Enasmhanna

Share to Social Media

نترك فداء ونعود بالزمان إلى الوراء، في هذا المكان تحديداً ...نصعد السلالم الخشبية بخطى سريعة لنرى ما يجري بداخل هذه الغرفة
السوداء المظلمة ذات الستائر التي تتطاير بفعل الريح التي تعوي خارج النافذة المفتوحة ،
طفلة تجلس بإحدى زوايا الغرفة بجانب سريرها وتحتضن دميتها الصغيرة ، ترتجف هلعا وهي تسمع عراك والدها مع زوجته كما هي عادة كل يوم، لكنها هذه المرة سمعته يصرخ عاليا :

-اتركيها يا مجنونة !!! لا ....لا ابتعدي "
ثم خمد الصوت فجأة بشكل مريب وحل سكون مرعب للحظات اختلطت فيها أصوات رياح الليل مع رفرفة الستائر وأصوات خطوات تقترب من الغرفة ببطئ .... فتح الباب فجأة وأصدر صريرا مهيبا ليكتسح ضوء أصفر ظلام المكان ويسقط مباشرة على تلك الصغيرة المذعورة التي التصقت بالحائط أكثر وكأنها تحتمي فيه، ودخلت المرأة عيناها تقدحان شررا قائلة بصوت كفحيح الأفاعي :
-الآن بعد موت والدك اللعين لن يبقى لك مكان هنا أيتها الحشرة "

انفرجت عينا الطفلة بخوف وحاولت التملص لكن المرأة قبضت على الجسد الصغير وهبطت بها إلى الصالة، نظرات هلع سيطرت على الطفلة ما إن رأت والدها، دوت صرخات متلاحقة تمزق نياط القلوب لما كان ينتظرها ، بجانب جسد والدها الراقد شاخص البصر، مقطع الأطراف، وقعت تلك الصغيرة بإنهاك بعد أن استنفذت مخزونها من الصراخ ، استلت زوجة أبيها السكين مجددا وبدأت بطعن تلك الفتاة التي سمعت صوت تمزق جلدها وتنافرت الدماء وسط ضحكات ماجنة دوت من العدم وكلمات تصرخ بتعويذة سحرية

سكون تام داخل المنزل إلا من صوت أنفاس المرأة المتثاقلة بعد أن شربت من دمائهما وخطت فيه عدة أحرف على الأرض، الرعد يجلجل خارجا و الذئاب تعوي من بعيد وكأنها ترى مئات الشياطين ،أخرجت المرأة كيسا من الخيش وحشرت فيه جسد الفتاة واتجهت إلى حديقة المنزل بجانب الحفرة الترابية التي جهزتها سابقا .
-انتظري لم انته منك بعد "
قالتها وشف ثغرها عن ابتسامة شيطانية .

*******
وقفت فداء بتأهب تحدق بالمصباح، الضوء لا ينبثق منه، بل لا ينبثق من أرجاء الصالة كلها، دارت ببصرها بالأرجاء لتتأكد ، قررت التوجه إلى الطابق العلوي لربما كان مصدره، صعدت درجات السلم بحذر شديد حتى وصلت لرواق عريض على جانبيه بابين خشبيين متآكلين تقريبا وفي واجهة الرواق نافذة عريضة متكسر زجاجها و مفتوحة والستائر السوداء التي أصبحت بيوتا للعناكب تتطاير في الهواء كشبح غبار غبي و الضوء الأصفر الشحيح ما زال ينير المكان كما الأسفل تماما وبدون مصابيح !

تحركت يدها بتلقائية وخوف و التقطت صورا للمكان رغم ارتعاد أوصالها ولما لم تهرب إلى الآن! سؤال جيد لكن كما تعلمون فضولها دائما يتغلب على العقل والمنطق، التفتت إلى يمينها دفعت الباب وخطت داخل الغرفة فكانت مجرد غرفة نوم تسبح بطبقات الغبار الناعم الخانق بسرير واسع ومنضدة صغيرة تتموضع عليها صورة مشوهة معالمها لأبوين بينهما طفلة صغيرة تبتسم ببراءة ...فتحت الدرج تعبث فيه ولكن لم يكن هنالك سوى كراكيب متآكلة .اتجهت الى الخزانة التي بجانب السرير وأمسكت المقبض لتفتحها لكن فجأة وقع الباب المتآكل عليها فزعت وصرخت وهي تنهض نافضة الغبار عن لباسها ...
أنهت التقاط الصور وتوجهت ناحية الباب الآخر
دخلت لتلك الغرفة وكانت فارغة إلا من صندوق خشبي بمنتصفها خطت داخل الغرفة العابقة برائحة الموت دون أدنى شك، لكنها توقفت فجأة لتتوسع حدقتا عينيها بفزع ، كانت بقع الدماء الداكنة تتناثر على الأرضية وعلى الحائط عبارات وأحرف وأرقام وموز شيطانية مرسومة بكل ركن وكل زاوية وكل مساحة صغيرة وكبيرة، حروف ورسومات خطت على الحائط بالدم ...

الدم هو كل ما يملأ هذا المكان الشيطاني ..
لربما كل شيء مر إلى الآن ليس غريبا على الإطلاق .
لكن الغريب حقا وجود أربع شمعات مضاءة على الأرض تقابل كل شمعة زاوية من زوايا الصندوق تتراقص نيرانها البلهاء بكل وداعة في المكان وهي سبب النور الذي يعبق بأرجاء المنزل !!!

توقفت الكاميرا تماما عند صدرها...لا تستطيع رفعها لتصوير المشهد ولا تستطيع خفضها، رعشة اجتاحت عمودها الفقري وبرودة تملكت أطرافها ...بل صقيع جمد أصابعها عن تصوير ما تراه ، قدميها الآن تزن أطنانا لا تستطيع دفعهما للتحرك والهرب .
اهتز الصندوق فجأة وما زالت تحدق، زاد اهتزازه وزاد ارتعاد جسدها لكنها تقدمت منه على كل حال ،سواء بإرادتها أم بإرادة قوة سفلية شيطانية اقتربت منه وفتحته.
لربما فتحت أبواب الجحيم !
لربما هو صندوق بندورا الذي يحوي كوارث العالم .
فتحته وتفاجأت بلعبة صغيرة جميلة بأسفله !
ضحكت فداء بغير وعي، ضحكت لدرجة أنها وقعت أرضا وصارت تبكي وتنشج كالأطفال وهي تحدق بداخل الصندوق .

ضحكت فداء لكن هذه اللعبة الجميلة البريئة

فتحت عيناها...وابتسمت!


**********

ونعود مرة أخرى بالزمن إلى الوراء، إلى الحديقة حيث تركنا الساحرة وجسد الطفلة وعواء الذئاب، أخرجت المرأة من جانب الباب فأسا كبيرة متجهة إلى جثة الصغيرة وفصلت رأسها بحركة واحدة ليتدحرج على الأرض،ازداد نباح الكلاب ،ازدادت الريح قسوة، أخذت الرأس معها بعد أن ألقت الجسد الصغير فوق جثة والدها وردمت القبر بالتراب ودخلت إلى المنزل ،تناولت كتابا من المكتبة الكبيرة وصعدت إلى الطابق العلوي ووضعته على الأرض بجانب الرأس الذي يقطر دما وبدأت تقرأ فية، صوتها يعلو تارة وينخفض تارة أخرى ليصبح أشبه بالهمس والكلاب تنبح !! لا لم تعد كذلك صدقوني .. بل التجأت لأوكارها تتخفى من غضب الشيطان لهذه الليلة !

وضعت صندوقا خشبيا أشعلت أربع شمعات ووضعت كل واحدة أمام رأس من رؤوس الصندوق ...
أمسكت كتاب السحر الأسود وقرأت تعويذة من صفحاته فهبت ريح شديدة القسوة وتطايرت الستائر بعنف ،أظلمت الغرفة وعبقت بسكون مخيف لا يكتسحه سوى صوت لهاث تلك المرأة مع عقارب الساعة التي لم تتوانى عن عد الثواني لتضيف جوا من التوتر والخوف ...دقائق مرت والمرأة راكعة على الأرض لا تتحرك قيد أنملة وأمامها جسد أسود غريب الهيئة ، حتى تحركت تلك الدمية الصغيرة أخيرا من داخل الصندوق، حركت رأسها وفتحت عيناها تنظر حولها بصدمة ....ثم بهلع وصارت تبكي خائفة مذعورة مع تعالي صوت ضحكات تلك المرأة الشيطانة التي باتت تصرخ ...

نجحت ...تحررت ...أنا حرة أخيراً

********

فتحت عيناي بتثاقل ونظرت من حولي ...دقائق قليلة حتى استوعبت ما الذي جرى لي ، .كنت مستلقية على سرير بداخل غرفة عتيقة قديمة الطراز نهضت فإذا بي أرتدي ثوب منامةٍ أبيض اللون لابد وأنه من القرن الماضي , انتعلت خفا ً كان تحت السرير وجلت ببصري بهذه الغرفة ، كانت ضيقةً نسبياً, مبنية من الطوب تتسع لخزانة وسريرٍ ومنضدة محشورة بين السرير والحائط ونافذة ذات ستارةٍ بيضاء هفهافة .
خرجت من الغرفة فوجدت رواقاً قصيراً بنهايته سلمٌ على يميني نزلت درجاته القليلة حتى صرت بصالة ٍواسعة وأثاثها الخشبي أنيق رغم بساطته.
ولكن أين أنا ....وبأي عام ؟؟!
كنت أتسائل وأنا أتجول بهذا المنزل لاستكشافه ولم أفقه سببا ً لتواجدي به حتى الآن !
طرق باب المنزل بقوة فانتفض جسدي وترددت في أن أفتحه حتى جاءني صوت امرأة من خلفه ينادي
-ميري...ميري أنتِ هنا !!
تشجعت ولبيت ندائها فلربما استطعت أن أفهم من الذي يجري ؟ فتحت ورأيتها ...وقفت أمامي بثوبها الأزرق الذي يضيق جداً عند خصرها وقبعة كبيرة مزركشة تتموضع فوق رأسها لتغطي معظمه !!
- هاي" ميري جلبت بعض الشطائر هيا لنأكل قبل أن نخرج إلى العمل " قالتها تلك الفتاة ودخلت بسرعة حتى قبل أن أأذن لها بذلك ووضعت الطعام وصحيفة كانت قد جلبتها معها على الطاولة ولكن من هذه المرأة!!!ومن هي ميري التي أخذت شكلها على ما يبدو.!! لا زلت لا أفقه شيئاً البتة !صارت تقول لي بلهفة وتمد بالصحيفة أمام وجهي :
-لن تصدقي ماذا جرى لقد انتهت الحرب أخيرا اقرئي الخبر هيا"
حرب ! هل هم الآن بحالة حرب !!
تناولت الجريدة وقرأت عنواناً مكتوباً بالخط العريض صعقني !
/ أخيرًا حطت الحرب أوزارها بخسارة دول المركز/
ونظرت إلى تاريخ إصدار العدد (1918)

*******
حسناً تتسائلون الآن كيف وصلت فداء إلى هنا أليس كذلك ، إذن لنرجع قليلاً إلى الوراء حينما كانت جاثية بجانب الصندوق
ابتسمت تلك اللعبة ببراءة فصرخت فداء بهلع !! توسعت حدقتاها برعب وركلت الصندوق
حتى تدحرجت اللعبة منه وارتطمت بالحائط المقابل .
-أوتش "
.صرخت الدمية بقوة ثم هتفت بها وهي تعتدل
-ما بكِ وكأنكِ رأيتِ شبحاً !!".
تلعثمت فداء بكلماتها واضطربت بتفكيرها وركضت تريد الهرب فورا ً كردة فعل تلقائية لكن الباب صفق بقوة! نظرت الدمية لفداء بعينين استحالتا حمراوين وكأنهما الجحيم ذاته، الصوت يصدع من كل الاتجاهات واللعبة تتقدم .
- إلى أين ؟
تقدمت اللعبة منها ببطئ تتابع :
-ساعديني.
تلمست فداء رأسها بصدمة كبيرة وصرخت بها.
-أنا أهذي بالتأكيد
-أنا أهذي ...بسم الله الرحمن الرحيم... أعوذ بالله من غضبه !!
انطفأت الشمعات الأربع فجأةً و وحل السكون المكان إلا من صوت طفلةٍ صغيرة تبكي بإحدى زوايا الغرفة التي احتوت فجأة على سريرٍ ومنضدة وخزانة ...تلفتت حولها بذعر لكن صراخ رجلٍ صدع فجأة من الطابق السفلي استدارت فداء لمعرفة صاحب الصوت الذي يصرخ بهستيريا واضحة :
-لا.... لااا اتركيها يا مجنونة!! قالها الرجل لزوجته وبعدها همد الصوت فجأةً إلا من صوت خطواتٍ تقترب ببطئٍ وإصرار !!
اقتحمت المرأة الغرفة وحملت الصغيرة بعنفٍ بعدما قالت بكل حقد: والآن بعد موت والدكِ اللعين, لم يبقى لكِ مكانٌ هنا أيتها الحشرة ! والدمية بذات الوقت تهمس بصوتٍ جامدٍ رتيب وهي تتمايل من الزاوية المقابلة ....

ساعديني ..

.ساعديني ..

.ساعديني "

بطريقةٍ تثير الأعصاب فعلاً .
وكانت فداء حينها تعيد ما حصل بالتفصيل في تلك الليلة المشئومة ...تعالت خبطاتٌ عنيفةٌ في كل مكانٍ من حولها تزامناً مع تلك الأحداث التي شهدتها وسكن كل شيٍ فجأةً بعد هذه الرحلة الغريبة إلى الماضي..

توقفت اللعبة الصغيرة على مقربةٍ من فداء التي تساقطت دموعها برعبٍ مما يجري وبصدمةٍ من قسوة المشهد..

ساعديني.. نطقتها اللعبة مجدداً لتسألها فداء بخنوع: كيف أساعدك ! ؟ لتجيب اللعبة بألم...

كتاب السحر الأسود المدبوغ.... تناثرت وريقاته عبر فجوةٍ فتحتها تلك الساحرة عبر الزمن ... فتخلصت هي من لعنتها وكنت أنا كبش الفداء.. لأظل حبيسة هذا الصندوق حتى أخرجتني أنت.... لكنني أحتاج لتلك الوريقات كي أعيد ترتيبها ضمن الكتاب..كي ترقد روحي بسلام .

حدقت بها فداء غير قادرةٍ على الاستيعاب لتسأل بتلعثم : ك... كيف أساعدك..

تبسمت الدمية قائلةً وهي تضع كفها الصغير على كف فداء: ستعرفين كل شيٍ حينما تبدأ مهمتك فلا وقت للشرح !!....

وتمتمت تلك الدمية بكلمات غريبةٍ فانبثقت فجوةٌ سوداء مهولة الحجم لتبتلع فداء وكأنها مكنسةٌ ضخمةٌ تقوم بسحبها بقوة ..

************
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.