الفصل الخامس
الفراق
في يوم عند عودة محمود من المدرسة كعادة كل يوم وصعد سلم العمارة وعند اقترابه من باب الشقة سمع اصوات كثيرة تأتي من الداخل لم يميز منها غير صوت بكاء أمه وادار المفتاح في الباب بسرعة ليدخل فوجد عمه وزوجته وأحمد وآيه مشهد معتاد ولكنه هذه المره تظلله سحابة حزن ، وعمه يمسك بيد أمه ويهدئ من روعها ….
محمود في فزع : في أيه؟ أيه اللي حصل ياعمي ؟ في أيه ياأمي؟
العم حسن : خير إن شاء الله ، الموضوع إني جالي عقد عمل سنتين في السعودية وأمك زي ماأنت شايف مش مبطله عياط من ساعة ماقلتلها.
"حاول تكلمها يامحمود"
لكن محمود تسمر في مكانه للحظات وكأن الكون كله توقف ماعدا افكاره ، وشعر بغصة في حلقه وتوقفت الكلمات ،ماذا يقول لها كيف له بكلمات يواسيها بها ومن الذي سيواسيه ،
كيف يذهبون ويتركونهم وحدهم ….
كيف سيعيش بدون آيه وأحمد ….
فهما كل حياته لايعرف سواهم منذ قدومه هنا وكل معارفه في الشارع والمدرسة سطحيه لم يحاول يوماً أن يكون له صديق في المدرسة كان مكتفياً بأحمد وآيه …..
آيه على وجه الخصوص التي تشاركه هواياته واهتماماته ……
ليستفيق من زحمة أفكاره ليجد عمه ينظر أليه نظرة التوسل فيخطو خطواته الثقيله نحو أمه ويمسك بيدها ويمسح على رأسها …..
محمود : مالك ياأمي ؟
الجده ليلى: ازاي مالي كلهم حيسيبوني لوحدي .
محمود: برضو كده ياأمي يعني هو أنا مش تبع الحسبة.
الجده ليلى: مش قصدي يامحمود ياحبيبي والله ده انت بالدنيا كلها عندي….بس أنا وانت محتاجين حد يكون معانا ويرعانا….
وقالت موجهه كلامها لحسن ابنها : انت حتسافر وتمشي وتاخدك الدنيا ومتجيش تاني زي أختك إللي سافرت هي وجوزها وبناتها وقالوا كام سنه وراجعين وأهو احنا مش بنشوفهم غير كل كام سنة مرة.
حسن : ياأمي صدقيني هما ظروف شغلهم غيري أنا مهندس بشتغل على مشروع ولما بيخلص العقد بينتهي وحنرجع تاني .
الجده ليلى: خلاص ماشي إللي تشوفه بس سيبوني دلوقتي ، وذهبت لغرفتها ولم يغمض لها جفن من التفكير ، والعم حسن جلس في الصالة ينتظر ان يتأكد من رضاها عنه لأنه لا يقوى على زعلها فهي أمه الحنونه ، فهو معها يومياً من بعد وفاة أبيه وأخيه على ( والد محمود ) فهو رجل البيت المسؤل عنها وعن أسرته وعن محمود .
دخل محمود غرفته سارح وحزين وتبعه أحمد وآيه وجعلا يتحدثان معه ، ولكنه لم ينتبه إلى أي كلمة مما قالوه ويتفكر في المسؤلية التي ستؤل إليه بعد عمه وسيصبح رجل البيت فمنذ أن جاء للبيت لم يكن مسؤلاً عن أي شئ سوى مذاكرته وممارسة هواياته ، والعم حسن كان متكفل بكل شئ خاص به وبأمه.
محمود يحدث نفسه " كيف سأعود وحيداً مرة ثانية بل مرة ثالثة . تركني أبي وبعدها تركتني والدتي لأعيش مع جدتي والآن تتركني آيه التي آنست وحشتي وملأت كل حياتي وشاركتني كل لحظات الفرح والحزن في حياتي وحتى أسراري التي لم استطع اخبارها لأحد حتى أحمد كنت اقولها لها
رغم صغر سنها لكن لاأحد سواها يفهمني ويفهم مشاعري …..
مرت أيام الأسبوع الذي تلى هذا اليوم رتيبه وكئيبة وكان ثقلها على الجده ليلى ومحمود مثل الجبل ، فكانا صامتين طوال اليوم وساهمين …..
جلس محمود عند أمه وقت العصر بعد أن أعد لهما كوبين من الشاي ، وحاول التحدث معها
محمود : أمي ازيك حبيبتي منوره النهارده يارب دايماً عملتلك الشاي إللي بتحبيه .
ربتت الجدة ليلى على رأس محمود : " الله يرضى عليك ياحبيبي"
محمود : والله انتي حبيبتي وروحي وكل حاجه حلوه في الدنيا .
تنهدت الجده ليلى: اااهه احنا مش حيبقى لينا غير بعض في الدنيا دي.
محمود : وانتي عايزه اكتر من كده ،والله ياأمي ماحخليكي تحتاجي حاجه أبداً حكون زي ماعمي بيعمل وكمان اكتر أيه رأيك ؟
الجده ليلى: أكيد أنا متأكده انت راجل وسيد الرجال ياحبيب قلبي ، ده انت يامحمود غلاوتك عندي اكتر حتى من ولادي إللي خلفتهم من بطني .
محمود: ياسلام يا أمي والله ده أنا اسعد واحد في الدنيا دي كلها علشان عرفت معزتي عندك ,
وكمان خلاص لازم تكوني راضيه عن عمي حسن وانتي عارفه هو بيحبك قد أيه ومايرضيهوش زعلك ،و علشان مايسافرش وهو زعلان اه قلتي أيه اتفقنا ياأمي ياست الكل.
الجدة ليلى : اتفقنا،وأنا مايرضنيش يسافر وهو زعلان .
وتركها محمود ودخل غرفته ورأسه مليئة بالأفكار والذكريات من اليوم الذي تخلت عنه والدته إلى هذا اليوم الحزين وكل أوقات لعبه ومرحه ومشاجراته مع أحمد ومناكفاته مع آيه ،
وفجأة تذكر اليوم الذي دخل غرفته ووجد آيه تحمل رواية " صاحب الظل الطويل" فقرر يبحث عنها وسط كتبه حتى عثر عليها وجلس على مكتبه يقلب صفحاتها سريعاً واحضر كارت من الورق المقوى التي توضع علامة داخل صفحات الكتب ،وكتب على جانبيها كلمة " بحبك" بخط عريض ودسها داخل صفحات الرواية.
واحضر ادوات التلوين من أعلى رف في المكتبة حيث كانت منسية لفترات طويلة هناك لإنشغاله بدروسه ومذاكراته ، وفرشها على الأرض وبدأ بالرسم والتلوين ويسترجع ذكرياته وبدأت عيناه أخيراً الاستسلام وبدأت تنهمر الدموع منها كالمطر وتسقط على الصفحات أمامه وشعر بضبابية الرؤيه واختنقت صوت صرخات تريد الخروج لكنه يمنعها حتى لاتصل لمسامع أمه ، وفجأه طرق الباب فمسح بسرعه دموعه وحاول اخراج الكلمات بصعوبه بالغه…
محمود : ادخل.
دخلت آيه الغرفة لتجده على هذه الهئية على الأرض وأمامه لوحات وألوان لكنه لم يرفع نظره إليها وتحدث"عايزه أيه؟!"
آيه : محمود في أيه بقالي وقت بخبط عليك ..
ونزلت بجواره على الأرض وعندما لاحظت بكاءه امسكت برأسه وضمتها بقوة إليها وسمعت
همساته ….
"كلهم سابوني لوحدي ليه ليه "
آيه: ماتخافش يامحمود أنا عمري ماحسيبك أبداً واستمرت تحضن رأسه حتى هدأ…..
ورفع رأسه وقام من على الأرض: كنتي عايزه حاجه؟!
سكتت لبرهه وقالت:كنت جايه علشان اسلم عليك قبل ما اسافر وأحمد كمان حيجي يسلم عليك .
محمود : بسرعه كده ؟…..لحظة صمت
آيه: طيب سلام يامحمود وحتوحشني .
محمود: وانتي … وانتوا كمان حتوحشونا.
استدارت آيه لمغادرة الغرفة حين ناداها محمود
"آيه"
آيه : نعم
محمود : كنت عايز اديكي هديه قبل ماتسافري علشان تفتكرينا بيها ….
ومد يده برواية " صاحب الظل الطوبل"
حين رأتها آيه غلب عليها الضحك ولكنها تمالكت نفسها لكي لا تغضبه ، فقد بدا عليه التأثر والحزن لفراقهم وهي تشعر بذلك لكن ليس بهذا القدر لأنها أيضاً تشعر بالحماسة لخوضها مغامرات جديدة وحاولت الهرب من هذا الموقف المربك فأخذت الكتاب من يده بسرعه وولت هاربه من الغرفة .
وبعدها بساعات قليله ضج البيت بالضيوف لتوديع المسافرين والجدة تجلس وسط كل هذا كأنها شبح رغم محاولة اظهارها التبسم إلا أن مابداخلها كان واضح على صفحات وجهها الذي كأنه كبر أعوام خلال هذا الأسبوع فقط .