وبرحيلهما أحست " بتول "من بعدهما بفراغ كبير خلفه غيابهما بداخلها ؛ لا تدري مصدره أو أسبابه فهما عميلين ليس إلا مثلهما مثل أي عملاء آخريين .
وبعد مرور أسبوعان علي رحيلهما اليوم هو بداية سلسلة حفلات " نزار " وكم كانت تتمني أن تهاتفه وتطمئن عليه فلقد تولد بداخله شعور أشبه بحنو الأم علي طفلها ؛ فمن قرأتها عن حياته السابقة وحجم معاناته بأنه لم يستمتع بطفولته ونحته لصخر الواقع ليصل لما هو عليه الآن تجربة حياتية أنسانية ملهمة للغاية ؛ وترددت في مهاتفته قبل ساعات من بدء أول حفل له بضاحية من أحدي ضواحي لندن ؛ وقطعت حبال التردد وأرسلت له رسالة نصية لتطمئن عليه وتتمني له التوفيق والنجاح بحفلته وببالها بأنه سيكون من أنشغاله لن يلتفت إلي رسالتها إلي بعد وقت طويل ؛ عكس " ماجد " الذي كان يبعث بداخلها شعور مختلف فهو لم يترك يوم ينقضي علي مر الاسبوعين المنصرمين إلا وهاتفها أو أرسل لها رسالة في أوقات بسبب أختلاف التوقيت وبأن الوقت بالقاهرة يخطو سريعا نحو بزوغ الفجر فكان يرسل رسالة أطمئنان عليها في رسالة واضحة بحرصه علي عدم ازعاجها بذلك الوقت المتأخر أو لعلمه بحرصها علي صلاة الفجر حاضرة دون تأخير .
ويا العجب انه أتصال من "نزار" فتاهت "بتول" بين مد بحر الدهشة وعدم التصديق ؛ ثم أفاقت لتسرع للأجابة علي أتصاله قبل أن ينقضي ويفوت الأوان ؛ "بتول" : " أستاذ نزار فاجئتني بأتصالك لانك أكيد مشغول عامل إيه وبأذن الله الحفلة حتكسر الدنيا " ليرد نزار : " كيفك بتول عسي تكوني بخير ؛ أشتقتلك .. ثم زفر زفرة رهبة وأرتعاشة نمت بداخله لتطفو فوق سطح الأتصال لتستشعرها " بتول" فلا تدري بماذا تجيب حتي تبدد تلك الأرتعاشة التي تملكته والتي تنم علي أن من نطقها قلبه دون لسانه ولم يطل التساؤل بها طويلا لتجيب " أنا الحمد لله وأقولك علي سر خطير ؟" فضحك "نزار" من قلبه المرتعش ليقول :"سرك في بير غميق صح بتقولوها في مصر غميق لا لا تذكرت غووويط قولي أنا باعشق الأسرار يا نقاء القلوب " لتجيبه : " تعرف أن اللقب ده حلو أوي وجديد وعجبني جدا .. بص يا سيدي اممم بصيت ولا لسه ... فضحك "نزار" ملء فييه وقلبه مدة ليست بقصيرة " بصيت اهوه قولي بقي السر شوقتيني أعرفه " لتجيب:" اممم تصدق أنا نسيت كنت حاقولك السر أيه متعرفش أيه هو السر " ليضحك مندهشا: " ما انا فالبير الغويط مستني القف السر واتكتم عليه " فضحكت قائلة :"أيوه أفتكرت تصدق أني مفتقداكم جدا أنت و "ماجد" بجد أنا اتعاملت مع عملاء كتير بس مأثرش غيابهم زيكم كده " فردد وكأنما يحادث نفسه:" أنت وماجد؟!! عالعموم الحمد لله أنك بخير ومتشكر علي رسالتك " وأنهي تلك المكالمة الغامضة في تفسيرها لتزداد حيرتها وتساؤلاتها بلا أنقطاع "هو فيه أيه؟".