hindawiorg

Share to Social Media

أقدم الكاهن على تصرف لا أجده حكيمًا؛ سمح للملاك أن ينزل إلى القرية وحده ليُكوِّن
فهمًا أفضل عن البشرية. لم يكن تصرُّفًا حكيمًا، فكيف يتوقع أن يستقبل الناسُ الملاك؟
لا بد أن يجذب الانتباه. لطالما أحاط الكاهن نفسه بهالةٍ من الوقار في القرية، أما أن
يحتشد الناس في موكب يعبر الشوارع الرئيسية، فتكثر التعليقات الفضولية، والتفسيرات
والإشارات، فكان ذلك أكثر مما يحتمل. وقد يصدر عن الملاك تصرفات يراها الناسغريبة
ألم يكن من «؟ ومن هذا الذي أتى به الآن » : للغاية لا شك. عيونٌ محدقة، لسان حالها يسأل
واجبه أن يُعدَّ عظته في الوقت المناسب؟ انطلق الملاك مبتهجًا وحده بتوجيه من الكاهن،
ولم تزل نفسه ملائكيةً نقية لم تعكرها طباع البشر.
مشى الكاهن متمهِّلًا، يداه البيضاوان متشابكتان وراء ظهره المحدب، يوجه وجهه
النضر هنا وهناك. حدق في فضول إلى وجوه الناس الذين صادفهم في طريقه. بينما هو
كذلك كان طفلٌ يميل لاقتطاف بعضنباتات البيقة وزهر العسل فوقع نظر الطفل عليه،
فما كان منه إلا أن تقدم نحوه ووضع ما اقتطف في يده. كان ذلك هو التصرف الطيب
الوحيد الذي لاقاه من البشر(فيما عدا الكاهن، وشخصًا آخر). سمع الجدة جاستيك توبخ
«! أيتها المنحرفة المتبجِّحة! أيتها التافهة العديمة النفع » : حفيدتها وهو يمر من الباب
ترتدين » : توقف الملاك مذهولًا من الكلمات الغريبة التي تلفظت بها الجدة جاستيك
أفضل ملابسك، وتتزينين على أتم ما يكون، ثم تذهبين للقاء لا أدري من، وأنا في المنزل
«. أعمل كالعبيد من أجلك، أي سيدة ستكونين؟ متبرجة لا قيمة لك
وهو لم يزل «! يا للغرابة » : توقف الصوت فجأة، فعمَّ المكانَ السكون، قال الملاك
لم يكن يعرف «! متبرجة لا قيمة لك » : يشاهد المشاحنات العديدة. خاطب نفسه مستغربًا
الزيارة المدهشة
أن السيدة جاستيك لاحظته وكانت تتأمل مظهره من وراء الستار. انفتح الباب فجأة،
وحدقت في وجه الملاك. كانت غريبة المظهر؛ شعرٌ أبيض مليء بالأتربة، وفستانٌ ورديٌّ
متسخٌ مفتوح يُظهر انتفاخ عروق رقبتها، ووجه كرأس وحشٍ غريب، انطلق منه فجأة
وابل من الإهانات:
«؟ أليس لديكشيءٌ تفعله غير استراق السمع لما يجري خلف أبواب الناس »
حدق فيها الملاك مشدوهًا.
«؟ هل سمعت ما قلت » : فقالت
«!؟ هل تعترضين على سماعي » : رد الملاك
«! أعترضعلى سماعك لي؟! بالطبع أعترض، ماذا كنت تظن؟ يا لك من أبله » : ردت
لكن إن لم تريديني أن أسمع، فلماذا صرختِ هكذا بصوتٍ عالٍ؟ » : قال الملاك
«… ظننتك
ظننتني ماذا؟! يا لك من ضعيف، أيها الغبي المتطفل، أليس لديكشيءٌ تفعله » : قالت
أفضل من التحديق فيمن قد يصادفك وفَتْح فمك كالأبله ثم نقل الكلام في الأرجاء؟ أيها
«. السخيف الثرثار، يجدر بك أن تخجل من التطفُّل على بيوت الناس واستراق السمع
فوجئ الملاك عندما وجد أن سمةً ما في صوتها أثارت في نفسه أسوأ الأحاسيس،
وتولدت لديه رغبةٌ قوية في الانسحاب، لكنه قاوم رغبته تلك ووقف يستمع بتهذيب (على
عادة قومه في أرضالملائكة في الإنصات لمن يتحدث). لم يفهم ثورتها على الإطلاق؛ إذ لم
يجد سببًا لانطلاقها في وصلة الذم التي لم تبدُ لها نهايةٌ قريبة، كما لم يسبق له أن سمع
أحدًا يطرح عليه سيلًا من الأسئلة ثم لا ينتظر إجابة.
أطلقت السيدة جاستيك عليه لسانها الحادَّ الذي عُرفت به، فأكدت له أنه ليس رجلًا
مهذبًا، وسألته عما إذا كان يعتبر نفسه كذلك، وقالت إن كل المتسولين يفعلون مثله هذه
الأيام، وشبهته بالخنزير المذبوح، وأبدت تعجبها من وقاحته، وسألته كيف لا يخجل من
نفسه وهو واقف مكانه، وما إذا كانت قد نبتت له جذور ثبتته في الأرض، وأرادت أن تعرف
ما كان يقصد بتصرُّفه، وسألته عما إذا كان قد سرق ملابسه من فزاعة الطيور، وقالت
إن غرورًا غريبًا وراء سلوكه، وسألته إن كانت أمه تعرف أنه خرج من البيت وحده، وفي
ثم عادت إلى المنزل وصفقت الباب وراءها. «. لديَّشيء سيحركك من مكانك » : النهاية قالت
شعر الملاك بسلامٍ تامٍّ بعد أن ذهبت؛ فقد أمُهل عقله استراحةً يحلل فيها أحاسيسه
المضطربة. كفَّ عن الانحناء والابتسام، ووقف مكانه مشدوهًا.

في هذا الإحساس ألمٌ غريب، يكاد يفوق إحساس الجوع » : خاطب الملاك نفسه قائلًا
كراهة، ولكنه مختلف عنه، فعندما يكون المرء جائعًا، يشعر برغبة في الأكل. أعتقد أنها
«. كانت امرأة، أريد الانصراف الآن، أعتقد أني سأنصرف
استدار ببطء، ومضى في طريقه متفكرًا، ثم سمع باب المنزل يُفتح مجددًا، والتفت
فرأى عبر نباتات من الفاصوليا الإسبانية، السيدة جاستيك تحمل قِدرًا مليئًا بماء كانت
تغلي فيه ملفوفًا ويتصاعد منه البخار، جاء صوتها من خلف الأزهار القرمزية يقول:
من الجيد أنك انصرفت يا سارق البنطال، لا تأتِ للتطفُّل واختلاس النظر حول هذا »
«. المنزل مرةً أخرى وإلا فسأعُلِّمك الأدب، أنا أعني ما أقول
وقف الملاك في ارتباكٍ شديد، لم تكن لديه رغبة في الاقتراب من المنزل مرةً أخرى أبدًا.
لم يفهم بالتحديد ماذا أرادت أن تفعل بالقِدر الأسود، لكن شعوره العام كان الاستياء، لم
يكن لديه تفسير للأمر.
«! حقٍّا سأفعلها » : وكررت «! سأفعلها » : صاحت السيدة جاستيك بنبرةٍ متصاعدة
استدار الملاك ومضىفي سبيله، وفي عينَيه نظرةٌ متحيرة.
كانت غريبة جدٍّا! أكثر غرابة من الرجل القصير المتَّشح بالسواد، » : وخاطب نفسه
ثم صمت لبرهة ثم خاطب نفسه «. وكانت تعني ما تقول، لكني لا أعرف ما كانت تعني
«. أعتقد أنهم جميعًا يعنون شيئًا » : مجددًا وهو لم يزل متحيرًا

واصل الملاك سَيره حتى اقترب من ورشة الحدادة وأصبح على مرأًى من قاصديها، وكان
شقيق ساندي برايت يُثبِّت حَدَواتٍ على حوافر حصانِ حوذيٍّ من أمبرتون، في حين كان
مراهقان يقفان بالقرب من الورشة يتابعان تركيب الحدوات وعلى وجهَيهما أمارات البلادة.
وبينما اقترب الملاك استدار المراهقان ثم الحوذي نحوه ببطء بزاويةضيقة وأخذوا يُحدِّقون
فيه بهدوء وثبات، ولم يبدُ على وجوههم أي انطباع.
شعر الملاك لأول مرة بالحرج، واقترب أكثر محتفظًا بنظرة ودٍّ على وجهه، ولو لم
يجد ردٍّا لها سوى نظراتهم الخالية من التعبير. وكانت يداه خلف ظهره وعلى وجهه
ابتسامةٌ مبهجة، وأخذ يراقب الحدَّاد وهو منهمك فيما بدا له شيئًا غير مفهوم. وكانت
عيون المراهقَيْن والحوذي موجهةً نحوه، فانشغل بالنظر إلى الثلاثة معًا وتشتَّت انتباهه

وتعثَّر في حجر. فانطلقَت من أحد الأجلاف الثلاثة ضحكة سخرية، وتعذَّر عليه فهم نظرة
الملاك المستفهمة، فوكز رفيقه بكوعه ينبهه، ولم ينبس أيٌّ منهما، ولا الملاك، بكلمة.
ولم يكد الملاك يمر من أمامهم، حتى همهم أحدهم بهذا اللحن على نحوٍ عدواني:
فانفجر الثلاثة بالضحك، وحاول أحدهم أن يتغنَّى ببعض الكلمات فمنعه امتلاء
حلقه بالبلغم، ومضىالملاك في طريقه.
«؟ من يكون هذا » : قال المراهق الآخر
وكان الحدَّاد حينئذٍ منهمكًا بمطرقته.
«. ظني أنه أحد الغرباء عن القرية، يبدو عليه حمق وبلاهة بالغان » : قال الحوذي
«. هكذا هم الأغراب » : علق أحد المراهقين بتحذلق
«. على ظهرهشيء يشبه السَّنام كثيرًا، بل هو سَنامٌ بالتأكيد » : قال الحوذي
ثم عمَّ الصمت مجددًا، وواصلوا تحديقهم في جسمه المبتعد بدون إبداء أي انطباع.
«. يشبه السَّنام كثيرًا بالفعل » : وبعد صمتٍ طويل قال الحوذي مجددًا

استأنف الملاك مشيه في القرية منبهرًا بكل ما يراه، وتناهى إلى سمعه صوت شخص لم
يره يدندن بكلمات غير مفهومة تتماشىمع اللحن الذي سمعه من ذلك المراهق عند ورشة
يبدءون، ثم لا يلبثون أن يتوقفوا، ولكن ماذا يفعلون بين » : الحدادة، فخاطب نفسه متحيرًا
«؟ البداية والتوقف
قالت سارة جلو (التي تقطن في ١ تشيرتش كوتدجز)، وهي تنظر من وراء الستار:
«. هذا هو الكائن الذي أطلق الكاهن عليه النار ببندقيته الكبيرة »
«. يبدو فرنسيٍّا » : وقالت سوزان هوبر وقد تملَّكها الفضول
«! عيناه جميلتان » : رأت سارة جلو عينَيه للحظة فقالت

واصل الملاك تمشيته، مرَّ ساعي البريد بجواره فلمس الساعي قبعته مُحيِّيًا إياه، ثم
رأى كلبًا نائمًا تحت أشعة الشمس، وأكمل مشيه فصادف ميندام الخوري، فأومأ ميندام
برأسه محييًا من بعيد ومرَّ سريعًا (إذ لم يكن الخوري يريد أن يراه أحد يتحدث مع
الملاك في القرية حتى يعرف عنه المزيد). وسمع من أحد المنازلصراخًا عاليًا أصدره طفل،
فارتسمت الحيرة على وجهه الملائكي. بعد ذلك وصل الملاك إلى جسرٍ منخفض عن آخر
المنازل التي مرَّ بها، فاتكأ على سور الجسر وظل يراقب تتابع شفرات الطاحونة اللامعة.
واندفعت «! يبدءون، ثم لا يلبثون أن يتوقفوا » : تابع قنطرة الطاحونة، فخاطب نفسه
المياه تحت الجسر مخضرةً وداكنة يخطُّها الزَّبَد.
ارتفع وراء الطاحونة برج الكنيسة المربع الشكل ووراءه ساحة الكنيسة، وتناثرت
على جانب التل شواهد القبور والألواح الخشبية، وأطَّرت ست شجرات زان المشهد كله.
سمع الملاك صوت خطوات واحتكاك عجلات من خلفه، واستدار فرأى رجلًا يرتدي
أسمالًا بُنيَّةً متسخة وقبعة من اللِّبْد تكاثرت عليها الأتربة فصبغتها بلونٍ رمادي، كان
الرجل يهتزُّ اهتزازًا طفيفًا في وقفته ويُحدِّق في ظهر الملاك، وكان وراءه رجلٌ آخر لا يقل
عنه اتِّساخًا، يدفع عربةَ صقلِ سكاكينَ على الجسر.
«! طاب صباحك » : قال الأول وهو يبتسم ابتسامةً خفيفة ويكتم فُواقه
فحدق فيه الملاك، ولم يكن قد سبق له أن رأى ابتسامةً مصطنعة من قبلُ، فردَّ الملاك
«؟ من أنت » : سائلًا
ليس من شأنك من » : اختفت الابتسامة المصطنعة وردَّ الرجل، بلسان أثقله السُّكْر
«؟ أنا، ما اسمُك
«! هيَّا » : وجاء صوت الآخر يستحثه من ورائه
«؟ ما اسمك؟ ألا يمكنك إجابتي » : كرر الرجل المتسخ بنبرةٍ حادة
وتراجع «. هيا أيها الأحمق، أفسح الطريق » : وجاء صوت صاحب العربة مجددًا
بعربته.
«. لا أفهم » : قال الملاك
ألا تفهم؟ سؤال بسيط، ما » : رد الرجل بكلمات حالت ثمالته دون أن تخرج واضحة
اسمك؟ ألن تجيبني؟ ألن تفعل؟ لم ترد تحية الصباح، فلتعطني إجابة. لا عليك، فلتفعل
«. ما يحلو لك
تحيَّر الملاك، ووقف الرجل السكران يترنَّح لوهلة، ثم سحب قبعته من فوق رأسه
«. حسنًا إذن » : فجأة ورماها بين قدمَيِ الملاك، وقال بلهجة مَن حَزَم أمرًا مهمٍّا

ووقف على بُعد عشرين ياردةً تقريبًا. «! هيَّا » : جاءصوتصاحب العربة مجددًا يقول
ولم «! أتريد القتال، أيها ال… سألُقِّنك درسًا، لا ترد عليَّ تحية الصباح » : قال الثمل
يفهم الملاك كلمةً مما قال.
وجلس صاحب «! تظنني ثملًا؟ سألقنك درسًا » : حاول الرجل خلع سترته وهو يقول
وكان معطفه معقدًا، فظل الرجل «! هيا » : العربة يشاهد العراك المنتظر. قال الرجل الثمل
يترنَّح على الجسروهو يحاول خلعه، ويتلفَّظ في الوقت ذاته بكلمات التهديد والوعيد. وبعد
فترةٍ بدأ الملاك يشكُّ في أن هذه الحركات والأقوال ذات طابعٍ عدائي، واصل الثمل تهديده
«. لن يميز أحدٌ شكلك بعدما أفرغ منك » : والسترة عالقة على رأسه تقريبًا
انخلعت السترة أخيرًا واستقرت على الأرض، وكشف الصديري المهترئ الذي كان
يرتديه ذلك العامل المتجول الثمل عن جسمٍ عضليٍّ مُشعر لم يخفَ عن عينَي الملاك. وأخذ
الرجل وضعية التأهب للقتال.
امسح هذا » : رفع قبضتَيه أمام وجهه، ورفع كوعيه، وأخذ يتقدم ويتراجع وهو يقول
«! الطلاء عنك، هيا
«! هيا » : ألحَّ قائلًا
تركز انتباه الملاك على القبضتَين السوداوَين المشعرتَين وهما تتمايلان وتتقدمان
ثم بصوت أكثرشراسة: «! هيا، سألقنك درسًا » : وتتراجعان، وصاح الرجل ذو الملابسالرثة
«! سأنكِّل بك »
وفجأة اندفع الرجل نحو الملاك، وتحرَّك الملاك بفعل غريزةٍ جديدة عليه، فرفع ذراعه
على نحوٍ دفاعي وتفادى هجمة الرجل. كادت قبضة الرجل تصيب كتف الملاك، لكنه
أخطأه وسقط أرضًا بفعل اندفاعه وارتطم وجهه بسور الجسر. تردَّد الملاك لوهلة فيما
كان عليه فعله بشأن الرجل الذي تكوَّم أرضًا، ثم التفت إلى رفيقه، في حين كان الرجل
«! دعني أقف، دعني أقف مرةً أخرى أيها الخنزير، سألقِّنك درسًا » : يقول
شعر الملاك بتقزُّزٍ غريب ونفورٍ شديد، وابتعد عن الرجل الثمل ببطء، وتوجه إلى
صاحب العربة، وقال:
«! ماذا يعني كل ذلك؟ لا أفهم ذلك »
«. هذا الأحمق اللعين يقول إن اليوم يوم زفافه الفضي » : رد صاحب العربة منزعجًا
«! هيا » : ثم نادى صاحبه قائلًا
«؟ زفافٌ فضي؟! ماذا يعني ذلك » : وقال الملاك

محض هراء، دائمًا يفتعل عذرًا كهذا، أمرٌ مزرٍ، كان عيد ميلاده البهيج » : رد الرجل
في الأسبوع الماضي، ولم يكد يفيق من الثمالة حتى أفرط في الشراب مجددًا. (هيا أيها
«. هيا أيها الأحمق » : ثم خاطب رفيقه الثمل «(. الأحمق
لكن، لا أفهم، لمَ يترنح هكذا؟ ولماذا يحاول التقاط قبعته من على الأرض » : قال الملاك
«؟ هكذا، ولا يتمكن من الإمساك بها
يبدو أن أهل هذا البلد يتسمون بالبراءة حقٍّا! لأن الثمالة أعمَتْه! » : رد صاحب العربة
لأنه شرب » : ثم عاد لمخاطبة الملاك «.( وماذا قد يكون السبب غير ذلك؟ (هيا، عليك اللعنة
«. حتى لم يعد في جسدِه متَّسعٌ لقطرةٍ أخرى، هذا هو السبب
لاحظ الملاك نبرة صاحب العربة فاستصوب أن يكف عن طرح الأسئلة عليه، ووقف
بجوار العربة يشاهد الرجل الثمل على الجسر.
هيا! أعتقد أني سأضطر لالتقاط هذه القبعة، دائمًا ما يثمل هكذا، لم يكن ليشريك »
«. مثله من قبلُ، دائمًا يثمل هكذا
كما لو كان نبيلًا غير مضطر لكسب العيش، ما إن » : تأمَّل صاحب العربة قائلًا
يشرب قليلًا حتى يصبح أبله متهورًا هكذا، ويستفز كل من يصادفه (هاك القبعة)،
سأكون محظوظًا إن لم يقدم على استفزاز جيش الاستقلال كله للقتال (يا إلهي! هيا
«. يا رجل!) سأضطر لالتقاط القبعة مجددًا الآن، لا يأبه بالإزعاج الذي يسببه للآخرين
شاهد الملاك صاحب العربة يعود ممتعضًا لمساعدة رفيقه في ارتداء القبعة والسترة.
ثم التفت الملاك عائدًا إلى القرية وقد بلغت به الحيرة مداها.

بعد هذه الواقعة، مضى الملاك في طريقه فتجاوز الطاحونة ووصل إلى ما وراء الكنيسة
ليتفقد شواهد القبور.
لا بد أن هذا » : خاطب الملاك نفسه وهو يقرأ العبارات المنقوشة على شواهد القبور
هو المكان الذي يضعون فيه الأجزاء المتداعية، كلماتٌ غريبة: رفات! سأنهض من جديد!
«. أي أن أمرهم لم ينتهِ تمامًا، عزيمةٌ قوية
هوكينز؟ هوكينز؟! الاسم غريب عليَّ، لم يمت في ذلك » : ثم قال الملاك بصوتٍ خفيض
الحين … الأمر واضح، انضم إلى زمرة السمائيين في ١٧ مايو ١٨٦٣ ، لا بد أنه شعر باغتراب

هناك كاغترابي أنا هنا، أتساءل لمَ يضعون هذا الإناء فوق الشاهد؟ غريب! هناك العديد
«. من الأواني الحجرية الأخرى، أوانٍ حجريةٌ صغيرة عليها غطاءٌ حجري أيضًا
حينئذٍ تدفَّق صبيةٌ كُثرٌ من المدرسة الوطنية، ووقف أحدهم فاغرًا فاه عندما رأى
الملاك مُتشحًا بالسواد وواقفًا بين الشواهد البيض، ثم تبعه آخرون وفعلوا مثله، فقال
«! انظروا إلى ظهره الغريب » : أحدهم
«! شعره كشعر الفتيات » : وقال آخر
التفت الملاك نحوهم فاستغرب منظر رءوسهم الصغيرة البارزة من وراء الجدار
المغطَّى بالأشنة، وابتسم في وجوههم المحدقة ابتسامةً خفيفة ثم التفت إلى السياج الحديدي
إحساسٌ غريب بعدم اليقين، ألواح وأكوام من » : الذي أحاط بقبر فيتز-جيرفيز، وقال
الحجر وأسيجة، هل يخافون شيئًا ما؟ هل يحاول هؤلاء الموتى النهوض من رقدتهم؟
«. هناك بعضالقمع، التحصينات
«. قصشعرك، قصشعرك » : أخذ ثلاثة من الصبية يغنون معًا
غريب أمر هؤلاء البشر! بالأمس كان ذاك الرجل يريد قصَّ » : خاطب الملاك نفسه
«. جناحيَّ، والآن يريد هؤلاء الصغار أن أقصَّشعري! قريبًا لن يتركوا فيَّ شيئًا
«؟ من أين أتيت بهذه الملابس » : وآخر «؟ من أين لك بهذه القبعة » : صاح صبيٌّ آخر
يسألون أسئلة يبدو جليٍّا أنهم لا يريدون إجابات لها، ألاحظ » : خاطب الملاك نفسه
لا أفهم طرائق البشر في » : ونظر إلى الصبية الصغار متفكرًا وتابع «. ذلك من نبرة حديثهم
التواصل، يبدو أن هذه الإيماءات ودية، طقس من نوعٍ ما، لكني لا أعرف كيف يكون الرد
عليها، أعتقد أني سأعود إلى الرجل القصير السمين ذي السلسلة الذهبية المعلقة على بطنه
«. فأطلب منه التفسير
استدار واتجه إلى البوابة، وعندئذٍ سمع أحد الصبية الصغار يصيح ويرمي قشرة
ثمرة زان. فسقطت على الطريق أمام ساحة الكنيسة، وتوقف الملاك متفاجئًا.
ضحك كل الصبية الصغار، وقلَّد صبيٌّ آخر صيحة الأول ورمى قشرة أصابت الملاك،
فذهل ذهولًا بالغًا، وبدءوا جميعًا يصيحون الصيحة نفسها ويقذفون قشور ثمر الزان.
وأصابت إحداها يد الملاك، وأصابته قشرةٌ أخرى بجوار أذنه. وتحرك الملاك نحوهم مرتبكًا،
وتلفَّظ ببعض كلمات الاحتجاج حتى وصل إلى الطريق. دُهش الصبية الصغار وتملكهم
الذهول من فرط ارتباكه وجُبنه. ولم يكن هذا السلوك الذي بدا فيه الحمق مما يُنصح به،
غَزُر وابل المقذوفات، ربما تمكنتَ من تخيل هذه اللحظاتبوضوح،صبيةٌصغار متبجِّحون

يطاردونه ويطلقون مقذوفاتهم عليه، وآخرون يُهرعون لإمدادهم بالمقذوفات. وأثار المشهد
كلب ميلتون سكريفر الهجين، فأخذ يتراقص بالقرب من قدمَي الملاك (ويتخيل للمشهد
تفسيراتٍ عديدة).
مرحبًا! لم أتوقع …! أين السيد جيرفيز؟ تأدَّبوا! » : وعندئذٍ جاء صوتٌ جهوري يصيح
«! تأدَّبوا! أيها المشاغبون الصغار
تفرق الصغار يمنة ويسرة، وتسلق بعضهم الجدار إلى الملعب، وأسرع بعضهم بطول
الشارع.
هؤلاء الصغار أصبحوا كالآفة المزعجة! أعتذر عن مضايقتهم » : اقترب منه كرامب قائلًا
«. إياك
«… لا أفهم؛ هذه التصرفات البشرية » : بدا على الملاك بعضالانزعاج وقال
«؟ نعم أعرف، غريبة عليك بالطبع، كيف أصبحت زوائدك » : قاطعه كرامب
«؟ كيف أصبح ماذا » : قال الملاك
الطرفان الزائدان، كيف أصبحا؟ الآن بعد أن نزلت إلى الشارع هكذا، » : قال كرامب
تفضل بالدخول، تفضل ودعني ألُقِ نظرةً أخرى عليهما، يا لهؤلاء الصغار المشاغبين!
سأخرج هؤلاء المشاغبين من المنزل. كلهم سواء في هذه القرى، لا يفهمون شيئًا يخرج عما
ألفوه، يرون غريبًا ذا هيئةٍ مختلفة، فيقذفونه بالأحجار، لا يتعدَّى خيالهم حدود الأبرشية.
سأعطيكم دواءً ملينًا إذا رأيتكم تضايقون الغرباء مرة أخرى! أعتقد أن هذا هو المتوقع،
«. تفضَّل من هنا
هُرع الملاك إلى العيادة لتبديل ضمادة جرحه ولم يزل الارتباك يتملَّكه
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.