وصل الدكتور كرامب، كان جراميت قد قابله على بُعد مائة ياردة من بوابة منزل الكاهن.
كان رجلًا ضخمًا ثقيل البدن، يتدلَّى من وجهه الحليق لُغدٌ طري، يرتدي معطفًا صباحيٍّا
(باللون الرمادي الذي يُفضِّله)، ورابطة عنق ذات مربعاتٍ بيضاء وسوداء. دخل المنزل
ويُحدِّق في وجه الملاك الصبوح دون أن تبدو عليه المفاجأة. «؟ ما المشكلة » : وهو يسأل
وهنا «… ( هذا السيد، السيد آنجيل (وتعني الملاك » : رد الكاهن وهو يتنحنح كعادته
«. مصاب بطلقٍ ناري » انحنى الملاك احترامًا
طلقٌ ناري؟ في يوليو! هل يمكنني أن أراه يا سيد … آنجيل، » : قال الدكتور كرامب
«؟ أهذا اسمك
على الأرجح أنه سيتمكن من تسكين الألم، أتسمح لي بخلع معطفك » : قال الكاهن
«؟ عنك
استدار الملاك طائعًا.
أهذا انحناء في » : قال الدكتور كرامب بصوتٍ مسموع وهو ينظر إلى ظهر الملاك
وأمسك بالجناح الأيسر وقال: «! العمود الفقري؟ لا بل نموٌّ زائد … يا للهول! هذا غريب
غريب حقٍّا، ازدواج في الأطراف العلوية، ناتئٌ غرابيٌّ مشقوق! هذا ممكن، ولو لم أره »
العضد، » : وبدا الألم على ملامح الملاك وهو بين يدَي الطبيب، لكن الطبيب تابع «. من قبلُ
والكعبرة، والزند، كلها هنا، وراثيٍّا بالطبع، ولكن العضد مكسور، والبشرة الخارجية تبدو
مكسوَّة بالريش، يا للعجب! كأنه طائر، الأرجح أن هذا الجسم مثيرٌ جدٍّا لاهتمام المختصين
«؟ بالتشريح المقارن، لم أرَ مثيلًا له، كيف حدثت هذه الإصابة يا سيد آنجيل
الزيارة المدهشة
تعجب الكاهن من واقعية الطبيب.
وأشار برأسه إلى الكاهن. «. صديقنا » : ورد الملاك
وتقدم يشرح، ونحنحته تتخلل كلامه: «… يؤسفني أني من فعل ذلك » : فقال الكاهن
«. ظننت السيد، أقصد الملاك، طائرًا كبيرًا »
ظننتَه طائرًا كبيرًا؟ وماذا حدث بعد ذلك؟ يبدو أن عينَيك أيضًا » : رد الدكتور كرامب
واصل الضغط بيده على الملاك وتحسَّس مكان الإصابة، في حين ظل «. بحاجة للفحص
هذا التضميد جيدٌ جدٍّا » : يتابع أصوات التأوُّه غير الواضحة الصادرة من المصاب، ثم قال
رغم أنه لم يجرِ على يد متخصص، أعتقد أني سأبُقيه، يا له من تشوُّهٍ غريب! هل يُسبِّب
«؟ لك أي متاعب يا سيد آنجيل
ثم دار الطبيب وتأمل وجه الملاك.
«. نعم، يتعبني » : اعتقد الملاك أن الطبيب يسأله عن الجرح فأجابه
لولا العظام لنصحتك بدهانه باليود ليلًا ونهارًا، فلا شيء يضاهي » : قال الطبيب
مفعول اليود. يمكنك دهانه حتى على وجهك، لكن الزوائد العظمية تُعقِّد الأمور، يمكنني
«. بَتْرها بالتأكيد، ولكن ذلك يتطلَّب التأنِّي
«؟ أتقصد جناحيَّ » : قال الملاك مرتبكًا
جناحان! لم لا؟ يمكنك تسميتهما بذلك، نعم أقصدهما، وماذا قد أعني » : رد الطبيب
«؟ غيرهما
«! أبترهما » : قال الملاك
«. ألَا ترى ذلك؟ القول الفصل لك في النهاية، أنا فقط أسُدي النصيحة » : رد الطبيب
ثم انفجر ضاحكًا. «! أبترهما! يا لك من مخلوق غريب » : كرر الملاك
ثم التفت إلى الكاهن وقال: «. كما تشاء » : كان الطبيب يمقت المبالغة في الضحك، فقال
لم أسمع قط بمثل هذا الازدواج » : والتفت إلى الملاك مجدَّدًا وتابع «. الزائدتان غريبتان »
الكامل، على الأقل بين البشر. الأمر شائع في النباتات، هل أنت الوحيد في أسرتك الذي لديه
حالات ازدواج الأطراف شائعة؛ فهناك أطفال » : ولم ينتظر ردٍّا، بل تابع «؟ هذه الحالة
ثم التفت مجدَّدًا «. لديهم ستة أصابع، وعُجول لديها ستة قوائم، وقطط تزدوج مخالبها
«؟ هل يمكنني مساعدتك » : إلى الملاك، وكان يحاول ارتداء المعطف ولا يتمكن منه، فقال له
لكنِ ازدواجٌ كامل هكذا؟! وكبير الشبه بالطيور! لو اقتصر » : وواصل كأنما يخاطب نفسه
«. الأمر على ذراعَين زائدَتين لما كان بهذا القدر من الغرابة
استقر المعطف على الملاك أخيرًا، وحدَّق كلٌّ من الطبيب والملاك في الآخر.
هذا يجعل المرء يفكر في خرافة الملائكة تلك وكيفية نشأتها. تبدو » : قال الطبيب
محمومًا بعضالشيء يا سيد آنجيل. التوهُّج الزائد عَرَضٌأسوأ من الشحوب الزائد. صدفةٌ
غريبة أن يكون اسمك آنجيل! عليَّ أن أرسل إليك دواءً لخفض الحرارة، وإذا شعرت
وكتب ملاحظة على طرف كمه. «… بالعطش أثناء الليل فما عليك إلا
راقبه الملاك باهتمام، وندت من عينَيه ابتسامةٌ خافتة.
وأخذ بذراع الطبيب وذهبا نحو الباب. «. دقيقةً واحدة يا كرامب » : قال الكاهن
لا بد » : تجلَّت ابتسامة الملاك أكثر، ونظر إلى ساقَيه المتشحتين بالسواد، وخاطب نفسه
أنه يظنني بشريٍّا! تفسيره للجناحَين يُغفل حقيقتي كلها، يا له من مخلوقٍ غريب! ويا له
«! من حلم عجيب
«؟ هذا ملاك بالفعل، ألم تفهم » : همس الكاهن للطبيب
ورفع حاجبَيه مبتسمًا. «؟ ماذا » : رد الطبيب بصوتٍ حاد
«؟ لكن ماذا عن الجناحين » : قال الكاهن
«. طبيعيان تمامًا، ولو كانا غريبَين بعضالشيء » : أجابه الطبيب
«؟ هل أنت متأكد من أنهما طبيعيان » : سأل الكاهن
كل ما في الوجود طبيعي يا زميلي العزيز، لا وجود لشيء غير طبيعي » : رد الطبيب
في هذا العالم. لو وُجد ذلك لتركت مهنتي وانضممت إلى الدير الكرتوزي الأكبر، لكن توجد
«… ظواهر تخرج عن المألوف بالتأكيد، و
«… ولكن الطريقة التي وجدتُه بها » : قاطعه الكاهن
وجلس إلى طاولة في الردهة. «؟ على ذكر ذلك، أخبرني أين وجدته » : قال الطبيب
تردد الكاهن لبرهة؛ إذ لم يكن بارعًا في رواية القصص، ثم بدأ بذكر الإشاعات التي
دارت عن طائرٍ كبيرٍ غريب. كانت جمله مبعثرةً غير متماسكة؛ إذ كان يخشى أن تصطبغ
محادثاته اليومية العادية بأسلوب الأسقف الوعظي الذي كان يعرفه جيدًا ويستقبحه،
وظل الطبيب يحرك رأسه إلى الأسفل كل ثلاث جمل تقريبًا، كما بدا من حركة رأسه وفمه
أنه يُطمئن نفسه من أن التفاصيل التيسُردت تتطابق مع ما توقعه، ولما فرغ الكاهن من
«. تنويمٌ ذاتي » : الحكي، خاطب الطبيبُ نفسَه بصوتٍ خفيضقائلًا
«؟ معذرة » : قال الكاهن
«. لاشيء، عفوًا، أكمل حديثك، هذا مثير جدٍّا » : رد الطبيب
قال الكاهن إنه خرج حاملًا بندقيته.
«؟ قلت إن ذلك كان بعد الغداء، صحيح » : قاطعه الطبيب قائلًا
«. بعد الغداء مباشرةً » : رد الكاهن
«. عليك أن تمتنع عن ذلك، بالمناسبة، لكن واصل حديثك، من فضلك » : قال الطبيب
ووصل في حكيه إلى لحظة كان عند البوابة ووقعت عينه على الملاك.
كانت درجة الحرارة تسعة وسبعين في الظل في ظهر ذاك » : قال الطبيب مقاطعًا
«. اليوم
عندما فرغ الكاهن من قصته، مطَّ الطبيب شفتيه، وابتسم ابتسامةً خفيفة، وحدق
في عينَي الكاهن بشدة.
«… أنت لا تص » : فقال الكاهن مترددًا
ووضع يده على ذراع الكاهن. «. اعذرني في ذلك » : هز الطبيب رأسه وقال
إذن أنت خرجت بعد الغداء في ظهيرةٍ قائظة ربما تجاوزت درجة » : تابع الطبيب
الحرارة فيها الثمانين، في حين كان عقلك — أو بالأحرى الجزء الذي كان يعمل منه
حينئذٍ — يضجُّ بأفكار عن ذلك الطائر الذي تتوقَّعه، وأقول الجزء الذي كان يعمل منه
لأن معظم أعصابك حينها كانت تُركز على هضم طعام الغداء الذي كنت قد تناولته لتوِّك،
وفجأةً يهبُّ رجلٌ واقفًا أمامك من بين أوراق السرخس التي كان مستلقيًا بينها، فتطلق
النار. وتشاء الصدفة البحتة أن يكون لدى ذاك الرجل زوجان من الأطرافالعلوية، أحدهما
يشبه الأجنحة، إنهاصدفة بالتأكيد، أما عن الألوان الكثيرة تلك، ألم يسبق لك أن رأيت بُقعًا
ملوَّنة تطفو أمام عينيك في نهارٍ مشمسٍ وهَّاج؟ هل أنت متأكد أنها كانت على الجناحَين
«. فقط؟ فكِّر
في حين اتسعت عيناه الدائريتان الصغيرتان «! لكنه يقول إنه ملاك » : قال الكاهن
حتى كادتا تنسلَّان من محجرَيهما، ووضع يدَيه الممتلئتَين في جيبَيه.
ثم صمت. «! هه، توقعتُ ذلك » : رد الطبيب وعيناه مثبتتان على الكاهن
«… لكن ألا تظن » : قال الكاهن
«. هذا الرجل مذهون » : قال الطبيب بصوتٍ خفيضونبرةٍ جدية
«؟ ماذا » : قال الكاهن
مذهون، مضطرب العقل، هل لاحظتَ الرقة الأنثوية الظاهرة في وجهه؟ » : رد الطبيب
«؟ وميله إلى الضحك الذي لا معنى له؟ وشعره المهمَل؟ وملبسه الغريب
أمسك الكاهن بذقنه متفكرًا.
كلها علامات على الاختلال العقلي، يخلع الكثير من أمثاله المشوهين » : وتابع الطبيب
على أنفسهم الكثير من الألقاب الغريبة؛ فقد يسمي أحدهم نفسه أمير ويلز، ويدَّعي آخر
أنه الملاك جبرائيل، ويظن ثالثٌ نفسه إلهًا. إبسن يخال نفسه معلِّمًا عظيمًا، وماترينك
يظن نفسه خليفة شيكسبير. قرأت عن ذلك كثيرًا في نوردو. لا شك أن هذا التشوُّه الغريب
«… الذي ابتُلي به هو ما جعل الفكرة تخطر له
«… لكن في واقع الأمر » : قال الكاهن
«. لا شك لديَّ أنه هرب من مصحة » : قاطعه الطبيب
«… لستُ مقتنعًا على الإطلاق بأن » : قال الكاهن
ستقتنع، وإن لم تقتنع، فالشرطة هي الحل، فإن لم يكن، » : قاطعه الطبيب مجددًا
«. فالإعلان عنه، لكن حينئذٍ قد يحاول ذووه التكتُّم على الأمر؛ فحاله مثار رثاء يصِمُهم
«… لكنه بوجهٍ عام يبدو » : قال الكاهن
وتحسَّس «… من المرجَّح أن يتواصل معك أصدقاؤه خلال يوم تقريبًا » : قال الطبيب
لا بد أن مسكنه في الجوار، يبدو أن لا خطر يُخشى منه، عليَّ أن أعود » : ساعته ثم تابع
وقام من مكانه عند الطاولة. «. لإلقاء نظرة على هذا الجناح غدًا
لكن » : وربت على كتف الكاهن، وتابع «! ما زلتَ متأثرًا بأقاصيص العجائز » : وقال
«! ملاك، كما تعلم — ها ها
«… لقد ظننت بالفعل أن » : قال الكاهن في ارتياب
فكِّر في الأدلة بأسلوبٍ دقيق، ماذا لديك » : قاطعه الطبيب وهو لم يزل يتحسَّسساعته
«. منها؟ دفقات من الألوان مصدرها عوائم العين فحسب
«. ومع ذلك، ما زلت أتذكَّر روعة جناحَيه، أكاد أقُسم بجمالهما الأخَّاذ » : قال الكاهن
فكِّر في الأمر؛ ظهيرةٌ قائظة، أشعة شمس شديدة تسقط على رأسك » : رد الطبيب
… إلى آخره، على أي حال، أنا مضطر للانصراف، الساعة الآن الخامسة إلا الربع، سأعود
هأ هأ!) غدًا إذا لم يأتِ أحد لأخذه قبل ذلك. أحسنتَ تضميد الجرح، وأنا ) « ملاكك » لزيارة
«. من أبُاهي ببراعتي في ذلك، لم يذهب تدريب الإسعافات هباءً، طاب مساؤك