الفصل السابع
ما بين شرفة القصر وقاعة إستقباله دون اتفاق بينهما , جلس الفارسين يستعيدان أحداث حياتهما وكى تكتمل المصادفة فقد وصل كلاهما إلى مواجهة نفس نوع الخطر بنفس الليلة من هذا العام 1254 على الرغم من اختلاف اتجاهات رحلتهما.
بيبرس الأمير الهارب برجاله من قلعة الحكم متوجها الى حلب أما الصقر فكان على موعدا للخروج من حلب متوجها إلى قلعة حكم جماعته .
بعد صلاة الفجر..تجمع الشباب الخمس أمام مسجد الخان في حضرة الشيخ والمعلم الأكبر
المعلم : صقر...هذه خريطة الطريق إلي قلعتنا
أمسك صقر الخريطة معاينا لها
المعلم مكملا : وجهتكم ستكون إلى قلعة ( ألوه أموت )
ثم صمت متفحصا ردة فعل الشباب فلاحظ تملك شيئا من الارتجاف والارتعاش من الطلاب أما صقر فقد ظل يعاين الخريطة وكأن الاسم لا يعنيه
شاب : أليس إسمها ( ألموت )
ابتسم المعلم : هذا اسمها المختصر فهي تقع أعلى جبل في منطقة - ألوه أموت - شمال فارس ومعناها بالعربية عش النسر لارتفاعها الشاهق.
فغرت أفواه الشباب و بصوت واحد :فارس ...يا الله
المعلم :ولقد اخترنا لكم أقصر الطرق إليها ستتوجهون الى الموصل بالعراق ومنها إلى مدينة زنجان بفارس حتى تصلوا إلي القلعة وعليكم تخطى هذا الطريق بكل ما ستلاقونه من صعاب وخلال سبعة أيام على الأكثر و...
قاطعه صقر :خمسة أيام ...لا تنسى يا معلمي
المعلم بجدية : خمسا كما قال أرعنكم هذا واحذروا جيدا من طريقكم إلي وصولكم إلى القلعة (ثم صمت قبل أن يضيف بصوت عميق )هذا أن (انتبه الشباب) وصلتم
فارتجف شاب و ارتعش أخر وتتابعت نبضات قلب ثالثهم حتى صارت كطبول حرب تدق فى أذنيه أما رابعهم فقد أحس أنه قد هرم وشاب شعره.
صقر متجاهلا اسلوب المعلم وبكل ثقه : معلمي...أرجو أن لا تتأخرعن موعد وصولنا .. هيا يا شباب لنستكمل استعداداتنا ...هيا...هيا... (محفزا إياهم)تحركوا ليس أمامنا الوقت.
أسرع الشباب لتنفيذ أوامره وتوجه صقر الى شيخه
صقر : شيخي ...سأفتقدك
ربت الشيخ على رأسه داعيا له و لزملائه ومعيدا عليه وصيه أمس
فتح صقر الخريطة لشيخه : هل لى أن أسألك سؤالا في هذه الخريطة
(ثم دنا من الشيخ ) هذا هو الطريق المقرر لنا وطبقا لقول المعلم فقد تم اختياره لنا كأقصر الطرق فهل معنى هذا أن هناك طرق اخرى لهذه القلعة ؟
الشيخ مبتسما : أصبت... فهناك طريقان آخران .
صقر : أريد أن أعلم كل شئ عن هذه الخارطة..هذا الطريق المحدد كم يبلغ طوله ؟ وأطوال الطرق الأخرى ؟؟(ثم بحرج ) إن سمحت لي يا ..والدي
ارتسمت الابتسامة على وجه العجوز: انظر يا لئيم ...للقلعة ثلاث طرق ..هذا بالفعل أقصرها (مشيرا الى الطريق المحدد من المعلم ) بمئة كيلومتر تقريبا ..والآن تعال معي لأرسم لك الطريقين الآخرين على نفس الخريطة. ما أن انتهى الشيخ من الشرح والرسم
الشيخ :هل وضح لك كل شئ الآن ؟
صقر :نعم يا شيخي أشكرك..لكن هل لى بسؤال ؟
الشيخ : تفضل ...
صقر : عندما اتيت الى هنا صغيرا مع هذاك العم...هل كنت سنيا أم شيعيا ؟
بهت الشيخ من السؤال وأصابته رجفه : ولما تذكرت ذلك الآن؟
صقر : لا شئ.. أريد أن أعلم
الشيخ متهتها : تعلم أن شروط دخول أى تلميذ بالخان أن يكون شيعيا المولد والنسب ..فلا تضع وقتك بسؤال أنت تعلم أجابته.
أحس صقر بارتباك شيخه وتهربه مرة أخرى فشكره وذهب إلى مراجعة التحضيرات الأخيرة بناءا على ما أخبره به شيخه وبعد مراجعه الخريطة من جديد .
فبدأ بمعاينة ركائب فريقه مرة أخرى ..ثم توالت الأوامر الجديدة عليهم ...
فهذا اذهب وأحضر حبالا جديده للتسلق ..
ذاك أريد خمسا من قرب المياه الإضافية...
والثالث أحضر بطانيتين إضافيتين ...
والرابع أحضر علفا أكثر للخيل.
عند باب الخان صقر لشيخه ومعلمه : نراكم على خير يا سادة انشاء الله واقترب محتضنا شيخه ( ثم أسر له فى أذنه )
صقر : أتذكر يا شيخي ما تحدثنا عنه ليلة أمس في موضوع السنة والشيعة ..هناك خطأ ما و كل ما نقوم به يضعف من أمتنا...
الشيخ : كيف ؟
صقر :إن هي حقا إلا بدعا ابتدعناها.. لا أساس لها (فوجئ الشيخ بما يقوله صقر الذى أكمل) لقد درست الموضوع وقتلته بحثا….أعد دراسة الأمر يا والدي لعلك تنقذ نفسك وتنقذنا وتنقذ جيلا جديدا مما نحن فيه…
دقائق وانطلق الشباب من الخان بعدما سلمهم معلمهم كيسا من المال ليعينهم على الطريق ثم اقترب من الشيخ
المعلم :أستأذنك يا شيخنا لأتجهز كي أنطلق خلفهم لأراقبهم من بعيد أثناء رحلتهم كالمعتاد وداعا.
الشيخ محدثا نفسه : تصحبك السلامة يا صقر..وليغفر لي الله كذبى عليك لكن أعدك بأن أعيد ترتيب أوراقي و دراسة ما طلبت.
تجمع الشباب خارج الخان حول قائدهم للتباحث فيما سيفعلونه وما قد يواجهونه
الأول :نحن فى طريقنا الى قلعة الرعب فما تظنون نوع المخاطر التي قد نواجهها ؟
الثاني : القتل أولها
الأول :من ذا الذى قد يقتلنا يا عمرو
عمرو: لا أعلم ...لكنه أحساس أحس به..بل لعله يقينا
الثالث : ومن المؤكد أننا سنقابل الكثير من الصعوبات التضاريسية
الرابع : كيف يا غسان ؟
غسان : صعودا لجبال ..تخطى نهرا...هذا ما اعنيه
عمرو :حيوانات مفترسة ...صقيع أو جليد شئ من هذا القبيل
عمرو : ما بك يا صقر صامتا هكذا ...قل لنا رأيك ؟
صقر : كل ما تقولونه صحيح بل و أشعر بأننا سنواجه ما هو أخطر
عمرو: وما الذى قد يكون أخطر من كل قلناه ؟
صقر: سأشرح لكم مخاوفي وعلينا افتراض وجودها حتى نقلل نسبة الخطورة تماما
انتبه الجميع هاتفين فى نفس الوقت: كيف يا صقر؟
صقر :استمعوا إلى ...
أفرد صقر الخريطة الى القلعة و لعشر دقائق أصغى الجميع فيها بكامل تركيزهم إليه و لخطته ... بدأ بعدها الركب فى التحرك.
بعد مرور نصف ساعة على رحيلهم ,فتح باب الخان مرة أخرى ليخرج منه المعلم الأكبر ممتطيا حصانه للحاق بالفريق من بعيد كمراقبا لهم أثناء رحلتهم لكن دون أى تدخل منه أو مساعدة وأن وصل الأمر إلى موتهم جميعا أمام عينيه... فهكذا كانت تعليمات ساده القلعة ...قلعة ألموت.
فى نفس الوقت ومن باب قلعة الجبل , انطلقت فرقة مكونة من ثلاثين جنديا يقودها الامير جقمق ومساعده برقوق خلف بيبرس ورجاله الفارين الى الشام تنفيذا لأمر السلطان بقتل الجميع و العودة برأس بيبرس أو بأي دليل يدل على قتله.
بالقرب من مدينة الصالحية أوقف بيبرس فجأه الركب بدعوى التقاط الأنفاس.
قلاوون :لا زال الطريق طويلا ولم يصبنا التعب بعد يا بيبرس فلما اوقفتنا ؟؟
أمسك بيبرس بذراع صديقه : تعال معي قلاوون وأنت يا سنقر(ثم وجه كلامه الى الجنود) لنستريح قليلا أيها الجند
قلاوون : ما بك ؟
بيبرس :استبد بي شيئا من القلق ...
سنقر مستهزئا : ولم لم تسأل عرافك؟
بيبرس غاضبا : ليس هذا وقته يا سنقر...استمعا إلى جيدا ..المسافة إلى حلب تستغرق من خمس إلى ستة أيام ذلك أن سرنا على الطريق المعروف لها و لعشر ساعات متواصلة بمختلف سرعات خيلنا من بلبيس لفلسطين ومنها إلى الشام
سنقر: بيبرس ما الذي يخيفك ؟
بيبرس : رسول واحد يرسله أيبك و بلا أحمال كالتي نحملها سيبلغ أى نقطة حدودية بالطريق قبلنا فيقطعون علينا الطريق.. بل و لا أستبعد خروج فرقة من الجند خلفه…وفى غضون يومين على الأكثر سنكون قد وقعنا بين شقى الرحى لذا أنصتا لما سأقوله لكما وما سنقوم به ودون أى معارضة.
فى الطريق إلى قلعة ألموت, بعد مرور خمسة أيام من خروجه خلف صقر وزملائه , وصل المعلم إلى أول نقطه أمنيه لقلعتهم فتقدم من حارسها وبعد تبادل كلمة المرور.
المعلم : هل مر عليك شباب من الخان
نظر اليه الحارس بكسل: كلا...أنت أول من يمر بي منذ أسبوع
اندهش المعلم وظل يتلفت حوله وخلفه ثم تركه وانطلق صاعدا إلى القلعة التى ما أن دخلها حتى توجه على الفور إلى أميرها الذي استقبله بحفاوة كبيرة.
أمير القلعة مبتسما : كيف حالك ؟؟ نحن فى انتظار متدربين الخان ...لكن كيف وصلت قبلهم أم تراهم...قتلوا فى الطريق وفشلوا ؟
المعلم لا يرد
الأمير: ما بك ؟ ما لي أراك مضطربا هكذا ؟
المعلم : لا أدري ... هناك أمر ما قد حدث لهم لقد اختفوا
الأمير : ماذا تقول ؟ كيف ؟
المعلم : نعم ...اختفوا ...منذ خروجي خلفهم من الخان ولم أعثر لهم علي أثر طوال الطريق يا أمير ركن الدين
ركن الدين : أيكون قد أسرهم أحد؟؟
المعلم : صدقني لا أعلم ...لقد كنت أحث الخطى للحاق بهم ظانا أنهم قد سبقوني خاصة وأني لم اري اي علامات لهم طوال الطريق ..لكن الأن فقد بت أخاف أن يكونوا قد هربوا وانضموا إلى جماعة أخرى
ركن الدين : لا أظن ...تعاليمنا وجلساتنا معهم وعزلتهم التى فرضناها عليهم طوال هذه السنين جعلتهم بلا دراية بأي جماعات أخرى كما أنهم لا يمتلكون حتى القدره على اتخاذ قرارا بالهروب هكذا ..فهم بلا خبره حياتيه
المعلم : كل ما يقلقني هو ضياع صقر.. ...فهذا الفتى بعشرة فرسان ممن دربناهم
الأمير : صقر..؟؟!!! لا تسهب بمدح أحدا هكذا ...فجميع فرساننا مهره ومحترفون
المعلم : إلا هذا ...فقد تربى على يدى وأعرف طاقاته جيدا و بالرغم من صغر سنه إلا أنه أذكاهم وأشجعهم و سيحزنني فقدانه بحق .
فجأه قطع حديثهما صوتا ضاحكا يعرفه المعلم جيدا
الصوت: ما الذي يحزنك ...ومن ذا يقدر وأنا هنا ( ضحك )
التفت كلاهما الى صوت الداخل عليهم
المعلم متهللا : يا إلهي ...أخيرا ...أين كنت بحق الله؟
القاهرة
فى نفس الوقت كان الأمير جقمق يدخل عائدا الى قلعة الجبل بكامل جنوده متجها لمقابلة السلطان أيبك .
جقمق مزهوا : مولاي....مبارك يا مولاي...تمت المهمة ( تقدم من أيبك منحنيا ومادا له يده اليمنى ) هاك خاتم بيبرس.
ابتسم أيبك وهو يلتقط الخاتم متفحصا علامة الأسد التي عليه (رمز بيبرس الخاص) ثم سلمه الى شجر الدر التي ما أن لمحت اسم بيبرس المدموغ بقلب الخاتم حتى تهللت فرحا
أيبك : مرحى ...مرحى يا جقمق ...أحسنت والله ...يا حاجب (أسرع الحاجب بالدخول ) أكتب أمرا سلطانيا بمنح الأمير جقمق قصر الأمير بيبرس وعشرة أفدنة من حدائقه.
وأثناء املاءه الأمر دخل عليهم قطز ولاحظ الفرحة فى عيون المتواجدين
قطز: أدام الله فرح مولاي ...خيرا ان شاء الله
مد السلطان يده بالخاتم إليه دون أن ينزل عينيه عنه وكأنه يريد الغوص بأعماق قطز بعد ما ساوره الشك تجاهه حين سمح بهروب بيبرس .
ما أن لمح قطز الخاتم حتى عرفه و بخبرة السنين مع حنكه شديدة استطاع إخفاء مشاعر الحزن التي انتابته وأظهر لسلطانه عدم اهتمامه بخبر موت بيبرس.
قطز: هنيئا لك يا مولاي خطرا أخر تم استبعاده... فلنركز الآن بأحوال بلادنا (ثم مد يده بالخاتم معيدا إياه إلي السلطان )
أيبك مشيرا له بكفه :إبقه معك.... هدية مني إليك ..و ذكرى لصديقك بيبرس ومن سلطانك وأستاذك أيبك
شكره قطز ثم جلسا يتباحثان فى أمور الدولة وما أن انتهيا حتى توجه قطز و من فوره الى الشخص الوحيد بمصر الذى يستطيع أن يحزن معه على صديقه وينصحه بالخير…شيخ الإسلام العز بن عبد السلام