الفصل الثامن
القلعة
المعلم بلهفة : ما الذي حدث لكم خلال هذه المدة ...كنت قلقا عليك وعلى فريقك
ابتسم صاحب الصوت مقتربا منه :لا تقلق فأنا حين أعد ...أفي
المعلم فرحا :أيها الأمير...أقدم لك صقر...قدم يا صقر التحية الى سيدنا وأميرنا ركن الدين خورشاه
انتفض صقر فى مكانه فقد سمع عنه من زملائه بالطريق وارتبط ذكره فيما بينهم بالخوف والرعب والدم ...ثم نفض عن نفسه اضطرابه وتقدم من الأمير مسلما عليه دون أن يقبل يده كعادة جميع أفراد الجماعة الجدد كما تم تلقينه مسبقا
نظر الأمير إلى المعلم وكأنه يستفسر عن عدم تقبيله ليده
المعلم أمرا إياه : قبل يد مولانا ...
فأمسك صقر يد الأمير مفتعلا تقبيلها دونما أن تمس شفتيه يد الأمير الذى تخطى هذا الموقف مفتعلا الرضا عنه بأن ربت على رأسه كما فعل مع زملائه بعد ذلك.
ركن الدين : كنا نتحدث عنك
المعلم منشرحا : لقد راهنني بأنه سيصل مع فريقه بأكمله وبخمسه أيام كما ترى يا مولاي
صقر مفتعلا الحزن : لكنك للأسف سبقتني
قاطع كلامهم دخول فرقته عليهم وبعد أداء التحيات والتعارف الذى انتهى برجفه وارتعاشه تملكتهم وهم يسلمون ويقبلون يد ركن الدين الذى حدد لهم موعدا للقائه
بعد صلاة العشاء.
بعد العشاء
المعلم : احك لنا يا صقر عما فعلتموه خلال تلك الأيام الخمسة وكيف لم ألحق بكم أو أراكم ؟
صقر : لا شئ يا معلمي ...كل ما فى الأمر أنى غيرت اتجاه الرحلة
المعلم مستفسرا : نعم ...ماذا ؟ لست أفهم هلا أوضحت ؟
صقر: علمت أن للقلعة ثلاث طرق ...أحداها ذلك الذى رسمته لي ..فقمت باستبعاده متخذا طريقا آخر
المعلم : لكن طريقنا هو الأقصر
صقر : لكنى أحسست أنه الأخطر... فمن المؤكد أنك قد ملأته بكمائن من المحاربين ذلك بخلاف خطورة الطبيعة
المعلم متفاجئا: فعلا ...ففرساننا كانوا يكمنون لكم كنوع من التدريب ...لكن لم خالفت التعليمات؟
صقر: لم أخالف ...لقد أعطيتني الطريق ..ولم تأمرني باحترامه...فعندما وجدت طريقين أخريين اتخذت أحدهما وكقائد لكتيبتي رأيت أن هذا أفضل طريق لنا
المعلم : ولم؟
صقر :قدرت أن حياة فرسانكم غاليه كي تفقدونها فى اختبارا كهذا ..و الأفضل أن تفقدوها بمهمة أو حرب ما
نظر المعلم إلى الأمير الذي استحسن قول صقر الا انه لم يظهر ردة فعله
أكمل صقر :على الرغم أننا لم نسلم أيضا فقد واجهنا صعوبات أخرى أقوى ..تسلقنا جبالا ...قاتلنا دببة وذئاب ضارية ...بخلاف الطقس البارد الى أقصى حد.
هم المعلم بأن يؤنبه إلا أن الأمير قاطعه بإشارة من يده
ركن الدين : لكن هذه المرحلة من التدريب من المفترض أنها كانت كاختبار نهائي لكم لمعرفة قدراتكم وسماتكم
صقر : سيدى ...لقد وصلنا دون خسائر منا أو من زملائنا القدماء ونحن على أهبة الاستعداد لأي مهمة أو اختبار خارج أو داخل قلعتكم
ركن الدين : اسمها قلعتنا...لا قلعتكم , يمكنكم الانصراف الآن واستريحوا جيدا فبعد يومين سننظم لكم عدة مسابقات بينكم وبين زملائكم القدامى وعلى أساسها يتم تقييمكم
قبل خروج صقر و فريقه
ركن الدين : صقر..يا صقر(فارتد عائدا الى الأمير) من أخبرك بالطريقين الآخرين؟؟
صقر بقليل من التردد : شيخ الخان
أشار الأمير إليه بالانصراف ثم نظر إلى المعلم
ركن الدين : يبدو أن شيخنا بالخان قد بلغ من الكبر عتيا ...أنذره كآخر إنذارا له أن عليه الالتزام بدوره فقط دون أن يدلو بدلوه مع الفتية بالخان مرة أخرى أما بعد الغد فجهز لصقرك هذا وفرقته منافسات شديدة الصعوبة.
المعلم : أمر مولاي الأمير
فى غرف الشباب
غسان : أخيرا قلعة الموت
صقر : اسمها ألموت لا الموت يا غسان ...أنسيت
غسان : صدقني كلا المعنيين ستجدهما واحد لكن قل لي ما تظنهم فاعلين بنا بعد هذه المنافسات ..لقد سمعت الكثير عن هذه القلعة وما يقوم بها فرسانها من عمليات للقتل
صقر : قتل ؟؟...قتل من ؟؟
تدخل زميلهما عمرو :هذه القلعة تخضع الى شيعتنا من الإسماعيلية وأسسها الشيخ حسن الصباح منذ مئة وخمسون سنه ولها استراتيجية خاصه فكل خطر يهدد الأمة أو الجماعة يتم اغتياله على يد فرسانها
صقر مستفسرا: اغتيال ؟
غسان : نعم كوسيلة آمنة وبديلة عن الدخول بحروب قد تدوم طويلا و يتم التضحية فيها بالآلاف من الجنود ...هل تعلم انهم اغتالوا ذات يوم الخليفة العباسي المسترشد ثم أخيه الراشد
صقر : الخليفة ذات نفسه
محمد : نعم ..هل سمعت عن ملك بيت المقدس كونراد دى مونفرا ..والذي كان من أكبر أعداء الملك صلاح الدين (صقر لا يرد وقد تملكت منه الدهشة مما يسمع) لقد تنكروا بهيئة رهبان ثم قاموا بقتله فى شوارع بيت المقدس وفي وضح النهار
صقر مندهشا : يا للجرأة
غسان : هى من ضمن استراتيجياتهم لابد أن يصاحب عملياتهم أكبر قدر من الجلبة ليرتدع الناس ويكتسب فرسان القلعة سيطا ورهبة من ورائها.
محمد : أتعلم ..منذ هذه الحادثة تم تسمية جماعتنا بالحشاشين
صقر: بمعنى؟
محمد : البعض يقول أن تعريب لكلمه القتلة بالفرنجية
صقر : يا لها من كلمة بغيضة
محمد : هكذا هم الفرنج يرون أنفسهم أصحاب الأرض التى يحتلونها ويصمون من يدافعون عنها بالقتلة بالرغم أنهم أكثر منا همجية ووحشية ودموية ولا يتورعون عن سفك الدماء حتى و أن كان طفلا أو انثى.
صمت الجميع لدقائق
صقر : طالما أن القضية تمس عروبتنا وفى صالح أمتنا الإسلامية فكل شئ مسموح مهما كانت التضحيات لكن طبقا لتعاليم ديننا
محمد مستهزئا : عروبتنا واسلامنا (يضحك )
صقر : لما تضحك ؟
محمد : سترى وتفهم عما قريب
صحن جامع الأزهر
بعد انتهاء صلاة العصر, تقدم قطز محييا إمام الصلاة .. الشيخ العز بن عبد السلام أحد أكبر شيوخ هذه الفترة والملقب بشيخ الإسلام الذي كان له الكثير من المواقف الوطنية والدينية المشهود له بها ومنها فتواه ببيع أمراء المماليك لصالح بيت المال لأنهم في حكم عبيد وعلى من يشتريهم أن يحررهم أن أراد فلا يمكن لعبد أن يحكم حرا وتم الأمر كما أراد علي الرغم من المضايقات والتهديدات التي تعرض لها فقام الملك الصالح نجم الدين بشراء رجاله جميعا من ماله الخاص مثل أيبك,أقطاي وبيبرس وغيرهم ثم قام بتحريرهم.
قص قطز عليه ما حدث خلال اليومين الماضيين بالقلعة كاشفا له عن قلقه على مستقبل البلاد ومن تفرق ملوك العرب وعدائهم لبعضهم البعض وما يحيق بالأمة من أخطار.
العز : يا بنى لا تحزن ...فهذه الأمه لن تضام طالما بها أمثالك وسيعوضنا الله خيرا عن بيبرس إن كان حقا قد قتل
قطز : لست حزينا لكنه القلق ...فخطر التتار يقترب ولن يمر عاما إلا و نجدهم بالقرب من عاصمة الخلافة ونحن لا نستعد لهم و كل ما نفعله هو الصراع على السلطة
العز : لا تقلق ...لا تدرى ما يفعل ربك غدا…فمن رحم العتمة يولد النور.
ساحة قلعة ألموت
مر اليومان وبدأت المنافسات بين الشباب وفرسان القلعة فانتصر منهم من انتصر وهزم من هزم إلي أن حان دور آخر المتبارين صقر والذى تقرر له منافسه قائد محاربين القلعة ذات نفسه ...
قاسم بن أكرم المعروف بقوه الجسد والمهارة الفائقة في استخدام الأسلحة والشجاعة المتناهية مع خبرته القتالية العالية.
فلم يكن لدى أى فرد من سكان القلعة خلال اليومين الماضيين سوى الحديث عن صقر وعما قام به فى رحلته للقلعة فطلب قاسم أن يباريه بنفسه
المعلم: لماذا يا قاسم ؟؟
ابتسم قاسم أثناء تجهزه : كما تقول العامة في ليله العرس ...لأذبح له القطه.
بدأت المباراة بينهما أول الأمر في التحطيب بالعصا وتتابعت ضرباتهم القوية وأظهر قاسم قوة كبيرة مقترنه بغضب هادر مع ذلك تمكن صقر بهدوئه من احراجه اكثر من مره.
استمرت المباراة سجال بينهما و فجأة هجم صقر عليه بضربات قوية متتالية ذات اليمين وذات اليسار ثم وجه لقاسم ضربه فى اتجاه رأسه فاستقبلها قاسم على عصاه ...اضطرته قوتها لأن يركع على ركبتيه كي يمتصها فارتجفت العصا بين يديه وشعر وكأنها ستنقسم إلى نصفين.
انقض صقر مستغلا فرصة ركوع خصمه موجها ضربة عكسيه من اسفل العصا أشد قوة من تلك السابقة ضربة أطاحت بعصا قاسم عاليا فى الهواء من بين يديه والذى وقف مذهولا لا يصدق ما يحدث وسط تهليل زملائه الشباب الأربعة فقط ونظرات دهشة تملأ عيون الفرسان القدماء
تلى ذلك مرحلة رمي السهام من مختلف المسافات البعيدة والقصيرة أو من الحركة أثناء ركوب الخيل والتي حقق بها الاثنين أعلى النتائج إلا أن الغلبة كانت لدقة تصويب صقر.
وصل الفارسين الى مرحلة الفروسية فابدع صقر فى تخطى الحواجز المختلفة الارتفاعات و الموانع المائية والنارية.
استشاط قاسم غضبا من توالى هزائمه أمام هذا الوافد الجديد حتى صار كالبركان الذى أوشك على الانفجار وما زاد من غليانه أكثر تنامي أعداد معجبيه مع كل تقدم أو فوز يحرزه حتى صار النداء باسم صقر يرج أركان القلعة.
من خلف نافذته بغرفة الحكم جلس ركن الدين خورشاه متابعا لهذه المباراة المثيرة وأثناء راحه الفارسين قبل التحدي الأخير ...مبارزة السيوف أرسل مستدعيا قاسم ومعه المعلم الأكبر
ركن الدين : لا تبارزه يا قاسم
قاسم بغضب :عفوا مولاي ...لن أستطيع ..وكفاني ما لاقيته من هوان حتى الآن ...لا أستطيع الانسحاب من الأفضل أن يقتلني
ركن الدين بهدؤ قاتل :سيقتلك حيا لا فعلا ..سيهزمك أمام الجميع وسيكسر ناصيتك ...لا تقاتله
قاسم : عفوا مولاي لن أستطيع , إما أن أفوز عليه ...أو فالموت أفضل لي
ركن الدين : ما دمت مصرا ..يا معلم ما أن يهزمه صقر حتى تعلنه قائدا جديدا على القلعة بدلا من قاسم الذي سيكون عليه مغادرة القلعة على الفور.
اقترب قاسم من ركن الدين وهو لا يفهم :كيف هذا ؟ سيدى ...انا...
ركن الدين مقاطعا : لن أسمح بأن يهزم قائد فرسان الجماعة بكل هذا الخزي وأتركه بها ( ثم صمت لبرهة ) لكن هناك حل
قاسم بتردد :ما هو سيدي ..و سأقبله
ركن الدين : سنعلن أنك خرجت لتنفيذ مهمة عاجلة على أن تختفي لمدة يومين .
تدخل المعلم على الفور قبل أن يتفوه قاسم بكلمة
المعلم : نعم الرأي يا مولاى ..سيوافق...سأذهب لأعلن الخبر ...تعال يا قاسم
فى الطريق الى الحلبة
المعلم : هذا افضل لك...كى تستعد ...وتتدرب واعتبره إنذارا من الأمير لك ...إنذارا أخيرا
طأطأ قاسم رأسه الى الأرض حزينا وقد امتلأت نفسه بالحقد على صقر الذي زلزل مكانته أمام أميره وبين جدران القلعة.
عاجل الأمير المعلم بعد عودته: صقر, هذا خامه جيدة وأتنبأ له بمستقبل كبير معنا ..أحسنت فعلا يا معلم فى تدريبه ... لكن به عيب واحد يقلقني
المعلم : وما هو سيدى
ركن الدين : يفكر ...أن تطرأ فكرة تغيير الطريق ... ثم يتجرأ ويتخذ قرارا منفردا و ينفذه ..أضف أيضا أسلوبه فى منافسات اليوم ...كل ذلك يعلن أن قوة هذا الفتى فى عقله لا جسده وهو ما يقلقني منه
المعلم : سيدى الحق ما تقول فعلا ...لقد أرهقنا كثيرا فى الخان فقد كان دائما يقاطع ويجادل ...
الأمير :إذن ضع عينيك عليه ولا توكل اليه أى عملية قد يعترض عليها أو يجادل فيها .. لنجعله واحد منا أولا ثم نرى بعد ذلك .
المعلم : لكن ماذا ستفعل مع قاسم ؟
الأمير : علينا أن نستفيد من حاله غضبه ونقمته على صقر ورغبته فى إثبات ذاته
المعلم : كيف؟
الأمير : نكلفه بمهام عديدة وخطيرة نستفز بها ملكاته وعندها نكون قد كسبنا قائدا قويا كقاسم و فارسا مقداما كصقر.
قلعة حلب
بعد مرور أربعة أيام اقترب من أسوار قلعه حلب ركب مكون من ثلاث رجال ملثمون
حارس البوابة بصرامة : من أنتم ومن أين أتيتم ؟
اقترب أحدهم :من مصر..نريد مقابلة الملك الناصر يوسف لأمر هام
هب الرجل من مكانه مستدعيا زملائه فأحاطوا بالثلاثة ثم انطلقوا جميعا إلى داخل القصر بعد سماح الملك لهم بالدخول تحت حراسة الجند
الناصر يوسف: من انتم؟
مد أحدهم يده الى حزام ملتفا حول وسطه مخرجا منه شيئا صغيرا ملفوفا بقطعة قماش
الملثم : تفضل يا مولاى تناول أحد الحراس قطعة القماش وناولها إلى الناصر الذى أمسك بها دون أن يفتحه
الناصر : ما هذا ؟ و من أنتم؟
الملثم مزيحا لثامه خالعا عمامته : بيبرس ...الأمير بيبرس البندقداري يا مولاى (محنيا رأسه بالتحية) وما في يدك هو خاتمي وشعاري...وهذا شعرى الذهبي وعيني ذات السحاب.
هب الناصر من مكانه مضطربا وقد ألجمته المفاجأة ثم اقترب يتفحص بيبرس والخاتم
الناصر :كيف ؟ لقد بلغني أنك قتلت منذ عدة أيام.
بيبرس ناظرا الى الحرس من حوله : هل يسمح لنا الملك بشئ من الماء فقد أرهقنا العطش اليوميين الماضيين
الناصر فرحا: عذرا تفضلوا...تفضلوا..اجلسوا... لينصرف الجميع ...أحضروا الطعام والشراب على الفور...والآن أخبرني كيف نجوت ؟
بيبرس: كل ما فى الأمر أنى خفت أن يتبعنا جنود السلطان أيبك فاتخذت طريقا آخر إلى هنا واخترت جنديا ممن كانوا معي أقرب ما يكون شبها لي وألبسته ملابسي وأعطيته حصاني و خاتمي الاحتياطى ...ثم جعلتهم يسيرون بطريق الشام المعروف( بحزن ) لكن الآن وطبقا لـ خبر مصرعي الذى أبلغتني إياه فقد هاجم رجال السلطان أيبك جنودي وقتلوهم ومن ضمنهم شبيهي .
الناصر ضاحكا : مرحى ...مرحى ....خطه رائعة وبساطتها أروع ما فيها ...إجلس يا بيبرس...أيها الرجال لقد شرفت الشام حقا بقدومكم ...
بيبرس : مولاى ...دعني أقدم لك أشقائي فى الكفاح ....قلاوون الألفي و سنقر الأشقر
الناصر فرحا :كنت أرجو من الله ان يدعمني برجل كالأسد فى حربى مع أيبك هذا...فإذا به يكرمني بثلاثة ...عليكم بالراحة فبيننا عمل كبير من الآن فصاعدا
ألموت
مر عامين لم يهتم صقر خلالهما سوى بتنفيذ أوامر قادته محققا نجاحات كبيرة بأسلوبه الذى كان يجمع ما بين الذكاء والفطنة بعيدا عن الدموية التى اشتهرت بها جماعته.
فكم خرج فى العديد من عمليات الاستطلاع لمهمات قام بتنفيذها زملائه لبعض عمليات الاغتيال لأمراء صليبيين أو مشاركا في الهجوم والاستيلاء على العديد من القوافل الصليبية.
من الناحية الأخرى كان قاسم ينفذ كل ما يطلب منه ليثبت قوته وبأسه يتحاشى التواجد مع صقر فى أى مكان والحق فإن ركن الدين هو من تعمد آلا يتزاملا معا فاستطاع أن يخرج طاقات كثيرة من قاسم تحت التهديد بوجود صقر فازداد حقد قاسم على صقر أكثر و أكثر حتي تملك منه الإحساس بأن صقر صار سكينا حادة موضوعة على عنقه لنحرها بأي وقت فازدادت رغبته في التخلص منه يوما بعد يوم.
ذات يوما استدعى الأمير كلا منهما لتنفيذ مهمة خطيرة تتطلب تواجد هما معا وبعد فرد خريطة الشام أمامهما
وقف ركن الدين ممسكا بعصا صغيرة مشيرا بها فوق الخريطة
ركن الدين : هذه قلعه انطاكيا ..أهم وأغنى وأقواها علي الإطلاق القلاع الصليبية بالشام كلها ..ملكها كما تعرفون بوهيموند السادس..
كلاكما يعلم الأحداث التي تجري من حولنا فالتتار يقتربون منا من جهة والصليبيين قابعون بيننا من جهة أخرى....ذلك بخلاف الصراعات الجارية بين الحكام الأيوبيين والمماليك ...لذا وتأمينا لوجودنا بين كل هذه الأطراف فسنقوم بعملية غايه فى الخطورة تذكر الجميع بقوتنا وهيبتنا و بأسنا .
تبادل الجميع النظرات الصامتة
تابع ركن الدين :عمليتكم ...قتل وزير الملك بوهيموند السادس ...الوزير بول فهو من أهم رجاله وقائد الجيش الصليبي.
المعلم : ولما لا يكون الملك ذاته ؟
ركن الدين : قتل الوزير بول ...رساله الى بوهيموند السادس نذكره فيها بقوتنا...فنحن لا نريد تغييره بل أن يستمر ليتعاون معنا ..كما أننا لا نأمن من يأتي بعده ...لنكمل...سيكون على أحدكما قتل الوزير أما الآخر فعليه الوصول الى الملك لإبلاغه تهديدنا...
المعلم : قاسم لرسالة الملك وصقر لقتل الوزير
صقر : ولما القتل ...الا يكفى التهديد أو الإذلال مثلا
المعلم : القتل هو وسيلتنا المثلى
صقر : هذا يسمى اغتيال ..
المعلم : ما بك ...أتمانع فى التنفيذ
صقر : كلا ....لكن أريد أن أفهم واقتنع..إن كنا نريد الجهاد فلما لا ننضم إلى ملوك الشام في جهادهم مثلا….ثم هذا الملك بالذات يقبع في قلاعه لا له ولا عليه ولم يصنع لنا أو لغيرنا شرا.....ولم أسمع عنه أنه عذب أو أذل العرب الذين يعيشون تحت حمايته بالإضافة أن هناك ملوكا غيره يستحقون الاغتيال أضف الى كل هذا فإن الصليبيين موقفهم مع التتار واضح آلا هو الحياد فهم لا يساعدونهم ولن يساعدوننا ...فعلى الأقل لا نستعديهم فيغيروا من موقفهم ويتحدوا مع التتار علينا
تدخل ركن الدين غاضبا : ألم يعلمك شيوخك ومعلموك مبادئ الطاعة وأننا نعلم ما لا تعلمون وما فيه مصلحة جماعتنا يقع بين أيدينا نحن وما عليكم سوى التنفيذ ...التنفيذ فقط
حاول صقر أن يرد إلا أن إشارة من معلمه اسكتته
ركن الدين : استمع يا ولد ولآخر مره أوضح شيئا لك.. نحن بعمليتنا هذه نرسل رساله قوة ووجود لكافة الأطراف.. بأننا علي الساحة وأن تكون صداقتنا مطلب ملح وليعلموا لنا أذرعا تستطيع الوصول إليهم و لو في قلاعهم الحصينة المنيعة…. إياك أن تعيد معارضتك هذه مره أخرى
قاسم : والتنفيذ بقلعة انطاكيا ؟ أنها قلعة منيعة
ركن الدين علي غضبه :أحسنت السؤال ..لا.. بل في قلعة عتليت… فالملك ووزيره الأن فى طريقهما إلى عتليت لزيارة تفقدية وهى فرصه لن تعوض وهناك ستنفذون مهمتكم
قاسم : ومتى التنفيذ يا أمير؟؟
ركن الدين : عليكما بالرحيل فورا ...بعد أن تدرسوا قلعة عتليت وكل ما جمعناه لكما عنها ...فهي تقع على البحر الأبيض كشبه الجزيرة لها جوانب ثلاث تطل عليه و تحوطها صخور بحرية ضخمة تمنع وصول القوارب إليها وما يهمنا منهم هو الجانب الخلفي منها و المطل مباشرة على البحر وبه تقع غرفتين وحيدتين واحدة للوزير والأخرى للملك .
أما الجانب الرابع فهو طريق رفيع كأنه لسانا برى يربط القلعة بالمدينة , يحيط به البحر من على جانبيه ويتمركز فوقه عدة نقاطا للتفتيش مكشوفا للجميع. لذا فمهمتكما صعبه وخطيره ونسبة نجاحها ضئيلة جدا ( وقف الأمير) سأترككما الآن لتدرسا مع معلمكما الوضع والخطة المناسبة وإلى اللقاء فجرا قبل خروجكما.
بعد صلاة الفجر توجه الجميع إلى الأمير لاطلاعه على ما سيتم تنفيذه لكنه فوجئ باختلاف بينهما.
المعلم موضحا : خطه قاسم هى التنكر بملابس عسكر الصليبيين واقتحام القلعة أما صقر فيرى الهجوم عن طريق البحر والصعود إلى الغرفتين أفضل.
ركن الدين بعد تفكير : كم من الرجال يحتاج كلا منهما
المعلم : خمسه مع قاسم أما صقر فسيقوم بها وحده
ركن الدين : اجلسوا قليلا ...و ليشرح لي كلا منكما خطته
استمع ركن الدين لهما ثم صمت لخمس دقائق مفكرا .
ركن الدين : سننفذ الخطتين
قطب الجميع حواجبهم وبالأخص قاسم والوحيد الذى ابتسم كان صقرا ولمحه ركن الدين.
ركن الدين : لقد فهم صقر ما أعنيه ...سيخرج كلاكما وعليكما بمساعدة بعضكما البعض واعتبرا هذا أمرا فى حال أن سبق أيا منكما الأخر