maialkhaleel

Share to Social Media

الفصل التاسع
مَن أنتَ أيُّها الغريبُ
مُتَعَلِّقٌ بِفُسحَةِ الأملِ ... أمامَ عينَيكَ تَتَربَّصُ البَقيَّةُ الباقيَةُ من اليأسِ ، فتعبَثُ بكَ الحيرَةُ ... الرُّوحُ تشتاقُ الرَّحيلَ ... والقلبُ يَستَجدي البقاءَ ... أدمى الوِجدانَ صِراعُ القلبِ والرُّوحِ ... عاشِقاً أنتَ ... هارباً أنتَ ... غامِضاً كورقَةِ خريفٍ حارَت بها الرِّيحُ ... غارِقاً في لُجَجِ الصَّمتِ ... سجيناً خلفَ قُضبانِ الحنينِ ... مَن أنتَ أيُّها الغريبُ ؟ ماذا فعلَت بكَ السُّنونُ . ....... هُناك ... على حدودِ الأبديَّةِ وقفتَ تَتَأمَّلُ ... أرسَلتَ زفرةً كأنَّها شكوى الدَّهرِ ... هُناك ....... على حدودِ الأبديَّةِ ... سافرَت عيناكَ في رِحابِ هذا الكونِ كَناسِكٍ في مِحرابِهِ يَتَعبَّدُ ... في أعماقِكَ اجتَمعَ نقيضانِ .. ثَلْجٌ ونار ... لا النَّارُ أذابَت جليدَ القلبِ ، ولا صقيعُ الثَّلجِ أخمدَ لَهيبَ النَّارِ ... هُناكَ من على شُرْفَةِ الحياةِ وقَفْتَ تُطالِعُ وجوهَ العابرينَ ، تبحَثُ فيها عن معنى الحياةِ .. وجوهٌ كَسَتْها ملامِحُ الطِّيبَةِ والبراءةِ ، وأُخرى زيَّنَتْها سَماحةٌ وبساطةٌ ، لَكِنَّ حزناً غريباً غمَرَها ، ووجوهٌ بانَت عليها قوَّةٌ أكسبَتْها قسوةً وعنفاً رهيباً ، وأخرى غامِضَةُ الملامِحِ ، أخفَت وراءَ غموضِها أسئلَةً لا إجاباتَ لها ...... هكذا هي الحياةُ .. ضِدَّانِ لا يَجتَمِعانِ ولا يفتَرِقانِ ، يتجاورانِ ولا يَلتَقيانِ .
... نقيضانِ كالثَّلجِ والنَّارِ ... عَشِقْتَ فَلْسفَةَ الحياةِ ، سعَيتَ وراء الحقيقةِ ، رأيتُ فيكَ رجُلاً من زمَنٍ آخرَ ... ضاقَت بكَ دُنيا الأوهامِ ، سِرْتَ على غيرِ مَركَبٍ فواجهتَ عواصِفَ الحَياةِ بقلبٍ جريء ، تمَسَّكْتَ بِأَشرِعَةِ النَّجاةِ ، حَمَتْكَ مرَّةً وخَذَلَتْكَ مرَّات ، ما استَكَنْتَ ولا استَسلَمْتَ بَل سلَّمْتَ بالمَحْتُومِ ، توَّاقاً كُنتَ لِما هو أجَلُّ وأعظَمُ ... كُلَّما حاوَلتُ أن أكتُبَكَ حرفاً تَخونُني لُغَتي ، فأرسُمُكَ خيالاً تَضيعُ في غياهِبِ عَتْمَتي ، أبحَثُ عنكَ في زوايا الذَّاكِرَةِ فأجِدُ حرْفَكَ النَّقي يَجري بِأورِدَتي ، أنظرُ في عينَيكَ فأرى تَشَرُّدي وضياعي وعُزلَتي ... لَم أستَطِع يوماً أن أُفَسِّرَ طبيعَةَ علاقَتي بكَ هل هي حُبَّاً؟ .أَم صداقةً؟ أَم مُجرَّدَ عابِرَ سَبيلٍ زارَني طيفاً في غَفلَةِ الوسَنِ ؟! . سنواتٌ مضَت على تعارُفِنا الأوَّلِ ، ومازالَ القَدَرُ سَيِّدُ المُصادفاتِ التي تَجمَعُنا ، هوَ القَدَرُ مَن رتَّبَ مواعيدَنا دوماً ، ودَوماً سألتُ نَفسي مَن أنتَ ؟ وكيفَ اقتحَمتَ حياتي هكذا ؟ ماذا تُريدُ منِّي ؟ وهل أُريدُ منكَ ؟ أو وهل أنتَظِرُ منكَ شيئاً ؟ما معنى كُلُّ تلكَ السنواتِ التي انقضَت ؟ أحياناً أتمَنَّى لو تُجيبَ أسئلَتي ، وأنَّى لكَ أن تُجيبَ ! وهل تُراكَ تعلَمُ ما بِخاطِري حتَّى تُجيبَ ؟ أتُراكَ فَكَّرتَ يوماً بما فَكَّرتُ أنا ؟ أنتَ الحاضِرُ الغائبُ كيفَ لي أن أعلمَ خاطِرَك ؟!
وبَينَما أنا أمشي على ذَلكَ الشَّاطِئِ الذي صرتُ أعتبِرُهُ جُزءاً منِّي ، أعشَقُ صوتَ أمواجِهِ ، وأُصادِقُ كُلَّ حبَّةِ رَملٍ تناثرَت على أطرافِهِ ، أحكي لهُ صَمتي ووَحشَتي ، فَتُداعِبُ روحي نَسَماتُهُ الرَّقيقَةُ تارَةً والغاضِبَةُ تارَةً أخرى ، وكأنَّهُ باتَ يُشارِكُني مشاعِري ويرأفُ لِحالي ويُعاتِبُني إن طالَ غيابي أو بَالَغتُ في حُزني ، تَلفَحُني شَمسُ صَيفِهِ وأرتَوي بِغيثِ شِتائهِ . أمشي شارِدَةً بِمَنظَرِ الشُّروقِ الرَّائعِ ، مُحاوِلَةً الهروبَ من أفكاري التي تُطارِدُني وأستَمتِعُ بهذا المَشهَدِ الكونيِّ البَديعِ الذي يَبعَثُ في الرُّوحِ سلاماً وبَهجةً . لَمَحتُهُ من بعيدٍ قادِماً ، ابتَسَمَ حينَ رآني وكأنَّهُ كانَ يتَوقَّعُ وجودي هُنا . أشهُرٌ مضَت على لِقائنا الأخيرِ ، شعورٌ غريبٌ خالجَني حينَ رأيتُهُ أتُراني كنتُ أنتَظِرُهُ
؟ وما مَجيئي ها هُنا إلَّا لِأُمنيَةٍ دفينَةٍ في قلبي .. أن ألقاهُ ، أن يُهديني القدَرُ صُدفةً تَجْمَعُني بهِ ، أَم أنِّي لم أُفَكِّرْ بهِ قَطُّ ، ولِمَ أُفَكِّرُ بهِ أصلاً ؟ مَن هو ؟ وما صِلَتي بهِ ؟ هو الصَّديقُ البعيدُ القريبُ الذي تَمنَّيتُهُ دوماً ... صديقٌ ... ! ؟ وأيُّ صديقٍ هذا ؟ ! هل يَعرِفُ عنِّي شيئاً ؟ وأنا ماذا تُراني أعرِفُ عنهُ ؟ يالَها من صداقةٍ حقيقيةٍ فعلاً ! أَأَذكُرُ آخِرَ مرَّةٍ التَقَيتُهُ ذاكَ الصَّديقُ المِثاليُّ ، أذكُرُ أنِّي كنتُ قرَّرتُ نِسْيانَهُ . وهل فعَلتُ ؟ أَم هي مُجرَّدُ أحاسيسٍ راودَتني حينَ لَمَحتُ طيفَهُ أو رُبَّما هُيِّئَ لي ذَلكَ ... صحيحٌ هل هو ذا فعلاً ؟ أَم أنِّي أتَخَيَّلُ ؟ أربَكَتني أفكاري ، وما زلتُ أسيرُ بِبُطء على رملِ الشَّاطئِ الذي ذَهَّبَ الأرضَ حينَ لامَستهُ خيوطُ الشَّمسِ الأولى لِدرَجَةٍ لَم أشعُر بهِ إلَّا يقفُ على بُعدِ خُطواتٍ منِّي .
كيفَ أنتِ ؟
قالَ بِهدوئهِ المَعهودِ
بِذاتِ الهدوءِ أجبتُهُ بِرَغمِ ضجيجِ الأفكارِ المُتصارِعَةِ في داخِلي :
بخير ... وأنتَ ؟
قالَ وكأنَّهُ لَم يَسمع سؤالي بَل وتَقصَّدَ إرْبَاكي ، وكأنِّي لا يَكفيني ما بِداخِلي :
لم تَستَغرِبي وجودي هُنا أليسَ كذَلكَ ؟
وابتسَمَ .
بلى في الحقيقةِ لم أتوقَّع أن أراكَ هُنا وفي هذا الوقتِ تحديداً .
أجَبتُهُ مُحاوِلَةً قدَرَ المُستطاعِ إخفاءَ إرْبَاكي الذي لا شكَّ لاحظَهُ .
نظرَ إلى السَّماءِ بِعَينَينِ وَسِعَتِ السَّماءَ نظرتَهُما وقالَ :
في هذا الوقتِ تحديداً لا يُمكِنُ إلَّا أن أكونَ هُنا .
ابتسَمتُ وقلتُ وقد بدأَ ارتباكي يزولُ بعضَ الشَّيءِ :
نعَم صَحيحٌ ... إنَّكَ تُحِبُّ مُراقبَةَ شروقِ الشَّمسِ من هذا المكانِ أيضاً أليسَ كذَلكَ ؟
قالَ :
ها أنتِ تَذكُرينَ .
قلتُ بَلى أذكُرُ .
قالَ :
إذَن لِمَ عَجِبْتِ من وجودي ؟
قلتُ :
وهل مُسافِرُ البَحرِ يُصبِحُ في نَفسِ الأرضِ التي أمسَى فيها ؟ أَم لهُ في كُلِّ يومٍ ميناءٌ جديدٌ .
قالَ وقد تلاشَت ابتِسامتَهُ قليلاً :
نعَم صدَقت يا عزيزَتي ، ما رأيُكِ أن نجلُسَ ؟
وأشارَ إلى حيثُ جلسْنا دوماً وكأنَّهُ أرادَ تغييرَ الموضوعِ .
قلتُ :
هيَّ بِنا .
قالَ وعيناهُ لَم تُفارِقِ البحرَ سوى لحظاتٍ نظرَ فيها لي :
تَبدينَ مُرهَقَةً هل أنتِ بخيرٍ ؟
- لا أبداً فقط لم أنَم جيِّداً في الأيَّامِ الماضيةِ .
قالَ :
لعلَّهُ خير ؟
قلتُ :
بالأمسِ عُدْتُ من السَّفَرِ .
قالَ :
لم أَعْهَدْكِ تُحبِّينَ السَّفَرَ .
ابتَسَمتُ بفتورٍ وقلتُ :
كنتُ أزورُ عائلَتي في فرنسا .
قالَ :
جميلٌ ...
صمَتَ بُرهةً ثُمَّ أعقَبَ :
لَكِن اسمَحي لي أن أسألَ لِمَ تَبدينَ حزينةً هكذا ؟
شَرَدْتُ قليلاً ثُمَّ قُلتُ :
لا لَستُ حزينةً
وصَمتُ بُرهَةً أُخرى ثُمَّ قلتُ وكأنِّي أُكَلِّمُ نَفسي :
لِمَ علينا دائماً أن نَخسرَ شيئاً غالياً على قلوبِنا أو رُبَّما أشخاصاً نُحِبُّهم مُقابِلَ أن نَحظى بِحُلُمٍ تَمنَّيناهُ وسَعينا لِأجلِهِ ؟!
قالَ :
أنتِ لا تسألينَ بَل تَستَنكرينَ ؟
- بَلا أَستَنكِرُ ، ويؤلِمُني كثيراً هذا الأمرُ .
- أعلَمُ روز
قالَ بِلُطفٍ :
هيَ سُنَّةُ الحياةِ لِكُلِّ شيء مُقابِل، أنتِ لن تَحصُلي على كُلِّ ما تَمنَّيت ، وأيضاً لَن تَخسَرِي كُلَّ شيءٍ ، طبعاً هُناك دوماً ما يجِبُ أن نَخسرَهُ لَكِنَّنا سَنُعَوَّضُ بغَيرِهِ ورُبَّما بِأفضلَ منهُ ، ونَحنُ لا نُدرِكُ ذَلكَ إلَّا لاحِقاً... لَكِن ...
قلتُ وقد زادَت حيرَتي :
لَكن ماذا ؟
- روز ؟ بِمَ تُفَكِّرين ؟
قلتُ :
لا ... لا شيء فقط أتساءَل .
لم أَجِد ما أقول ولِمَ أقول ولن يُغَيِّرَ قَولي في الواقِعِ شيئاً .
- حسناً روز
قالَ بِلُطفٍ أكبرَ هذهِ المرَّة :
هَوِّنِي عليك فليسَ على هذه الأرضِ ما يَستَحِقُّ العَناءَ صَدِّقيني .
قلتُ بِإيمانٍ :
نَعم . صدَقت
قالَ :
ثِقِ بأنَّ ليسَ من أمرٍ يَحدثُ معَنا أو سوءٍ يَمسُّنا أو يَمسُّ أحداً مِمَّن نُحِبُّهم إلَّا وحِكْمَةً إلَهيَّةً من ورائهِ .
قلتُ :
ولو أدرَكنَا ذَلكَ لاخْتصَرْنا على أنفُسِنا الكثيرَ منَ العَناءِ .
ساعاتٌ مضَت نتحدَّثُ وما شعَرنا بِمرورِ الوقتِ ، فجأةً التفَتَ إلى ساعتِهِ إنَّها التَّاسِعَةُ صباحاً كم مضى علينا من الوقتِ !
قالَ مُبتَسِماً :
ما رأيُكِ بِفُنجانِ قهوَةٍ بعدَ هذا النِّقاشِ الصَّباحيِّ العميقِ طبعاً إن لَم يَكُن لديكِ ما تَفعَلينَهُ
قلتُ :
حسناً لَكِن هذهِ المرَّةُ أنا مَن سأصنَعُها .
نظرَ حولَهُ مُتَعَجِّباً :
هُنا ! لَكِن ...
قلتُ مُدرِكةً دهشَتَهُ :
حسناً مَنزلي قريبٌ وأشَرتُ إلى ناحيةٍ قريبةٍ من مكانِ جلوسِنا .
- لَم أعلَم أنَّكِ تَسكُنينَ هُنا !
قالَ ومازالَ مُتَعَجِّباً .
قلتُ :
نَعَم منذُ سنواتٍ أُقيمُ هُنا
قالَ :
إذَن أنتِ مَحظوظةٌ فالمكانُ رائعٌ .
ابتسَمتُ وقلتُ :
وفنجانُ القهوةِ يزيدُ روعَتَهُ روعةً ، لَن أتأخرَ سأذهَبُ لِأُحضِرَها .
ضَحِكنا وقد زالَ ارتِباكُنا كُلِّياً ، وصرنا أكثرَ بَساطةٍ في التَّعامُلِ مع بعضِنا .
أليسَ عجيباً هذا الذي يَحدثُ ، كُلُّ تلكَ السَّنواتِ ولا زِلنا نرتَبِكُ كأوَّلِ لِقاءٍ أمَا آنَ لِلزَّمَنِ أن يُزيحَ بعضاً من حواجِزِنا ! أمَا آنَ لِلنُّورِ أن يَنْفَذَ قليلاً من شُبَّاكِ عَتمتِنا ! عجباً إلى الآنَ ما عرَفتُ مكانَكَ ولا عرفتَ مكاني ، ما التقَينا ولا افترَقنا ، ما تَجاوَزتَ حدودَ وطَني ولا عرَفتُ لكَ وطناً .
قضَينا يوماً كانَ بالنِّسبَةِ لي راحةً كنتُ بِحاجَتِها جدَّاً ، يوماً خارِجَ حُدودِ الزَّمَنِ تبادَلنا الصَّمتَ والكلامَ ، أَبْحَرْنا في عَوالِمَ أُخرى جُبْنا فيها رِحابَ الكَوْنِ ، وغَرَفْنا من بَعضِ كَوامِنِهِ الجَليَّةِ الخَفيَّةِ ، وبالنِّسبَةِ لهُ لَم أعلَم حتَّى قالَ لي قبلَ أن يُوَدِّعَني ، وقد فوجِئنا باقترابِ المَساءِ ، وبدَأتِ الشَّمسُ تَفْتَرِشُ البحرَ لتَستريحَ بعدَ نَهارٍ طويلٍ تاركَةً خلفَها شفقاً قُرمُزيَّاً زيَّنَ السَّماءَ ، وانعكسَ على صَفحَةِ الماءِ فبدا المَشهَدُ كَلَوحَةٍ رُسِمَت بريشَةِ مُحتَرفٍ لوحةً ربَّانيَّةً أجَلُّ وأعظمُ من أن يَحتَويها وصفً مُنصِفاً .
قالَ :
أشكرُكِ على هذا اليومِ الرَّائعِ ، أتعلَمين ؟ لولاك لكنتُ الآنَ في عَرضِ البَحرِ أُحادِثُ الأمواجَ وأستَمِعُ لها ، وأنصِتُ إلى صخَبِ الفراغِ والصَّمتِ .
قلتُ :
إلى هذا الحدِّ لَم تَعُد تقوى على البقاءِ في بلدِكَ التي .....
وقبلَ أن أُكمِلَ قالَ بِحُزنٍ واضحٍ وقد بدا عليهِ التَأثُّرُ:
لا . لا . روز أرجوك لا تُكْمِلِي ... لا تُكملي لو سمَحت .
كم نَدِمتُ وقتَها ولمتُ نَفسي على سؤالي حينَ رأيتُ تأثُّرهُ بذاكَ الشَّكلِ .
-آسِفةٌ رام لَم أقصِد .
- لا عليك أنا الذي أعتَذرُ فلا أستطيعُ التَّحدُّثَ في هذا الموضوعِ أبداً .
آلَمَني حالُهُ ، لَكن لَم أقُل شيئاً بعدُ وكأنِّي نسيتُ الكلامَ .
ابتسَمَ بِحُزنٍ وقالَ :
حسناً لا عليك انسَي الأمرَ ولا تهتمِّي ، أنتِ صديقةٌ رائعةٌ روز وأنا سعيدٌ جدَّاً بِصداقَتِكِ .
ابتسَمتُ وقلتُ :
وأنا أيضاً رام أَعتَزُّ بِصَداقَتِكَ كثيراً .
- يَجِبُ أن أذهبَ الآنَ رغمَ أنِّي أودُّ لو أبقى معكِ وقتاً أطوَلَ لكِنِّي سَأُسافِرُ باكِراً جدَّاً ، وأنتِ يَجبُ أن تنامي باكِراً اليومَ دعكِ منَ السَّهَرِ الذي أرهقَ عينَيكِ الجميلتَينِ .
قالَ جُملتَهُ الأخيرَةِ ونهضَ كمَن يَتهرَّبُ ، وكأنَّهُ أدركَ أنَّها المرَّةُ الأولى التي يقولُ فيها كلاماً من هذا النوعِ .
ابتسَمتُ بِخجَلٍ ، واستأذَنتُ دونَ أيِّ ردٍّ :
أتمنَّى لكَ سَفرَاً موَّفَقاً انتبِه لِنفسِكَ .
قالَ :
لا تقلَقي فأنا والبَحرُ بينَنا صداقةٌ قديمَةٌ .
كدتُ أسألُهُ متى قد تعودُ ، لَكِنِّي اكتفَيتُ بالسَّلامِ ومضَيتُ ، وسارَ معي بِضْعَ خُطُواتٍ وكُنَّا قد اقترَبْنا من حديقَةِ بيتي .
قالَ :
صغيرةٌ حديقتُكِ وجميلَةٌ .
قلتُ :
صغيرَةٌ لَكِنِّي أُحِبُّها كثيراً وأعتَني بها بنَفسي .
قالَ :
جميلَةٌ وأنيقةٌ وشَمسُ المَغيْبِ تمنَحُها مزيداً من الرَّوعَةِ والتَّألُّقِ .
قلتُ :
شُكراً على هذا الإطراءِ ، إنَّهُ لَمن لُطفِكَ حقَّاً .
- روز أُهنِّئ
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.