كنا الآن في أواخر 1945 القوات البريطانية حررت عددا من المعسكرات فهرب بعض الحراس والضباط النازيين منهم يوسف منجيل فقد كان الحظ حليفه ، والبقية حوكموا ومن بين المعتقلين والمعتقلات كانت ايرما جريس التي حكم عليها بالإعدام شنقا مع ستة ضباط لم يهربوا كالبقية وكان ذلك في 17 إبريل 1945...
وأنا ...أو جيني ليندا كنت حبيسة زنزانة مع عدة ضباط آخرين حتى عام 1946 طبعا كان الوقت يمر بلمح البصر فببساطة نمت في العام 45 واستيقظت في 46 ولا تسألوني كيف حصل ذالك!!
اقتادوا الضباط الذين كنت سجينة معهم حتى بقيت في الزنزانة انتظر حتى أصدر حكم الإعدام .
واقترب موعد المحاكمة كنت واقفة في الزنزانة أفكر كيف لي أن أهرب من هذا المأزق حتى سحبني أحدهم من الخلف وسد فمي بيديه.
*****
(فداء)
اركل الهواء و الجسد الذي أحاطني ساداً فمي ،أحاول الصراخ حتى همس صوت كالفحيح في أذني
( اخرسي الآن أيتها الحمقاء واستديري) وتركتني فاستدرت لأفاجأ بها ا!!!
توسعت حدقتا عيناي وأنا أتلعثم في الحديث .
-أنتِ مجدداً
وطبعاً كانت هي نفسها تلك المرأة التي قتلتها مراراً !.
تجاهلت تلك المرأة سؤالي وسألتني :
-أنسيتِ الكتاب يا فداء ؟ ضعي القلادة وحرري نفسك.
-حسنا ولكن مهلًا....كيف تعرفين اسمي.?
قااطعتني وهي تقول: إنهم قادمون أسرعي وحررينا حالاً "
وكنت الآن أسمع صوت خطوات قادمة فأخرجتُ الكتاب بسرعة وخلعت القلادة...كانت دقات قلبي تدوي كقرع الطبول
ويداي ترتجفان.
-أسرعي
هدرَ صوتها صائحةً بلهفة واقترب صوت وقع الأقدام وأنا ما زلت أبحث عن الصفحة اللعينة التي رسم عليها القلادتين .
الصوت اقترب أكثر ....وسلسلة المفاتيح ترسل ترانيم الموت بين يدي الشرطي ،بحركة سريعة وضعت القلادة و طابقتها..فتوهجت بقوة والتحمت كما السابقة ، المفتاح يدور في القفل. تحولت القلادة إلى رسمة في الصفحة.. ..الباب بدأ في التحرك
الضوء القرمزي الذي خرج من الكتاب أعاد جيني إيندا الحقيقية ، أما أنا فداء فكنت أتلاشى تدريجيا مع تلك المرأة عندما اقتادوا جيني إلى حبل المشنقة لينتهي دورها في هذه الحياة وليبدأ دوري في مهمة جديدة ربما ، من يدري !!؟ ...
◇◇◇◇◇
وفي ذلك الكوخ المتهالك صرخ علاء
-يا إلهي ...
ما الذي جرى للمرآة ؟!
كانت اللعبة تعيد قراءة التعويذة مراراً ولكن لم يحدث شيء ، أصبحت المرآة سوداء حالكة عندما اختفت زوجته مع تلك الساحرة.
،ارتعش جسده خوفا على فداء وبدأ يتحرك بسرعة في أرجاء الغرفة ينظر إلى المرآة واللعبة تقرأ التعويذة ولكن دون فائدة.
جلس على الأرض أشعل سيجاره وبدأ ينفخ الدخان بعصبية .واللعبة تعالى صوتها وارتجف تترنم بتلك الكلمات حتى انفجرت المرآة وتناثر الزجاج محدثا صوتا مهولاً وقطعت الكهرباء فجأة ، اشتعلت المدفئة من تلقاء نفسها وهبت ريح قوية جدا أدت إلى تناثر اللهب وبدأت النيران تلتهم الأثاث فتحرك علاء حاملا اللعبة ليخرج من المنزل .
-الكتاااااااب ...أحتاجه.
صرخت اللعبة وهي بين يدي علاء فأخرجها إلى الحديقة واقتحم النيران داهلا إلى المنزل ليجلب الكتاب.. كان الدخان كثيفا مخيفا وصوت طقطقة الخشب المحترق تختلط بأصوات الريح العاتية التي دخلت المنزل وزادته اشتعالاً فوق اشتعاله ،
انتشل الكتاب فبدأت قطع الخشب المحترق تهوي وترتطم بالأرض محدثتا دويا مهولا .
بدأت النيران تحاصره فسقط على الأرض يسعل ويحاول استنشاق الهواء..واللعبة تصرخ من الخاارج والمنزل على وشك الانهيار .
-أرجوك انهض علاء...لأجل فداء ولأجلي.
سمع صراخها وبكائها وتذكر معاناتها وحاجتها للكتاب.
فاستجمع قواه ونهض..
كان يسير بتثاقل ويترنح من فرط الانفعال حتى تبين له الباب ..قفز عبر النيران بكل قوته وخرج.
كانت النيران تلتهم ألبسته فتدحرج على التراب ليطفئها
حتى همدت حركته ...واللعبة تسير خائفة وتهدج صوتها..
- علاء لا تمت أرجوك .
تلمست جبهته فسقطت عبرة ساخنة من مقلتيها على خده ، فتح عينيه ببطئ وابتسم لها مخرجا الكتااب من تحت سترته ، ضحكت ووضعت رأسها على صدره .
أحبك علاء...أنت تذكرني بوالدي..، لا تتركني وحيدة أرجوك "
تلمس وجهها بلطف ثم وقف حاملاً إياها وصعد السيارة .
-إلى أين سنذهب؟
-إلى منزلي يا رأس اللعبة ...فلم يعد لنا مكان هنا"
-فداء..أريد أن أعرف أين أخذتها تلك الساحرة.
شرد بعيدا وهو يقود سيارته...
متأكدٌ بأنها ستعود....
متأكد "
◇◇◇◇◇◇◇
(فداء)
أنا فداء ...الصحفية ، العنيدة ،الهجومية ، ذات اللسان اللاذع ، أين أنا بالتحديد لا أعرف ، بأي زمان أيضا لا أعرف ، كل الذي أعرفه أني وقعت على أرض متماوجة حمراء بنية، تنبثق من بين فوهات امتدت إلى مالا نهاية حمم بركانية تشتعل وتخبو بالتناوب ،السماء تتلبد بغيوم برتقالية ورمادية غريبة جدا وكأني بإحدى الكوابيس ...
نباتات هذه الأرض شوكيه تقطر الدماء من مساماتها لتتجمع في سواق تسير لتصب في نهر عظيم جوانبه محاطة بصخور كالفحم لشدة اسودادها .
وشجيراتها زرقاء نيلية عارية الأغصان ...كان مشهدا غريبا بحق!!
تلفت حولي مذعورة ومشيت أحاول تفادي النيران المنبثقة من فوهات الأرض .
صرخت وصرخت ولكن لم يكن لصوتي وجود..
كنت لا أزال محتفظة بتلك الأوراق التي وعدت اللعبة أن أجمعها..لم أعرف اكتملت أم لا... انتهى دوري ونجحت أم لا ؟وأين تلك المرأة الغريبة التي كانت معي.
وما هذه الأرض ..؟وما هذا المكان وبأي زمان ؟
مئات الأسئلة تتقافز إلى ذهني حتى لاح لي من بعيد قصر أسود مهيب شيطاني الهيئة ، فتعلقت في أمل وبدأت اركض نحوه،
ركضت وسقطت على الأرض الساخنة و عاودت النهوض من جديد ولكنه ابتعد.
أحاول التقدم فيبتعد أكثر ، بكيت وجلست على الأرض
فتردد صوت كالفحيح في رأسي ...
بائسة ...
يائسة ....
فاشلة ....
قاتلة ....
قااتلة ....
صرخت ملئ حنجرتي ( كفى )....وسددت أذني بيدي خطر لي أن أخرج سم الزرنيخ لأشربه وانتهي من هذا العذاب الذي أنا فيه .
كانت الزجاجة البنية الصغيرة بين يدي ...
تساقطت دمعاتي وأنا ألامس السائل على شفتي.
والصوت يضحك ....
فتذكرت اللعبة ..
حاجتها إلي ..
وعهدي لها.
رأيت علاء بين غيوم السماء البرتقالية الرمادية يبتسم مطمئناً ....تعلقت بعينيه الدافئتين لكن
الصوت عاد من جديد يقول:
فاشلة
قاتلة ...
فانية ..
صرخت وهببت واقفة ، كسرت الزجاجة فتبخر السائل من حرارة الأرض وقتل تلك النبتة الشوكية وسالت الدماء على الأرض .
لن استسلم أبداً .
-من هناك ؟
صرخت فخرج صوتي هذه المرة وملئ المكان ...
يا من تتلاعبين بعقلي اخرجي وواجهيني "
صرخت وتردد صوتي مرات ومرات حتى بدأ صوت ضحكات ماجنة تدوي في الأرجاء و القصر بدأ يطير من جديد ولكن باتجاهي هذه المرة حتى هبط أمامي فهبت ريح شديدة السخونة.
عبرت من بوابته تلك الشيطانة الخبيثة بشعرها الأسود الطويل وتبسمت لي...
قالت :أهلا بك في عالمي أيتها الفانية ..
فقلت لها بشجاعة :
-عرفت أنك لست من البشر ، من أنت وماذا تريدين...
قالت وهي تقترب مني
-شكرا لمساعدتي ....فلولاكِ لكنت حبيسة التاريخ ما بقي من الزمن ..
-لم تجاوبيني على سؤالي...من أنت ؟
تبسمت تلك المرأة وبدأت تتقدم مني قائلة بتفاخر :
أنا نفسكم، أطماعكم ، غدركم وخيانتكم.
-كفي عن الهراء.
- أنا حقدكم... أنا نفسكم الضعيفة أيها البشر.
-كفى كذبا يا امرأة
قلتها فوجدت نفسي فجأة داخل مكان ما
كنت أطير في العدم ...كل شيء حولي سواد حالك.
الأرض والسماء.. ووقفت بمواجهتي تلك اللعينة.
-ماذا تريدين مني ..
أنظري " .قالت لي ، حتى رأيت ذلك ،
كانت هنالك شعلة جهنمية صغيرة بدأت تكبر من نقاط حمراء كالجمر تأتي من العدم لتلتصق بها.
مع كل نقطة كانت تزداد حجما ووزنا حتى تكونت هيئتها.
قبيحة شيطانية مخيفة قرونها تلتف لتملئ المكان عيونها عمياء تقطر الدمااء منهما ومخالبها مقوسة سوداء وفروها نار لاهبة .
قلت ما هذه؟ فأجابتني :قلوبكم"
-كاذبة ... .
تجلجلت ضحكتها عالياً وأجابت باستهزاء :برأيك إذن أنا من أكون.
-شيطانة ... ماردة من مردة إبليس اللعين.
أخذت نفسا عميقا قبل أن تقول:
منذ وقت طويل لم يكن لي وجود ...
ومع أول خطيئة اقترفتموها بدأت بالتشكل في قلوبكم.
-الإنسان ليس معصوما عن الخطأ.
-تعتقدون أن أخطائكم صغيرة وتبررونها لأنفسكم ولكنها تدريجيا تكبر وتكبر حتى يتكون ذلك الحقد الذي يعمي أبصاركم والطمع الذي يجعلكم تقترفون أشنع الجرائم فتصبحون كالنار ....تحرق من حولها ولا تخمد.
بعد أن كونتموني أيها البشر ...قررت أن أغادر مكاني من قلوب البشر ، فكثرة الأخطاء قد استحالت جحيما، دخلت عالمكم البشري لأتشكركم...ولكن على طريقتي، صرت حرة أجوب هذه الأرض ، بهيئة جديدة ، صار لي كيان مستقل ، أنتقل من مكان إلى آخر أرى بعيونكم واسكن قلوبكم متى أشاء .
فهذا الذي سرق ...والآخر قتل ..والثالث سلب ونهب باسم السلطة والرابع خائن ، ومن ظلم أهله ، من وأد طفله ،من ومن و من .......
وبدأت الحروب وكثرت الأطماع وازدادت وحشيتكم ..
ووحشيتي كذلك ،وفجرت قوتي امرأة ساحرة حقودة تزوجت رجلا لديه فتاة صغيرة ومرت الأيام فخانت زوجها وسرقته ونهبت من أمواله وحولت حياته لجحيم ...وعندما لم يعد يحتمل وواجهها زوجها ...استلت سكينا وقطعته، تلذذت في ذبحه بقلب ميت .
خرجت كل شرور الدنيا في قلبها ...وأنا كنت أمدها
بالقوة التي تحتاج وكانت تمدني بالقوة التي كانت تنقصني لأكون عالمي الخاص هذا ...
أخرجت المرأة قلبه وبدأت تأكله باستمتاع وسمعت أنين الفتاة الصغيرة.. صعدت إليها وقد ملئ الشر ذلك القلب الحقود وبدأت تطعنها.مع كل طعنة كنت انمو بقلبها ..وتتعاظم قوتي أكثر فأكثر ....
-صرخت بالمرأة كفى
أرجوكِ ...توقفي
وسددت أذناي ..فلم اعد احتمل المزيد.
******
-كفى....
صرخت وقد تذكرت تلك اللعبة البائسة وماذا فعلت بها زوجة أبيها .
-هذه أنت !!!!
انهرت على الأرض أبكي فقالت من جديد : وقدرك هو من ساقك إلي " واستطردت ..
-ولم تكتف تلك المجنونة بذالك بل مارست السحر الأسود، لكي تعذب تلك الصغيرة إالى الأبد فخبأت قليلا من دمها في قارورة احتفظت بها بعد اأن حبست روحها في جسد اللعبة وبعثرت عشرات الوريقات عبر التاريخ...واحتفظت بورقة واحد لها لتستفيد منها بشيء لنفسها ، ولم تكن الفتاة فقط ضحيتها بل انا كذلك.
-لم أفهم ....ما دخلك أنت !!.
عندما غادرت الساحرة مع ذلك الشاب الذي أحبها..وخانت زوجها معه ، غدرت به كذلك واقتادته الى كهف قديم جدا تقام به طقوس السحر والشعوذة، وذبحته بوحشية، سلخت جلده وقطعت رأسه وأغرقته بدماء الطفلة لتقدمه قربانا لتمثال الشيطان لتكمل الطقوس وتحصل على الخلود والقوة والعظمة .
ولكن كما يقولون قلب السحر على الساحر...و اخطأت بعمل التعويذة...فمسخت روحها وحبست في جمجمة ذلك الشاب وبذالك انتهى دورها .
أما أنا فسجنت في هذا الجسد وكتبت علي لعنة لأتنقل عبر الأزمان أموت عند قاتلة لاحيا من جديد بمكان آخر واشهد وحشية امرأة أخرى كحالك تماما عندما صرت تتنقلين بين الأزمان ،
رجعت مئات السنين ...وقتلت آلاف المرات وشهدت أشنع المجازر.
-كم هذا فظيع....كيف تحملتِ هذه المعاناة؟