hindawiorg

Share to Social Media

عندما تحزم السيدة هامرجالو أمرًا، يجري كلشيء وفقًا لإرادتها، وبرغم امتعاضالكاهن
الذي أبداه على استحياء، أنفذت إرادتها وحشدت جمهورًا، سيحضُر الملاك بكمانه في
عبقري اكتشفه » : منزل سيدرمورتون قبل نهاية الأسبوع. وبحكمة واستباقٍ مضت تقول
لتلقي باللائمة على الكاهن إن لم تجرِ الأمور على ما يرام. أخذت تردد أن الكاهن «. الكاهن
يتحاكى ببراعة الملاك في عزف الكمان. لطالما أضمرت رغبة في لعب دور راعية المغمورين
من أصحاب المواهب، إلا أن أحدًا ممن رعتهم لم يُثبت موهبةً حقيقية عند الاختبار حتى
ذلك الحين.
سيأتي ذلك عليه بفائدةٍ كبيرة، شعره طويل بالفعل، وبلونه الفريد ذاك سيبدو » : قالت
بمظهرٍ جميل جدٍّا على المسرح، وارتداؤه لملابس الكاهن التي لا تلائم مقاسه يجعله يبدو
كعازف بيانو مواكب للموضة بالفعل، كما ستكون فضيحة نسبه التي ستتناقلها الألسنة
«. سرٍّا عامل جذب إضافيٍّا عندما يصل صيته إلى لندن
أما الكاهن، فقد اعتملت في صدره أسوأ الأحاسيس، وأخذت تتفاقم كلما اقترب اليوم
المحدد. أمضىساعات فيشرح الموقف للملاك، وساعات يتخيل ما قد يظنه الناس، وساعات
أثقل في تصور سلوك الملاك. لم يسبق للكاهن حتى ذلك الحين أن عزف إلا إشباعًا لهوايته،
وظل الكاهن يفزعه عن العزف بين الفينة والأخرى ليخبره بما يخطر بباله من ملاحظات
المكان الذي ستضع فيه قبعتك مهم للغاية، لا تضعها » : عن مقتضيات اللباقة، من قبيل
مرت الرحلة «. على كرسي أبدًا، أمسكها حتى يصلك شايُك، ثم ضعها في مكان مناسب
الزيارة المدهشة
إلى منزل سيدرمورتون بلا منغصات، لكن عندما أتت لحظة التقديم داهم الكاهن تخوفٌ
شديد عندما أدرك أنه نسي أن يشرح للملاك كيف يكون التقديم والتعارف، وكان الملاك
مستمتعًا في سذاجةٍ ظاهرة، لكن لم يحدث أي مكروه.
فتًى غريب الهيئة! ينقصه » : قال السيد راثبون-سلايتر الشديد الاهتمام بالأزياء
الهندام والتهذيب معًا، ابتسم ابتسامةً عريضة عندما رآني أصافح البعض، أعتقد أني
«. كنت أصافح بلياقة كافية
وحدث أمرٌ قليل الأهمية: عندما كانت السيدة هامرجالو ترحب بالملاك نظرت إليه
بنظارتها، فأفزعه حجم عينَيها كما بدا في عدستَي النظارة، ولم يحسن إخفاء مفاجأته،
بل حاول أن ينظر إلى عينَيها من وراء الإطار، لكن الكاهن كان قد حذره من بوق الأذن.
أثار عدم قدرة الملاك على الجلوس على أيشيء إلا كرسيالموسيقى اهتمام السيدات،
لكن لم تعلق أيٌّ منهن على ذلك، بل اعتبرنه تكلفًا من عازفٍ مبتدئ. ارتبك في حمل كوب
الشاي وأسقط الكثير من الفتات أثناء تناول الكعك (إذ لم يزل حديث العهد بالأكل)،
وجلس واضعًا ساقًا على ساق، وأربكته القبعة بعد أن حاولت عيناه ملاقاة عينَي الكاهن
فلم يكن له ذلك. وحاولت كبرى سيدات آل بابافير التحدث معه عن المنتجعات العالمية
والسجائر، فرأت محدودية ذكائه.
فوجئ الملاك عندما أحُضر حامل النوتة الموسيقية وعدة نوتات، واضطرب في أول
الأمر عندما رأى السيدة هامرجالو جالسة تميل رأسها وتراقبه بعينَيها اللتين بدتا أكبر
من حجمهما بفعل النظَّارة المكبِّرة ذات الإطار المكسوِّ بالذهب.
قصدته السيدة جيهورام قبل أن يبدأ العزف وسألته عن اسم المقطوعة الساحرة التي
كان يعزفها ظهيرة ذلك اليوم، فأجابها الملاك بأن ليس لها اسم، فوافقته السيدة جيهورام
في أن المقطوعات الموسيقية لا ينبغي أن تحمل أسماء أبدًا، وعندما أخبرها بأنه عزفها على
السليقة، قالت إنه لا بد أن يكون عبقريٍّا حقٍّا، ورنَت إليه (بإعجاب وافتتان واضحَين). في
هذه الأثناء كان خوري إبينج هانجر يشاهده في غيرة (وكان هو نفسه عازف بيانو معتادًا
على الحديث عن الألوان والموسيقى بشيء من الاستعلاء العرقي).
وجد الكاهن نفسه مضطرٍّا للجلوس بجانب السيدة هامرجالو، لكن عينَيه ظلتا
معلقتَين بالملاك بينما كانت تخبره هي بتفاصيلَ من وحي خيالها عن الدخل الذي يجنيه
عازفو الكمان. كانت قد انزعجت بعض الشيء مما بدر من الملاك عندما رأى عينَيها في
عدستَي النظارة، لكنها اعتبرته حادثًا غريبًا لم يتجاوز فيه الملاك حدود المسموح.

(أما السيدة ميندام وابنتاها، فلم يقبلْنَ الدعوة، رغم علمهن بأن ذلك قد يثير امتعاض
السيدة هامرجالو؛ فقد فكرْنَ في الأبرشية، كما فوجئت السيدة ميندام واستاءت من تشجيع
السيدة هامرجالو لمثل ذلك الشخص.)
فلتتخيل المشهد؛ الصالون الأخضرفي حديقة سيدرمورتون، وملاكٌ متخفٍّ في ملابسَ
كهنوتية يحمل في يده كمانًا، ويقف بجوار البيانو الكبير، وحشد من المتابعين الهادئين
الوقورين المهندمين في القاعة. وثرثرة في انتظار البدء، وأجزاء من محادثات متداخلة.
إنه منتحل، أليسهذا غريبًا ومثيرًا؟! » : قالت كبرى سيدات آل بابافير للسيدة بربرايت
تقول جيسيكا جيهورام إنها رأتْه في فيينا، لكنها لا تتذكر اسمه، الكاهن يعرف كل شيء
«… عنه، لكنه قريب للغاية من
الكاهن المسكين يبدو متوترًا ومنزعجًا، كنت ألاحظ ذلك عليه » : وقالت السيدة بربرايت
من قبلُ كلما جلس بجوار السيدة هامرجالو، إنها لا تمنحه التوقير المستحق للإكليروس،
«… بل تواصل ال
رابطة عنقه مائلة، وشعره لا يبدو أنه قد صففه » : قالت كبرى سيدات آل بابافير
«. اليوم
يبدو غريبًا، » : وقال جورج هارينجاي وهو يجلس مع صُغرى سيدات آل بربرايت
متصنِّعًا، لا بأس بأن يظل في غرفة استقبال، لكني أفضِّل أن يكون مظهر الرجل ذكوريٍّا،
«؟ ومظهر المرأة أنثويٍّا، ما رأيك
«. أوافقك الرأي » : ردت صُغرى سيدات آل بربرايت
جنيهات فوق جنيهات، سمعت أن بعضهم » : في حين كانت السيدة هامرجالو تواصل
«… يمتلكون مؤسسات فخمة، أمر لا يصدق
أحب الموسيقى يا سيد آنجيل، بل أعشقها، تُحرك بداخلي » : قالت السيدة جيهورام
شيئًا ما، لا يمكنني وصف تأثيرها عليَّ، لا أتذكر من الذي قال تلك العبارة البليغة: الحياة
بلا موسيقى وحشية، والموسيقى بلا حياة هي…لا أتذكر، أتتذكر أنت؟ الحياة بلا موسيقى
«؟ هي … أكان راسكين من قال ذلك
«. أعتذر عن جهلي بذلك؛ إذ لم أقرأ إلا القليل من الكتب » : قال الملاك
يا للطفك! ليتني لا أقرأ، أتفهم موقفك تمامًا، لو كنتُ مكانك » : قالت السيدة جيهورام
لما قرأتُ كثيرًا، فقط نحن النساء المسكينات من ن… أعتقد أننا نفتقر إلى الإبداع، والمرء في
«… هذه الأرجاء يضطر إلى أغرب الأشياء

إنه وسيم للغاية حقٍّا، لكن القوة هي المقياس الحقيقي » : قال جورج هارينجاي
«؟ للرجولة، أليس كذلك
«. أوافقك الرأي » : قالت صُغرى سيدات آل بربرايت
الرجل المخنث هو من يجعل المرأة ذكورية، إذا كان شعر الرجل مصدر » : قال جورج
«… فخره فما المتوقع من المرأة؟ عندما يختال الرجال بجمالهم
أوه جورج! أنت انتقاديٌّ على نحوٍ مريع اليوم. إنني » : قالت الآنسة بيربرايت الصغرى
«. على يقين من أن هذا ليس احتيالًا
أنا حقٍّا لست وصيٍّا عليه يا سيدة هامرجالو، لطفٌ منكِ بالتأكيد أن » : قال الكاهن
«… تولي اهتمامكِ
«؟ هل سترتجل حقٍّا » : وقالت السيدة جيهورام باستمتاع
«! صه » : قال خوري إبينج هانجر
بدأ الملاك العزف، موجهًا نظره إلى الأمام مباشرة، وأخذ يتخيل ما في أرضالملائكة من
أشياءَ رائعة، ثم طغى الحزن الذي كان قد بدأ يشعر به عليه بدلًا من روائع أرضالملائكة،
فانعكسالتحول في عزفه. كان ينسيمن كانوا يحيطون به تارة فيصير عزفه فريدًا ورائقًا،
ويتذكرهم تارة فيُسمع في موسيقاه نشازًا غريبًا. بدا على السيدة جيهورام اندماج كامل
مع ما كانت تسمع (رغم غرابة الموسيقى في بعض الأحيان)، وحاولت أن تلتقي عيناها
بعينيه. كان وجهه يفصح عن مشاعره بوضوح، وتعبيراته في غاية الرقة، وكانت السيدة
جيهورام تجيد الحكم على الأمور، وفي هذه الأثناء بدا على جورج هارينجاي الملل، حتى
خلعت السيدة بربرايت الصغرى التي كانت تعشقه حذاءها الصغير لتلمسحذاءه بقدمها،
فالتفت إليها ونظر إلى عينَيها الرقيقتَين اللتين تنضحان غنجًا وأنوثة، فذهب عنه الملل.
وجلست كُبرى سيدات آل بابافير والسيدة بربرابت ساكنتَين رزينتَين لما يقرب من أربع
دقائق.
وأجابتها «. تمتعني موسيقى الكمان بشدة دائمًا » : ثم همست كبرى سيدات آل بابافير
قالت السيدة بابافير: «. لا يوجد لدينا من الموسيقى الجميلة هنا إلا القليل » : السيدة بربرايت
ثم قالت السيدة «! لمساته للأوتار رقيقة » : ثم قالت السيدة بربرايت «. عزفه جميل جدٍّا »
واستفاضتا في الحديث همسًا. «؟ هل يهتم ويلي بدروسه » : بابافير
جلس خوري إبينج هانجر في مرمى نظر الجميع (شعر بذلك)، وطوَّق إحدى أذنَيه
بيده، في حينكانت عيناه معلقتَينبقاعدة تقوم عليها مزهرية من نوع سيرفيز. وظل يحرك

فمه بإشارات نقديةٍ سخية لكل من أراد الاستفادة برأيه. كانت ملامحه تشي بانهماكه في
التقييم والحُكم، وظلت تتغير لتبدي استياءً تارة وتقديرًا متحفظًا تارةً أخرى. في حين
تراجع الكاهن في كرسيِّه وحدق في وجه الملاك، وسرعان ما هام في حلمٍ جميل. أما السيدة
هامرجالو، فظلت تُحدِث حركاتٍسريعةً مفاجأة برأسها واهتزازاتٍ طفيفةً مستمرة وهي
تنصت إلى عزف الملاك وتحاول تقييمه. وحدق السيد راثبون سلايتر في قبعته ساكنًا
وبدا عليه كربٌ شديد، أما قرينته فقد انشغلت بالسيدة جيهورام. وامتلأ الجو بالموسيقى
ليستمتع بها كل من كانت له أذنان.
ووكزت الكاهن فجأة «. مؤثر إلى حدٍّ ما » : همست السيدة هامرجالو بصوتٍ أجشَّ
بين ضلوعه فأفزعته من أحلامه فجأة؛ فأجفل وأطلق صيحة استفهام، فقال خوري إبينج
ونظر الجميع إلى الكاهن هيليار مستغربًا تصرُّفه غير اللائق. قالت كُبرى «! صه » : هانجر
وواصل «! غريب أن يصدر ذلك من الكاهن، لم أتصور أن يفعل ذلك » : سيدات آل بابافير
الملاك العزف.
أخذ خوري إبينج هانجر يصدر حركاتٍ لا إرادية بسبابته، ومع استمرار العزف
استغرق السيد راثبون سلايتر فيه حتى شعر بخدرٍ في كل جسمه من فرط الاستمتاع، ثم
عدَّل قبعته وغير اتجاه نظره في سكون، وعاد الكاهن إلى الهيام في أرض الأحلام مجددًا
بعد الفاصل المؤقت من الاضطراب، في حين تململت السيدة هامرجالو كثيرًا حتى أحدث
على الرغم من أنها لم تكن قد سمعت «! رائع » : مقعدها أزيزًا توقف بعد فترة، ثم صاحت
لحنًا منتظمًا من قبلُ، وطفقت تصفِّق بيدَيها، فانتشرَت عدوى التصفيق بين الجميع عدا
السيد راثبون سلايتر الذي أخذ ينقر على حافة قبعته بدلًا من التصفيق. وصفق خوري
إبينج هانجر معلنًا حكمه على ما سمع.
كانت السيدة بربرايت تُحدِّث كبرى سيدات آل بابافير في موضوعٍ آخر (وهي تصفِّق
قلت لها: إن لم تطهي الطعام على طريقتي فلا حاجة لنا بك … (هذه » : بحرارة)، قالت
«(. الموسيقى ممتعة ومبهجة
حقٍّا، تمتعني الموسيقى بشدة دائمًا)…وهل تحسنت )» : قالت كبرى سيدات آل بابافير
«؟ بعد ذلك
«. لم تتحسن على الإطلاق » : قالت السيدة بربرايت
أفاق الكاهن من أحلامه مرةً أخرى ونظر حوله في الصالون يتحقق مما إذا كان
الآخرون أيضًا قد رأوا تلك الخيالات التي تمثَّلت له، لا بد أنهم جميعًا رأوها ولكنهم أظهروا

سيطرةً بالغة على مشاعرهم، ليسمن المعقول ألا تؤثر موسيقى كهذه عليهم. قالت السيدة
تنقصه بعض الكياسة، لا ينحني لتحية الجمهور ولا يبتسم، » : هامرجالو للكاهن فجأة
ينبغي أن يتعلم هذه الأمور الصغيرة، كل مؤدٍّ ناجح لديه قدر من الكياسة، ولو اختلف
«. هذا القدر
هل ارتجلتَ هذا اللحن بنفسك » : حدقت السيدة جيهورام فيه بعينَين ملؤهما الافتتان
«. حقٍّا؟ لقد كان بالغ الروعة! وهذا أقل ما يُقال عنه
به بعضالشبه بعزفالهواة، موهبةٌ » : قال خوري إبينج هانجر للسيد راثبون سلايتر
«. فذة بلا شك، لكن ينقصها التدريب المستمر. لاحظت هنة أو هنتَين، أودُّ محادثته بشأنهما
بنطاله يبدو كالأكورديون، ينبغي أن يعلم ذلك؛ فمظهره » : قال السيد راثبون سلايتر
«. ليس ملائمًا بما يكفي
«؟ هل يمكنك تقليد الأصوات يا سيد آنجيل » : قالت السيدة هامرجالو
«. نعم، فلتقلد بعضالأصوات، أحب التقليد كثيرًا » : فأيدتها السيدة جيهورام
تحدث خوري إبينج هانجر وهو يحرك يدَيه الموسيقيتَين الطويلتَين مخاطبًا كاهن
كان عزفه ساحرًا، أظنني سمعته من قبلُ، لا أتذكر أين، لا شك في عبقريته » : سيدرمورتون
«. الموسيقية، لكنه ينشز أحيانًا، يعوزه بعضالإتقان وسنوات من التدريب
لا تعجبني هذه المقطوعات الموسيقية المعقدة، يؤسفني » : وقال جورج هارينجاي
أن ذوقي أبسط من ذلك، أشعر أنها تفتقد الاتساق في اللحن، لا يوجد ما هو أفضل من
الموسيقى البسيطة. اللحن المتسق والبساطة هما المطلوبان في عصرنا هذا. هناك مبالغة في
«؟ التعقيد وميل إلى اللامألوف. أما أنا فأفُضِّل الأفكار البسيطة، ما رأيك
«. حقٍّا، أوافقك الرأي » : قالت صُغرى سيدات آل بربرايت
أخبريني يا إيمي، هل تتحدثين » : وفي الطرف الآخر من القاعة قالت السيدة بربرايت
«؟ مع جورج كعادتكما
والتفتت تفتش عن السيدة «! كالمعتاد يا أمي » : فقالت السيدة بربرايت الصغرى
بابافير مبتسمة، ثم التفتت مجددًا حتى لا يفوتها ما يقول جورج.
أتساءل » : قالت السيدة هامرجالو لخوري إبينج هانجر الذي بدت عليه كآبةٌ شديدة
«. إن كان من الممكن أن تؤدي أنت والسيد آنجيل معزوفةً مشتركة
«. يسعدني ذلك بكل تأكيد » : انفرجت أسارير خوري إبينج هانجر وقال
معزوفةٌ مشتركة؟! نحن الاثنان؟ إذن فهو أيضًا يعزف، فهمت ذلك، » : وقال الملاك
«. الكاهن أخبرني

«. السيد ويلمردينجز عازف بيانو ذائع الصيت » : قاطعه الكاهن
«؟ ماذا عن التقليد » : كانت السيدة جيهورام تمقت ويلمردينجز، فقالت
«!؟ تقليد » : قال الملاك
«. نعم، كخنخنة الخنزير وصياح الديك وما إلى ذلك » : قال السيد راثبون سلايتر
«. هذا هو أكثر ما يمكن أن يصدر عن الكمان في رأيي » : وأضاف بصوتٍ خفيض
«!؟ لم أفهم حقٍّا، صياح الخنزير » : قال الملاك
أنت لا تهوى التقليد، ولا أنا، أتفهم رفضك، أعتقد أن التقليد » : قالت السيدة جيهورام
«… يحطُّ من قدر
وكانت قبل قولها «. قد يغير السيد آنجيل رأيه فيما بعدُ » : قالت السيدة هامرجالو
ذلك قد سمعت من السيدة بربرايت تفسيرًا ما إن سمعته حتى ارتابت في بوق الأذن الذي
تسمع به؛ إذ لم تعتد أن تطلب شيئًا من قبيل التقليد فلا تُلبَّى رغبتها.
جلس السيد ويلمردينجز إلى البيانو، وكان في الاستراحة قد طالع بعض النوتات
«؟ ما رأيك في معزوفة سبور؟ أنت تعرفها لا شك،صحيح » : الموسيقية، التفت إلى الملاك وقال
فبدت الحيرة على الملاك.
ففتح النوتة يعرضها عليه.
فسرى في ) «؟ يا لغرابة هذا الكتاب! ماذا تعني كل هذه النقاط العجيبة » : قال الملاك
عروق الكاهن قلقٌ شديد.)
«؟ أي نقاط » : قال الخوري
مثبتًا جهله بماهية النوتة. «! هذه النقاط » : فأشار الملاك إلى النوتة وقال
«! يا للعجب » : قال الخوري
وعم صوتٌ مفاجئٌ مؤقت يعني الكثير في مثل هذه الفعاليات الاجتماعية.
ألا يعزف السيد آنجيل من النوتة » : التفتت كبرى سيدات آل بابافير إلى الكاهن وقالت
«؟ الموسيقية العادية
«… لم أسمع … حقٍّا لم أرَ قط » : تمالك الكاهن نفسه بعد القلق الذي داهمه وقال
شعر الملاك باحتقان الموقف، ولكنه لم يفهم السبب، لاحظ نظرات الريبة والاستهجان
مستحيل! بعد هذه الموسيقى » : على الوجوه التي تنظر إليه، وسمع السيدة بربرايت تقول
وتوجهت كبرى سيدات آل بابافير إلى السيدة هامرجالو على الفور وبدأت تشرح «. الساحرة
لها في بوق الأذن كيف رفض السيد آنجيل العزف مع السيد ويلمردينجز متعللًا بجهله
بالنوتة الموسيقية.

لا يمكنه العزف من النوتة الموسيقية؟! » : قالت السيدة هامرجالو في صدمةٍ شديدة
«! هذا محضهراء
«؟ نوتة؟! أهذه هي النوتة الموسيقية » : قال الملاك في ارتباك
إنه يتمادى في الهزل، كل ذلك ليتجنَّب » : قال السيد راثبون سلايتر لجورج هارينجاي
«. العزف مع ويلمردينجز
عمَّ الصمت والترقب، وأدرك الملاك أنه من المفترضفي هذا الموقف أن يخجل من نفسه،
بل شعر بالفعل بخجل من نفسه.
تقدمت السيدة هامرجالو ورأسها مرفوع في خيلاء وتحدثت بسخط تعمدت إظهاره
إن لم تستطع العزف مع السيد ويلمردينجز، فلن أطلبك للعزف مرةً » : بوضوح قائلة
قالت ذلك بلهجة إنذار، وارتعشت نظارتها في يدها، وكان الملاك قد فهم ما يكفي «. أخرى
عن عالم البشر ليدرك أنه في ورطة.
«؟ ما الخطب » : نادت لوسيراتشاك الصغيرة من الركن البعيد
رفضأن يعزف مع ويلمردينجز العجوز، يا للعجب! لقد » : رد تومي راثبون سلايتر
«. احمر وجه العجوز غضبًا، فهي توقِّر ويلمردينجز كثيرًا
هلا أمتعتنا بمعزوفة شوبان البولندية الجميلة يا سيد » : قالت السيدة هامرجالو
فصمت الجميع؛ إذ كان لغضبة السيدة هامرجالو مهابةٌ تدفع الجميع «؟ ويلمردينجز
إلى الصمت والترقُّب كما لو أن زلزالًا أوشك أن يهزَّ الأرض، أو كسوفًا أوشك أن يحجبَ
الشمس. ورأى السيد ويلمردينجز أنه لو بدأ العزف على الفور لكان ذلك معروفًا (يسديه
للجميع، ويزيد من موثوقيته لديهم)، وفعل ذلك بالفعل.
إذا ادعى رجلٌ أنه ممارسلأحد الفنون، فأضعف الإيمان أن » : قال جورج هارينجاي
«؟ يدرس أسسه، ما رأيك
«. صحيح، هذا ما أراه » : قالت صغرى آل بربرايت
شعر الكاهن أن السماء قد انهارت فوق رأسه، فجلس في كرسيه مخذولًا محطَّمًا،
وجلست السيدة هامرجالو بجواره وهي لا تكاد تراه. كانت أنفاسها تتسابق رغم الهدوء
الذي بدا على وجهها. جلس الجميع. هل كان الملاك بالغ الجهل أم بالغ الوقاحة؟ لم يكن
لدى الملاك درايةٌ كافية بجريمته النكراء، لكنه أدرك أنه لم يعد محط الاهتمام وسط الجمع.
رأى في عين الكاهن توبيخًا يخالطه اليأس. انسلَّ إلى النافذة في فترة الاستراحة وجلس على
الكرسي الثُّماني الموريِّ الطراز بجوار السيدة جيهورام. وعندئذٍ قدَّر عاليًا قيمة الابتسامة
الحانية التي ارتسمت على وجه السيدة جيهورام، ووضع الكمان على إفريز النافذة.

جلست السيدة جيهورام والملاك (مكانهما) عند النافذة، وأخذ السيد ويلمردينجز يعزف.
كنت أود منذ وقتٍ طويل أن أحادثك في هدوء، لأخبرك بمدى » : قالت السيدة جيهورام
«. انبهاري بعزفك الجميل
«. يسعدني أنه أسعدك » : رد الملاك
لم يسعدني فحسب، بل هزني حتى الأعماق، الآخرون لم » : قالت السيدة جيهورام
«. يفهموا، وسعدت بأنك لم تعزف معه
نظر الملاك إلى ويلمردنجز وهو يعزف على نحوٍ ميكانيكي، وشعر هو أيضًا بالسعادة
لكن لم يقل الملاك شيئًا (المعزوفات المشتركة لدى الملائكة شبيهة بالمحادثة بين كمانَين).
أهيم عشقًا بالموسيقى، لا أعرف شيئًا عن آلية عزفها، لكنها » : قالت السيدة جيهورام
«. تبثُّ في النفس شيئًا أشبه بالشوق أو التمني
حدَّق الملاك في وجهها، وتلاقت العيون.
كان فتًى لطيفًا، عواطفه جياشة ربما، وعيناه جميلتان. «. أرى أنك تفهم ذلك » : قالت
انقطع الحديث، وانصرف الانتباه لوهلة لمعزوفة شوبان رقم ٤٠ التي كانت تُعزَف
بتمكُّنٍ بالغ.
لم يزل وجه السيدة جيهورام جميلًا حتى عندما غطَّى الظل أجزاءً منه وطوَّق النور
شعرها الذهبي، عندئذٍ خطرت ببال الملاك فكرةٌ غريبة. أيد مظهرها حينئذٍ ما كان يدور
بخلده، تخيل شيئًا ديدنه البريق الدائم الجميل وقع في الأسر، ولُوِّثت طبيعته، وأكُسب شيئًا
من الغلظة، ثم ووري بمظهرٍ خارجي مخالف لأصله.
«؟ هل … هل انفصلتِ عن عالمك » : قال الملاك بصوتٍ خفيض
«؟ وأنت أيضًا » : ردت
«! هذا كله باردٌ جدٍّا، وقاسٍ جدٍّا » : قال الملاك يقصد عالم البشر كله
«. أنا أيضًا أشعر بذلك » : فردت تقصد منزل سيدرمورتون
هناك أشخاص لا يمكنهم العيش » : وتوقفت للحظة مُظهرةً التعاطف ثم واصلت
بدون تعاطف، وأوقات يشعر فيها المرء بالوحدة في هذا العالم، يشعر بأنه في معركة
«. يحارب فيها كلشيء، ومع ذلك يضحك، ويغازل ويخفي كل هذا الألم
«. ويتمنى » : أكمل الملاك جملتها وهو يرمقها بنظرةٍ حانية

شعرت السيدة جيهورام (التي تتفهم عبارات الغزل وتقدرها) أن جوهر الملاك لا
هل تبحث عن التعاطف؟ أم وجدته » : يناقض مظهره وأنه يهيم بحبها (بلا شك)، قالت
«؟ بالفعل
«. أعتقد أني وجدته بالفعل » : رد الملاك بهدوءٍ شديد وهو يميل إلى الأمام
استمرت معزوفة شوبان رقم ٤٠ ، وتواصل تهامسالسيدة بابافير والسيدة بربرايت،
ووقفت السيدة هامرجالو (رافعة كأسها) ترمق الملاك بنظراتٍ عدائية، في حين تبادلت
السيدة جيهورام مع الملاك نظراتٍ عميقة ذات معنًى.
وندت عن السيدة جيهورام حركة.) ) «… اسمها ديليا، إنها » : قال الملاك
ديليا! اسمٌ رائع، » : قالت السيدة جيهورام بحدة وقد أدركت أن هناك لبسًا مؤسفًا
«؟ أليست هي العاملة في منزل الكاهن
انتهت المعزوفة بنغمةٍ مؤثرة، وفوجئ الملاك بتغير ملامح السيدة جيهورام.
«! أما أنا فلم أجده بعد » : قالت مستدركة
أتستأمنني أنا علىسرهيامك بالخادمة؟ حقٍّا يا سيد آنجيل؟ يبدو » : وخاطبت نفسها
«. أن جعبتك لا تعدم الجديد
ثم انقطع حديثهما فجأة.

هذا القسم أقصرأقسام الكتاب (إن لم تخني الذاكرة).
ولكن فداحة محتواه تستلزم فصله عن باقي الأقسام.
لا بد للقارئ من أن يفهم أن الكاهن قد بذل قصارى جهده لإكساب الملاك الصفات
لا تسمح لسيدة بأن تحمل شيئًا، بل استأذنها واحمله » : المميزة للرجل اللبق، فكان يقول له
وما إلى ذلك (كل الرجال الذين «. أنت عنها، وقفْ لأي سيدة احترامًا لها، وافتح لها الباب
لهم أخوات يكبرْنهم يعرفون هذه القواعد).
كان الملاك (الذي أخذ عن السيدة هامرجالو قدح الشاي) هبَّ فجأةً (تاركًا السيدة
وتقدَّم ببراعةٍ لافتة فأخذ «! معذرةً » : جيهورام عند إفريز النافذة) بعد أن قال لها باقتضاب
عن خادمة السيدة هامرجالو الجميلة صينية الشاي وأسرع أمامها بإصرارٍ مُفرِط، فقام
الكاهن وصاح بكلامٍ لم يُسمَع جيدًا.

«. إنه ثمل! لا بد أن هذا ما دهاه » : قطع السيد راثبون سلايتر صمتًا مطبقًا بقوله
وانفجرت السيدة جيهورام بضحكٍ هستيري.
يا للهول! نسيت أن » : ووقف الكاهن يحدِّق فيه بلا حراك، وخاطب نفسه قائلًا نادمًا
«. أشرح له الخدم ووظيفتهم! ظننته يفهم ذلك
قالت السيدة هامرجالو وقد بدا عليها كبح غضبٍ عظيم وترددت أنفاسها بسرعة:
حقٍّا يا سيد هيليار؟! حقٍّا؟ العبقري الذي جلبته شديد التبجُّح، لا يسعني الآن إلا أن »
«. أطلب منك اصطحابه والعودة إلى المنزل
حال لون وجه الكاهن من الحرج، وملأ اليأس عينَيه، واستقرت رابطة عنقه تحت
أذنه اليسرى، خرج إلى الرواق وقاطع الحوار الذي دار فيه بين الخادمة المضطربة والملاك
الحسن النية السيئ التصرف.
تعال، لنذهب، لقد لحق بي » : وقال وهو يغالب طوفانًا من المشاعر يعتمل في داخله
«. عارٌ لن يزول أبدًا
حدق فيه الملاك لثانية ثم فعل ما أمر صاغرًا يشعر أن قوًى يجهل كنهها ويشعر
بفظاعتها تحيط به.
وهكذا لم تكد سيرته تبدأ حتى انطوت.
وفي حوار (يتطاير حوله شرر الغضب) تلا ذلك وتولت فيه السيدة هامرجالو دور
«… أشعر بالإهانة، لقد أكد لي الكاهن أنه عازفٌ بارع، لم أكن أتخيل أن » : القيادة قالت
«. كان ثملًا، بدا ذلك جليٍّا فيه ارتباكه وهو يحتسي شايه » : قال السيد راثبون سلايتر
«! مهزلة » : قالت السيدة ميرجل
الرجل الذي يقيم معي هو عبقريةٌ » : أكد لي الكاهن، قال لي » : كررت السيدة هامرجالو
«. هذه كلماته بالضبط «. موسيقية
على أي حال، لا بد أنه يدرك هذا السخط العارم عليه » : قال تومي راثبون سلايتر
«. الآن
«؟ كنت أحاول تهدئته وملاطفته، هل تعلمون ما قال لي هناك » : قالت السيدة جيهورام
المقطوعة التي عزفها، أعترف أني لم أرد مواجهته، لكن في » : قال السيد ويلمردنجز
«. الحقيقة كانت تتواصل فحسب بلا تأثير

كان يعبث بالكمان فحسب، صحيح؟ اعتقدت أني أنا فقط » : قال جورج هارينجاي
«… من لم يتذوَّقْها؛ فالكثير من موسيقاك الراقية هي بالنسبة إليَّ
«! جورج » : قالت صغرى آل بربرايت
كان الكاهن مضطربًا قليلًا كذلك، كما بدا من رابطة » : قال السيد راثبون سلايتر
«؟ عنقه، أرأيتم كيف كانت؟ وكيف أثار ضجة حول ذلك الفذ الذي أتى به
«. الحذر والاحتياط واجبان » : قالت كبرى آل بابافير
قال لي إنه يهيم حبٍّا بخادمة الكاهن! كدت أضحك أمامه » : قالت السيدة جيهورام
«. مباشرة
«. كان على الكاهن ألَّا يُحضره إلى هنا أبدًا » : قالت السيدة راثبون سلايتر في حزم
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.