فإن لم تفعلوا ذلك_ ولن تقدروا عليه أبدا_ فاتقوا النار التي توقد بالناس المستحقين للعذاب، بأنواع الحجارة مما كانوا يعبدونه وغيرها، هذه النار قد أعدها الله وهيأها للكافرين.
وإذا كان الوعيد السابق للكافرين، فبشر –أيها النبي- المؤمنين بالله الذين يعملون الصالحات، بما يسرهم من جنات تجري من تحتها الانهار من تحت قصورها وأشجارها، كلما أطعموا من ثمارها الطيبة رزقا: قالوا من شدة الشبه بثمار الدنيا: هذا مثل الثمار الذي رزقنا من قبل، وقدمت لهم ثمار متشابه في شكلها واسمها حتى يقبلوا عليها بحكم المعروفة بها، ولكنها مختلفة في طعمها، ومذاقها ولهم في الجنة أزواج مبرأة من كل ما تنفر منه النفس، ويستقذر طبعا مما يصور في أهل الدنيا وهم في نعيم دائم لا ينقطع بخلاف نعيم الدنيا المنقطع.
• إن الله لا يستحي من ضرب الأمثال بما شاء فيضرب المثل بالبعوضة فما فوقها في الكبر أو دونها في الصغر، والناس أمام هذا نوعان مؤمنون وكافرون، فأما المؤمنون فيصدقون ويعلمون أن من وراء ضرب المثل بها حكمة، وأما الكافرون فيتسائلون على سبيل الاستهزاء عن سبب ضرب الله الأمثال بهذه المخلوقات الحقيرة، كالبعوض والذباب والعنكبوت، وغيرها فيأتي الجواب من الله: إن في هذه الأمثال لإعراضهم عن تدبرها، وهم كثير ومنهم من يهديهم بسبب اتعاظهم بها وهم كثير، ولا يضل إلا من كان مستحقا للضلال، وهم الخارجون عن طاعته، كالمنافقين.
• الذين ينقضون عهد الله الذي أخذه عليهم بعبادته وحده واتباع رسوله الذي أخبرت به الرسل قبله، ويقطعون ما أمر الله بوصله كالأرحام، ويسعون لنشر الفساد في الأرض بالمعاصي، فهؤلاء هم الناقصة حظوظهم في الدنيا والآخرة.
• إن أمركم-؟ أيها الكفار_ لعجب! كيف تكفرون بالله، وأنتم تشاهدون دلائل قدرته في أنفسكم، فقد كنتم عدما لاشيء فأنشأكم وأحياكم، ثم يميتكم الموتة الثانية، ثم يحييكم الحياة الثانية، ثم يرجعكم إليه ليحاسبكم على ما قدمتم.
• والله وحده الذي خلق لكم جميع ما في الأرض من أنهار وأشجار وغير ذلك مما لا يحصى عدده، وأنتم تنتفعون به وتستمتعون بما سخره لكم، ثم قصد إلى خلق السماء فخلقهن سبع سموات مستويات، وهو الذي أحاط علمه بكل شيء.
• يخبر الله تعالى أنه سبحانه قال للملائكة: إنه سيجعل في الأرض بشرا يخلف بعضهم بعضا للقيام بعمارتها على طاعة الله. فسأل استرشادا واستفهاما عن الحكمة من جعل بني آدم خلفاء في الأرض وهم سيفسدون فيها، ويريقون الدماء ظلما، قائلين: ونحن أهل طاعتك، ننزهك حامدين لك ومعظمين جلالك وكمالك لا نفتر عن ذلك، فأجابهم الله عن سؤالهم: إني أعلم ما لا تعلمون من الحكم الباهرة في خلقهم، والمقاصد العظيمة من استخلافهم.
• ولبيان منزلة آدم عليه السلام علمه الله تعالى اسماء الأشياء كلها من الحيوان والجماد وغير ذلك، وألفاظها ومعانيها ثم عرض تلك المسميات على الملائكة قائلا: أخبروني بأسمائها إن كنتم صادقين فيما تقولون: أنكم أكرم من هذا المخلوق وأفضل منهم.
• قالوا- معترفين بنقصهم مرجعين الفضل إلى الله- ننزهك ونعظمك يا ربنا عن الاعتراض عليك في حكمك وشرعك، فنحن لا نعلم شيئا إلا ما رزقتنا علمه، إنك أنت العليم الذي لا يخفى عليك شيء، الحكيم الذي تضع الأمور في مواضعها من قدرك وشرعك.
• وعندئذ قال الله تعالى لآدم: أخبرهم بأسماء تلك المسميات فلما أخبرهم كما علمه ربه، قال الله للملائكة: ألم أقل لكم: إني أعلم ما خفي في السموات وفي الأرض وأعلم ما تظهرون من أحوالكم وما تحدثون به أنفسكم.
• يبين الله تعالى أنه أمر الملائكة بالسجود لآدم سجود تقدير واحترام، فسجدوا مسارعين لامتثال أمر الله عز وجل، إلا ما كان من إبليس الذي كان من الجن فامتنع اعتراضا على أمر الله له بالسجود وتكبرا على آدم، فصار بذلك من الكافرين بالله تعالى.
• وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة –حواء- الجنة، وكلا منها أكلا هنيئا واسعا لا منغص فيه، في أي مكان في الجنة، واياكم أن تقربا هذه الشجرة التي نهيتكما عن الأكل منها، فتكونا من الظالمين بعصيان ما أمرتكم به.
• فلم يزل الشيطان يوسوس لهما ويزين حتى أوقعهما في الزلل والخطيئة بالأكل من تلك الشجرة التي نهاهما الله تعالى عنها، فكان جزائهما أن أخرجهما الله من الجنة التي كانا فيها وقال الله لهما وللشيطان: انزلوا إلى الأرض بعضكم أعداء بعض، ولكم في الأرض استقرار وبقاء وتمتع بما فيها من خيرات إلى أن تنتهي آجالكم وتقوم الساعة.
• فأخذ آدم ما ألقى الله إليه من كلمات وألهمه الدعاء بهن، وهي مذكورة في قوله تعالى: "قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" فقبل الله توبته، وغفر له، فهو سبحانه كثير التوبة على عباده، رحيم بهم.
• قلنا لهم انزلوا جميعا إلى جنة الأرض، فإن جاءتكم هداية على أيدي رسلي، فمن اتبعها وآمن برسلي فلا خوف عليهم في الآخرة ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا.
• وأما الذين كفرا وكذبوا بآياتنا، فأولئك هم أصحاب النار، لا يخرجون منها أبدا.
• يا أبناء نبي الله يعقوب تذكروا نعم الله المتتالية عليكم واشكروها والتزموا بالوفاء بعهدي إليكم من الإيمان بي وبرسلي، والعمل بشرائعي، أعطكم ما وعدتكم به، من الحياة الطيبة في الدنيا، والجزاء الحسن يوم القيامة، وإياي وحدي فخافوني ولا تنقضوا عهدي.
• وآمنوا بالقرآن الذي أنزلته على محمد صلى الله عليه وسلم موافقا لما جاءه في التوراة قبل تحريفها في شأن توحيد الله، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم موافقا لما جاءه في التوراة قبل تحريفها في شأن توحيد الله، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم واحذروا من أن تكونوا أول فريق يكفر به، ولا تستبدلوا بآياتي التي أنزلتها ثمنا قليلا من جاه ورئاسة، واتقوا غضبي وعذابي.
• ولا تخلطوا الحق الذي أنزلته على رسلي بما تفترون من أكاذيب ولا تكتموا الحق الذي جاء في كتبكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم مع علمكم به ويقينكم عليه.
• و أدوا الصلاة تامة بأركانها وواجباتها وسننها، وأخرجوا زكاة أموالكم التي جعلها في أيدكم واخضعوا لله مع الخاضعين له من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
• ما أقبح أن تأمروا غيركم بالإيمان وفعل الخير، وتعرضوا أنتم عنه متناسين أنفسكم، وأنتم تقرأون التوارة، عالمين بما فيها من الأمر باتباع دين الله، وتصديق رسله، أفلا تعقلون؟!
• اطلبوا العون على كل أحوالكم الدينية والدنيوية، بالصبر والصلاة التي تقربكم إلى الله وتصلكم به، فيعينكم ويحفظكم ويذهب ما بكم من ضر، وإن الصلاة لشاقة وعظيمة إلا على الخاضعين لربهم.
• وذلك لأنهم هم الذين يوقنون أنهم واردون على ربهم وملاقوه يوم القيامة، وأنهم إليه راجعون ليجازيهم على أعمالهم.
• يا أبناء نبي الله يعقوب، اذكروا نعمي الدينية والدنيوية التي أنعمت بها عليكم، واذكروا أني فضلتكم على أهل زمانكم المعاصرين لكم بالنبوة والملك.
• واجعلوا بينكم وبين عذاب يوم القيامة وقاية بفعل الأوامر وترك النواهي، ذلك اليوم الذي لا تغني فيه نفس عن نفس شيئا، ولا تقبل فيه شفاعة أحد بدفع ضر أوجلب نفع إلا بإذن من الله، ولا يؤخذ فداء ولو كان ملء الأرض ذهبا، ولا ناصر لهم في ذلك اليوم فإذا لم ينفع شافع ولا فداء ولا ناصر، فأين المفر؟!
• واذكروا يا بني إسرائيل حين أنقذناكم من أتباع فرعون الذين كانوا يذيقونكم أصناف العذاب، حيث يقتلون أبناءكم ذبحا، حتى لا يكون لكم بقاء، ويتركون بناتكم أحياء حتى يكن نساء ليخدمنهم، إمعانا في إذلالكم وإهانتكم، وفي إنجائكم من بطش فرعون، وأتباعه، اختبار عظيم من ربكم، لعلكم تشكرون واذكروا من نعمه عليكم أن شققنا لكم البحر فجعلناه طريقا يابسا تسيرون فيه، فأنجيناكم وأغرقنا عدوكم فرعون وأتباعه أمام أعينكم وأنتم تنظرون اليهم.
• واذكروا من هذه النعم مواعدتنا موسى أربعين ليلة ليتم فيها إنزال التوراة نورا وهدي، ثم ما كان منكم إلا أن عبدتم العجل في تلك المدة، وأنتم ظالمون بفعلكم هذا.
• ثم تجاوزنا عنكم بعد توتبكم فلم نؤاخذكم لعلكم تشكرون الله بحسن عبادته وطاعته.
• واذكروا من هذه النعم