لقد آذن الصيفُ بالرحيل فودع الأيام سراً ، لقد كان يعلم أن لا أحد سيفتقده ليس قلة إحترام منهم أو نكراناً لذاته ولكن لأن الضيف القادم بعده قد خطف منه كل تلك الأضواء التي كانت مسلطة عليه فقد كان محط الأنظار ويشغل تفكير الكبار والصغار فالكل بدأ يعد العدة لإستقباله إستقبالاً يليق بمقامه ، لقد كان الجميع يعمل بصمت فلا وقت للتخاذل أو الملل إنه وقت الجد والعمل ، حرث المزارع أرضه بإتقان وكلٌ لمنزله صان وفتح الشوارع وأحرق النفايات بالنيران ..
وفي أحد الأيام تجمعت تلك السحب السوداء حاملة في طياتها خيرات يشبع منها الجائعون ومياه يرتوي بها الظآمؤن ، ذلك البرق كان أشبه بجذور مضيئة وصوت الرعد بالرغم من أنه كان مدوياً إلا أن الكل فرح عند سماعه، بعدها بكت تلك السحب شوقاً فقد كانت تحبس دموعها منذ العام الماضي وتلك الأرض الميتة بدأت تعود لها الحياة ونمت تلك الأشجار في كل الأماكن وارتدت ثوباً لا يقدر بثمن في حين أنها كانت بالأمس لا تملك حتى ثوباً بالياً !
مرت الأيام وحان الوقت ليحصد كل مزارع سواء كسول أو مجتهد فهذا الأخير سيحصد ثماراً تسر الناظرين وذلك الأول فلن يحصد سوى خيبته ..
إن الخريف لم يكن يوماً ضيفاً ثقيلاً فعطائه لا يقدر بملئ الأرض ذهباً ولكنه لا يرضى بالعبث وبناء المنازل في طريقه من المجاري وبالقرب من الأنهار التي يعدها منزله الأول فمن يفعل ذلك فسوف يرد له الصاع صاعين ويجرف أحلامه بالسيول والفيضانات ويذيقه ضعف ما أذاقه من الألم مرتين ، فاحترموه يحترمكم