hindawiorg

Share to Social Media

خلف
مكتب الكاهن، ويتهامسْنَ عن أنماط حياكة القمصان. نسي الكاهن أمرهن، فجاء من
اتجاههن.
رأَيْن قبعة الكاهن تبرز فوق شجر الورد، وبجانبها رأس بدون غطاء. قالت زوجة
وكانت حينئذٍ تمسك بمضرب التنس بيدٍ «. عليَّ أن أسأله عن سوزان ويجين » : الخوري
كان يجدر به أن يذهب لزيارتها، » : وبالكرة بالأخرى، وتستعد لضربة الإرسال، وتابعت
«. فهو الكاهن، وليس جورج
مر الكاهن والملاك بمنعطفٍ في الطريق فأصبحا في مرمى البصر.
كان وجه الملاك موجهًا نحو زوجة الخوري، وجناحاه مضمومَين خلفه فلم ترَ منهما
شيئًا. لم ترَ إلا وجهًا ذا جمال لا مثيلَ له على الأرض، تُحيطه هالة من شعرٍ كستنائي؛
وجسمًا رشيقًا يرفل في قميص بلون الزعفران لا يكاد يصل إلى ركبتَيه. تذكر الكاهن
الركبتَين ففزع، وفزعت الفتاتان والسيدة جيهورام. حدَّق الملاك مذهولًا فيهم جميعًا
ولاحظ فزعهم؛ إذ لم يسبق له أن رأى أشخاصًا مفزوعين.
ثم وقفت صامتة لحظة. «! السيد هيليار! هذا غير ملائم » : قالت زوجة الخوري
فتح الكاهن فمه ثم أغلقه دون أن «! تعالين » : ثم توجهت نحو الفتاتين وقالت لهما
ينبس بكلمة، ودار العالم من حوله. وهُرِعت السيدتان والفتاتان نحو باب الممر الذي امتد
بطول منزل الكاهن، وشعر الكاهن بحرجٍ شديد.
«! سيدة ميندام، سيدة ميندام، لم تفهمي الأمر » : صاح الكاهن وهو يسرع الخطى
الزيارة المدهشة
بيد أنه لم يجد ردٍّا سوى همهمات الامتعاض.
اختفت السيدتان والفتاتان في الممر، ومر الكاهن متعثرًا في الحديقة ولم تزل أمارات
هذا ما يحدث عندما يكون » : الحرج تعلو وجهه، ثم سمع زوجة الخوري تقول في الممر
واهتزَّ قائم المظلة، ثم أغُلق باب منزل الكاهن بقوة مُصدِرًا «! كاهن البلدة غير متزوج
ضجيجًا كإطلاق النار من بندقيةٍ صغيرة. وعمَّ الصمت لبعضالوقت.
«. متسرعةٌ كعهدي بها دائمًا » : ثم قال الكاهن
أمسك ذقنه كعادته، ثم التفت إلى رفيقه الذي بدا عليه التهذيب، كان يمسك بمظلة
السيدة جيهورام التي تركتها على الكرسيالمصنوع من الخيزران، ويفحصها باهتمامٍ بالغ
«؟ يا لها من آلية عمل غريبة! ما فائدة هذا الشيء » : ثم فتحها وقال
لم يُجبه الكاهن، ذكَّره الزي الملائكي بعبارةٍ فرنسية لم تسعفه الذاكرة بها؛ إذ إنه
وتعني بالعربية أكثر من اللازم)، ) de trop لا يستخدم الفرنسية إلا نادرًا، وليست عبارة
التي تعني بالعربية بدونسروال داخلي). ) Sans culotte تذكَّرها أخيرًا، إنها عبارة
سيكون من » : تفحَّص الكاهن زائره بعينٍ ناقدة للمرة الأولى فخاطب نفسه قائلًا
«. الصعب تفسير مظهره
غرسالملاك المظلة في الحشائشثم ذهب يستنشق نسيم شجيرات الورد البري. سقط
ضوء الشمس على شعره البُني فأضفى عليه مظهرًا يشبه الهالة. أصابت شوكةٌ إصبعه
«. غريب! الألم مجددًا » : فقال
إنه جميل وفضولي بطبيعته، من المفترض أن يعجبني » : خاطب الكاهن نفسه قائلًا
«. ذلك، لكن لا بد أن أتدخل
فاقترب من الملاك وسعل في حرج.

«. هؤلاء كنَّ سيدات » : قال الكاهن
«! شيءٌ عجيب! أشكال غريبة » : قال الملاك وهو يبتسم ويستنشق شجيرة الورد
«؟ هل لاحظت كيف تصرَّفْنَ » : قال الكاهن
انصرفْنَ، أو هكذا بدا لي، ربما كنَّ خائفات؟ فأنا نفسيأخاف من الأشياء » : رد الملاك
«. التي ليس لها أجنحة. أتمنى ألَّا يكون جناحاي ما أفزعهن
ورمق قدمَيه الورديتَين بلا تفكير. «. بل مظهرك العام » : قال الكاهن

يا للعجب! لم يخطر ذلك ببالي، أفترض أن مظهري بدا غريبًا بالنسبة » : قال الملاك
كما أن قدمَيْك بهما حوافر » : ثم نظر إلى الأسفل وقال «. إليهن كما بدا مظهرك بالنسبة إليَّ
«. مثل الهيبوجريف
«. بل حذاء » : صححه الكاهن
«… حذاء؟ هكذا تسمُّونه؟ على أي حال، أعتذر عن إزعاج » : قال الملاك
اسمع، لدى نسائنا آراء خاصة حول الملابس، بعيدة عن الحس الفني » : قال الكاهن
ربما. وأخشى أن ملبسك هذا — رغم جمال شكله — سيجعلك منعزلًا عن المجتمع. لدينا
أؤكد لك أنك إذا «. إذا كنت في روما، فعليك أن تفعل ما يفعل الرومان » : هنا مَثل يقول
«… أردت أن تختلط بنا خلال زيارتك غير المقصودة فعليك
وكان الكاهن أثناء حديثه يتنحنح بين كلماته، فتراجع الملاك خطوة أو أكثر في حين
كان الكاهن يقترب منه ليُسمعه حديثه دون أن تتناهى الكلمات إلى سَمْع أي شخصٍآخر.
لا أفهم لماذا تصدر هذه الأصوات من حلقك؟ » : بدت على وجه الملاك الجميل الحيرة وقال
«… أم « الجوع » أم « الموت » أهو
«… بوصفي مضيفك » : قاطعه الكاهن
«… بوصفك مضيفي » : ردد الملاك
«. هل تمانع في ارتداء بذلة؟ أعني بذلة جديدة تمامًا، كهذه التي ألبسها » : تابع الكاهن
«!؟ أأرتدي ملابس كملابسك » : تراجع الملاك وألقى نظرة على هيئة الكاهن ثم قال
وكان متحيِّرًا ومتحمِّسًا في الوقت ذاته. واتسعت عيناه والتمعتا وتبسَّم وجهه.
ثم أمسك بلياقة «! يا له من حلمٍ غريبٍ جنوني » : وأخذ يُصفِّق وتابع «! رائع » : وقال
«؟ أين الملابس » : قميصه الزعفراني وقال
«. بالداخل! من هنا، ستبدِّل ملابسك بالداخل » : رد الكاهن

ارتدى الملاك على نصفه السفلي قطعتَين من ملابس الكاهن، وارتدى على نصفه العلوي
قميصًا مشقوقًا من الخلف (ليناسب الجناحَين). ثم ارتدى جوربَين، وحذاءً من أحذية
الكاهن، ولياقة، ورابطة عنق، ومعطفًا خفيفًا، لكن شعر ببعضالألم وهو يرتدي المعطف،
سأطلب » : وتذكر الكاهن أن الضمادات التي كانت على جناحَي الملاك مؤقتة. قال الكاهن
وحينما كان «. الشاي الآن، وسأرسل جراميت في طلب كرامب، سنتناول العشاء قبل موعده

الكاهن يصدر أوامره، تأمل الملاك مظهره في المرآة في زهو؛ إذ لم يكن إحساس التفرد
الممتع غريبًا عليه كما كان إحساس الألم.
احتسيا الشاي في غرفة الاستقبال. جلسالملاك على كرسيالموسيقى (كرسيالموسيقى
بسبب جناحيه)؛ إذ كان مناسبًا لجناحَيه، وكان في أول الأمر سيستلقي أمام الموقد. بدا
مظهره بملابسالكاهن أقل إبهارًا بكثير من مظهره عندما كان يرتدي القميصالزعفراني
عند المستنقع، لكن وجهه ظل متألِّقًا، وبدا في لون شعره ووجنتيه سطوعٌ غريب، كما
الْتمعت عيناه بلون لا يألفه البشر. ومع كل هذا الجمال فقد أظهره بروز معطفه بفعل
جناحيه المختبئين بمظهر الأحدب. قربت الملابسشكله لمظهر أهل الأرض، وإن كان بنطاله
مجعَّدًا، والحذاء واسعًا عليه.
كان ودودًا وبشوشًا، وجاهلًا تمامًا بأساسيات الحضارة. تعلم الأكل بدون صعوبة
يا لهذه الفوضى! ويا له » : تُذكر، واستمتع الكاهن بتعليمه كيفية احتساء الشاي. قال الملاك
من عالمٍ قبيح غير متناسق عالمكم هذا! تضعون أشياء في أفواهكم، أما نحن فلا نستخدمها
إلا للحديث أو الغناء. في عالمنا جمال لا يخبو، لا يعكره من القبح إلا أقل القليل، لدرجة
«. أني أجد كل هذا … مسليًا
نظرت السيدة هينيجر — مدبرة منزل الكاهن — إلى الملاك بعين الارتياب عندما أتت
بالشاي، ظنَّته شخصًا غريب الأطوار. لو كانت رأته بزيِّه الزعفراني لظنَّت أكثر من ذلك.
تجول الملاك في الغرفة وهو يحمل قدح الشاي في إحدى يدَيه، والخبز والزبد في
الأخرى، وتفقَّد أثاث الكاهن. نثرت الشمس دفئها على زهور الأضاليا ودوار الشمس في
الحديقة التي أطلت عليها النافذة الفرنسية الطراز، ولم تزل مظلة السيدة جيهورام قابعة
هناك كلسان من اللهب. استغرب الملاك صورة الكاهن المعلَّقة على رفِّ المدفأة، ولم يعرف
لماذا تريد نسخة مسطحة من » : الغرض من وجودها في ذلك المكان، فعلَّق عليها بقوله
وجذب انتباهه حاجز المدفأة الزجاجي، كما «؟ نفسك إذا كان لديك بالفعل الأصل الدائري
أجسادكم ليست » : استغرب الكراسي المصنوعة من خشب البَلُّوط، وخاطب الكاهن قائلًا
مربعة الشكل، صحيح؟ نحن لا نثني أجسادنا هكذا أبدًا، بل نستلقي على الزنابق عندما
«. نرغب في الراحة
أصدقك القول، لطالما حيَّرني الكرسي أنا أيضًا. يرجع أصله » : رد الكاهن موضحًا
إلى أيامٍ كانت فيها الأرضيات باردة ومتَّسخة للغاية، ثم ولَّت تلك الأيام وبقيت الكراسي،
وأصبح الجلوس على الكراسي طبيعةً راسخة فينا. لو ذهبتُ اليوم لزيارة إحدى بنات

الأبرشية ثم استلقيتُ على الأرض فجأة على الطريقة الطبيعية، فلا أعرف ما قد تفعل،
سيُتداول الخبر في جميع أنحاء الأبرشية على الفور، ولو بدا أن الاستلقاء هو الطريقة
«… الطبيعة لأخذ قسط من الراحة، الإغريق والرومان أيضًا
«؟ ما هذا » : قاطعه الملاك فجأة وسأل
«. هذا طيرٌ محنَّط، من فصيلة الرفرافيات، أنا من قتله » : رد الكاهن
«؟ قتلته » : قال الملاك
«. أطلقت عليه الرصاصمن بندقية » : رد الكاهن
«؟ أطلقتَ عليه الرصاص؟ كما فعلتَ بي » : قال الملاك
«. لكني لم أقتلك، لحسن الحظ » : رد الكاهن
«؟ هل هذا ما يحدث لك إذا تعرضت للقتل » : قال الملاك
«. تقريبًا » : رد الكاهن
يا للهول! وكنت تريد أن تجعلني هكذا؟ أن تضع في محجريَّ عينَين » : قال الملاك
«؟ زجاجيتَين وتربطني في علبةٍ زجاجيةٍ مليئة بشيء أخضروبُنيٍّ قذر هكذا
«… اسمع، أنا لم أفهم تمامًا » : قال الكاهن
«؟ هل هذا هو الموت » : قاطعه الملاك
«. لقد مات ،« ميت » نعم، هذا الطائر » : رد الكاهن
«؟ مسكين! عليَّ إذن أن آكل كثيرًا. تقول إنك قتلته، لم فعلت ذلك » : قال الملاك
«… عندي ولع بالطيور، أنا أجمعها، أردت اقتناء هذا النوع » : رد الكاهن
تَقتَني طيرًا جميلًا كهذا؟! فقط لأنك شعرت » : حدق الملاك فيه للحظة مُتحيِّرًا، ثم قال
«!؟ برغبة في ذلك؟ أردت اقتناء النوع
«!؟ هل تقتل كثيرًا » : فكَّر الملاك للحظة ثم سأل الكاهن
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.