HossamElAgamy

Share to Social Media

عهد و غدر
الفصل
الخامس

 

              ابتعد قطز عن الجميع وقد تملك الخوف والقلق منه فهو إن وافق على مطلب بيبرس ،  فمن المؤكد أن جميع رجال أقطاي سينطلقون معه و في هذا خطرا كبيرا على الأمة وإضعاف لها .

 

من الجهة الأخرى فإن السلطان أيبك لن يسمح بخروجهم  وان وصل به الأمر إلى قتلهم أجمعين ناهيك أنه لن يغفر له أبدا ومن المؤكد أنه سيعزله عن منصبه إن لم يسجنه بدعوى خلق الفرقة بين الجيش بل وقد يصل الأمر بأن يتهمه بالخيانة العظمى .

 

ظل قطز يقلب الأمر في رأسه حتى طرأت له فكرة ما قرر تنفيذها على الفور لعلها تقلل من عدد طالبي الخروج من مصر مقررا بينه وبين نفسه ألا يزيد عددهم عن عشرة جنود على الأكثر أو سيرفض طلب بيبرس وإن وصل به الأمر أن يقبض عليه .

 

استدعي قطز مساعده وهمس له : أرسل لرجالنا المندسين بين مماليك البحرية الأوامر بثبط همم  البحرية أثناء خطبتي لهم ثم التهليل مع طلبي لهم بالإنضمام إلينا بعد أن أنهي خطبتي.

 

توجه قطز الى الساحة مخاطبا فرسان أقطاي المحاصرين بها.

 

قطز: أيها الفرسان, مرت خمسه عشر دقيقه من المهلة التي أقرها لكم السلطان..وأرجو أن تكونوا قد توصلتم إلى الاختيار الصحيح لصالح البلاد و صالحكم لذا دعوني أكرر لكم دعوه السلطان بالانضمام إلينا و وعده لكم بالأموال والعطايا و أزيد عليها من عندي عرضا جديدا لكم آلا وهو احتفاظكم بممتلكاتكم من أموال وأراضي وبيوت ولن تصادر أو يستقطع منها شيئا .

 

قلاوون: اللعنة...انه يستقطبهم .

سنقر: بل يؤمن  خروجنا

قلاوون: كيف يا حكيم عصرك؟

سنقر: يقلل من عدد الراحلين معنا ليخرجنا بسلام ويقي البلاد شر حربا أهليه

 

أكمل قطز بحماس: كما سيحتفظ كل منكم برتبته ولن يتم تخفيضها...أما مرتباتكم….فسأصدر قرارا بزيادتها لتصبح مثل اخوانكم المعزية...

بدا علي وجوه مماليك البحرية شئ من الفرحة والبشر من جهة أخرى بدأ رجال قطز القيام بدورهم في ثبط هممهم وحثهم على الانضمام إلى المعزية .

 

جندي: والله... إن الانضمام للسلطان لهو الخير لنا جميعا…

جندي آخر: آن الآوان أن نحصل علي حقوقنا المنهوبة .

جندي ثالث: السلطان ونائبه أعطونا كلمة ووعدا فمما نخاف

جندي رابع: إن الحيا بسجون مصر...أفضل من التشرد والشحاذة في بلاد غريبه.

قلاوون : ها قد بدأ الرجال في الانقسام بيننا وبين قطز...يبدو أن ضربته القاضية قد صارت قريبه 

 

قطز: أيها الجنود...في مقاومتكم لنا…. الموت و خروجكم علينا... التشرد و الضعف ...معنا أنتم أقوياء ذوي عزة وكرامة

وأنى لكم ناصح أمين ...ابقوا بمصر خيرا لها و لكم وللجميع ..مات من مات…ففكروا فى مصلحتكم...أمامكم خمس دقائق لا أكثر بعدها سأسحب كل عروضي لكم 

 

تنحي قطز جانبا ليقف بالقرب من مماليكه مراقبا لما يجري بالساحة بعدما أن أنهي خطبته ، مفكرا في حل أخر إن لم يحصل علي النتيجة المنتظرة من خطبته.

زادت الهمهمة بين البحرية وعلت أصواتهم  و احتدت المناقشات فيما بينهم وبدا للجميع أن قرارا هاما سينفجر وسط الساحة.

 

إن هي إلا دقائق حتى قام رجاله المندسين بالهتاف بحياة السلطان أيبك و رويدا رويدا ازدادت أعداد المؤيدين معهم ثم أخذت نبرة الهتاف في الإرتفاع حتى اخترقت قاعة الحكم حتى وصلت إلي أذن السلطان ذاته الذي تهلل فرحا هو زوجته .

 

ثم بدأ البحرية في الانضمام إلى زملائهم من المعزية مع عددا لا بأس به ممن كانوا حول بيبرس منذ أول الليلة إلا عددا قليلا جدا من الجنود قد رفضوا التخلي عن بيبرس وظلوا بجانبه .

 

ما أن رأى سنقر نتيجة خطبه قطز حتى توجه إليه و أمسك بيديه

سنقر : أعلم أنك تحفظ العهد وأن بقائنا معك هو الصواب...لكنك تعلم أن بيبرس أخي منذ الطفولة...كنا بقيد واحد و تجار النخاسة يبيعوننا منذ خمسة وعشرين عاما  فأسمح لى بالخروج معه .

 

ابتسم قطز مربتا على يديه : أعلم أنك حكيم يا سنقر و سأسمح لك بالخروج معه حتى تقيه شر نفسه وشر هذا القلاوون الطامع الطامح  ... لعلك تكون يوما ما سببا يساعده على العودة.

 

توجه قطز إلى بيبرس : عليك بالخروج الآن مع من اختاروا الرحيل معك ..أمامكم ساعه من الأن قبل أن أدخل إلى السلطان بعدها لا تحملني وزر ما قد يحدث .

 بيبرس : وأهلي ومالي

ابتسم قطز بحزن وبحزم :أذهب وخذ ما تريد من أموالك..أما أهلك ( صمت متنهدا ) فسيعيشون هنا بسلام تحت رعايتي وأن أرادوا يوما اللحاق بك فلن أمنعهم

بيبرس بقلق : ولن تستخدمونهم ضدي

 

قطز حزينا متجاهلا ما يقول : أسرع بالرحيل ...فوقتك ينفذ.

بيبرس مستهزئا: ألم تقل أنى سأكون فى أمان أم لعله إختفي الأن ؟

قطز: وأنت مقيم بمصر شئ ...لكن وأنت هارب منها فذاك شيئا آخر ...أنا لا أضمن سوى نفسى  ...

 

كادت كلمة شكر أن تهرب من بين شفتي بيبرس إلا أنه حبسها داخل قبوا مغلقا بقلبه ثم انطلق الى بيته مودعا اهله ومتزودا بالمال والسلاح و بمكان محدد قريب من مسجد الحسين تقابل مع رجاله.

 

وبدأت الرحلة… رحلة الهروب

بيبرس : ما لك ساهما هكذا يا سنقر ؟

قلاوون : يبدو أنه كان يريد البقاء بمصر مع قتله أقطاي

سنقر غاضبا و حزينا :استمعا جيدا..خسارتنا لقطز أكبر من خسارتنا لأقطاى...فهو رجلا أمينا بحق...ومعه كنا سنكسب الكثير

قلاوون : أى أمانه تلك أو مكسبا تتحدث عنهما من وراء هذا القطز

سنقر : انظر لحالك علي الأقل..أنت تحيا الأن بفضله و أموالك  معك بفضله .. أهلك  الذين تركتهم و هربت في أمان في مصر بفضله

قلاوون ساخرا : يا لرقتك ...وحنان قلبك

سنقر غاضبا : و يا  لنكرانك للجميل ( ثم يلتفت إلى بيبرس) قل لي يا بيبرس ...لما صممت على الرحيل على الرغم أن احساسي الداخلي ينبئني أنك تبغى البقاء

 

تنهد بيبرس :لست أنا من يتبع قطز ...انا أقدم منه فى مصر وأعلى منه مقاما

سنقر : هى الغيرة اذن

بيبرس :غيره ...ممن ...لا ..لا ...كما أن لي عندهم ثأر أستاذي و سأخذه يوما ما كما ...كما أنى قد رأيت طالعي صباح اليوم و أخبرني منجمي بأن حدثا خطيرا سيحدث اليوم وأن على الابتعاد بقدر الإمكان عن مصر

سنقر بغضب : يا لحماقتك..تربط مصيرك ومصير أمتك بالخرافات

بيبرس صائحا به : ليست بالخرافات ...ألم يقتل أقطاي؟

سنقر مشيحا بيده : بيبرس يا لك من أحمق بل هى خرافات..

ستقتلك تلك الخرافات يوما... (وهو ما حدث بعد عشرون عاما )

 

سنقر بعد أن هدأ قليلا : والآن ...إلى أين سننطلق يا أمير بيبرس؟

بيبرس : إلى حلب بالشام ...حيث الملك الناصر يوسف الأيوبي

سنقر: لا حول الله ...أنت هكذا تعلن تمردك و انضمامك الى عدو أيبك.

بيبرس جاذبا لجام فرسه:هلموابنا..لا وقت لدينا للتشاحن ...لنسرع   

 

قلعة الحكم

داخل قاعة العرش ..مرت ساعة ونصف منذ سماع السلطان هتاف الجند بحياته بالساحة إلا إن عدم دخول قطز عليه حتى الأن كان قد بدأ يقلقه .

 شجر الدر : لعله يرتب أمور الجند بعد انضمامهم لنا

أيبك : سأرسل من يستدعيه

 

بعد عشر دقائق من استدعاء السلطان له , ولج قطز إلى قاعة العرش بعد أن اطمأن من عسسه بأن بيبرس قد خرج بأمان من القاهرة منذ ما يقرب الساعة , وما أن انتهى من قص ما حدث حتى استشاط أيبك غضبا وهب صارخا فيه

 

أيبك : أيها المأفون التعس ...بيبرس ..أتتركه يرحل هكذا…؟

قطز بهدؤ.: نعم تركته أو لم تعطهم حرية الرحيل يا مولاي

أيبك : نعم ..لكن بيبرس لا..إلا بيبرس...فهو خطرا علينا ما كان يجب عليك السماح له بالرحيل...كان يجب عليك قتله...ظننتك فطنا لذلك 

 

قطز باعتراض : أقتل من؟  بيبرس… بطل المنصورة

أبيك: كان هذا في الماضي…أما الآن سيتوجه إلى الأيوبيين وينضم اليهم و يستقوون به علينا أيها الغبي ..أرأيتي يا سلطانة.. نائبنا الحكيم ... أعطى أعدائنا خنجرا قويا كي يحاربوننا به...لما قتلنا أقطاي إذا؟

شجر الدر : اهدأ قليلا يا مولاي ...

قطز : مولاي ...اسمح لي بشرح وجهة نظري؟

أيبك بغضب: تفضل

 

قطز :إن نحن قضينا على بيبرس فى نفس الليلة مع أقطاي لاشتعلت حربا أهلية بيننا وبين البحرية لن تنتهي إلا بفناء أحدنا أما الآن فقد فزنا بهم جميعا عدا عشرة أفراد.

بقاء بيبرس بمصر دون اعلانه الولاء الكامل يمثل خطرا أكبر من ذلك الذي تراه منه بالشام فانضمامه إلي الأيوبيين سيكون ذريعة لك بأن تشكوه إلى الخليفة ببغداد بخلاف وصمه بالخيانة والنكران لجميل عفوك

 

شجر الدر: رأى سديد

قطز مكملا : علينا أن نرسل إلى الخليفة على الفور بما حدث الليلة بمصر وعن رحمتك برجال أقطاي و تركك إياهم يرحلون ,عندها سيحق لك أن تطالب بتسليمه لنا فى حال تمرده.

ذلك ناهيك عن التوبيخ الذي سيلقاه الأيوبيين وعندها ستعلو قيمتك أكثر و لن يلومك البحرية عندها أن قتلت بيبرس.

 

شجر الدر بحماس : لنرسل إلى الخليفة فورا

أيبك :و لتتولى أنتي مسئولية تجهيز الهدايا التي سنرسلها إليه وأكثري له من النساء الشقراوات فهو عاشق لهن

شجر الدر: فورا يا مولاي ...تفضل انت يا قطز ...لقد كان يوما عصيبا علينا جميعا

 

ما أن خرج قطز من القاعة

أيبك  : مسكين هذا القطز....سيقتله نبله يوما ما....

(وهو ما حدث بعد موقعة عين جالوت )

 

شجر الدر: دعك منه لأما الآن غليك أن ترسل جنودنا فى إثر بيبرس على الفور.
تفرس أيبك وجه زوجته : ليعيدوه

شجر الدر وقد ومضت عيناها بالشراسة :كلا بالطبع بل ليقتلوه فهو خطرا على الجميع ...علينا وعلى الأيوبيين بالشام .

دون تفكير استدعى السلطان حاجبه

أيبك: أريد  القائد جقجق رئيس الحرس السلطاني على الفور ومعه كاتب السلطنة

 

مرت نصف ساعه

أيبك :جقمق ..هل تعرف بيبرس جيدا ؟

جقمق : أعرفه بالطبع ...لكن لم أتعامل معه كثيرا

أيبك : سأطرح سؤالي عليك بطريقة أخرى ..إذا رأيته هل تعرفه ؟

جقمق : نعم سيدي صحيح أنى رأيته مرات قليله من بعيد ...لكنى أعلم بملامحه

 

أيبك : إذن عليك باللحاق به و بالفارين معه الى الشام ...و أن تقتلهم جميعا على أن تعود لى بدليل قتلك لبيبرس..أى شئ ..رأسه...خاتمه...عينه الزرقاء ...عينه الأخرى ذات السحابة البيضاء ...تحرك على الفور وخذ معك كل ما يلزمك

شجر الدر: ولا تخبر أحدا بمهمتك حتى رجالك  فليخرجوا معك دون حتى أن يعلموا بهدف مهمتك

جقمق : أمر مولاي ...أمر مولاتي

 

السلطان مناديا :أيها الكاتب( يسرع كاتب السلطان بالدخول من الخارج ) أكتب أمرا سلطانيا بمصادرة ثروات وممتلكات كل القادة والجنود الفارين من مصر ..وعلى رأسهم بيبرس البندقداري , قلاوون الألفي وسنقر الأشقر
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.