HossamElAgamy

شارك على مواقع التواصل

إغتيال
الفصل

الثالث

                      فى شرفة القصر و كأن نسمات الفجر الجميله قد غارت مما تفعله ذكريات هذا الملثم بقاعة الأستقبال فقررت أن تفتح على الأمير كتاب ذكرياته هو الأخر.

دارت عجلة الزمن به عائدة إلى تسع سنوات مضت ..إلى ليلة محددة لم ولن ينساها على مر الزمان ... ليلة خروجه عن مصر أو بمعنى أدق هروبه منها .

 

المكان قلعة صلاح الدين الايوبى ... قلعة الحكم لسلاطين مصر في هذا العصر والمعروفة باسم قلعة الجبل , فى ليلة حالكة السواد اختفى القمر من سمائها عمدا دون أن يبدى سببا او لعله كان على علم بما سيجرى بها من أحداث دامية ستغير من دفتر أحوال مصر وحكامها فلولا المشاعل النارية الكثيره التي أضاءت ساحة وأسوار القلعة .. لما استطاع أى فرد أن يرى كف يده في تلك الليلة .

 

استعاد الأمير بيبرس ...أمير فلسطين الجالس بشرفه أحد قصوره بيافا , مشهد جلوسه فوق مصطبة من حجارة القلعة بساحتها الداخلية أمام باب قصر السلطان و بجواره زميله ورفيق دربه قلاوون الالفى.

 

ينتظران انتهاء اللقاء الجارى داخل القصر السلطانى بين قائدهم فارس الدين أقطاي قائد مماليك البحرية وأثابك جند السلطنة (لقب وزير الدفاع) مع سلطان مصر المعز عز الدين  أيبك الذي استدعاه للتشاور فى العديد من الامور الخاصه بالسلطنة ومشاكلها الداخلية والخارجية ودراسة بعض الطلبات التى تقدم بها أقطاي اليه .

 

قلاوون : ما بك يا بيبرس ..ما لى أراك مهموما هكذا ؟

بيبرس : ليته كان هما ...أنه الخطر يا قلاوون المحيط بنا من كل جانب .
قلاوون  معتدلا فى جلسته  : أى خطر تتحدث عنه ؟

بيبرس ناظرا إليه بحزن : أنظر حولك يا قلاوون بهدوء

قلاوون متلفتا : ماذا ؟

 

بيبرس مداعبا الأرض بسيفه : القلعه تغلى كأنها فوق أتون مستعر...أنظر(دون أن يرفع عينيه عن الأرض) عند مدخل القلعة ستجد حركة محمومة من مماليك المعزية  (صفة المماليك التابعين للمعز أيبك) وهم يعيدون توزيع مواقعهم...وأيديهم على أغماد سيوفهم (التفت قلاوون حيث قال له )

والآن أرفع عينيك ببطء فوق أسوارها  لترى انتشارا سريعا للرماة المسلحين بالنبال (رفع قلاوون عيناه و قد تحول قلقه الى هلع مما يراه)

وأخيرا وبهدوء سترى خلفك فرسانهم يصطفون بخيلهم عند باب المدخل الجنوبى.

 

قلاوون مرتعبا مما يراه : يا الله ...أنه حصار مطبق

بيبرس هامسا : بل كمين محكم ...هذه الليلة نهايتها تبدو لى دموية ..والآن اجلس بجانبي ودعنا نراقب ما سيحدث.

 

أن هى الا دقائق قليله و انضم اليهما صديقهما الثالث و المقرب سنقر الأشقر الذي لاحظ توترهما.

سنقر : ما بكما ..ما كل هذا الشحوب؟

قص قلاوون له ما يحدث

سنقر هامسا بقلق: ماذا سنفعل؟ هل سنقتل هكذا كالنعاج ؟

قلاوون بغضب : لابد لنا من المقاومة يا بيبرس

بيبرس:هدوءا...الهدوء..فأعدادهم...كما ترون تفوقنا بكثير..كما أنهم بكامل عتادهم.....فاصبروا حتى نرى على أي بر ستلقى بنا رياح تلك الليلة .. علينا بعدم التهور.

 

مرت نصف ساعه..وبناءا على أوامر هامسه من بيبرس سرت بين مماليك البحرية الموجودين بالساحة،بدأ الجنود بالتجمع من حوله وبكل هدوء فى مواجهة المعزية .

 

صار كلا الفريقان بحرية ومعزيه يقفان في مواجهة بعضهما البعض وقد تملكت منهما حالة الترقب والقلق وقد وضح للجميع أن أمرا جللا يجرى حدوثه داخل القلعة بين السلطان و أقطاي قد يهز أركان الدولة.

 

فجأة سقطت خوذة عسكرية من أعلى أسوارالقلعه مرتطمه بأرضيه القلعه، مخترقة حاجز الصمت السائد بين الفريقين وعلى الرغم من صغر حجمها فإن صوت ارتطامها دوى بالساحة كالقنبلة.

انتفض على أثرها الفريقين واكتملت صدمة الجميع حين انفصلت رأس صاحبها عنها متدحرجة باتجاه قادة أقطاي .

 

فما كان من سنقر أقرب الثلاثة إليها إلا أن تقدم منها ليستكشف هوية المسكين صاحب الخوذة وسط همهمات وتساؤلات كل من بالساحه عنه.

مع كل خطوة يخطوها سنقر فى اتجاه الرأس كان الصمت يعود ليغزو ساحة القلعة مرة أخرى تصاحبه حالة من الترقب الشديد.

وقبل أن يمد سنقر يده إلى الرأس إذا ببيبرس يهب واقفا شاهرا سيفه صارخا

بيبرس : قلاوون ...أيها الجنود ...ليصطف الكل بجانبى على شكل دائره ..ضعوا دروعكم أمام صدوركم ...عد يا سنقر حالا.

قلاوون ملتاعا : بيبرس ....ماذا ...بيبرس.

فى نفس اللحظه كان سنقر يرفع الرأس معاينا إياها وما إن استقرت بين يديه حتى امتقع وجهه  و تملك الرعب من قسماته والتفت إلى زملائه صارخا

سنقر : إنها رأس أقطاي ...لقد غدروه.... اللعنة .

ثم اسرع راكضا كالسهم منضما إلى زملائه الذين تجمعوا حول قائدهم بيبرس يصرخون ويسبون ويلعنون .

 

على الجانب الأخر ,أشهر المعزية  سيوفهم و شدت أوتار اقواسهم  فوق الأسوار و صهلت خيول فرسانهم أمام البوابات كأنها تتشوق لسماع أوامر قادتهم حتى تدهس مماليك البحرية الذين وقر بأعماق قلوبهم أنهم هالكون لا محالة و إن هي إلا دقائق معدودة حتى يلحقوا بقائدهم المغدور.

 

قلاوون صائحا مشوحا بسيفه : أيها الجبناء ...تقدموا ..لن تنالوا منا ...تقدموا

سنقر بعد وصوله إلى جوار بيبرس :هيا ..اقتربوا لتذوقوا مرارة سيوفنا

بيبرس صارخا : إلزموا أماكنكم ...لا تبدأوا بالقتال.

 

استمرت حالة الترقب بين الفريقين لدقائق قليلة وفجأة فتح باب القصر الرئيسي قاطعا بصوت صراخ  ضلفتيه هذا الجو المشحون بالتوتر.

فإذا بصفين من الحرس السلطانى يخرجان من داخل القصر بخطوات سريعه يتوسطهما السلطان نفسه وخلفه بخطوتين نائبه قطز,ما أن اقترب السلطان من بيبرس حتى بادره قطز .

 

قطز بقوة : بيبرس ...أنزل سلاحك أنت فى حضرة السلطان.

قلاوون غاضبا :أى سلطان هذا الذي يغدر بزملاء السلاح والكفاح ؟

السلطان متجاهلا قلاوون وبهدؤ : بيبرس ...أعلم أنك نائب أقطاي الأول ...لذا أدعوك ان تترك سلاحك ...أنا لا أريد قتلك أو قتل جنودك ...لنتفاهم...ولكم منا الأمان.

 

صمت بيبرس لثوانى معدوده مقلبا الأمر برأسه ثم إلتفت إلى رجاله

بيبرس : انزلوا سيوفكم لكن لا تدخلوها أغمادها.

انتابت الرجال حالة من التردد لكن إن هى إلا دقائق حتى أطاعوه.

السلطان لحراس باب القلعة الخارجى : افتحوا الأبواب وادخلوا بقية جنود أقطاي المنتظرين بالخارج ...لينضموا إلينا و يستمعوا لما سأقول.

 

مرت دقائق قليلة ولج خلالها جميع من بالخارج إلى صحن ساحة القلعة ... قلقون.. متلهفون لمعرفة ما يجرى خاصة بعد ما لاخظوا وجود حالة توتر بالساحة و طريقة تمركز زملائهم من البحرية و منافسيهم المعزية.

 

وبمنتهى الاحترافيه قام المعزية بافساح الطريق لهم حتى صاروا منتصف الساحة دون إتاحة الفرصة لهم الإتحاد مع زملائهم المحيطين بيبرس.

 

وبعد أن صمت الجميع , وقف أيبك مخاطبا البحرية بصرامة و بصوت جهورى

أيبك :أيها الجنود...فى الفترة الأخيرة وبعد تولينا مقاليد الحكم  و إحتفالا بإنتصارتنا على الصليبيين في معركة المنصورة ثم على الأيوبيين بغزه والشام ...فقد قمنا بتوزيع أغنام هذه الحروب على جميع الأمراء و استقطعناهم العديد من الإقطاعيات ببر مصر...إلا أننا وبعد بحث وتقصي اكتشفنا أن فارس الدين أقطاي لم يرع الله فيما أوكل إليه …

 

فلم يقم بتوزيع الأغنام عليكم بالحق فاستأثر بالكثير لنفسه...ثم تطور به الأمر بأن قام بفرض الضرائب الباهظة على أهالى الإقطاعيات واستخدم أسلوبا همجيا في جبايتها حتى وصل به إلى حد القتل فى كثيرا من الأحيان...مما أصاب الرعية بالتذمر والغضب على كل طوائف المماليك بحرية ومعزيه على السواء.

وتمادى أكثر فهيأ له غروره وطمعه بأن يطالب بحقه فى الحكم و كأن مصر حانوتا بين شريكين .

 

إلا أننا ولأجل الأيام الخوالى صمتنا عنه لعله يعيد حساباته , فظن ذلك ضعفا منا ثم نصحناه كثيرا فلم يهتم ثم حذرناه فلم يرتجع حتى وصل به التهور بأن يطلب جناحا بقصر السلطنه  كى يتمم زواجه الجديد به .

وعليه فقد تمت محاكمته اليوم ولمصلحة السلطنة واستقرارها وخوفا من انقسامها فقد صدر الحكم عليه ( ثم صمت لثوان ) بالإعدام وقد تم تنفيذه.

 

ما ان استمع الجنود خبرإعدام أقطاي حتى أصيبوا بصدمة مروعة و إنتابت الكثير منهم  حالة من الهياج و الصراخ فشاع الاضطراب فيما بينهم .

وتهور بعضهم وهيأ لهم تفكيرهم مهاجمة السلطان وحرسه فكان من نصيبهم العديد من الأسهم أطلقها رماه الأسوار عليهم مباشرة فسقطوا قتلى تحت أرجل زملائهم اللذين بدأ صراخهم يخفت شيئا فشيئا بعد رؤيتهم ما حدث لزملائهم مع صراخ بيبرس فيهم مطالبا إياهم بالهدوء من موقعه.

 

وكأن شيئا لم يحدث أكمل السلطان: أيها الجنود, بمقدوري أن أفنيكم عن بكرة ابيكم كما رأيتم الآن وفى أقل من خمس دقائق....لكني كسلطان للبلاد و كزميل لكم في الكفاح ... فإنني أطمع فى ولائكم لي ...أيها الفرسان اجعلوا مصلحة البلاد فوق أي علاقة ...فارس الدين أقطاي هو من أجبرني على قتله....

 

أما الأن فأمامكم  ثلاث اختيارات ...إما الطاعة لى ....ولكم بعدها جزيل العطاء و سنوزع عليكم المكافأة التي استأثر بها قائدكم الراحل لنفسه ...

أو التمرد علينا... وعندها لن يلومني لائم إن ذبحتكم ...

وأخيرا الرحيل عن السلطنة نهائيا ...لكن بلا دينار واحد اللهم إلا زادا وماءا يكفيكم ليومين ( ثم نظر الى قطز)

يا نائب السلطنة ...امامهم ساعه من الآن ليختاروا من الاختيارات الثلاثه ...ساعة لا أكثر.

قطز وهو يحني رأسه : أمر مولاى. ارتد السلطان إلى داخل قصره تاركا الساحة على شفا الأنفجار كبركان من غضب أو من دم ...بل لعله من كلاهما معا .
2 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.