المصريُّون يعرفون صافي كمذيعة في التليفزيون، لكنَّهم لا يعرفونها كإنسانة. بل إنَّ سيرتها الشخصيَّة، تُحيط بها حكايات كثيرة، بعضها حقيقيٌّ، وبعضها أكاذيبُ تروِّج لها نسوان تنهشهنَّ الغيرة من جمال صافي وذكائها وأناقتها وشهرتها، وقبل ذلك جاذبيَّتها السحريَّة للرجال… فيما يلي ما يتردَّد من أقاويل: أوَّلًا: يقولون إنَّ صافي تحضر دروس الشيخ مبروك من باب التظاهر بالتديُّن، وإنَّها تبكي في أثناء الدرس ليس خشوعًا، وإنَّما لتلفت الأنظار… الحقيقة أنَّ صافي، منذ أن بلغت المحيض، وهي تلميذة في مدرسة مطروح الثانويَّة، خرطها خراط البنات فلانت واستدارت وبرزت مفاتنها، وصارت محطّ الأنظار في أيِّ مكان تذهب إليه. وهي لم تبكِ في درس الشيخ مبروك، إلَّا عندما تحدَّث عن الحجاب الذي اضطرّت إلى خلعه كي تظهر على الشاشة، الأمر الذي سبَّب لها إحساسًا عميقًا بالذنب، حتى إنَّها حاولت أكثر من مرَّة إقناع المسؤولين بالسماح لها بالظهور محجَّبةً لكنَّهم رفضوا… صافي، إذن، صادقة في بكائها وفي تديُّنها، وهي لا تُقْدِم على أيِّ تصرُّف في حياتها مهما يكن بسيطًا قبل أن تتأكَّد من موافقته للشرع الحنيف. لعلَّنا نذكر حلقة شهيرة من برنامجها قدَّمتها بعنوان الحجاب… عبادة!. يومئذٍ، انتصرت صافي للحجاب. أكّدت أنَّه فرض، مثلُ الصلاة والصوم، وناشدت البنات والسيِّدات عدم التفريط في الحجاب مهما تكن الأسباب. وعندما قام مشاهد بمداخلة وسألها كيف تدافع عن الحجاب بهذه الحماسة بينما هي نفسها قد خلعته؟ عندئذ، أطرقت صافي صامتة، وانبعثت في الخلفيَّة موسيقًى خافتة حزينة، ثم اقتربت الكاميرا ببطء من وجهها وهي تناجي ربّنا سبحانه وتعالى بصوت متهدِّج: إلهي… خالقي ومولاي… اللَّهمّ إنَّك تعلم بأنَّي اشتقت إلى ارتداء حجابي، وأنت تعلم بأنِّي لا أملك الآن القوَّة لارتدائه… يا ربِّي، يا سامعَ ندائي، عجِّل لي بارتداء الحجاب ولا تقبضني إليك إلَّا بعد أن أرتديه. بكت صافي تلك الليلة، وأبكت المشاهدين، وجعلتهم جميعًا يدعون الله أن يرزقها نعمة الحجاب. ثانيًا: يقولون إنَّها غيَّرت اسمها الحقيقي من صفية إلى صافي حتى تخفي أصلها الوضيع… صافي أصلها بسيط، لكنَّه ليس وضيعًا. والدها المرحوم عبد الحميد مؤذن في مسجد مطروح الكبير … كان فقيرًا كثيرَ العِيال، لكنَّه، بكدِّه واجتهاده، استطاع أن يربِّيهم ويعلِّمهم. وعندما توفَّاه الله، كانت ابنته الكبرى صافي في الفرقة الثالثة في كلِّيَّة الآداب – قسم إعلام، وكان أخوتها الثلاثة في مراحل التعليم المختلفة… أمَّا عن تغيير اسمها، فالمعروف أنَّ العمل في الإعلام قد يفرض على الإنسان تغيير اسمه، ليكون موسيقيًّا وجذَّابًا. وقد اختارت صفية اسمَ صافي لأنَّه الأقرب إلى اسمها الحقيقيّ… ثالثًا: يقولون إنَّ صافي أغوت أستاذها الدكتور شريف راسخ وخطفته من زوجته وأولاده. الدكتور شريف سليل أسرة راسخ العريقة والمعروفة بثرائها في مطروح، وهو أستاذ مادة وسائل الإتصال بكلِّيَّة الآداب، وكان مقرِّرًا لأسرة أعمال الخير الطلَّابيَّة التي كانت صافي عضوةً بها.وقد لفتت نظره في أثناء رحلة الأقصر وأسوان، فاقترب منها. وعندما توفِّي أبوها، رحمه الله، وقف الدكتور شريف إلى جوارها وساندها في محنتها، وصار يتحدَّث معها تليفونيًّا كلّ يوم للاطمئنان عليها. ثم دعاها ذات يوم مع بعض زملائها إلى قضاء يوم في قصره، وفي اليوم التالي استدعاها إلى مكتبه وأثنى على شخصيَّتها وأخلاقها، وفجأة بدا كأنَّه فقد السيطرة على مشاعره، فاقترب منها ولمس وجهها، وهمس: صافي… أنتِ جميلة جدًّا. لم تبدُ المفاجأة على وجه صافي، لكنَّها أبعدت يده بحزم وقالت: يا دكتور، أنا مسلمة. لمسةُ جسمي حرام على الغريب. كان الدكتور قد اجتاز نقطة العودة، فتهدَّج صوته واقترب منها وهمس: - أنا بحبّك يا صافي. ابتعدت صافي وصاحت بحدّة: -من فضلك. يا دكتور… كفاية. ثم انصرفت غاضبة، وصفقت الباب خلفها بعنف. كان الدكتور شريف متزوِّجًا منذ عشرين عامًا من أستاذة في كلِّيَّة الحقوق، ولديه ولدان وبنت. في الأيَّام التالية، قاطعت صافي الدكتور شريف تمامًا، فلم تردّ على اتِّصالاته المتكرِّرة. وكلَّما لمحته في ردهات الكلِّيَّة كانت تشيح بوجهها وتزمّ شفتيها وتقطِّب حاجبيها ( فتبدو حينئذ أجمل )… بعد أسبوعين من القطيعة الصارمة، جاءها العمّ أبو أحمد عامل البوفيه مبتسمًا، وقال: - يا آنسة صافي، سيادة الدكتور شريف راسخ عاوزك في مكتبه. ذهبت إليه بوجهها الغاضب الفاتن، وقالت بلهجة رسميَّة: - عم أبو أحمد قال لي حضرتك عاوزني… خير إن شاء الله؟ دعاها الدكتور شريف إلى الجلوس، فتردَّدت قليلًا ثم جلست على حافَّة الكرسي، كأنَّها مستعدَّة للانصراف في أيِّ لحظة… ابتسم الدكتور شريف بعصبيَّة، وسأل: - أنتِ غضبانة منِّي يا صافي؟! قالت: - طبعًا! - ممكن أعرف السبب؟! - ما كنتش أتخيَّل أبدًا إنَّ حضرتك تظنّ أنِّي بنت منحلَّة. - أعوذ بالله، أنا باحترمك يا صافي. - هو اللي يحترم واحدة يحاول يعمل معاها الحرام؟ جذب الدكتور شريف نَفَسًا عميقًا من السيجارة وتطلَّع إليها. كان وجهه مرهَقًا كأنَّه لم ينم جيِّدًا، وردَّ عليها بكلام بدا كأنَّه أعدَّه مسبقًا. قال إنَّه رجل ناضج وليس مراهقًا، وقد فكَّر طويلًا وتأكَّد من إحساسه نحوها. إنَّه يحترمم التزامها واستقامتها الدينيَّ، لكنَّه في الوقت نفسه حريص على عائلته ولا يريد لأولاده أبدًا أن يدفعوا ثمن حبّه لها… عقدت صافي ذراعيها على صدرها وأطرقت، وبدت حينئذ كإنسانة أُهينت بقسوة وتنتظر ردّ كرامتها فورًا… أشعل الدكتور شريف سيجارة أُخرى، وقال إنّه مستعدّ للزواج منها فورًا، بشرطين: أوَّلًا أن يظلّ زواجهما سرِّيًّا، وثانيًا ألَّا يُنجبا. وعدا ذلك، فهو على أتمِّ استعداد لتلبية كلّ طلباتها. صمتت صافي قليلًا، ثم قالت بلهجة مقتضبة إنَّ عرض الزواج فاجأها، وإنَّها تحتاج إلى وقت للتفكير، ثم اغتصبت ابتسامة باهتة وحيَّته وخرجت من المكتب بخطوة بطيئة متعثِّرة قليلًا (تعكس حيرتها)، بينما هو يتابعها بنظره. اختفت من جديد مدَّةَ أسبوع كامل لم تردّ خلاله على اتِّصالاته، الأمر الذي اضطرّه إلى استدعائها إلى مكتبه مرَّة أُخرى بواسطة أبو أحمد. بدت هذه المرَّة حزينة ومهمومة، وعندما سألها عن سبب غيابها، قالت إنَّها تمر بصراع نفسيّ، وقد أدَّت صلاة الاستخارة عدَّة ليالٍ حتى أنعم الله عليها بالقرار الصحيح. لم يسألها د. شريف عن قرارها، كأنَّما خاف أن يكون الرفضَ، لكنَّه أعاد عليها عرض الزواج. سكتت صافي، وأشاحت بوجهها الجميل كأنَّها تبحث عن التعبير المناسب، ثم تطلَّعت إليه وقالت إنَّها توافق، من ناحية المبدأ، وستترك المهر والشبكة لتقديره، لأنَّ المال لا يهمُّها، لكنَّ لديها شرطين: أوَّلًا، أن يعرف أهلها بالزواج ويشهدوا عليه حتى يكون شرعيًّا، وثانيًا أن يشتري الدكتور شريف شقَّة باسمها في مطروح، هنا، للمرَّة الأولى منذ أسابيع، ظهرت على وجهها ابتسامة حلوة، وقالت بما يشبه الودّ: - حتى لو كانت الشقَّة صغيرة ولا يهمّك… المهمّ تكون في حيٍّ لائق وتسجِّلها باسمي، حتى أشعر بأنَّني زوجة شرعيَّة ولست عشيقة أنتقل بين الشقق المفروشة. أنا موافقة طبعًا على تأجيل الإنجاب حتى نتَّفق على الوقت المناسب. أمّا عن أسرتك، فأقسم بالله العظيم بأنَّني سأحافظ عليها لأنّني لا أتحمَّل ذنب أن أُبعدك عن أولادك أبدًا. وافق الدكتور شريف واشترى باسمها شقَّةً فاخرة من ثلاث حجرات وصالة في حي راقي، ثم أظهر كرمه فدفع إليها مهرًا قدره خمسون ألف جنيه، واشترى شبكة عبارة عن خاتم سوليتير… تمَّ عقد القران في بيتها في حفل بهيج، اقتصر على الأقرباء والأصدقاء المقرَّبين. أقنع الدكتور شريف زوجته الأولى بأنَّه تولَّى مسؤوليَّات إضافيَّة في الكلِّيَّة تفرض عليه العمل يوميًّا حتى المساء، وفي الوقت نفسه، أعاد تنظيم محاضراته بحيث تنتهي كلّها مبكرًا. وصار يخرج يوميًّا من الكلِّيَّة إلى شقَّة صافي، ثم يعود آخر النهار إلى بيته. كان العروسان متفاهمين في كلِّ شيء ما عدا أمرًا واحدًا. الدكتور شريف يحبّ الويسكي، لكنَّ صافي منعته بحسم، لأنَّ الخمر المحرَّمة تطرد الملائكة من البيت، كما جاء في الحديث الشريف. انصاع الدكتور شريف لرغبتها، واكتفى بالشرب مع أصدقائه كلّ خميس. عاش معها أيَّامًا هانئة وسعيدة. ولكن، متى دامت السعادة، ولمن؟! تخرَّجت صافي من الكلِّيَّة بتقدير جيِّد جدًّا بعدما أوصى زوجها عليها زملاءه الأساتذة، ثم بذل مجهودًا كبيرًا مع رئيس الجامعة حتى حصلت على وظيفة معيد. استمرَّت حياتهما كالمعتاد، وذات يوم ذهب إليها فتغدَّيا ومارسا الحبّ كأروع ما يكون. دخلت صافي الحمَّام وعادت وقد تورَّد وجهها وارتدت الروب الكشمير الأبيض على جسدها الفاتن. جلست أمامه وابتسمت، وقالت بنبرة عاديَّة تمامًا: - مبروك يا حبيبي. أنا حامل. فوجئ الدكتور شريف، فظلَّ لحظات صامتًا يحدِّق في الفراغ كأنّه لا يصدِّق، ثم ذكَّرها، بصوت منفعل لاهث، بأنَّهما اتَّفقا على عدم الإنجاب. ردَّت صافي فورًا:- أنا وأنت أردنا منع الحمل، لكن ربّنا سبحانه وتعالى إذا أراد شيئًا يقول له كُن فيكون. انفجر هُنا الدكتور شريف غاضبًا كما لم تَرَه من قبل، وراح يصيح ويهدِّدها ويتَّهمها بأنَّها كذّابة ولئيمة وخدعته. ابتسمت صافي، بحزن وانكسار، ولم تردّ عليه بكلمة (إذ إنَّها كزوجة مسلمة مأمورة شرعًا بأن تتحمَّل غضب زوجها وتلقى إساءته بالإحسان). اختفى الدكتور شريف عشرة أيَّام لم تسعَ صافي خلالها للاتِّصال به، ثم عاد. ولمَّا همَّت باحتضانه كعادتها، دفعها بعيدًا وجلس على الأريكة في الصالة، ثم أشعل سيجارة، وقال وهو يتفادى النظر إليها: - أنا اتَّفقت مع صديق أستاذ في كلِّيَّة الطبّ أنّك تروحي يوم الاثنين تعملي إجهاض… تحوَّلت عندئذٍ صافي إلى لبؤة غاضبة، وصرخت: - عاوزني أعصي ربّنا سبحانه وتعالى لأجل أرضيك؟ مستحيل. ربّنا أمرني بطاعتك في الحلال مش في الحرام. لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. حاول أن يتكلَّم، لكنَّها قاطعته بصوت جلجل في جنبات عشّ الغرام: - اسمع، يا شريف. هاقول لك كلمتين تحطّهم حلقة في وِدْنك… أنا مسلمة وعمري ما أغضب ربّي أبدًا… أنت مش حتنفعني لمَّا اترمي في الحفرة الرطبة وأتحاسب على ذنوبي. يكون في علمك حتى لو طلَّقتني هاعرف أجيب حقّ اللي في بطني… دخول الحمَّام مش زيّ خروجه يا سعادة البيه. أذعن الدكتور شريف للأمر الواقع بعد مشادَّات ومشاجرات ومحاولات إقناع فاشلة منه وصراخ وبكاء ولطم منها، وأنجبت صافي طفلًا جميلًا سمَّته حسين ( تبرُّكًا بحفيد الرسول (ص). وعندما احتفلا بعيد ميلاده الأوَّل، طلبت من الدكتور شريف تأمين مستقبل الولد. لم يعارض هذه المرَّة، ففتح لحسين حسابًا في البنك وضع فيه مليون جنيه وديعةً، بالإضافة إلى جنينة برتقال كبيرة كتبها باسمه. مع وجود الطفل حسين، لم يعُد في الإمكان الاحتفاظ بالسرِّ فتسرَّب الخبر إلى الزوجة الأولى - بواسطة مكالمة مقتضبة من فاعل خير -ـ، واضطرّ الدكتور شريف إلى مواجهة زوجته التي أشعلت حربًا بلا هوادة ضدَّه وضدَّ صافي التي تحمَّلت أذى ضرَّتها صابرةً محتسبة، كما يليق بالمرأة المسلمة. وقد انضمَّ أولاد الدكتور شريف إلى أمّهم وقاطعوه تمامًا، بل إنَّ أكبرهم، وهو طالب طبّ، تطاول عليه ووصفه بأنَّه نسونجي… لم يستطع الدكتور شريف تحمُّل كلّ هذه المشاكل، فارتفع لديه ضغط الدم، وأُصيب بجلطة في المخِّ أدَّت إلى إصابته بشلل نصفيّ. سقط مريضًا في شقَّة صافي، فلم تقصِّر في رعايته، وأقامت معه بالمستشفى ثلاثة أيَّام كاملة استشارت خلالها بعض الشيوخ الثقات، وقد أفتوا جميعًا بأنَّ الأفضل للدكتور شريف في ظروف المرض الصعبة أن يكون إلى جوار زوجته الأولى وأولاده الكبار. عملت صافي بالرأي الشرعيّ فاتَّصلت بزوجته الأولى وطلبت إليها أن تحضر لرعاية زوجها في المستشفى، ثم انصرفت بسرعة منعًا للإحراج… بعد ذلك بشهور قليلة، نفذ سهم الله ووافى الدكتور شريف أَجَلُه المحتوم. طالبت صافي، عندئذٍ، بنصيبها الشرعيّ في الميراث، وحصلت عليه بعد مشاكل وقضايا مع زوجته الأولى كسبتها جميعًا. هذه حكايتها مع الدكتور شريف راسخ - رحمة الله عليه - فمتى أذنبت صافي ومتى خالفت الشرع الحنيف؟! أليس الأجدر بمن يتقوَّل عليها أن يتَّقي الله ويخجل من نفسه؟! رابعًا: يقولون إنَّ صافي امرأة خطرة تلعب بعقول الرجال وتسيطر عليهم جنسيًّا، ثم تفعل بهم ما تريد. - يا سبحان الله! هل تتحوَّل المزيّة إلى نقيصة؟! هل تتحوَّل النعمة إلى نقمة؟! ما ذنب صافي إذا أعجبت الرجال؟ هل نعاقبها على جمالها؟ هل المطلوب أن تكون دميمة منفرة حتى نرضى عنها؟ صافي، طوال عمرها، محتشمة ملتزمة لا تسمح لرجل غريب بأن يمسّها بطرف إصبعه حتى من فوق الثياب. أمَّا موضوع الجنس، فيا ليت كلّ زوجة مسلمة تصنع نصف ما تصنعه صافي لإرضاء زوجها… أَوَلَيست الزوجة المسلمة مأمورة شرعًا بإرضاء زوجها في الفراش، بكلِّ الطرائق ما عدا الفعلين المحرَّمين؟ ألا يدعو كبار العلماء الزوجة المسلمة إلى أن تكون عاهرة مطيعة في فراش زوجها حتى تُشبع شهوته وتحصِّنه من الوقوع في الحرام؟ لقد كانت صافي بنتًا خامًا ساذجة، لا تعرف شيئًا عن الجنس فاجتهدت وتعبت حتى تعلَّمت. قرأت كثيرًا ورأت عشرات الأفلام التوضيحيَّة على الإنترنت. حتى عرفت فنون الفراش ومارستها في الحلال، مرّة بعد مرّة، حتى أتقنتها. تعلَّمت كيف تذيل شعر جسدها (في اتِّجاهين)، ثم تطرِّي جلدها بالخلطة المغربيَّة، وكيف تنظِّف مناطقها الحميمة وتبخِّرها على الطريقة السودانيَّة، ثم تدهنها بزيت عطريّ بنكهة الفواكه ( مشمش أو تفَّاح )… تعلَّمت كيف تُثير زوجها في الحلال؟! كيف تغلق نور الحجرة وتُشعل الشموع، ثم تطلق البخور الجاوي لتهيِّئ زوجها نفسيًّا للحبِّ؛ كيف توجِّه إلى زوجها نظرةً ساهمة عاشقة، ثم تعضّ شفتها السفلى علامة على شهوتها؛ كيف ترتدي قميص النوم الفاضح، ثم تنحني أمام زوجها كأنَّها لا تقصد لتفتنه بثدييها. اشترت بدلة رقص بثمن باهظ، وتعلَّمت كيف ترقص أمام زوجها بخلاعة فاحشة محبَّبة… وتعلَّمت، في الفراش، متى تتأوَّه، وكيف تهمس في أذن زوجها بكلمات مثيرة، وتداعب المناطق السبعَ الحسَّاسة في جسده فتصيبه بالجنون… ما دمنا نتحدَّث عن المتعة الحلال، فلا حياء ولا حرج. هل نلوم صافي على اجتهادها وتفوُّقها الجنسيَّيْن؟ هل نلومها لأنَّها تُشبع رغبات زوجها وتعفّه عن الحرام؟! أليس الأجدر بنا أن نلوم المسلمة التي تمتنع من زوجها، أو تهمله في الفراش، حتى يسقط في الخطيئة، والعياذُ بالله. إنَّ صافي، ولا نزكِّي على الله أحدًا، مسلمةٌ فاضلة تلتزم بتعاليم دينها ولا تحيد عنها قيد أنمُلة. أخيرًا: لم يتبقّ من الأقاويل إلَّا علاقة صافي بالمهندس علي القاضي: - ترمَّلت صافي قبل أن تبلغ الثلاثين، وتحمَّلت وحدها مسؤوليَّة ابنها حسين. صحيح أنَّه كان لديها دخل شهريّ كبير من نصيبها في الميراث، بالإضافة إلى مرتَّبها من الجامعة ومعاش المرحوم زوجها، لكنَّها أحسَّت بأنَّ مطروح ضاقت عليها، وأرادت أن تربِّي ابنها في العاصمة، حيث كلّ شيء أفضل. سعت بإلحاح حتى تمَّ نقلها إلى جامعة القاهرة. قامت بتأجير شقَّتها في مطروح، وعاشت في شقَّة إيجار جديدة في الجيزة، ثم اجتهدت حتى عملت كمذيعة في إذاعة الشرق الأوسط . وعندما حدثت أزمة الدواء منذ عامين، كلَّفتها مديرة الإذاعة بعقد لقاءات عن الأزمة، فأجرت حديثًا مع علي القاضي، مدير مصنع الدَوَى دَوايا للأدوية التي تصنع داخل مصر، والذي أُعجب بكفاءتها، وعرض عليها العمل مستشارةً إعلاميَّة للمصنع بمرتَّب مُجْز ومواعيدَ عمل مريحة، لا تتعارض مع عملها في الجامعة والإذاعة. قبلت صافي الوظيفة، واجتهدت لتؤدِّيها بما يرضي الله. ولكن، للأسف، تكرَّرت القصَّة المعتادة، فتصوَّر علي القاضي أنَّها امرأة سهلة وراودها عن نفسها، لكنَّها لقَّنته درسًا قاسيًا في الأخلاق وتركت العمل فورًا. طاردها علي، لكنَّها تجاهلته تمامًا. عندئذٍ، عرض عليها الزواج، فرفضت وأخبرته بأنَّها قد كرَّست حياتها لابنها حسين. على أنّه ألحَّ عليها وسعى لإقناعها بأنَّ زواجهما سيكون لمصلحة حسين، لأنَّه سيكون بمثابة أب له. في النهاية، قبلت صافي بشرطين: أن يشتري لها شقَّة في منطقة لائقة في القاهرة تعيش فيها مع حسين، وأن يكون الزواج عُرفيًّا حتى لا ينقطع عنها معاش المرحوم الدكتور شريف ( وقد أقرَّها الشيخ مبروك على هذا الأمر من الناحية الشرعيَّة. تزوَّجها علي في مكتب مُحامٍ من أصدقائه، واشترى لها شقَّتها الحاليَّة في حيِّ الشيخ زايد، ثم توسَّط لها حتى أخذت إجازة من دون مرتَّب من الجامعة، وانتقلت كمذيعة من الإذاعة إلى التليفزيون. أين الخطأ أو الحرام فيما فعلته صافي؟ تزوَّجت مرَّتين على سُنّة الله ورسوله. أمَّا عن فارق السنِّ، فالشرع الحنيف لا يمنع زواج المسلمة من رجل يكبرها بعشرين أو ثلاثين عامًا. ثم… ألا يُمكن أن تكون صافي قد أحبَّت علي فعلًا؟! ألا يُمكن أن تكون قد أكبرت فيه إصرارَه على الزواج منها، أو رُبَّما وثقت به، وأحسَّت بأنَّه قادر على حمايتها ورعاية حسين… المؤكَّد أنَّ علي القاضي يمتلك جاذبيَّة ما للنساء… إنَّه من النوع الماركسي الذي كان في شبابه يسير على يسار السلطة، من النوع الذي يقول لأي شخص مهما كانت مكانته، انت بتقول كلام غلط، او اسمح لي انت بتردد أكاذيب: يقال أيضا انه كان مشاغب في الصغر: ذات مرة أرسل أنور السادات وزير الشباب للتحاور مع الطلبة لكي يقنعهم بفض اعتصامهم داخل الجامعة، قال له علي القاضي: احنة عايزين السادات ييجي هنا ونكلمه، قال الوزير: يا جماعة أنا مجرد بوصطجي، قال علي القاضي: اطلع برة، فانتشرت الحكاية على مدار ربع قرن، حكاية علي القاضي الذي طرد وزير أنور السادات: نعود لصافي خرج المهندس علي القاضي من مصنع الأدوية الذي يديره، طلب من السائق أن يذهب به إلى الشيخ زايد، يجري مكالمة هاتفية مع صافي لأخبارها بقدومه، يسمع صوتها فيجري مسرعً إلى المصعد وما إن يصل حتى يدق باب الشقة، ما إن تفتح صافي الباب حتى يحتضنها بشوق، فيسقط عنها الروب الذي يخفي جسدها، ويمارسان الحب على أكمل وجه. تطلب من المهندس علي أن يفتح لها شركة أدوية بإسمها، يرفض بحجة تعارض المصالح، تحاول إقناعه بالطرق المعروفة، يقول لها القانون يمنع، تقول له ربنا فوق القانون، يقول لها بس ده حرام وانتي مش بتفهمي في الأدوية، تقول له أنها سألت الشيخ مبروك، يقول لها، لازم أكل من إيدك، تطلب منه أن يتحدث عن العلماء باحترام، يحتضنها ويهم بجولة أخرى، تأتيه مكالمة فيخبرها بأنه سيتركها لأمر هام يخص المصنع. وهكذا ظلت حياة صافي من رجل لرجل، ومن مكان لآخر، ولا تعلم متى تستقر حياتها كأي فتاةً عادية: كان من حين لآخر يراودها شعور أن سبب كل ما هي فيه الآن "أحمد" و"أحمد" هذا كان أول رجل عرفته في حياتها، أحبها حباً جماً وهكذا كانت هي تبادله نفس الشعور: وفي آخر لقاء بينهما قبل زواجها من الدكتور شريف راسخ، قالت له: بص يا أحمد، احنة مش هينفع نكمل مع بعض. قال لها: أنا مش فاهم انتِ ازاي بتقولي حاجة مهمة زي دي بالبساطة دي، انتي متخيلة اني ممكن أعرف أعيش لحظة واحدة من غيرك يا صافي. تنهدت وقالت له: وحياة أبوك يا أحمد بطل كلام الشعرة ده، هو انت عمرك شوفت شاعر مات من الفراق? واسترسلت في الحديث: وبعدين أنا شايفة إنها ممكن تبقى فرصة كويسة، على الأقل هتكتب شعر عني، تخيل يا أحمد لو كان مجنون ليلى اتجوزها كان إيه حصل، تفتكر كان هيكتب فيها شعر، والله ما كان هيسأل فيها. ارجوك روق يا أحمد وما تصعبهاش أكتر من كدة. حاول أحمد أن يبتسم وقال: مش باين إن في حاجة صعبة عليكي، ده كأننا بنفض شركة مش قصة حب يا صافي. ابتسمت وقالت: هو حرام قصص الحب تنتهي بتحضر ورقي، مش لازم يعني يحصل عياط وخناق ومشاكل عشان نخلص، المشاكل والحاجات دي في السينما بس يا أحمد، أحنا أكبر من كدة، المشاكل بتبقى لزوم الدرامة، انت حد مثقف وفاهم. تنهد أحمد في ضيق وقال: فاهم ايه بس يا صافي، أفهم ايه، اتنين بيحبوا بعض، وبيحلموا مع بعض، وعشان بعض، وكل ده يطلع وهم. أنا مش مصدق يا صافي، طيب وأحلامنا. ردت على كلامه قائلة: أحلامنا، أحلام ايه، دي كانت مجرد أحلام بنت في ثانوي، بتحب شوية الشعر اللي كنت بتكتبهم لها. ابتسم وقال: ده طبعا قبل ما تعرفي إن الشعر ما بيأكلش عيش. ابتسمت في هدوء وقالت: بص يا أحمد، افهمني، انا مش هنكر اني عشت معاك قصة حب لذيذة، ومش هنكر اني كنت بستمتع بكلام الحب اللي كنت بتقوله لي، بس صدقني دي كانت مرحلة، كانت مرحلة حلوة مش هنكر، بس زي ما قلت لك، كانت مرحلة، بس مش لازم نفضل عايشين فيها ديما، لأنها يادوب كانت مجرد حلم وبس. صدقني يا أحمد، المراحل اللي من النوع ده مش بيبقى فيها طموح، آخرنا هنعيش زي ما أهلنا عاشو. انت طبعا عارف، لا أحنة زي أهلنا، ولا أيامنا زي أيامهم. طيب بالله عليك، أنا مش بتكلم صح. ساكت ليه، تلاقيك دلوقت بتكتب قصيدة في خيالك صح. ابتسم وقال: قصيدة، هي يعني القصايد اللي قبل كدة نفعت عشان نكتب غيرها. عادت للحديث: يا أحمد، أنا عارفة اني بجرحك، بس صدقني أنا كمان بجرح نفسي، عارفة انك مش هتصدقني، بس أنا مش هلومك، الجرح دلوقت أرحم بكتير لو كملنا وأنا بخدعك وبخدع نفسي، ومتهيألي الفترة اللي فاتت كانت كلها مؤشرات على مستقبل حياتنا، خناقات طول الوقت على اللبس والجامعة والخروج، وأنا بصراحة داخلة على دنيا جديدة، ومش عارفة إن كنت هسلك فيها ولا لا، ومش حابة أورطك معاية. هدأ قليلاً وقال: خايفة عليا، كتر ألف خيرك يا ستي. قالت في ضيق: احنة يا أحمد اتفقنا نتكلم بتحضر ونضج، ملهاش لازمة السخرية او التريقة. قال أحمد بلا أي تعبير: للدرجة دي الحب كان عاميني، عاميني عن ذكاءك وموهبتك، ودماغك اللي توزن بلد دي، انتي فكراني بتتريق، طيب بذمتك يا صافي، لما بتقعدي مع نفسك كدة مش بتندهشي. حسمت موقفها قائلة: اندهش ليه، هو أنا برتكب جريمة، هو أنا بقول لك أنا راحة أبيع نفسي، ولا هروح أشتغل رقاصة في شارع الهرم، حرام أحلم لنفسي، لازم أفكر بطريقتك عشان أكون صح، حرام أحلم حلم تاني غير اللي كنت بحلمه معاك، أيه هو أنا كفرت. يا أحمد، أنا شوفت ناس تانية، ناس غير أهلي وأهلك، أنا ما خرجتش من جلدي، شوفت أماكن تانية غير بيتنا وبيتكم وشارعنا وشارعكم، هو انت عايز تقول اني خاينة واستاهل قطع رقبتي عشان بحلم. شوفت بتخليني أكرر كلامي مرتين، كنت متأكدة أصلاً انك هتتعبني. قال في حسم:اعوذُ بالله، هو انتي متهيألك اني ممكن أضيع وقتك، ده حتى مش يبقى تفكير ناس بتوع شركات من اللي بيقولو Time is money: مش هما بيقولوها كدة ولا ايه، أقولك احنة هنفض الندوة، وهنعلن التوصيات زي ما بيعملو في قصور الثقافة، ولا اقولك بلاش حكاية القصور دي عشان طلع في قصور تانية أهم من قصور الثقافة. تنهدت في ضيق: مفيش فايدة فيك يا أحمد، لازم تدخلنا في سكة الصراع الطبقي والعدالة الاجتماعية وووو وكل الشعارات بتاعتك دي. استرسلت قائلة: أنا داخلة على دنيا جديدة ومش ناقصة عطلة. قال أحمد بلا أي تعبير: خلاص يا صافي رسالتك وصلت، ادخلي دنيتك بقلب جامد، قلبي وربنا راضيين عنك ليوم الدين يا ستي: ولا تحبي اقولك good luck, I wish you success in your life كله هيبقى، English aon the time ما يكونش عندك any idea يا صافي، وبين البايع والشاري والعاشق والمعشوق يفتح الله، مبروك يا صافي، العقد انفض you are free خلاص، سمعاني العقد انفض، تحبي نشهد حد على الكلام ده، تحبي نشهد البحر، ولا كورنيش البحر، ولا صخر البحر، ولا الناس كلها، ولا أقولك، يا أهل مطروح، يا أهل مطروح الجميلة، لقد فضت صافي بنت عبد الحميد الشراكة بينها وبين أحمد عثمان، مع تنازل الطرف المفسوخ عن كل حقوقه، وعن أي شروط جزائية لم يوقعها من الأصل، مع اتفاق الشريكين على أن يوفق كلٌ منهما الآخر على أيجاد شريكاً أرخص سعراً، أحسن جودة في المواصفات، وبدون شروط جزائية. ابتسمت صافي حينما تذكرت أحمد وهي في غرفة حسين ابنها بشقتها في الشيخ زايد، دائماً تتذكره، دخلت على حسابه على فيس بوك فوجدته كاتب منذ 10 دقائق: فيه ناس بالمال بتستقوى وتتحكم فخلق الله لا تعرف دين ولا تقوى ولا ترحم عباد الله كتبت له رسالة قصيرة مقتضاها: يا حلم رويته بدموعي رويته بدمي وبكوعي وساكن قلبي وضلوعي ولا يمكن في يوم ه انساه رد عليها على الفور: وآه من حرقة المظلوم و نار قلب اللي عاش محروم يا ظالم بكره جاي لك يوم هنتقابل امام الله