HossamElAgamy

شارك على مواقع التواصل

هارب وحشاش
رواية

صقر بيبرس




الكاتب

حسام العجمي


إصدارات دار ديوان العرب

للنشر والتوزيع

اسم الكتـاب:  صقر بيبرس

اسم المؤلف : حسام العجمي

تصميم الغلاف والرسومات داخليه :

شروق قطان

حسام العجمي 

اعداد واخراج : أحمد رجب معيط


رقم الإيداع :        /2021م

الترقيم الدولي:   –   978 – 977 – 6792 –       


حقوق الطباعة محفوظة للمؤلف

المراسلات:

ابن معيط للطباعة

بورسعيد – حي الزهور – على ابن أبي طالب

01221235833 – 01062765736



الاهداء

إلى : أبى محمد العجمى… وحشتني

       د. نبيل فاروق رحمه الله عليكما 

إلى :  أمي  العزيزه وعائلتي الغاليه 

وإليكم : يا من تفضلتم بزيارتي







القسم الأول 

هارب و حشاش















الفصل
الأول

                   



             

             كعادته كل يوم بعد صلاة الفجر ,جلس أمير فلسطين منتظرا التمتع بمشهد شروق الشمس من شرفة قصره بمدينة يافا المطلة على البحر الأبيض المتوسط  , مراقبا لرحيل إحدى السفن إلي مصر وقد امتلأت عيناه بمزيج من الحزن والشوق فكم تمنى ان يكون احد ركابها  لكنه و للأسف لن يستطيع فى الوقت الحالى . 

فلم يجد الأمير سوى تنهيده شوق خرجت من أعماق صدره لعلها تهدئه 

الامير: آها يا مصر ...كم أفتقدك ...وأفتقد نيلك وأهلك . 


أكمل الامير شروده الى أن قاطعه حاجبه 

الحاجب : عفوا سيدى الأمير ( فالتفت إليه صامتا) وصل الملثم طبقا لأوامر كم 

الأمير بهدؤ : لينتظر بقاعة الإستقبال إلي أن ألحق به… أنت تعلم عادتي بعد صلاة الفجر ...وعليك بحسن ضيافته. 


انصرف الحارس متوجها إلي الفارس الملثم المنتظر بقاعة استقبال القصر مرتديا رداءا أسود وقناعا من نفس اللون ويقف بجواره حارسي القاعة اللذان كان قد قاما بتجريده من سيفه وخنجره عند دخوله للقاعة. 

كانت عينا الملثم المطلتان من خلال قناعه تشعان بالصرامة و الذكاء  قد بدأتا عملية مسح لمداخل ومخارج القصر كعادة أمنيه إعتاد و تدرب عليها لدى دخوله أماكن غريبه أو جديده عليه.

بدأ بعدها معاينة هذا القصر الفخم الذي لم يشاهد مثله من قبل . 


فى أول الأمر , تمكن الإعجاب والانبهار منه فالقاعة تحتوي علي أثاث فاخر وستائر مصنوعة من حرير هندي وأقمشة غاليه مزركشة كما تزينت حوائطها بزخارف وكتابات من الآيات القرآنيه المطليه بماء الذهب أما أرضيتها فقد جذبته بمرمرها الاسود المطعم بحببيات ذهبيه والذى يكسوها و في نهايه القاعه قبع عرش الأمير الضخم ذو القوائم الاربع الذهبيه .


ما لبث أن تحول هذا الإعجاب إلى امتعاض من كل هذه الابهة الزائدة عن الحد والتي لم ير مثلها طوال حياته وأخذ يحدث نفسه. 

الفارس : إن كان هذا هو حال قصر الأمير ..فكيف بقصر الخليفة أو الملك ؟؟ ألم يكن فقراء العرب أولى؟ كيف يقبل هؤلاء الولاه أن يتمتعوا بكل هذا الترف وفي بلادهم من يموت جوعا ...أو لا يجد قوت يومه أو مالا ليتزوج أو ليعالج ..رحماك ياربى والله إني لأرى عذابك قريب . 


قطعت عوده الحاجب استرساله في أفكاره. 

الحاجب : أيها الفارس .. تفضل بالجلوس أميرنا مشغول بأمر ما سينهيه  ويلحق بك فى خلال ساعة. 

توجه الحاجب إلى ساقى القاعة معطيا إليه الأوامر بحسن ضيافه الفارس طوال فترة انتظاره للأمير. 


جلس الملثم دون أن يعترض ثم ما لبث أن شد انتباهه التداخل البديع لشقشقه العصاقير مع صوت تلاطم أمواج البحر وقد اندمجا مع حفيف أوراق الأشجار المتراقصه بتأثيرا من هواء الشتاء البارد يعزفون لحنا جميلا من علي مسرح الطبيعه الربانيه من خلال نوافذ القصر المطلة على الحديقة  الكبيرة التي تفصل ما بين القصر والبحر .


فتبسم متذكرا مشهدا مشابه لما يراه و يسمعه كان قد عايشه بالسابق بمكان ما… فتملك منه الشوق لهذا المكان , مع استمرار سماعه لهذا الاصوات الجميله تحول شوقه الى الحنين , فأخذ يبحث عمن يتشارك معه بما يجيش بصدره فلم يجد سوى حارسي القاعه فأشار لهما بإصبعه إلي النافذة .

الملثم : سبحان الله ..كأنها جنان القلعة ...قلعة ألموت ... 

ما أن سمع الحارسين اسم  |- ألموت - حتى تغلغل شيئا من الاضطراب داخلهما ثم تحول إلى رعشه.. فرجفه تملكت من أيديهما وبحركه لا اراديه أمسكا بمقبضي سيفيهما .


لمح الفارس ما يحدث فتبسم لكن لم يعقب ثم شرد عنهما تاركا لذاكرته حريه قيادة عنان ذكرياته الى حيث تريد أن ترتحل في ماضيه ,فانطلقت عائده الى ما يقرب من عشرون عاما.

 

فرأى نفسه طفلا في العاشرة من عمره يجرى ويرتع أمام رجلا بدينا أشيبا بشوارع مدينة رحبة , والرجل ينهره وينادى عليه .

أما المدينة فقد كانت حلب منارة العلم في العصور القديمة والتي اشتهرت بكثرة الكتاتيب المختصة بتعاليم الدين واللغة العربية .


الأشيب:على...ياعلى....أيها الشيطان ...إهدأ قليلا يا ولد ...تعال أيها الجني الصغير. 

ببراءة الأطفال إقترب (على) منه ضاحكا فأمسك الأشيب بيده بشده جارا اياه حتى دخلا خانا كبيرا بعدما أسر لحارس الباب بإسم شخصا على موعدا معهما بالداخل .


ما إن عبر (على) بوابة الخان الضخمة المرتفعة حتى وجد نفسه وسط ساحة واسعة بها مبنى مكونا من أربعة أدوار... 

الأرضي منها ممتلئ بأعمدة رخامية ضخمة يجلس شيوخ الخان تحتها ليلتف حولهم تلاميذهم لتلقي العلم .

فوق هذه الأعمدة يرتفع أدوار المبنى الثلاث المتبقية والممتلئة بالعديد من الغرف دورين منهما للفصول والمعاملواجتماعات أما الدورالأخير فهو مخصص كغرف سكنيه للشيوخ والمعلمين والطلاب  .


اشتهرهذا الخان بإسم خان الدعوة الجديدة وهو أقرب لمدرسة داخلية شاملة , اذ لم يقتصر التعليم فيه على تحفيظ القرآن والأحاديث النبوية مثل الكتاتيب الأخرى بل أضيف تعليم اللغات ومواد علمية كالكيمياء والفيزياء علاوة على الرياضات بأنواعها البدنيه والدفاع عن النفس 


يتبع هذا الخان سرا طائفة شيعية معروفة وهى الطائفة الإسماعيلية النزاريه والتي أنشئت لخلاف حدث بين أبناء طائفة الشيعه الرئيسيه و المسماه بالاثني عشر إذ انشق أبناء إسماعيل المبارك الابن البكر الذي توفي في حياة أبيه إمام الشيعة الأكبر انذاك جعفر الصادق  فمنعت عنه وعن أبنائه الإمامة وأعطيت لأخيه الأصغر موسى الكاظم


ثم انشق أحد اعلامها الشيخ حسن الصباح عن الدوله الفاطميه وهاجر من مصر الى فارس مؤسسا جماعة سميت بإسم جماعه الدعوة الجديدة كان الهدف منها نشر الفكر الإسماعيلي بأن للقرآن له معنى باطني غير هذا الظاهر بمعانيه حتى أطلق عليهم طائفة الباطنية ثم أطلق عليها فيما بعد العديد من الأسماء ومنها  جماعة الحشاشين . 


كي تنتسب الى هذا الخان , وضع مالكيه ثلاثة شروط أولهما أن يكون المتقدم للالتحاق بالخان ذا نسبا شيعيا أصيلا .

الشرط الثاني أن يمضي الطالب شهرا تحت الاختبار والتقييم فإن تمت الموافقة عليه يتم تعويض أهله بمبلغا من المال، يصبح  بعدها ملكا للدار وفاقدا لكل صلة بعائلته ولا يتم السماح له بالرحيل أو الخروج من الخان إلا حين إرساله إلى مقر الطائفة الرئيسى.

أما الشرط الأخير كان آلا يتجاوز عمر المتقدم سن الثانية عشر.


ما أن دخل الأشيب والطفل إلى صحن الخان حتى أشار الحارس إلي صاحب الإسم الذى كان شيخا هرما فى الستين من عمره ذا لحية وشارب شديدي البياض وقد جلس مرتديا عمامة وعباءة سوداء وتحتها جلبابا أبيضا كلباس شيوخ الشيعة المعروف. و من حوله طلابه

الأشيب متصنعا الابتسامة :السلام عليكم كيف حال شيخنا ؟

نظر اليه الشيخ متفرسا فى وجهه

الشيخ  : حمد لله ( ثم التفت الى الطفل المبتسم ) أهذا هو؟؟

أومأ له الأشيب : نعم ...على 

تبسم الشيخ : مرحى مرحى ...نعم الإسم والله

استطرد الأشيب : وأبوه  الحسن 

الشيخ وقد تهلل : الله ...الله(نظر الى السماء مرددا الإسم ) على بن الحسن (ثم نظر الى الأشيب وقد عاد له تجهمه )أنت على علم بما سيحدث معه منذ الآن و بعد خروجك

الأشيب : نعم ...نعم ...أعلم 

الشيخ : وأنه لن يحق لك رؤيته أو المطالبه به بعد الآن

الأشيب : أعلم و سأوقع تنازلا لك عنه 

الشيخ : ستفعل لا تقلق ....لكن ألهذا الحد تريد أن تتخلص من الطفل؟ 


الأشيب : يا شيخنا ...أنا ابحث عن صالحه...أنى رجلا متزوج من اثنتين ولي منهما ستة أبناء

الشيخ بضيق : زوجتين..إن الواحدة تكفى لكى تصيب أعقل الرجال بالجنون فما بالك باثنتين 


يبتسم الأشيب ثم أكمل كأنه لم يستمع لما قاله الشيخ 

الأشيب :لا أخفيك سرا..هناك أرملة تقدمت إليها و وافقت . 

الشيخ: لا حول الله ثالثة ؟؟ 

الأشيب متجاهلا السؤال : عندها سأكون قد قصرت فى أمانه أخى   

الشيخ متعجبا بحزن: هو ابن أخيك إذن ؟

الأشيب : نعم .... يتيم لأبوين توفيا منذ شهرين بحادث مشئوم

  

الشيخ :لاحول ولا قوة إلا بالله ...اقترب يا ولدى (مربتا عليه) اذهب يا بني واجلس بجوار أخوتك (ثم نظر إلى الأشيب) يمكنك الرحيل

تلجلج الأشيب : ل...لكن ...لكن… ال… 

الشيخ  :عذرا ... ثمن الطفل والذي هو بالطبع مهرا للزوجة الجديدة ( ألقى إليه بصرة من المال )


الأشيب ملتقطا الصره فرحا : لا فرق عندى فى المسمى ثمنا أو مهرا كلاهما عندى سيان (بعد ان التقط صره المال وبقلق) ما هذا ؟ (اقترب من أذن الشيخ ) لقد طلبت صرتين من المال 

الشيخ : ان هى الا صره واحده او لتأخذ أبن أخيك بيدك وترحل

الاشيب : لكن.... 


الشيخ مقاطعا وهامسا بصرامة : لكن ..لكن ماذا ؟؟ أنسيت أنه ليس شيعيا ..وقوانين الدار تمنع قبوله بيننا والآن ..هل ستأخذ مالك ؟ أم تأخذ ابن أخيك ؟ 

وضع الأشيب الصرة في جيبه وانصرف غاضبا دون أن يرد على الشيخ أو يودع حتى ابن أخيه.

 أدرك (على) كل ما يحدث أمامه بالرغم من صغر سنه ...أن عمه قد باعه وتخلى عنه فانهمرت الدموع من عينيه كشلال متدفق دون أن ينطق بكلمة.


نظر اليه الشيخ حزينا ثم أشار إليه ليقترب منه بدموعه  المتلألئة في عينيه....و تمعن الشيخ في ملامحه  فإذا به طفلا جميلا أشقر الشعر ,أبيض اللون ,ذا عينين خضراوين تنضحان بالذكاء.


الشيخ : هدئ من روعك يا ولدى ولا تحزن ...من الآن أنت تحت رعايتى وأدعو الله أن يعوضك خيرا عن هذا العم قاطع الأرحام في الدنيا والآخرة. لم يستوعب عقل الطفل سوى أنه على مشارف حياة جديدة لا يعلم عنها شيئا.
8 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.