الفصل السادس
فى نفس ليله مقتل أقطاى كان قد مر على صقر أربع سنوات جديدة ما بين تدريب و دروس دأب فيها على الجدال والنقاش فى كل ما لا يستسيغه أو لا يقتنع به حتى صار أكثر من تم معاقبته على مر عصور الخان من التلاميذ , تارة يوضع فى السجن الإنفرادي وتاره يمنع عنه الطعام وأخرى يؤمر بالوقوف لساعات طويلة بساحة الخان أيا كانت حاله الطقس شديدة الحرارة أو البرودة أو ممطرة وكثيرا ما كلف بمهام حقيرة كتنظيف مراحيض الخان أو اسطبلات الخيل.
بعد صلاه العشاء , استدعاه شيخه الذي قارب عمره على الخامسة والسبعين الأن بجواره معلم فرسان الخان وما أن دخل صقر عليهما حتى بادره شيخه.
الشيخ: صقر...لقد انتهت فترة تدريبك بالخان وسترحل غدا فجرا الى مقر عملك الجديد .
المعلم بصرامة :غدا ستقود فرقة مكونة من أربعة طلاب في رحله تدريبيه أخيرة من المفروض بنهايتها أن تصلوا إلى معسكر عملكم الجديد
صقر :إلى أين سيدى؟؟
المعلم : غدا سأسلمك خريطة موضحا عليها الطريق لكن (يصمت لثوان) احذر فالرحلة جد خطيرة...ستواجهون فيها مخاطر حقيقية ليست كتلك التى تدربتم عليها.
صقر: وما نوع تلك المخاطر والصعاب ؟
المعلم : يكفى أن تعرف أنها من النوع المميت لا أكثر…فعليكم بالتسلح بكل ما تستطيعون..فغالبا ما تنتهى بالموت للجميع وعندها قد نرتاح من جدالك للأبد...قليلون هم من نجحوا فى عبورها...وأعلم بأن المقدر لتلك الرحلة سبعة أيام فحتى وإن صادفك حسن الحظ ووصلت فعليك الالتزام بهذه الأيام فإن زادت فقد فشلت وسيتم معاقبتك.
صقر :أمرك يا معلمي ...لكن هل لي بسؤال ( أشار له المعلم بالكلام) هل سنلقاك هناك ؟؟
فوجئ المعلم بالسؤال: هناك؟ و سنلقاك ؟؟ من تعنى؟؟
صقر بكل ثقه : أنا وكل رجالى سيدى
ابتسم المعلم : أنت وكل رجالك جميعا ...يا لك من مغرور ( يضحك مستهزئا ) على الأقل تكلم عن نفسك
صقر : كلا ..بل أنا وكل رجالى ...فسأصل بهم جميعا سالمين (يبتسم متحديا) ان شاء الله
يقهقه المعلم فيكمل صقر مقاطعا ضحكته
صقر: معلمي
المعلم (بعد أن يهدأ) :تفضل أيها المغرور
الصقر : أرجو أن تصل هناك بسرعه
المعلم : ولم؟
صقر: سنكون هناك خلال خمسة أيام لا سبعه ..فلا تتأخر.
عندها أطلق الشيخ المسن ضحكه كبيره مقهقها ثم تبعه المعلم أيضا حتى صارا يسعلان
الشيخ :معلم ... هلا تركتني مع صقر ( بعد خروج المعلم )اجلس بالقرب مني يا ولدى( بعد جلوسه)قد تكون هذه أخر مرة نرى فيها بعضنا بعضا .. أنا لم أتزوج كما تعلم وقد اتخذت من أولاد الخان أبناء لي..لكنك بالأخص أعزهم وأقربهم إلي قلبي ويعز على فراقك لذا فأنا اريد أن أطمئن منك...هل قصرت فى حقك أو ظلمتك يوما ؟
صقر مبتسما وقد ترقرقت عيناه بالدموع : سيدى لقد عوضني الله بك عن ذاك العم الذي باعني فكنت خير معين لي وحتى في قسوتك على... كانت قسوة أبا يبغى الصالح لولده...و( تهدج صوته وسقطت دموعه ) اسمح لى أن أقول لك شيئا رغبت دوما أن أقوله
نظر اليه الشيخ بحنان مربتا على كتفه : تفضل يا بنى
هب صقر من مكانه محتضنا شيخه بشده حتى تأوه العجوز
الشيخ : ستكسر عظامي يا ولد ...
صقر باكيا فى حضنه :حقا سأفتقدك يا والدى
عندها لم يقاوم الشيخ فبكى ثم أبعده عن صدره
الشيخ :والآن.. استمع الى جيدا.. أعلم أنك ستصل الى مقر جماعتنا بسلام وسيكون لك شأنا عظيما يوما ما بها...لكن عليك أن تضع دائما ربك وتعاليم دينك نصب عينيك ....مهما كانت المبررات التي ستساق لك لتنفيذ أمرا ما ...لا تقم بعمل قد يغضب الله منك ...ولا تقتل إلا لرفعة دينك وبلدك.
صقر مندهشا مما يسمعه : هل هناك من قد يفعل غير ذلك...هل سأجد من يأمرنا بأمر قد يغضب الله ورسوله؟؟؟
الشيخ : ولدى ...لكل قاعدة شواذ ...فكما ستجد من يرعى الله .. ستجد من لا يتقيه ولا ينتهى بأوامره و من يتأول على الله و يفسر كلام الله على هواه ...فتحصن يا ولدى بالله و بتعاليمه وإن جار عليك هذا الشخص يوما فكن على يقين بأن الله وسيعوضك فى يوم آخر.
احتضن صقر شيخه لمرة أخرى.
وقف الشيخ مستندا عليه :والآن ...قم لتستعد وتسلح بإيمانك وارفع رأسي بين الجميع ...( يصمت قليلا )
صقر :سيدى ...لقد شجعني كلامك هذا بأن أطلب التحدث فى امرا ما لا طالما شغلني
إليه الشيخ وقد قطب حاجبيه : تفضل
صقر :أليس القرآن والسنة هما أساس الدين
الشيخ : نعم
صقر : أليس كل بدعه ضلاله وكل ضلاله فى النار
الشيخ : نعم
صقر: هل كان في عصر الرسول شيعه أو سنه
أطرق الشيخ فى الارض : كلا...لقد نشأ التشيع بعد استشهاد سيدنا على بن ابى طالب
صقر : هل دعا ديننا للفرقة أم للاتحاد
الشيخ : بل للاتحاد ..فكما قال تعالى ( وتمسكوا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )
صقر: اذن فنحن من قمنا بتصنيف أنفسنا فهذا سني وذاك شيعي و بدلا من أن نخلق أجيالا مؤمنه بالله ولله فقط ومتحدة خلقنا أحزاب تتنافس وتتصارع على السلطة ...أحزابا اتخذت من الدين وسيلة لا أكثرو لأهداف دنيوية خاصة .
الشيخ : يا ولدى ...سنه أو شيعه ...كلها طرق للتقرب من الله وعبادته ...قد يحيد البعض عنها أو يتزمت فيها.
صقر: يا شيخي ...نحن بشر ...لسنا أنبياء أو ائمه ...وأرى الآن أن حب الدنيا والطمع في القوة والسلطة والثراء قد غلب على رؤوس الفئتين فأضلا الناس..فتنافسا فى تجميع الأتباع...وفشا العداء بينهما ..ولم نكتفى بهذه الفرقه فخلقنا من نفس المذهب طوائف داخليه هى الأخرى تتناحر فيما بينها...ولكلا منهما طرقه وبدعه في العباد وها قد تطور الوضع فأنشأت الجماعات مسلحة مثل جماعتنا هذه كي تأمن الواحدة شر الأخرى…. والنتيجة أن هان علينا ديننا وأوطاننا فهنا على الناس وطمع فينا الصليبيون واحتلوا بلادنا والآن التتار صاروا على الأبواب.
يصمت الشيخ و لا يجد ردا... وقف صقر مستأذنا في الانصراف بعدما أحس بما أصاب شيخه من الارتباك وعدم القدرة على الرد.
اعتدل الشيخ فى جلسته وحيدا مستعيدا كلام الفتى الصغير الذى أنار في عقله بعض المسائل الفقهية التي قد تمس عقيدته .