• بداية السورة الم هذه الحروف التي افتتحت بها بعض سور القرآن وهي حروف هجائية لا معني لها في نفسها إذا جاءت مفردة ولها حكمة وحيث لا يوجد في القرآن ما لا حكمة له فمن أهم حكمها: الإشارة إلى التحدي نفسها التي يعرفونها ويتكلمون بها، لذا يأتي غالبا بعدها ذكر للقرآن الكريم كما في هذه السورة.
• ذلك القرآن لا شك فيه ولا من جهه تنزيله، ولا من حيث لفظه ومعناه، فهو كلام الله يهدي المتقين إلى الطريق الموصل اليه.
• الذين يؤمنون بالغيب وهو كل ما لا يدرك بالحواس وغاب عنا، مما أخبر الله عنه أو أخبر عنه رسوله كاليوم الآخر وهم الذين يقيمون الصلاة بأدائها وفق ما شرع الله من شروطها، وأركانها، وواجباتها، وسننها،
وهم الذين ينفقون مما رزقهم الله بإخراجه كالزكاة، أو غير الواجب كصدقة التطوع، رجاء ثواب الله.
• هم الذين يؤمنون بالوحي الذي أنزل الله عليك –أيها النبي- والذي أنزل على سائر الأنبياء من قبلك دون تفريق، وهم الذين يؤمنون إيمانا جازما بالآخرة وما فيها من ثواب وعقاب.
• هؤلاء المتصفون بهذه الصفات على تمكن من طريق الهداية، وهم الفائزون في الدنيا والآخرة بنيلهم ما يرجون ونجاتهم مما يخافون ولما بين صفات المؤمنين المتقين الذين صلح ظاهرهم وباطنهم، ذكر صفات طائفة من الكافرين الذين فسد ظاهرهم وباطنهم.
• إن الذين حقت عليهم كلمة الله بعدم الإيمان حقت عليهم كلمة الله بعدم الإيمان مستمرون على ضلالهم وعنادهم، فإنذارك لهم وعدمه سواء.
• لأن الله طبع على قلوبهم فأغلقها على ما فيها من باطل، وطبع على سمعه فلا يسمعون الحق سماع قبول وانقياد، وجعل على أبصارهم ولهم في الآخرة عذاب عظيم. ولما بين الله صفات الكافرين الذين فسد ظاهرهم فيما يبدو للناس فقال:
• ومن الناس طائفة يزعمون أنهم مؤمنون، يقولون ذلك لألسنتهم خوفا على دمائهم وأموالهم، وهم في الباطن كافرون.
• يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله والمؤمنين بإظهار الإيمان وإبطان الكفر، ولكنهم لا يشعرون بذلك، لأن الله تعالى يعلم السر وأخفى، وقد اطلع المؤمنين على صفاتهم وأحوالهم.
• والسبب أن في قلوبهم شكا، فزادهم الله شكا إلى شكهم، والجزاء من جنس العمل، ولهم عذاب أليم في الدرك الأسفل من النار، بسبب كذبهم على الله وعلى الناس، وتكذيبهم بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
• وإذا نهوا عن الافساد في الأرض بالكفر والذنوب وغيرها، وأنكروا وزعموا أنهم هم أصحاب الصلاح والإصلاح.###
• والحقيقة أنهم هم أصحاب الإفساد في الأرض، ولكنهم لا يشعرون بذلك، ولا يشعرون أن فعلهم عين الفساد.
وإذا أمروا بالإيمان كما آمن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وأجابوا على سبيل الاستنكار والاستهزاء بقولهم: أنؤمن كإيمان خفاف العقول ؟! والحق أنهم السفهاء، ولكنهم يجهلون ذلك.
• وإذا التقوا المؤمنين قالوا: صدقنا بما تؤمنون به، ويقولون ذلك خوفا من المؤمنين، وإذا انصرفوا عن المؤمنين إلى رؤوسهم منفردين بهم قالوا مؤكدين ثباتهم على متابعتهم لهم: إنا معكم على طريقتكم، ولكنا نوافق المؤمنين ظاهرا سخرية بهم واستهزاء.
• الله يستهزئ بهم في مقابلة استهزائهم بالمؤمنين، جزاء لهم من جنس عملهم، ولهذا أجري لهم أحكام المسلمين في الدنيا وأما في الآخرة فيجازيهم على كفرهم ونفاقهم، وكذلك يمهلهم ليتمادوا في ضلالهم وطغيانهم، فيبقوا حائرين مترددين.
• أولئك المنافقون الموصوفون بتلك الصفات هم الذين استبدلوا الكفر بالإيمان، فما ربحت تجارتهم، لخسارتهم الإيمان بالله وما كانوا مهتدين.
ضرب الله لهؤلاء المنافقين مثلين: مثلا ناريا، ومثلا مائيا: فأما مثلهم الناري: فهم كمثل من أوقد نارا ليستضيئ بها، فلما سطع نورها وظن أنه ينتفع بضوئها خمدت، فذهب ما فيها من إشراق، وبقي ما فيها ما إحراق، فبقي أصحابها في ظلمات لا يرون شيئا، ولا يهتدون سبيلا.
فهم صم لا يسمعون الحق سماع قبول، بكم لا ينطقون به.عمي أبصارهم، فلا يرجعون عن ضلالهم.
أما مثلهم المائي: فهم كمثل مطر كثير، من سحاب، فيه ظلمات متراكمة ورعد وبرق، ونزل على قوم فأصابهم ذعر شديد، فجعلوا يسدون آذانهم بأطراف أصابعهم من شدة صوت الصواعق خوفا من الموت، والله محيط بالكافرين لا يعجزونه.
يكاد البرق من شدة لمعانه وسطوعه يأخذ أبصارهم، كلما ومض البرق لهم وأضاء تقدموا، وإذا لم يضيء بقوا في الظلام، فلم يستطيعوا التحرك، ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم بقدرته الشاملة لكل شيء فلا تعود إليهم لإعراضهم عن الحق، فكان المطر مثلا للقرآن، وصوت الصواعق مثلا لما فيه من الزواجر وضوء البرق مثلا لظهور الحق لهم أحيانا، وجعل سد الآذان من شدة الصواعق، مثلا لإعراضهم عن الحق وعدم الاستجابة له، ووجه الشبه بين المنافقين وأصحاب المثلين، هو عدم الاستفادة، ففي المثل الناري: لم يستفد مستوقدها غير الظلام والإحراق، وفي المثل المائي: لم يستفد أصحاب المطر إلا ما يروعهم ويزعجهم من الرعد والبرق، وهكذا المنافقون لا يرون في الإسلام إلا الشدة والقسوة.
ولما ذكر الله أنواع الناس من مؤمنين وكافرين ومنافقين، ناداهم جميعا داعيا إياهم إلى إفراده بالعبادة:
فقال: يأيها الناس اعبدوا ربكم وحده دون سواه، لأنه الذي خلقكم وخلق الأمم السابقة لكم، رجاء أن تجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
فهو الذي جعل لكم الأرض بساطا ممهدا، وجعل السماء من فوقها محكمة البيان، وهو المنعم بإنزال المطر، فأنبت به مختلف الثمار من الأرض، لتكون رزقا لكم، فلا تجعلوا لله شركاء وأمثالا وأنتم تعلمون أنه لا خالق إلا الله. وإن كنتم يا أيها الناس في شك م
ن القرآن المنزل على عبدنا محمد صلى الله عليه وسلم فنتحداكم أن تعارضوه بالإتيان بسورة واحدة مماثلة له، ولو كانت أقصر سورة منه، ونادوا من استطعتم من أنصاركم إن كنتم صادقين فيما تدعونه.