على حدود فارس
كان الخطر الأكبر للمنطقة يقترب شيئا فشيئا بعدما قرر هولاكو قائد جيوش المغول إستكمال خطة جده جنكيز خان التوسعية بفتح العالم وإخضاعه لحكمهم.
فدعا لعقد اجتماعا عاجلا مع قادته لتحديد وجهتهم وخطط حربهم القادمة وبعد دراسة مطوله لحاله المنطقة و ما بها من كنوز وثروات وقبل كل ذلك ضعف حكامها و تشرذمهم.
انتهى الاجتماع بقرار جماعي آلا وهو تجهيز الجيوش المغولية للزحف على عاصمة الخلافة بغداد وإسقاطها ثم التوجه للشام ومن بعدهما مصر.
قلعة ألموت
فى نفس الوقت وبالمصادفة كان ركن الدين خورشاه يعقد اجتماعا مماثلا بحضور صقر ,قاسم ,المعلم والإمام الأكبر للجماعة شارحا لهم تطورات الوضع من حولهم وعن خطر المغول وما قد يفعلونه.
ركن الدين : والآن إليكم ما سنفعله..أولا سينطلق وفدا منا على رأسه إمامنا الأكبر الى هولاكو محملا بالهدايا مع طلبا بالصداقة...
ثانيا قاسم وصقر…ستنطلقان بصحبه أربعة من الفرسان إلى حلب للقيام بثلاث مهمات على أن تنتظروا أوامري الجديدة بخاننا .
صقر مندهشا : سيدى أرجو أن تسمح لي بتوضيح شيئا...المغول لا أمان لهم فهم ليسوا على ديننا.. والأفضل للجميع أن نتحد مع من هم من ديننا وعروبتنا.
ركن الدين غاضبا : المغول هم حكام العالم القادمون
صقر مقاطعا : لكن هذا ليس سببا كى نتحد مع كفار مثلهم ضد بني عمومتنا
ركن الدين وقد تملك منه الغضب :المغول على مسيرة أيام من قلعتنا فإن لم نأمن جانبهم يغزوننا ويقضون علينا ...ثم من أنت لتجادلني يا هذا...أخرج وانتظر مع بقية فرساننا(صارخا ) هيا أخرج.
إلا أن صقر لم يخرج بل ظل ثابتا بمكانه.
ركن الدين : أخرج ..أم أنك أصبت بالصمم
صقر بشئ من غضب : حكمهم للعالم وقوتهم ..ليس مبررا كي نخون ديننا وإلا لكان أولى برسول الله أن يهادن الروم والفرس في بداية الإسلام وهم على ما كانوا عليه من قوة وسلطان.
هب ركن الدين وبصوت جهير: تعارضني...وتكلمني بهذه الصفاقة...يا لك من لعين
تدخل المعلم : سيدي ...اهدأ…سأتحدث معه ...وسيفهم
ركن الدين صارخا بصقر :أخرج أيها الأحمق ...وأنتظر معلمك ( بعد خروج صقر ) أيها المعلم ...سنبدل المهمات ...مهمة قاسم لصقر وأنت يا قاسم أشرك نائبك معه فى مهمته.
المعلم بشيئا من اعتراض : لكن... سيدى
ركن الدين مشيرا له بالصمت : أعلم ما تفكر به ..لكن هكذا أمرت ...قاسم استمع جيدا ...مهماتكم الثلاث هي عمليات إغتيال ...اثنتان منهما تعدان من ضمن هدايانا الى هولاكو إن لم تكونا أقيمها و ستتولاهما بنفسك أما الثالثة فلصقر الذي صار خطرا محدقا علينا جميعا… أخرج يا معلم وانظر ما سيقوله لك ذلك الغبي وعد إلي
خرج المعلم موبخا صقر فى أول الأمر ثم موضحا له المغزى والأهداف من وراء هذا التقارب
المعلم : هل فهمت الأن
صقر ممتعضا : لا ولن أفهم ...و كل ما تقوله لن يقنعني أو يغير ما أؤمن به...فما نفكر فيه خطأ و سيغضب الله ورسوله
المعلم : تعقل إن كل ما تقوله خطرا عليك وعلى حياتك
صقر: حياتي ليست أغلى على من ديني ...ولن أصبح يوما سيفا من سيوف المغول...والله لتحملن ذنوب كل من سيراق دمهم على يد المغول بعد تعاونكم معهم و لتأتون يوم القيامة حاملين أوزار ضحاياكم أمام الله .
عاد المعلم الى الأمير وأبلغه بما حدث من صقر
الأمير بوحشية لقاسم : مهمتك ...هذا الصقر التعس
وارتسمت ابتسامة غل وحقد ممتزجان بسعادة دموية علي وجه قاسم
بعد أسبوع وصل فرسان القلعة الستة إلى أبواب حلب , أخرج قاسم مهمة صقر مسلما اياها الى نائبه مهدى ..
قاسم: ستقتلان رجلا صار خطرا على جماعتنا ..يفترى عليها بالباطل و يؤلب عليها الشباب وبالرغم من تحذيرنا له أكثر من مرة إلا أنه دأب على فعله و قد نهرناه عدة مرات فلم يهتم
صقر : ومن الرجل؟
قاسم : اسمه مدون في تلك القصاصة مع مهدى , ستفتحانها بعد صلاة الفجر و لتنفذا فيه أمر أميرنا قبل شروق الشمس والان اذهبا للراحة بخاننا بقلعه الرصافة ( متبسما بخبث) و أظنك ستسعد بليلتك هذه يا صقر
صقر مبتسما : فعلا فقد أوحشني الخان كثيرا واشتاق الى شيخي
قاسم : إذن فهيا الى الخان أما نحن فذاهبون لأداء مهمتنا ونأمل أن نعود قبل الفجر لعلنا نشارككم في ثواب مهمتكما.
صقر بحزن :أي ثواب في قتل نفس بشرية…كل ذنبها أنها فكرت..وحللت..فصار لها رأيا يعارض رأيكم..لا أكثر.
قاسم بصوت عال : الرجل أوشك أن يكفرنا
صقر: ولما لا نصارعه حجة بحجة..وشرع الله حكما بيننا وبينه فإن فاز فقد ينقذنا مما نحن فيه... أو نفوز فنكسبه...لكن نقتله ... فهذا قمة الهمجية و الارهاب
تجاهل قاسم الرد عليه : تفضل يا صقر وسيلحق بك مهدى إلي الخان فأنا أريده في أمر ما
انصرف صقر كظيم الوجه
قاسم :عليك بمراقبته جيدا وسأحاول اللحاق بكما لكن أن تأخرت فنفذا مهمتكما أما إن أعترض و رفض التنفيذ...فعليك بقتله
مهدى بتردد : قتله !! لكن ...صقر أخطر منى ...وقد لا استطيع هزيمته
قاسم : على الأقل أضعفه حتى نلحق بك
أسرع صقر للقاء شيخه الذى بكى فرحا حين راه
الشيخ : الحمد لله أن عدت سالما يا ولدى...كم كنت أتمنى رؤيتك قبل أن أموت...
صقر مقبلا يده و محتضنا إياه
صقر: أوحشتني كثيرا يا شيخنا
استند الشيخ على يده : مهمه جديده بالطبع ؟
صقر بحزن : للأسف ..
الشيخ : ما بك يا ولدى ؟؟؟
قص صقر ما حدث بقلعة ألموت
الشيخ : ولدى ...كم تمنيت عودتك كى أقول لك أنك كنت سنيا لا شيعيا ..
صقر مبتسما: حقا...كنت أشعر بذلك
الشيخ: إستمع منذ رحيلك عن الخان وأنا أقضي وقتي هذه في البحث والتقييم و أعدت دراسة الشريعة وكل المذاهب والطوائف وما تدعو له…. حتى أيقنت أنك كنت على حق فى شكوكك..وإننا ظلمنا ديننا وأنفسنا و خاصه كل من علمناهم مذهب هذه الجماعة ( ورفع يديه داعيا ) و ليغفر لي الله ما قدمت وفعلت ...واليوم و مع أخبار رغبتهم بالاتفاق مع التتر تأكد لي صحة ما توصلت إليه
صقر : وما هو يا شيخنا ؟
الشيخ : هذه الجماعة ..تختلق البدع في الدين والخزعبلات….حتى صارت وكأنها تشرك بالله بأسلوب تقربها وعبادتها و ولاءها إلي أئمتها وما ابتدعوه لهم من هالات قدسيه فصاروا أبعد ما يكونون عن دين الله الحق ..واستخدموا دين الله في سبيل تحقيق أهدافهم من كسب المال ,السطوة و الشهرة على حساب حياة فرسانهم و ضحاياهم
صقر : وماذا فعلت يا شيخي
الشيخ : لقد بدأت فى توضيح صحيح الدين لشباب الخان لكن بصورة خفية وأعلم أنهم بالقلعة يحسون بما أقوم به ...أما الأن و بعد ما سمعته منك.. فعلي أن أجاهر بحقيقتهم وأفضحهم فهم خونة للدين وللرسول
صقر : وأنا معك يا سيدى ...سأذهب معهم غدا لأرى مهمتهم و والله لئن كانت ضد الله ورسوله لأمنعهم و إن قتلتهم ...وبعدها سأعود لأقف بجوارك فيما انتويت.
الشيخ مبتسما : لا تقلق ...لن تبتعد كثيرا
صقر متعجبا : اتعرف مهمتهم
وابتسم الشيخ ولم يرد
بعد إنتهاء صلاة الفجر...انصرف الجميع عدا الشيخ الكبير الذي ظل جالسا بالمسجد يختم صلاته.
خارج المسجد انتحى صقر ومهدي جانبا ليقرأ اسم ضحيتهما وقد تهيأ كلا منهما بكامل عتادهما للخروج لأداء مهمتها .
ما إن فتح صقر قصاصة الورق وقرأ إسم ضحيتهما حتى فغر فمه على آخره وقد تملكت الدهشة منه.
مهدي : هلم بنا لننفذ (لم يتحرك صقر) صقر هلم بنا ..ما بك
أمسك صقر بذراع مهدى ...وقد زاغت مقلتاه بين حدقتيه وتدافعت الأفكار في رأسه.
حاول مهدى أن يحل قبضة صقر عنه ذراعه التي أطبقت عليها ككلابه من صلب , لكن لم يستطع بل و أيقن أنه لن يستطيع الفكاك منها سوى بطريقتين إما أن يسمح له صقر بهذا أو أن يقطع ذراعه
مهدى : ما بك يا رجل ..هلم بنا ..دع ذراعي
نظر له صقر وقد احمرت عيناه من الغضب : لماذا ؟
مهدى : لماذا….ماذا؟ هناك أمرا علينا تنفيذه بلا تردد أم تراك نسيت
صقر :هذا الأمر لن ينفذ إلا على جثتي
مهدى : ماذا تقول أيها المأفون
ترك صقر ذراع مهدى مبتعدا عنه بخطوتين قطع بهما عليه طريق المسجد , فأخرج مهدى سيفه مشوحا به فى وجهه وظل صقر ثابتا دون أن يتحرك قيد أنملة... مثبتا عينيه عليه.
صقر بهدوء: أنزل سيفك ...أنت تعلم انى لن أدعك تقتل شيخي ..ولو جاء كل فرسان ألموت...بل وسأموت دونه .
وهجم مهدى عليه بسيفه و بدأ صقر فى تفاديه بعد ما أخرج سيفه هو الأخر وخرج الشيخ فلمح الشابين يقفان قبالة بعضهما البعض و يتأهبان للمبارزة .
و قبل أن يلتحما دخل قاسم الخان عائدا من مهمته ومعه زميله.
قاسم : صقر ....مهدى ....ما الذى يحدث هنا؟
أسرع قاسم بالاقتراب من مهدى : ما الذي يحدث ...؟؟؟
مهدى : لقد رفض تنفيذ الأمر وتحداني
ارتسمت ابتسامه خبث وشر فوق فم قاسم وهو يقترب من صقر
قاسم مقتربا من صقر : كم دعيت الله أن ترفض مهمتك هذه ..فشكرا لك...كم كنت أخاف أن توافق...وتضيع على فرصة الخلاص (ثم أخرج سيفه ) الخلاص منك ...
انتبهت حواس صقر بعد أن أحاط به قاسم و زميليه كالسوار وبدأوا فى مهاجمته .
مع أول ضربة من مهدى قفز صقر فوق مصطبة من الطوب متوسطة الارتفاع الملاصقة للمسجد فطاشت الضربة ومنها قفز صقر مسددا لمهدي ضربة أصابت كتفه بجرح عميق أفقدته سيفه ليتوارى بعيدا ممسكا بذراعه متألما.
فهجم قاسم علي صقر بضربة من سيفه فتجنبها بتراجعه بضع خطوات إلى الخلف وطاشت بالهواء هي الأخرى عندها لم يستطع قاسم إيقاف اندفاعه و ما إن استعاد توازنه واستدار ملتفتا فإذا بنصل سيف صقر موضوعا على عنقه.
لم يستسلم قاسم فهتف بزميله :أسرع أنت وأقتل الشيخ ..هلم.
فهجم صقر عليه مسددا لفكه لكمة قوية أودع بها كل غضبه ومقته ..موقعا إياه أرضا ثم إلتفت الى الفارس فإذا قد اقترب من الشيخ رافعا سيفه ليضربه به ...
وبدلا من أن ينزل السيف على عنق الشيخ إذا به يسقط من يد صاحبه مصلصل أرضا أما الفارس نفسه فقد خر جانب سيفه صارخا من الألم الشديد وقد إخترق سيف صقر كتفه من ظهره خارجا من صدره ومن خلف صقر هب قاسم واقفا متناولا سيفه وهو يهتف به
قاسم : استدر أيها الخائن والتقط لك سيفا
التفت صقر بهدوء دون أن يرد عليه ساحبا سيفه من ظهر ذلك المصاب , مقتربا من قاسم ثم بدأت المبارزة بين أقوى فارسين بالقلعة استخدما كل مهاراتهما في ضرب السيف وكل ما قابلهما من كراسي أو مناضد موضوعة بساحه الخان...
وقد تجمع طلبة ومعلمين الخان حولهما يشاهدون تلك المبارزة النارية بين أمهر اثنين من رجال الجماعة و فجأه شق سماء الخان صوتا ملتاعا أتيا من مدخله طالبا النجدة والغوث.