وأخيرا انطلقت السفينة الى مصر كما هو مخطط لها فحمد صقر ربه كثيرا خاصة بعدما إطمأن من عدم ركوب رجال جماعته , فتوجه بعدها إلى قمرته مفترشا أرضيتها جالسا يفكر بما يحدث معه و دون أن يدرى نام .
بعد قليل وفجأة ,أفاقت الفتاة من اغمائها فرأت صقر راقدا فانتفضت خوفا من رؤيته .
الفتاة صارخة :أنت( تهزه بيديها)أنت من أنت ؟ أين أنا ؟ ت..ت..تكلم (هبت واقفة على سريرها والتصقت بأحد جوانب القمرة )
هب صقر مفزوعا من صراخها
صقر: إهدئي اهدئي قليلا , أنتي بالسفينة كما أردت لقد رحل عماك
الفتاة وقد تملك منها القلق أكثر: رحلا و تركاني هكذا هل باعاني إليك؟ ( بدأت تدور حول نفسها)لا ... لا أستمع أنا فتاة حرة لست جاريه أحد ( تبكى)
صقر:اهدئي لم يبيعاك لقد خلصتك منهما وأنت فى طريقك الى عمك بالقاهرة فاهدئي .
مسحت الفتاة دموعها ثم بدأت في التلفت حول نفسها كأنها تبحث عن شئ ضائع منها
الفتاة مفزوعة :يا الهى هلم معي (جذبته من ذراعه ) هيا تعال
صقر : ما بك ؟ ما الذي يحدث ؟ إلى أين أيتها المجنونة؟
الفتاة : أخي ...أخي الصغير
اندهش صقر : أخيكي؟ لقد كنتي بمفردك
الفتاة باكية : أخى حسان ,هلم بنا ننقذه قبل أن يختنق لقد خبأته داخل أحد أجولة الغلال بمخزن السفينة
صقر : يا الله ...هلمي ...
أثناء صعودهم لقمرتهم بعدما أخرجا أخاها قابلهم الربان مبتسما و مشيرا إلي حسان
الربان : يبدو أنك صرت مدينا لي بصرة جديدة من النقود
نظر صقر إليه وبلهجة تحذيرية صارمة : عد لقيادة سفينتك
الربان مرتبكا : أتهددني يا هذا
صقر مقتربا من أذنه :بل أنصحك ,يكفيك ما اخذته منى و لتنسى وجود هذا الفتى تماما.
اصيب الربان بالإرتباك و أخذ يتلفت حوله ثم نظر في عيني صقر فلمح فيهما القوة فإستدار وتوجه الي سطح السفينة دون ان ينطق حرفا
عسقلان
وصل قاسم و فرقته إلي عسقلان فتفرقوا للبحث والتحري عن صقر وما إن دخلوا الميناء حتى رأوا وجه الفأر أثناء محاولات افاقه أخيه يسب ويتوعد ذلك الملثم خاطف إبنه أخيهما بعدما قام العمال بانتشاله من البحر.
اجتمع قاسم ورجاله بأحد المطاعم للتباحث في الأمر بعدما علموا بوجهه صقر إلى مصر
فارس : أرى أن نركب السفينة التالية
فارس آخر : نعم ...فلنطارده
قاسم : اصمتا , سنظل نهرول وراءه دون جدوى ...
الأول : إذن ما العمل ستضيع منا المكافأة هكذا
قاسم :كلا لن تضيع مؤكد أنه يحمل رسالة ما الي مصر و سيعود مرة أخري حاملا ردها – ثم صمت قليلا - أنتما الأثنان ستكمنان له هاهنا وأنتما (مشيرا لاثنين آخرين) بميناء غزة لعله يغير طريق عودته، ستراقبون السفن العائدة من مصر فإن عاد يسرع أحدكما لإبلاغي على أن يتابعه الآخر.
فى حال عدم ظهوره بعد أربعه أيام ,فعليكم جميعا بالعودة إلى الخان وسنكمن له في طريقه إلى قصر بيبرس....هيا
فى قمره صقر
بدأت الفتاة والتي عرفته بإسمها سمر تروى له عن حياتها قبل وفاة أبيها ورعايته لهما بعد وفاة أمهما و كيف كانت حياتهم رغدة مليئة بالأفراح والترف ثم تحولت بعد وفاة أبيها إلى الهوان والإذلال على يد عميها.
فصارا يعاملانهما كالخدم ببيت أبيهما وكيف منعا أخيها عن استكمال تعليمه وتقتيرهما عليهما في الطعام والملبس ثم قصت أملها فى استعادة ما سلب منها واستكمال تربية أخيها فيصير خير خلف لأبيه .
ثم حكت له عن عمها توأم أبيها الراحل المقيم بمصر وأملها الوحيد فى إنقاذها من عميها الغير شقيقين له ولأبيها .
أحس صقر فى أول الأمر بالضجر منها ومن ثرثرتها التي لا تنتهي فقد كان ما يشغل باله ويقلقه أن يكون ما فعله بالميناء سببا لخلق صعوبات لم تكن لتحدث لولا تدخله لحل مشكلة هذه الفتاة الثرثارة.
لكن سرعان ما بدأ فى الانتباه إليها بعد ما جذبه أسلوبها و طريقتها البريئة وانفعالاتها وحيويتها فإذا به يصغى إليها شيئا فشيئا بكل كيانه مستمتعا بحديثها .
لأول مرة يجلس إلى فتاه أو سيدة , إذ لم تكن له أى علاقة بالجنس الناعم ولا يدرى عن هذا الجنس إلا ما علمه إياه شيوخه بالخان ( ما الأنثى ألا وعاء لنطفة الرجل – ما الأنثى إلا متاع للرجل يستمتع بها – الأنثى مخلوق لا عقل لها –هن ناقصات عقل ودين)
لأول مرة يجد نفسه أمام فتاة تعانى من الظلم و تقاومه بل وتقرر أن لا تستسلم كما إنها تخطط لمستقبلها ومستقبل اخيها الصغير أيضا.
لأول مرة يشعر أن العالم به كائنات جميلة ورقيقة مثل هذه الفتاة الخمرية اللون ,صاحبة الشعر الأسود كسواد الليل ذات العيون العسلية و التي لا تكف عن الحديث بهذه البحة الجميلة فى صوتها.
ولأكثر من ساعتين وهى تتحدث بلا توقف عن كل شئ وأي شئ يخطر ببالها عن خليلاتها القدامى اللاتي ابتعدن عنها و عن الأكلات التي تحبها أو تكرهها، عن حزنها ...فرحها ...كل شئ بحياتها
ولم يعد صقر يدرى لما يستمع إليها أهو انجذابا لها و لجمالها أم إعجابا بشخصها وقراراتها.
ظلت تحكى وتحكى وهو لا يرد وفجأة صمتت ثم تطلعت إليه
سمر: ما اسمك ؟ أنا أحكي عن نفسي وأنت صامت ؟ و لولا أنى سمعت حديثك للربان لظننتك أبكما...من أنت ؟ ما قصتك وما سبب ذهابك إلى مصر ؟؟ ولم تلبس هذا القناع ؟
ظل صقر صامتا ينظر أليها ولا يجيب
سمر وهى تشيح بيدها أمام عينيه : أنت ...أترانى ؟؟
حسان ضاحكا : يبدو أنه ينام كالخيل مفتوح العينان…
سمر : تأدب يا ولد(تنظر إلى صقر) عذرا.. فهو يداعبك
صقر متبسما : لا عليكي ..
سمر ضاحكة : أرأيت يا حسان ...ها قد نطق
صقر مبتسما : من ذا الذى يستطيع أن يجد فرصة للحديث فى حضرة لسانك هذا الذى لا يكل ولا يهدأ ولا يصمت أبدا
سمر ضاحكه ضحكه ناعمه : لا تقل هذا ولا تطلق على مثل هذه الشائعات فصديقاتي يلقبنني بالهادئة( وارتفع صوت ضحكتها أكثر)
استعذب صقر صوت ضحكتها كثيرا وتمنى لو لم تنهها
سمر بدلع وهي ترفع خصلات من شعرها : ما أسمك ؟
صقر: اسمى ...ع..( ثم ابتلع لسانه ) صقر .. إسمي صقر
سمر : وإلى أين ؟
صقر: دمياط ومنها إلى القاهرة
شردت لثوان : عمى يقيم بالقاهرة ...فإن لم تمانع هلا صحبتنا إليه و سيجزل لك العطاء
صقر مبتسما : نصل أولا لدمياط ثم نرى ما نحن فاعلون .
سمر : ماذا تعمل ؟
هب صقر واقفا متهربا من الإجابة : عذرا سأصعد لأنام فوق سطح السفينة فيومي كان صعبا وغدا أصعب و لا يصح أن أبيت معكى بقمره واحدة .
سمر: آلا رفعت لثامك حتي أراك ...
دون أن يفكر وكأنه أرادها ان ترى وجهه , رفع لثامه وما أن رأت ملامحه حتى شهقت واذا بنبضات قلبها ترتفع بلا أى سبب.
سمر : يا الله ...من أنت ؟
ابتسم صقر : رجلا عاديا ...أوقعه ظرف ما في صغره إلى أن يتغير مجرى حياته تماما
سمر : ولما لم تقاوم؟
بمرارة وناظرا فى عينيها : للأسف فأنا لم يكن لي أختا مثلك لتحميني
قصر الحافظي
عاد قاسم الى قصر الوزير ليبلغه برحيل صقر إلى مصر
الحافظى : إذن فهو رسول بيبرس إلى السلطان قطز اللعين يريد أن يهرب أكمل خطتك واريد هذا الرسول حيا
قاسم : أمر مولاى
وبعد خروجه
رئيس الحرس : سيدى الوزير، ماذا نفعل ؟
نظر له الحافظى: كما أنت ,راقب هذا الحشاش من بعيد حتى يتمكن من القبض على الرسول .
رئيس الحرس :سأبلغ رجالى لكن ماذا سنفعل مع بيبرس
الحافظى :لا تقلق ساعات قليله ويصل هولاكو بعدها ننظر في أمر بيبرس هذا
إلى مصر
الناصر : أتظن قطز يتقبلنا عنده ويجيرنا
الظاهر : لا أعرف ,فماضيك مع أيبك وحروبك معهما قد تكون عائقا
الناصر : لا تقلق ...سأشتريه بالمال
الظاهر : لا أظن قطز ممن يشترى بالمال
الناصر : المماليك جميعهم يشترون بالمال ..هلم أسرع
فى السفينة
مرت الساعات واستيقظ صقر فإذا بسمر جالسة بالقرب منه فوق سطح السفينة تنظر إليه ساهمة
صقر وهو يعتدل متفاجئا بها : ما بك ؟؟
كسا وجهها الخجل فأجابته متلجلجه: لا شئ قدمت لأوقظك لقد وصلنا إلى دمياط للتو
صقر بابتسامه : أحقا للتو
تهب سمر واقفه مفتعلة الغضب : نعم للتو ألا تصدقني
ما إن نزل ثلاثتهم من السفينة حتى التحقوا بقافلة بريه متجهة إلى القاهرة زيادة في الأمان بعدما وافق صقر على مرافقتهما.
ركبت سمر حصان صقر الاحتياطى واستأجر آخر لأخيها. وكعادتها لم تصمت سمر عن الحديث طوال الطريق
سمر : لما وضعت لثامك مرة أخرى منذ نزلنا الى مصر ؟
صقر: هكذا أفضل فلا أريد أن يتعرفنى أحد
بعد قليل
سمر : ولم كل هذه الأسلحة لكأنك متجها حربا ما
ابتسم صقر : ليس كما تظنين كل ما فى الأمر أني أسافر لأول مرة خارج الشام وحيدا والاضطرابات بها و بمصر باتت خطيره
سمر مفتعله الغضب: وحيدا ونحن معك ( ثم ابتسمت)
ضحك صقر: أعتذر, أقصد حين كنت أظن أني سأسافر وحيدا.
استمرا في التحاور لكن الجديد أن صقر صار يتجاوب معها أكثر فأكثر في الحديث في أي شئ عدا عن مهمته.
سمر: صقر..أنت بلا خبره فى الحياة
انتبه صقر إليها مستفهما
ساره: نعم فكل خبراتك ذكورية , تدريبات ,منافسات ,خيل, وأسلحة أنت بلا خبره اجتماعية
أطرق صقر مفكرا ثم نظر اليها : لديك كل الحق...فحياتي معسكرا كبيرا.
خمس ساعات من الحديث المتواصل بينهما ارتسمت فيها على وجه صقر ابتسامة دائمة وهو من افتقد الإبتسام منذ وعي للدنيا.
تكلم كثيرا فروى لها عن تخلى عمه عنه و بيعه للخان تعلم فيه كل شئ لكن دون أن يفصح لها عن كنية الخان الحقيقية ومن به وما يفعلونه ثم تطرق الى أشياء أخرى فبدأ يلقي عليها الشعر و يقص عليها قصصا قرأها أو عاشها وهى صامته منصته وقد أحست برغبته في الانطلاق بالحديث و بأن يخرج الكثير مما بداخله فقررت أن لا تقاطعه .
وصل الركب إلى القاهرة بعد منتصف الليل وانبهر الأثنان بما يرونه بها من مساجد كثيرة مختلفة الأشكال و الطرازات المعمارية و بمآذنها الرائعة التصميم و بقصورها وأسواقها الواسعة الرحبة كما هالهما شوارعها الساهرة المضيئة بالمشاعل دائما وكأن أهلها لا ينامون.
وأشد ما جذبهما حسن استقبال أهلها و مشاعرهم الدافئة حين توقفوا لشراء بعض الطعام فقد كانت الإبتسامات والترحيب هما السمتان الغالبة من الجميع مع الكثير من المجاملات وطلبات الاستضافة و الرغبة بالاطمئنان على الشام وأهله.
أخيرا , وصلوا لبيت العم الذي استقبلهم خير استقبال وأجزل فى ضيافة صقر كثيرا خاصة بعد سماعه لما فعله معهما .
العم : والأن ما خطوتنا التالية يا ابنتي
سمر بإصرار : سأعود ؟ ولن أتنازل عن حقي يا عم
العم :استريحوا الان وغدا نقرر متى نرحل
سمر : فى أقرب وقت فأنا لن ارتاح إلا اذا استعدت حقى
يقف صقر مقاطعا : استأذنكم فى الرحيل فلدى عملا على أن أنهيه
العم : الآن ...لقد اقترب الفجر، ألا تصبر حتى شروق الشمس
صقر :عذرا يا سيدى على أن أنهى ما جئت له فى أسرع وقت وفي أى وقت
سمر : صقر هل ستعود إلى الشام مرة أخرى؟
نظر صقر اليها محاولا استكشاف ما تفكر فيه : نعم وعلى الفور إن مهمتي تنتهي هناك
سمر: إذن سنأتي معك حتى وان رحلت الآن
ابتسم صقر ودون تفكير وجد نفسه يرد عليها: سأمر عليكم بعد انتهائي من مهمتي
بعد خروجه
العم :اجننتى نحن لا نعرف هذا الرجل حق المعرفة ثم أن لدي الكثير من الترتيبات لعملي هاهنا قبل سفرنا
سمر: عماه ,صقر هذا فارس مقدام وسيكون دعما لنا أمام أخوتك تصرف فى أعمالك استدعى أحدا من أبنائك أو أفعل أى شئ لكننا سنرحل معه
قلعه الجبل
توجه صقر الي قلعة الجبل حتي وصل إليها عند شروق الشمس فتوقف يعاينها وقد ملأ الإعجاب عيناه من ضخامتها وهيبتها و أسوارها العالية الطويلة والممتدة وقد بدت له حصينة ومنيعة عن كل القلاع التى رآها سابقا وأدرك حينها لما اختارها حكام مصر كقلعة للحكم منذ أنشأها الناصر صلاح الدين .
اقترب من حارس باب الضخم طالبا الإذن بمقابلة السلطان لأنه يحمل خبرا هاما عن التتار.
بعد عشر دقائق كان صقر يقف أمام حاجب السلطان الذى رحب به داخل إحدى قاعات القلعة .
الحاجب : تفضل يمكنك إبلاغي بما تحمله و سأبلغ للسلطان
صقر: عذرا سيدى فرسالتي للسلطان شخصيا
هب الحاجب من مكانه غاضبا : أجننت يارجل تأتي تطلب لقاء السلطان فجرا وتظن أن نسمح لك ، ثم من أنت كي يقابلك السلطان صديق...قريب ؟ يكفيه مشاكل الحكم ...تكلم يا رجل
صقر بهدوء : سيدى عذرا فأنا لن أتحدث إلا إليه
الحاجب صارخا : يا حراس ...
أسرع ثلاثة من الحراس بالدخول
الحاجب : فتشوا هذا الرجل جيدا ..فإن معه رساله خطيرة
ترك صقر الحرس يفتشونه دون أدنى مقاومة
حارس : لاشئ معه يا سيدى
الحاجب : اين الرسالة يا هذا ؟
صقر ناظرا فى عينى الحاجب متحديا : فى عقلى ولن تخرج على لساني إلا للسلطان شخصيا
الحاجب مقتربا منه : اقبضوا عليه عذبوه حتى يخرج كل مافى عقله الغبى هذا منذ أن ولدته أمه ...
أطلق الحاجب قبضة يده ليلكم كتف صقر الذى لم يضع الفرصة فأمسك بيده اليسرى قبضة الحاجب جاذبا اياه الى صدره و جاعلا منه درعا له أمام سيوف الحراس , وقد التفت ذراعه اليسري حول عنقه وسرعان ما سحب خنجرا صغيرا دائما ما كان يخفيه فى قفاز يده اليسرى ليضع نصله على عنق الحاجب.
صقر بعزم : اسرع باستدعاء السلطان أيها الحاجب فصدقني ما سأقوله له هاما جدا
الحاجب مرتعبا : لا تتهور و دعك مما تفعله يا فتى وأقسم أن أتركك ترحل بسلام صدقني سأعفو عنك
شدد صقر قبضته اليسرى أكثر على عنق الحاجب
صقر بعزم شديد :لاتضع وقتنا ؟ أرسل فى استدعاء السلطان
مرت عشر دقائق , اشتعل خلالها الموقف فى القصر فلأول مرة يتجرأ فردا على فعل كالذي يقوم به هذا المجهول.
أحس حراس القصر بإهانة لا تغتفر ولولا علمهم بحضور السلطان لهجموا عليه وقتلوه مضحين بالحاجب.
أخيرا ,حضر السلطان وسط الكثير من الحرس السلطاني الذين أسرعوا بالانتشار حول صقر وأسيره .
من خلف حرسه
قطز : طلبتني وها قد أتيت
صقر : مولاي السلطان معي رساله خطيرة ولن أبلغها إلا لك و وحدك
السلطان : تحدث يا فتى ولك الأمان ولا تقلق فكل من حولك من رجالى المخلصين
صقر : من أرسلني طلب منى ذلك فهو لا يأمن لأحد سواك
السلطان : أترك الحاجب أولا
صقر : ولى الأمان فأنا لن أتحدث إلا على انفراد معك
قطز : لك الأمان
ما إن أنزل صقر ذراعه و خنجره محررا الحاجب من قبضته و رافعا يديه خلف رأسه مستسلما,أسرع بعدها حرس السلطان بالالتفاف حوله يجردونه من ملابسه اللهم إلا ما يستر عورته و محيطين به كسوار حديدي و أسنه سيوفهم تمس كل شبر بجسده
اقترب قطز منه : والآن تحدث
أخذ صقر يتلفت برأسه : وحدك يا مولاى
قطز ناظرا فى عينيه : من أرسلك يا هذا ؟
صقر بصوت منخفض : صديق قديم ,صديق قديم مغترب وهذا أقصى ما يمكنني أن أقول لك طبقا لأوامره حتى يخرج الجميع ...قيد يداي يا مولاي إن اردت ان تطمئن لي
لمعت عينا قطز و قد شعر ان الفتي صادقا فالتفت إلي حرسه و بلهجه صارمة : دعونا وحدنا و ليخرج الجميع فورا
الحاجب ورئيس الحرس فى أن واحد : مولاى
قطز : قلت فورا هيا
الحاجب: دعنا نقيده على الأقل يا مولاى السلطان
نظر قطز لصقر : ليخرج الجميع أنسيتم من أنا ( بعد خروج الجميع وبلهفه وكأنه خمن صاحب الرسالة ) هات ما عندك يا فتى
مد صقر يده جاذبا حذائه الأيمن وأمسك بكعبه ثم قام بفكه كاشفا عن فجوة داخليه به
صقر: تفضل يا مولاى (ناوله قطعة صغيرة من القماش )
قطز وقد ملأته الدهشة : أستر نفسك يا فتى وارتدي ملابسك
فتح بعدها قطعة القماش فإذا بخاتم مشابه لذلك الذي أهداه إليه أيبك سابقا فنظر إلى صقر مستفهما.
صقر : الأمير بيبرس يطلب الأمان و الإذن بالعودة ويذكرك بوعدك له وأن يحارب هو ورجالة تحت رايتك في حرب التتار
قطز ناظرا الى الخاتم :وكيف حاله بالشام ؟؟
صقر: على أسوأ حال فهناك يباع الدين والعروبة
قطز : تعال يا فتى واجلس لتحكي لي عنه وعن الشام يا حاجب( دخل الحاجب مسرعا) أسرع بإحضار الإفطار لصديق صديقى هذا .
خرج الحاجب مندهشا من ردة فعل السلطان وتغيره مع هذا الشاب وقابله رئيس الحرس ونائبه خارج القاعة فاستفسرا عما يحدث بالداخل وما أن حكى لهما حتى أصابتهما نفس الدهشة التي أصابته ثم استأذنهما للذهاب وتنفيذ أمر السلطان.
رئيس الحرس لنائبه : ما بك ؟ لما أراك ساهما هكذا منذ سمعت بما يجري بالداخل
هب نائبه وقد إكفهر وجهه : سيدي أطلب الإذن منك بإجازة
رئيس الحرس مندهشا :ماذا؟ هكذا...مرة واحدة ؟؟
النائب : نعم ...لدي عملا مهما لابد لى من إنهائه
رئيس الحرس: وما هو؟
نائب : سأنهيه أولا ثم أحكى لك عنه
رئيس الحرس: وما مدة هذه الإجازة ؟
النائب: عشرة أيام على الأكثر
رئيسه مندهشا : رغم عدم اقتناعي ...الا انني اوافق تفضل
النائب: استأذنك يا سيدى
أسرع النائب بالخروج من القصر مناديا مساعده الواقف خارج الباب : أسرع يا برقوق ..اسرع ليس لدينا وقت
برقوق وهو يجرى خلفه : ما بك ؟ ما الذي حدث؟
النائب:اخيرا، اخيرا يا برقوق سنستعيد كرامتنا المهدرة
برقوق: ممن ؟
النائب : بالداخل رسول مع السلطان
برقوق : ثم ؟
النائب: سنتبعه فإن لنا مع من أرسله ثأرا
برقوق: ماذا ؟ من هذا الرسول؟ ومن الذي أرسله ؟
النائب : أرسله من كان سببا فيما نحن فيه من كان سببا في تخفيض رتبتنا من أمراء الى حرس قصر عاديين، من كان سببا بفقرنا
برقوق : من يا جقمق ...تقصد ?
جقمق : نعم هو ... بيبرس، بيبرس يا برقوق
فتح برقوق فمه غير مصدق ما يقوله نائب الحرس
برقوق : وكيف تأكدت يا جقمق
بدأ جقمق يحكى له ما حدث بالداخل وبعد أن أنتهى : ولا يوجد سوى بيبرس من يمكن أن ينعته السلطان بصديقه ويبدو أنه يريد العودة إلى مصر وأرسل سرا يستأذن السلطان في ذلك, فإن لم نقتله قبل وصوله للسلطان فلن نستطيع بعدها حتى لمسه فأنا لم أنسى خديعته لنا وما لاقيناه بسببها من هوان واستهزاء .
أما داخل القصر وبعد مرور ساعه, انتهى فيها السلطان من افطاره مع صقر الذي قص عليه كل ما يحدث بالشام وما مر ببيبرس.
قطز : ما أسمك يا فتى ؟ وأخبرني كيف تكون مع بيبرس فجر أمس واليوم معي ؟ كيف وصلت إلى مصر بهذه السرعة ؟
فأجابه صقر بكل شئ
قطز معجبا : نعم المرسل والرسول...أتعلم أنك تشبهه
ابتسم صقر : شرفا أحمد لله عليه.
قطز: ابق مكانك سأذهب لإحضار شيء ما وأعود.
عاد قطز بعد دقائق وبيده صندوقا صغيرا
قطز: أعطه هذا ( ناوله إياه ) يمكنك فتحه
فتح صقر الصندوق فإذا بخاتم مماثل للذي أرسله به بيبرس
قطز: أخبره أني بانتظاره وعند وعدى إليه( ثم قام بنزع خاتم من إصبعه ) أما هذا فهو لك حتى تلقاه فتعطه إياه أمانا لكما فى رحلتكما من وإلى مصر وهذه رسالة بختمي تفيد بأن حامل هذه الرسالة رسول مؤتمن من عندى.
أمسك صقر بالخاتمين و دسهما مع الرسالة داخل صدره
قطز: متى سترحل
صقر :على الفور يا سيدي
قطز : أبلغ بيبرس آلا يتأخر وستصحبك فرقة من الحرس السلطاني
صقر: عفوا يا مولاى وحدى أسرع , كما أن الأمير بيبرس أرادها سريه
قطز مبتسما: على بركة الله كما تريد ،صحبتك السلامة أمسك صرة المال هذه لتعينك على رحلتك
انطلق صقر خارجا بعد توديعه للسلطان فإذا بقطز يستدعيه مرة أخرى
قطز : ستعود معه أيها المغوار فجيش مصر فى حاجة له ولك.
صقر : ليفعل الله أمرا كان مفعولا يا مولاى، السلام عليكم