الفصل الثاني عشر
قالَت جودي :
مَهما يكُن ... كانَ عليكِ أن تَحكي لي أنا على الأقَلِّ .
صاحَت تالا مُعتَرِضةً إيَّاها كالعادةِ :
مَن تَظُنِّينَ نَفسَكِ حتَّى تختارَكِ أنتِ ولا تختارَني أنا مثلاً لِتحكي لي أسرارَها .
قالَت جودي بجديَّةٍ مُفتعلَةٍ :
كَفاكُما جِدالاً الآنَ ، لَم تُخبِرْنا حسناً انتهى الأمرُ ، وبالفعلِ قد فعلَت خيراً أنَّهاا لَم تَتَكلَّم ، فحتماً كُنتِ أنتِ وهي - مُشيرةً إلى تالا وجودي –حتماً كُنتُما سَتُفْسِدانِ عليها كُلَّ شيءٍ بِتَصَرُّفاتِكُما الغبيَّةِ وجِدالاتِكُما التي لا تَنتَهي ، تابَعَت مُحاوِلةً ابتِلاعَ ضِحْكَةٍ لَم تَنجَحْ بكِتمانِها طويلاً : أُقسِمُ لو عرفَكُما لولَّى هارِباً خوفاً من أن تكونا قد عديتُما روز بِحُمقِكُما وسخافتِكُما ، ثُمَّ أرْدفَت بِخُبْثٍ :وهو طبعاً رجُلٌ رزينٌ وجَديٌّ وجنْتل ولَن يَحتَمِلَ فتاةً بِسذاجَةِ تالا أو بِشقاوَةِ جودي .
- وما أدراكِ أنَّهُ رَجُل رزين وجديًَّ آنِسة صَبا هل رأيتِهْ ؟ قالَت جودي ساخِرةً
ضَحِكَت صَبا وقالَت :
وهل تَعتَقدينَ البِرنْسيسة روز سَتُعجَبُ بأيِّ كان آنِسة جودي ؟
قالَت تالا مُقاطِعةً :
أَمُعجبَةٌ هي بهِ حقَّاً !؟ روز ...... بِجلالَةِ قدرِها مُعجبةٌ ... وبِبَحَّارٍ أيضاً لا . لا . أُصَدِّقُ .
صَبا مُعترِضةً :
ولِمَ لا تُعْجَبُ به ، بالطَّبعِ هو وسيمٌ وغنيٌّ وجنتل أيضاً .
ردَّت جودي :
أصحيحٌ هذا الكلام روز قولي هيَّا لِماذا تَحملِقينَ بِنا هكذا ؟ صحيحٌ ؟ أَم هو تَخريفُ هَاتَين الاثنتَين ؟
أصابَتني كلِماتُها تلكَ بِنَوبةِ ضَحكٍ طويلَةٍ زادَت من غيظِهنَّ وحنقِهنَّ عليَّ
صاحَت بي تالا :
كَفاكِ ضَحِكاً وتكلَّمِي روز .
- إذَن . قلتُ ومازلتُ لا أستَطيعُ منعَ نَفسي من الضَّحكِ ، أتدرينَ ؟ دَعيني أَضحَكُ سيكونُ أفضَلُ لكِ مِمَّا سأفعلُهُ الآنَ ، ورحتُ أرميها بِكُلِّ ما كانَ حولي من أشياءٍ ... دَفاتِرَ أقلامٍ وسائدَ ألعابٍ حتَّى انقلبَت الغُرفةُ رأساً على عقبٍ ، وبدأتُ معَ كُّلِ رميَةٍ أنهالُ بالكلامِ كما الضَّربِ ولا شيءَ يُوقِفُني ... سيُفسدُون عليَّ كُلَّ شيءٍ صَبا خانُم ، وما أدراكِ حضرتُكِ أن بينَنا شيئاً كي تفسِدانِه . برنْسيسة ... طبعاً برنْسيسة ورُغماً عنكِ دِموزيل تالا ... ولِمَ لا أُعجَبُ بِبَحَّارٍ ؟ ما لهُ البحَّارُ ؟ وما بي أنا ؟ قولي ها ؟ ... تابَعْتُ وما زلتُ أضحَكُ وأضحَكُ وأرميهِنَّ واحِدةً تلوَ الأُخرى بِكُلِّ ما يقَعُ تحتَ يدي من أغراضٍ ... وأنتِ سنيورة جودي ... أُبَحلِقُ أليسَ كذلكَ ؟ ما ظَنَنْتِني فاعِلةً إذَن ؟ أُماشيكُنْ بِأوهامِكُن وتُرَّهاتِكُنْ ؟ كانَت معركَةُ انتِقامٍ شرِسةً بَينَنا ، وإلينا المسكينةُ تُحاوِلُ ردَّ اعتِبارِها ، نَضحَكُ ونَضحَكُ دونَ ملَلٍ – دوماً تَرَكْنا نوباتِ الجنونِ الطُّفوليِّ هذهِتأخذُنا إلى عالَمٍنَهربُ إليهِ كُلَّما احتَجْنا أن نَبتَعِدَ عن واقِعِنا المَريرِ قليلاً ، عالَمٍ فيهِ قَبَسٌ من سعادَةٍ نَفتَقِدُها ، فالحياةُ العاقِلَةُ دوماً مُمِلَّةٌ أحياناً ، ولا بَدَّ من بعضِ جنونٍ يسرِقُنا من جمودِها ورتابَتِها ، ويُزيحُ عنَّا جُزْءاً من حملِها الثَّقيلِ ، وذا أكثرُ شعاراتِنا في الحياةِ تأثيراً بِنا ونؤمِنُ بهِ أكثرُ من أيِّ شيءٍ آخر – وأخيراً صاحَت بنا صَبا :
كفاكُنَّ الآنَ مَضيعةً لِلوقتِ ، وتَضيِّيعاً لِلمَوضوعِ فقد استُنْزِفَت طاقاتي كُلُّها بِسبَبِكُنَّ وتَعِبتُ كثيراً ، وارْتمَت على الأريكةِ تلهَثُ ... دعْنَ روز تَحكي لنا بالتَّفصيلِ منذُ أوَّلِ مرَّةٍ رأتْهُ فيها حتَّى هذه اللَّحظةِ ، وتَنهَّدَت تَنهيدةً مقطوعةَ الأنفاسِ ، لَكِنَّ تالا قاطعَتْها قائلةً وهي تلهَثُ أيضاً :
لَستِ وَحدَكِ مَن قُطِعَت أنفاسَكِ نَحنُ أيضاً ما عدَت بِنا قُدرةً للجدَلِ والمُناكفَةِ لَكِن ... وصمتَت بُرهةً ... ورغمَ ذَلِكَ علينا أن نُعاقِبَها قبلَ أن تقولَ شيئاً أليسَ كذَلِكَ ؟ ألَسْتُنَّ معي في هذا القرارِ ؟
صاحَت جودي وصَبا ضاحِكَتَينِ .. طبعاً ... طبعاً ... ماذا تَقتَرحينَ تالا ؟
#بقلمي_مي_الخليل
وقفَت تالا في مُنتصَفِ الغُرفةِ واضِعةً يديها على خَصْرِها :
أحم . أحم .
تنَحْنَحَت وهي تَنظرُ نَحوي نظرةَ قاضٍ لِمتَّهَمٍ ينتَظِرُ حُكْمَهُ :
اسمَعي روز : بعدَ التَّداوُلِ أصدرْنا نَحنُ الثلاثَةُ .. حضرَتي أنا زعيمَةُ الشِّلَةِ وحضراتُ الآنِسة جودي مُمَثِّلَتي الأولى وصَبا مُساعِدَتي قرَّرنابعدَ إثباتِ ارتِكابِكِ لِجريمَةِ كِتمانِ الأخبارِ عنَّا منذُ ثلاثِ سنواتٍ الفرمانات الآتية ::
أوَّلاً – تَجريمُ المُتَّهمَةِ روز بِجريمةِ إخفاءِ الأسرارِ عن سَبْقِ الإصرارِ والتَّرَصُّدِ .
ثانياً – الحكمُ عليها ب-
أولاً القيامُ بجميعِ أعمالِ المنزلِ وحدِها ودونَ مُساعدَةِ أحدٍ لِمُدَّةِ ثلاثةِ أيَّامٍ مُتواصِلَةٍ .
ثانياً – صنعُ ثلاثُ صوانٍ من البيتزا الشَّهيَّةِ من أجلِ غداءِ اليوم .
ثالِثاً – صنعُ الحلوى اللَّذيذَةُ التي اعتادَت صُنعَها لِلشِلَّةِ العَزيزةِ .
رابِعاً والأهم – أن تعتَرِفَ الآنَ وفوراً ودونَ تأجيلٍ وتَحكي لنا الحِكايةَ من أوَّلِها لِآخرِها .
رُفِعَت الجلسَةُ
- هيّاَ روز هيَّا دونَ تَلَكّؤٍ إلى كُرسي الاعتِرافِ ، صاحَت إلينا :
لا تَفرَحْنَ كثيراً أيَّتُها العزيزات فلَن أدعْها تَعتَرِفُ بشيءٍ هي ليسَت راغِبةً بهِ .
ما كادَت تَنطقُ بكلِماتِها تلكَ حتَّى هبَّت جودي إليها مُمسِكةً بِشَعرها :
أوقَعتِ نَفسكِ بنفسكِ ، كيفَ لم نُصدِر في حقِّكِ أيَّ عقوبَةٍ فأنتِ مُتَّهَمةٌ مثلُها بل أكثرَ منها وتُعتبَرينَ شريكتَها ، اسمَعِي إلينا :
سَتُلَبِّينَ كُلَّ طلباتِنا دونَ تَذَمُّرٍ هل تَفهَمين ؟ ولم تَستَطِع كتمانَ ضِحكَةٍ انبعثَت منها بصوتٍ عالٍ .
قلتُ بِبرودي المُعتادِ :
حسناً تالا ... أُوافِقُ على كُلِّ ما ذَكرتِ لَكِن أخبريني قبلَ أن أُنَّفِذَ ما تُريدون .. بعدَ انقِضاءِ فترةِ عقوبَتي ستأتينَ أنتِ لتَقوميَ بأعمالِ المَنزلِ أليسَ كذلكَ قولي باللَّهِ عليك قولي ؟ وضَحِكْتُ بِسُخريَةٍ .
مضى ذلكَ النَّهارُ ، وانقشَعَت آخِرُ خيوطِ الشَّمسِ التي تسلَّلَت من النَّوافذِ تارِكةً خلفَها نوراً خافِتاً دوماً ما بعثَ في نَفسي إحساساً غامِضاً جَهِلْتُ كينونَتَهُ ..
انتَهينا من صُنْعِ البيتزْا والحلويات والغداء ، وأنهينا أعمالَ المنزلِ الذي كُنَّا قد أشبَعْناهُ نكتاً وتَخريباً وفوضى خلالَ النَّهارِ ، ارتمَينا على الأرائكِ مُنهكاتٍ من التَّعَبِ واللَّعبِ كالأطفالِ ، قالَت جودي مُبْتَلِعةً نصفَ حروفِها :
روز ... انتَهينا من المُزاحِ واللَّعبِ الآنَ وصارَ وقتُ الجَدِّ ... هيَّا تكلَّمِي ، ومعَ آخرِ حرفٍ نطقَتْهُ غابَت في نَومٍ عميقٍ
• .
ضَحِكْتُ في سرِّي ... حسناً جودي نامِي واحلَمِي ، نظَرْتُ حَولي فإذا الجميعُ غارِقونَ في سباتٍ عَميقٍ ، كانَ منظَرَهُم مُضِحِكاً ... جودي وإلينا على أريكَةٍ واحِدَةٍ ، تَشابَكَت أيديهِما ، وتدلَّت قدَمُ إلينا عن الأَريكةِ فبدَت وكأنَّها نائمةٌ وهيَ جالسة ، وعلى وجهِها المُفعَمِ بِبراءَةِ الطُّفولَةِ ارتسمَت ابتِسامتُها التي أعشَقُ ، أَما صَبا وتالا فقد استولَت كُلُّ واحِدَةٍ على أريكةٍ ، أسبلَت عينَيها وأرْخَت جفونَها وغطَّت في النَّومِ ، بينَما جلَستُ أنا على كُرسيٍّ بِقُربِ نافِذَتي الصَّغيرَةِ بعدَ أن أخَذْتُ حَمَّاماً ساخِناً أُمَشِّطُ شَعري ، وأُراقِبُ عُصفوراً صَغيراً وقفَ على حافَّةِ النَّافِذَةِ علَّهُ يبحَثُ عن شيءٍ ، هذا ما أحسَسْتُهُ من نظراتِهِ التي تُحَدِّقُ في المكانِ بِطَريقةٍ غريبَةٍ ، أو رُبَّما كانَ مُعْجباً بِظِلالِ الشَّمسِ التي بدأت تَختَفي وراءَ سِتارِ الغيومِ التي تكدَّسَت في كبدِ السَّماءِ مُنذِرةً باقتِرابِ المطَرِ ، وبَينما أنا شارِدةٌ بذاكَ المَشْهَدِ السَّاحرِ ، سقطَت قطرةُ ماءٍ من إحدى خُصلاتِ شَعري المَبْلولِ ، وكنتُ لا أزالُ أُمِشِّطُهُ على وجهِ جودي النَّائمةِ على الأريكَةِ الأقربِ إليَّ ، فتحَت عينَيها بِفزَعٍ :
#بقلمي_مي_الخليل
آهٍ روز هذهِ أنتِ ؟ ألا تَتعَبين ! ألا تَنامين ! طيِّب بِراحتِكِ يا أُختي لَكِن دَعينا نَنامُ نَحنُ ؟ ما ذَنبي أنا كي أفزعَ هكذا أففففف وزفرَت بِعصَبيَّةٍ .
قلتُ بعدَمِ اكتِراثٍ :
وما لي بكِ أنا نامِي ، أترَينَني أُغَنِّي فوقَ رأسكِ مثلاً ! أَم أُشْعِلُ النُّورَ ! ااا أَم لعلَّ صوتَ حفيفِ المشطِ بشَعري هو الذي أزعجَكِ وأيْقظَكِ !
- برَبِّكِ روز ... كَفاكِ رغياً الآن ، وجَفِّفِي شعرَكِ جيِّداً لستُ مُضطرَّةً لِأستَحِمَّ مُجدَّداً بالماءِ المُتَقَطِّرِ من شَعرِكِ المَبْلولِ .
قالَت جودي مُتَذَمِّرةً
قلتُ ضاحِكةً :
امممم إذاً هذهِ القِصَّةُ ... حسناً ... لَكِن هذا ليسَ وقتَ النَّومِ هيَّا كَفاكُنَّ كسَلاً .
وما كدتُ أُكْمِلُ جُملَتي حتَّى انتَفضَت ناسيةً أنَّ إلينا غافيةٌ على ذِراعِها :
أنتِ تَبتَسمينَ روز ... ومعنى ذَلكَ قرَّرتِ أن تَحكي لنا عن ذَلكَ الغريبِ أليسَ كذَلكَ ؟
انتَفضَت إلينا خائفةً
- ماذا حدثَ ؟ أينَ أنا ؟صاحَت بهلَعٍ
- آهٍ جودي ... انظُرِي ماذا فعَلتِ لقَد أَخَفْتِها . قلتُ مُوَبِّخَةً إيِّاها .
فربَّتَت على يدِها قائلةً :
لا تخافِي حبيبَتي أنا أسفة لقَد نَسيتُكِ تَماماً ، لَم أَشعُر بكِ إلَّا تَسقُطينَ عن ذِراعي .
- حسناً جوجي –هكذا كانَت تُناديها دوما – لا بأسَ . قالَت إلينا مُتَذَمِّرةً وتركَتنا وذهبَت إلى غُرفَتِها
- تُصبِحونَ على خيرٍ .
عرفتُهُ عابِرَ سبيلٍ لهُ في كُلِّ يومٍ ميناءٌ جديد ... هارِباً من جرحٍ مُرابضٍ على حافَّةِ الزَّمَنِ البعيدِ ... شاءتِ الأقدارُ أن ذاتَ غروبٍ التقَينا وصارَ لي أقرَبُ من حبلِ الوريدِ ... كيفَ ؟ متى ؟ لماذا ؟ ... هُنا بَيتُ القصيدِ ...
قرأَت جودي تلكَ الكلِماتِ التي كنتُ قَد دَوَّنْتُها على دَفتَرٍ صَغيرٍ وجدَتْهُ على طاوِلَتي الخاصَّةِ ، كالعادَةِ وهي تُرَتِّبُها يَجِبُ أن تبحثَ عن كُلِّ جديدٍ لي في الكِتابَةِ - تعوَّدَت دائماً أن تَعرِفَني من دَفاتري وأوراقي المُبعثرَةِ هُنا وهُناك ، تَقرأُ حروفي وتُلَملِمُ شتاتَ أفكاري التي ألقَيتُ بها على تلكَ القُصاصاتِ الصَّغيرَةِ تبحَثُ وتُمَحِّصُ ما بينَ السُّطورِ ، بالأخَصِّ حينَ تَسأَمُ من صَمتي الذي قد يطولُ أيَّاماً ، لَم أَكُن يوماً كأولئكَ الذينَ لا يَستَطيعونَ القِراءةَ أو الكِتابةَ إلَّا في جوٍّ من الفوضى المعنويَّةِ والماديَّةِ ، ولا يَكتبونَ إلَّا وأوراقُهُم تناثرَت مُبعثرَةً كأفكارِهِم التي يُحاوِلونَ رصفَها وتَرتيبَها في سطورٍ مُنمَّقَةٍ ، دوماً كنتُ لا أكتُبُ إلَّا وجَميعُ ما يَخصُّني في مكانِهِ مُرَتَّباً ونَظيفاً ، لا قُصاصاتٍ مُوَّزَعَةٍ هُنا وهُناك مُخفيةً غِطاءَ الطَّاوِلَةِ الذي حرَصتُ دائماً على انتِقائِهِ مُطرَّزاً بأبهى الرُّسوماتِ والورودِ المُلَوَّنَةِ بِألوانٍ تُناسِبُ حالَتي النَّفسيَّةِ ، ووَاظَبْتُ على تغيِّيرِهِ بينَ الحينِ والآخر ، كي لا أملَّهُ فأنا مِمَّن يَعشقونَ التَّغيِّيرَ ولا سيَّما في زينَةِ بيتي ، إلَّا فيما نَدرَ أراني أُهمِلُ كُلَّ شيءٍ أتَّعَمَّدُ تَجاهُلَ عاداتي، وأَتركُ غُبارَ الزَّمَنِ يَنحَتُ آثارَهُ في كُلِّ مكانٍ ، أفتَحُ نوافذي جَميعَها ، وأدَعُ لِلرِّيحِ حُريَّتَها في انتِقاءِ أماكِنِ أوراقي التي أنشرها على طاوِلَتي وسَريري تعبَثُ بها كما تشاءُ ، وقد حدثَ ذَلكَ مرَّاتٍ جدَّاً قليلة ، وهذا هو السبَّبُ الذي جعلَ جودي وبقيَّةُ الشِّلَةِ قادِراتٍ على أن يَكشِفْنَ أسراري التي ما أخفَيتُها عنهُنَّ يوماً ، روز تُهْمِلُ أشياءَها العزيزةِ ، وتَسمَحُ لغيرِها بالتَّحَكُّمِ بها ... غُباراً يأكلُها ، أو ريحاً تعبَثُ بِها ، أو حتَّى نسياناً مُؤقَّتاً يطالُ بعضاً منها ! ... لا يَستحيلُ ... إلَّا أن يكونَ أمراً في مُنتهى الخطورَةِ ذاكَ الذي منعَها من مُمارسَةِ أكثرَ الأشياءِ التي تُحِبُّ تلكَ التي كانَت تَجِدُ فيها سعادتَها .
هكذا كانَت تقولُ جودي عندما ترى غُرفَتي في حالِها المُزري ذاك وذاكَ ما كانَ حاصِلاً يومَها حينَ جاءَتْني صباحاً على غيرِ العادَةِ ، علِمَت من إلي