا الصمت المريب ؛ وألتفت ليجدها تحاول كبح جماح دموعها التي تهدد بالسقوط بسبب كلماته الجارحة وقد جعدت شفتيها لتذكره ب " مشمشة" أو "مشيرة" أبنة أخته "أيمان" فهي روحه وقلبه وعندما يعنفها تعبر عن أعتراضها وحزنها مثلها وحلت "حلا" حزام الأمان الذي من المفترض أن يتم حله بمجرد الأنتهاء من الأقلاع ولكنه أستشعر بأن هذا الحزام كان مصدر أمانها الوحيد وأسرعت تتخبط بين المقاعد لتبحث عن مفر تبتعد به عنه .
وأنب "كرم" ضميره علي فعلته وسيل كلماته الجارحة لها فماذا فعلت ليصب جام غضبه عليها ؛ وغابت "حلا" عن ناظريه لفترة طويلة لتنمو أعراض القلق عليها؛ وبينما يصارع قلقه وأضطراب نفسه وجدها عائدة فتنفس الصعداء ليجد عيونها متورمة من أثر بكاء حار عصف بها وبنفسها ؛ وجلست في هدوء وعادت لتغلق حزام الأمان الخاص بمقعدها عليها بعد أن أرتدت نظارتها الشمسية بعد ان حررتها من خصلات شعرها الحالك السواد ليعطي ضي بأضاءة المقعد العلوية فأعطاها جاذبية وبقايا دموعها أضفي عليها طفولة "مشمشة" حبيبة قلب خالها ؛ ورق قلبه لها وأستشعر وكأنها طفلة صغيرة أرتحلت يتيمة من وجود والديها معها ؛ وتحولت لقطة صغيرة ترتعش خوفا ممن حولها ؛ وبينما يهم أن يقدم لها أعتذارا وجدها تغوص بمقعدها وأشاحت بوجهها بعيد عنه ؛ وأرتدت نظارتها الشمسية لتعلن أحتجاب عيونها المتورمة عن أنظار القاسي الشرير.
وبعد فترة أعلن هبوط الطائرة بمطار دبي ؛ وأستعد الجميع لأنزال حقائبهم اليدوية وكل راكب يحمل وجهة مختلفة أما لزيارة او علاج او استجمام او عقد عمل جديد وللعجيب ظلت تلك "الحلا" متجمدة بمقعدها وكأنما أصابها وابل من لعنة لتتحول إلي جسد قد من صخر كالتمثال.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.