heebbaa

Share to Social Media

الفصل الثالث

حل الليل ومازال الهيثم يطوف أرجاء القرية من شارعٍ إلى شارع ومن حي إلى حي لم يترك مركزاً طبي ولا مركزاً أمني إلا وسأل عنها حتى وصل إلى محطة القطار فنظر للناس من حوله

يطالع الوجوه حوله كالأبله، دام حاله هكذا إلى أن جمعته الصدفة بصديقٍ قديمٍ له فأتى إليه مسرعاً ليلقي عليه السلام ويبارك له زواجه ومن ثم تبادل معه الحديث ليعلم بعد قليل أن خطباً ما قد أصاب الهيثم لهذا قرر أن يسأله مباشرةً عن سبب قدومه إلى المحطة

لم يجد الهيثم جدوى للكذب فقريتهم صغيرة وسرعان ما تنتشر مثل تلك الأخبار كالنار بالهشيم لهذا بدء يقص على صديقه المقرب بعضا من ما يلهب صدره لعله يجد منه العون

وكما ظن أسرع صديقه بقول ألا تعلم بأني التحقت مؤخراً بوظيفة داخل المحطة واستطيع أن أقدم لك مساعدة بسيطة وهي أن أبحث بين سجلات المسافرين على متن القطار في الأمس واليوم

_رفع الهيثم يده إلى كتف صديقه ليقول: أتستطيع فعل ذالك من أجلي ياحسام

_رد حسام بثقة بيانات المسافرين سرّية في العادة ولكني سأفعل هذا لأرد لك جميلاً صنعته لي منذ زمن

_وماذاك الجميل الذي تتكلم عنه قالها الهيثم بتعجب

_ لن أقوله لك بل سأحتفظ به لنفسي

_ابتسم الهيثم مجاملاً له ثم قال كما تريد لن اسألك مرة أخرى ولكن كم يلزمك من الوقت حتى تتأكد

_لن يطول غيابي لا تقلق فقط اجلس هنا وانتظرني بعض الوقت

انصاع الهيثم لما طلبه منه وجلس على مقعدٍ قديم نُقش عليه أحرف العشاق فكم شهدت تلك المحطة على أحباب تفارقوا وآخرين تلاقوا بعد غياب وكم شهدت هذه البقعة من الأرض على دموع الأحباب والأصحاب

وضع الهيثم كفيه على وجهه ليقول تحت انفاسه أين انتِ يارؤى لفظ أحرف اسمها ببطء ثم خطر على باله آخر كلماتٍ سمعها منها(تزوجتك غصباً عني)

( لم أكن أتخيل أن أصبح زوجة لشخص اعتبرته بيوم من الأيام كأخي)

(تحملت منك مالم تتحمله أنثى على أملٍ أن يأتي اليوم الذي أرى فيه نظرات الحب والحنان)

( لم ألقى منك إلا الذُل والإهانات)

( أرجو منك الآن أن تطلقني)

لم يخرجه من دوامة تلك الكلمات المميتة سوى صوت حسام وهو يقول: لم أتأخر عليك صح

_رفع رأسه الهيثم ليقول: لا لم تتأخر هل أتيت بأي خبر يفيدني في بحثي

_ نعم لقد أقلت القطار في الأمس

_ قاطعه الهيثم بعجالة: ماذا وإلى أين كان الرحلة متجهة أرجوك قل لي

_تمهل ياهيثم سأقول لك كل التفاصيل ولكن أعطني الفرصة للتكلم

اومئ هيثم برأسه ليكمل الآخر: كانت رحلتها لمدينة«.........»انطلق القطار في الساعة الحادية عشر وقد حجزت لك إلى نفس المدينة بعد ساعة من الآن

_قال الهيثم مبتسم: شكراً لك أنت خير صديق

_لا شكر على واجب، اعذرني ياهيثم لن استطيع الانتظار معك فلدي الكثير من الأعمال

_رد الهيثم قائلاً: لا عليك ياحسام فأنت قدمت لي معروفاً لن انساه باقي حياتي

_ابتسم حسام ثم قال وهو يهمّ للرحيل: أراك لاحقاً

ناداه الهيثم، فلتفت إليه بعد عدّة خطوات ليقول له: كم أنا ممتنٌ لذالك الجميل الذي صنعته لك في الماضى

ضحك حسام عقب كلمات صديقه ثم تابع سيره نحو عمله أما الهيثم عاد وحيداً جليس أفكاره من جديد منتظر موعد رحلته...........

༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻

أُسدلت ستائر الظلام لتغطي السماء ببطءٍ وكأنها تود اتاحة فرصة أخيرة لتغيّر أحداث هذا اليوم الطويل الذي مرّ على جميع من في المنزل ككابوسٍ يودون الاستيقاظ منه ولكنها لم تجد أملاً فيهم فحكمت عليهم بالظلام الدامس حتى إن القمر خجل الظهور في ليلةٍ عزمت فيها النفوس على أعظم الشرور......

فهناك بركانٌ ثار في جوف حجرات قلبها عندما علمت بمغادرة الهيثم وعصيانه لأمرها وهذا الذي لم يحصل من قبل فكيف له أن يعصي لها أمراً وهي التي اعتادت على طاعته المطلقة لها

كانت أم حازم تطوف غرفتها ذهاباً وإياباً وهي تقلب كفيها وتردد على ثغرها بغضبٍ مكبوت انتصرت ابنت تلك الحرباء كما انتصرت والدتها

الفتاة كوالدتها وإن حرمتها رؤيتها منذ نعومةأظافرها

الفتاة كوالدتها وإن حاربت فيها كل خصلةِ شبهٍ بينهما

قلبت الفتاة خساراتها لربح كما فعلت والدتها

وااااأسفاه كبرت وقوية في بيتي ثم تمكنت مني بمساعدة ولداي فالأول زاد قوتها بالتعليم ثم كسرني بهجره لي والثاني حافظ عليها لأربع سنواتٍ وكأنها لؤلؤة ثمينة ثم عصى أمري وغادرني ليطوف الأرض بحثاً عنها

واااااأسفاه على زماني فجميعهم أتحدوا ضدي ليهزموا عزيمتي ولكني سأصمد لأذيقهم جميعاً طعم مرارة انتقامي فلن ينتهي قبل أن تنتهي حياة تلك الفتاة الفاجرة ..........

༺༺༺༺༻༻༻༻༻༻

صاب ظن رؤى بأم مالك فهي كالأم الحنون التي أغدقتها بالحب والحنان

كانت رؤى بصدمة حقيقية فهي لم تكن تأمل في حياتها أن يأتي أحدهم إليها بثيابٍ نظيفة وجميلة ثم تحثها على الاستحمام ومن بعدها تُمشط لها شعرها وهي تغني لها بصوتها الرائع

ومن ثم عطرتها بأطيب الروائح بعد الانتهاء من تجديل شعرها الذهبي لتظهر كالفاتنات ملكات جمال السينما

ما أن خرجت من غرفتها حتى وجدت العشاء جاهزٌ في انتظارها فلم تتمالك نفسها وارتمت بأحضان أم مالك تبكي بحرق على ما مر من عمرها بدون أم وبدون سند أهذا هو جمال الأم أم ماذا فالآن فقط عرفة سر تعلق الهيثم بوالدته وعدم عصيانها فيحق لكل مخلوق على هذا الكوكب أن يعشق أمه فلا أحد يعرف قيمة حنانها أكثر مِن مَن فقده

كانت الأخرى تحاول التماسك ولكن لم تستطيع منع بعض الدموع من الانهمار ولكنها سرعان ما تداركت نفسها وقالت بمرح لتغيير الأجواء: أتظنين أن هذا الدلال سيدوم طويلاً لا يا صغيرتي أنه لليوم فقط لأني أركي متعبة

قالت كلماتها بلهجة مزاح فنظرت لها رؤى بنظرة حزينة تفطّر قلب الأخرى لها فمسحت دموعها بكفيها بلطف وقالت: لا تحزني يا حبيبتي سأفعل هذا في كل يوم بشرط أن تبقى ابتسامتك مزينة وجهك الجميل

الجمت الصدمة لسان رؤى فهي كانت تود أن تقول لها بأن ما فعلته في هذا اليوم كان بمثابة حلمٍ تحقق يساوي لها عمراً كاملاً ولكن سبقتها الأخرى بكلماتها تلك لظنها أن حزن رؤى نابع من أعراضها عن تكرار ما فعلته

عادت رؤى لواقعها بعد أن قالت أم مالك بتأنيب ألن تدعينا نأكل فأنا جائعة حقاً

ابتسمت رؤى وهي ترد: وأنا أيضاً جائعة

شاركتها أم مالك الابتسامة بعدما داعبة خديها بأصابعها لتقول: ولك نصيبٌ من الحسن مالم تراه عيني على سواكي ،
قالت كلماتها تلك لرؤى ثم أكملت في نفسها، صغيرتي أشعر وكأن الله عوضني بكِ عن كل أسى مرّ عليَّ في حياتي

شكرتها رؤى على جمال كلماتها ثم اقتربت من مائدة الطعام لتتذوق أطيب ما قد تأكله في حياتها.......

༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻

في نفس التوقيت كان ثنائي آخر مجتمعا حول طاولة الطعام يتجاذبا أطراف الحديث ليصل حديثهما إلى مالا يطيقه الآسر فأكثر مايزعجه تلميح عمته الدائم على ضرورة ارتباطه بفتاةٍ ما ليستقر ويأسس عائلة فقد حان الأوان كما تزعم

_تنهد الآسر وقال: لدي اقتراحٌ أخر ياعمتي

_وماهو ياحبيبي

_ هااا وقد سألتني ماهو ولكِ الجواب فما رأيك بدل أن تتعبي نفسك في أقناعي بأمر الزواج أن تختصري الطريق وتتزوجي أنتِ لتفرحي قلبي بكِ أليس هذا أنسب لي ولكِ ، قال آخر كلماته وهو يضع سبابته على رأسه بطريقة يتباهى بها بفكرته أما عمته فكانت مصعوقة فارغة فاها لا تصدق ما تسمعه ولكن سرعان ماأعادها للواقع صوت ضحكاته وهو يقول بأحرفٍ متقطعة من شدة الضحك: يبدو لي أنك موافقة فسكوتك هذا دليل الموافقة

توسعة عيناها لتجيبه: ويبدو لي أني لم أحسن تربيتك قالت كلماتها وهي تلتقط إناء اللبن لتركض خلفه بعد أن انطلق مسرعاً عندما أدرك ما تنوي فعله لم يمر الكثير حتى انتشر اللبن مع ضحكات الآسر بكل مكان فما كان لدى العمة خيار سوى أن تشاركه المرح ليسود المنزل جواً مليء بالحب والفرح.......

༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻

بينما كان أهل القرية في بيوتهم يتمتعون بنومٍ هانئ كان هناك من استتر بستار الظلام يمشي بحذرٍ شديد مدارى تحت الظلمات بعد منتصف الليل يسير متجه نحو أطراف القرية وبعد وقتٍ ليس بقليل وصل نحو مكان متطرف يوجد به حديقة من الزهور المختلفة يتوسطها قبرٌ يكاد يقسم من يراه أنه قبر أميرٍ أو ملكٍ من عصر الاكاديون أو عصر البابليون لفخامة بناءه ورقي تصميمه

ما أن وصل ذلك الكائن المغطى بالأسود من رأسه إلى أخمص قدميه إلى القبر حتى انحنى عليه ليتعالى صوت شهقات امرأة تبدو أنها عانت الكثير فكل ما كانت تقوله عبارة واحدة: اشتقت لك أنت لي ليس لهذا القبر أنت لي وأنا اشتقت لك

طال بقاؤها وكاد الصبح أن يتنفس فهمّت للرحيل بعد أن نظرة نظرة أخيرة للقبر وقالت: يالا حماقتك التي أودت بك إلى القبر قالت كلماتها ثم اسرعت بالرحيل قبل أن يستيقظ أهل القرية ويُفضح أمرها......

༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻

كانت رحلة طويلة وشاقة حقاً فلم تكن عبارة عن قطع مسافات فقط ولكنها كانت رحلة استرجاع ذكريات مؤلمة تصيب القلب بسهام الماضي دون رحمة مرافقاً لها ذلك الطيف المتطفل على حياته في كل حين

لم يكن لينقذ قلب الهيثم من باقي السهام سوى صافرة القطار التي أعلنت عن انتهاء رحلة المسافات أما رحلة الذكريات فلم ولن تنتهي أبداً

نظر هيثم حوله ليجد جميع الركاب يتوجهون لأبواب القطار ليشكلوا زحاماً بعض الشيء فوقف ليتقدم بينهم لعله يتخلص من ديق صدره باستنشاق نسمات الصباح المنعشة دون أن يدري ما الذي حصل الآن،

تابع الهيثم طريقه نحو باب القطار حتى خرج منه يستنشق الهواء بعمق ويمشي بدون وجهة معينة فقد تبع حدثه وسار في أحد الشوارع والتعب ظاهراً على ملامحه فلم ينم طيلة الرحلة غير أنه لم يتناول طعامه منذ الأمس مما سبب ألماً في معدته لهذا قرر البحث عن أي مكان يستطيع أن يُبتاع منه طعاماً ولكن لسوء حظه كان الوقت مبكراً جداً وجميع المتاجر مغلقة فكان عليه الانتظار أو مقاومة تعبه وأكمال سيره لعله يجد أحداً ما يحب الإبكار في عمله ولم يخيب ظنه هذه المرة عندما وجد رجلٌ يبدو عليه قد قطع عقده الرابع يفتح مطعمه بهمةٍ ونشاط فتوجه إليه يطلب منه بعض الطعام ،استقبله الآخر فحفاوة وقال له: لك ما طلبت سيدي ولكن أرجو منك أن تمنحني بعض الوقت لأعد لك ماطلبت فكما ترى الآن قد افتتحت مطعمي

ابتسم الهيثم وقال لا عليك أذهب أنت وأعد الطعام وأنا سأكمل ترتيب الطاولات بدلاً منك

كاد صاحب المطعم أن يتكلم ولكن قطع عليه الهيثم بقول: أرجوك إني جائع وأعدك بأنك ستُعجب بعملي

ابتسم صاحب المطعم وقال: كما تريد

وبالفعل نظّم الهيثم الطاولات بينما أعد الرجل له الطعام ووضعه أمامه فشكره الهيثم وبدء طعامه بشراهة أظهرت للآخر بأنه فعلاً لم يتناول الطعام منذ زمن ولكنه عاد لعمله من جديد بدون أن ينبث بأي كلمة

مرَّ بعض الوقت حتى انتهى الهيثم من طعامه فتوجه نحو الرجل الطيب وطلب منه فاتورة الطعام ولكن الرجل رفض أن يأخذ مقابلاً للطعام واعتبره رداً لمساعدة الهيثم له لأن مافعله الهيثم كان عملاً شاق على رجلٍ أُصيب بمرض آلام الظهر

ولكن الهيثم أصر على دفع المال له ودث يده في جيبه بحثاً عن محفظته ولكنه سرعان ماتوسعة عيناه وبدء يبحث في جيوبه بسرعة بحثاً عن المحفظة ولكن دون جدوى فلاحظ صاحب المطعم تلبك الهيثم فسأله ماخطبه

_فأجابه الهيثم وهو يضع يديه على رأسه: فقدت محفظتي الحاملة للنقود جميعها كيف لي أن أُكمل رحلتي الآن

حزن الرجل الطيب لحال هذا الشاب فاليأس قد ظهر على وجهه بشكلٍ مريب، أقترب منه وطبطب على كتفه

_وهو يقول: هون عليك يابني ولا تحزن على المال فلك أن تعمل وتجني المال أما صحتك فلن تستعيدها إن فقدتها

_رد هيثم بقهر كيف لي أن أجد العمل بمدينة لا أعلم عنها شيء فقد وطئتها منذ ساعات فقط

_لا عليك قل لي فقط مايمكنك العمل به وأنا سأساعدك في أيجاد عملٍ مناسب لك

_ أمتلك شهادة هندسة زراعية وأعلم الكثير عن فنون النجارة لعملي أثناء الدراسة في هذا المجال وأستطيع رعاية المواشي فأنا ابن قرية وهذه الأعمال اساس حياتنا ولدي أيضا بعض الخبرة في الرسم على الجدران بتقنية ثلاثي الأبعاد وهذه هواية مارستها أيام الجامعة

_ابتسم الرجل وقال: ما شاء الله بعد كل ما ذكرت وتخاف من أن لا تجد عمل اجلس يابني وسأتكفل بعملك

وضع الهيثم يديه على رأسه وهو يحدث نفسه وهل أملك وقتاً للعمل كيف سأجدك يارؤى وسوف أقضي وقتي في العمل ما اللعنة التي حلت عليِّ منذ أن دخلتي حياتي ياسميّة

أعاده من شروده صوت الرجل وهو يقول: نعم أبا ناصر معك............ أهلا ًبك.............. شكراً لك......... أود أن أخبرك بأن عندي شاب يحمل شهادة الهندسة الزراعية ويود أن يعمل فهل لديك شاغرٌ له......... لا لا ياسيدي هذا عملٌ منهك ولا أظنه سيقبل به........... نعم سأعلمه بما قلت لي وله القرار........... سأعاود الاتصال بك لأخبرك بقراره......شكراً لك

انهى أبا ناصر مكالمته الهاتفية ثم اقترب من الهيثم
_ وقال: يقول بأن يريد مهندساً زراعي ولاكن خارج المدينة أما بالقرب من هنا لا يوجد لديه سوى أعمال البناء وهي منهكة بشكلٍ فظيع

_رد لا استطيع مغادرة المدينة أخبره بأني سأعمل معه بالبناء

_ ولكن يابني، كاد أبا ناصر أن يكمل كلامه ولكن قاطعه الهيثم بقول: أني مضطر ياعم ولايوجد لدي حلاً آخر

أومئ أبا ناصر برأسه ثم اتصل بصاحبه وهكذا تكون قد بدئت رحلة شقاء الهيثم

فقد اجتمع مع صاحب العمل واتفق معه أن يعمل اثناء الليل وبالفعل استلم عمله وبدء نظامه الجديد فمن الساعة السادسة مساءً وحتى الرابعة فجراً في العمل الشاق ومن الرابعة وحتى الثانية عشر كان ينام في أحد الشقق الفارغة لا يؤنس وحدته بها سوى طيف رؤى المرافق له في كل حين غير ذلك فقد كانت فرشته فيها الأرض الأسمنتيه وغطاءه جدرانها العارية .

باقي نهاره يقضيه في البحث عن رؤى وهكذا مرت الأيام لتصبح شهراً ومر الشهر ليصبح ثلاثة أشهر ولم يكن الهيثم أن يمل أو يكل عن البحث.........

༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻

لم يعد خبر اختفاء الهيثم بعد زفافه بيوم يُخفى عن أحد وقد أصاب أهل عروسه ما أصابهم من ألسنة الناس في القرية وشماتتهم وقد كثرة الأقاويل عن ابنتهم وزوجها الهيثم مما أثار غضب والدها الذي دفعه لأجبار ابنته على ترك بيت هاجرها والرحيل معه إلى منزله

مرّ بعد تلك الحادثة عدة أيام قبل أن يُطرق الباب في الصباح عندما كان الجميع  مجتمعين حول مائدة الطعام يتناولون فطورهم توجه حازم نحو الباب ليفتحه فوجد خلفه موظف من المحكمة سلمه ظرف مغلق وطلب منه التوقيع على أنه استلم البلاغ

ذلك الظرف متوقع فمن رأى وجه والد سميّة يعلم جيداً بأنه لن يسكت وسيرفع على الهيثم قضية طلاق عاجلاً

كان حازم يقلب الظرف بين أصابعه وهو ينظر باتجاه والدته نظرة تُحملها ذنب كل مايحدث فماأن وصل إلى والدته حتى وضع الظرف على الطاولة أمامها فوجهت سؤالها له

_ماهذا الظرف ومايوجد بداخله رد باختصار إنه بلاغ من المحكمة ولاأعلم مابداخله

حملت الظرف ثم فتحته بين يديها لتجد ماتوقعته هي والجميع حولها إنها قضية طلاق ولكن سرعان مارُسمت الصدمة على وجهها عندما قرأت بصوت عالي: المدّعية رؤى عمير الحمداني

انصدم كل من سمع بما فيهم حازم وأحمد الذي رقص قلبه طرباً عندما علم أن رؤى هي التي رفعت القضية وبدء يحدث نفسه: كبرت صغيرتك ياعماه وستأخذ حقها وحقك وحق والدتها

كان هذا حال أحمد أما حازم فقد كان يحدث نفسه وهو يرى والدته تستشيط غضباً : هنيئاً لكِ انتصاركِ أيتها الفتاة فهذا حق قلب يامن الذي انكسر وطُعن دون رحمة

أما النساء فقد كانت رهف زوجة حازم وحلا زوجة أحمد شامتتان فهما أكثر شاهدتين على مدا تحمل رؤى من تلك العجوز والآن قد حق الحق...........

༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻

كانت رؤى تقضي معظم نهارها في مكتبة السيدة أم مالك فمنذ أن علمت عن حب رؤى للقراءة حتى فتحت لها مكتبتها لتقرئ منها ماتشاء وعند المساء كانت هي صديقتها الوحيدة فيجلسون ويتناقشون بما قرأت رؤى ثم يتجاذبون أطراف الحديث فقد كانت صديقتها الوحيدة طيلة الأشهر الماضي تحدثت إليها بكل مامرت به من أسى حتى حدثتها عن أمر الرواية التي احتفظت بها في مكان لايخطر ببال أحد كما حدثتها عن الإرث الذي تركه لها والدها وكيف حافظ عليه بدون أن تصل إليه زوجة عمها قبلها كانت أم مالك تبتسم لها دائماً وتقول ستُحل يوماً كل مشاكلك اطمأني صغيرتي فاتبادلها رؤى الابتسامة ثم تغفى على هذا الأمل

في هذا اليوم المميز كانت رؤى ترتجف فاقتربت منها أم مالك لتحضنها

_ثم سألتها: هل أنت نادمة يارؤى

_لا بل خائفة فالآن قد يعلموا مكاني من عنوان المحكمة، أنت لا تعلمي كم سيضربني الهيثم إن عثر عليّ أو كم سأنال من توبيخٍ وحرمان إن أعادني إلى زوجة عمي سيعاد ذلك الكابوس من أوله

شدّدة أم مالك من احتضانها وقالت لا تخافي ياصغيرتي لن يعثر عليكِ وإن عثر فلن يستطيع إيذائك وأنتِ في حمايتي

في هذه الأثناء لم تجد رؤى أي كلمات تعبر عن امتنانها لتك المرأة العظيمة فاكتفت بالنظر لعينيها تاركة لدموعها حسن التعبير..........

༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻

أما هيثم فقد تفاجئ من التطورات الأخيرة التي حدثت في المنزل عندما قصها له شقيقه أحمد

_فرد قائلا: قد اقترب لقائي بها عندها فقط سأُصلح كل مافات

_ اتمنى لك الخير

_قالها أحمد لينهي حديثه مع شقيقه ثم التفت لينتبه على وجود زوجته خلفه فقال: ماالذي أتى بك إلى هنا الآن

_ردت عليه بسؤال: ألا تخشى أن تعلم والدتك بأنك تحدث شقيقك بدون عملها وهي ينفطر قلبها على سماع صوته أو خبراً عنه

_تكلم أحمد بعصبية بالغة هذا ليس من شأنكِ وإن سمعت كلمة واحدة منك في هذا الشأن لقصصت لسانك.

قال كلمات ثم انصرف خارجاً من الغرفة ومن ثم البيت بأكمله........

༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻

_ صرخاتها ملئت المكان وصوت صافرات الأسعاف تعلو بالتدريج وخالد يرتجف أمام زوجته وهو يحاول تهدئتها ولكن آلامها كانت تفوق أي شيء وبين الصرخة والصرخة كانت تقول جملة واحدة أنها النهاية ياخالد أوصيك بولدي إن نجا تقول كلماتها تلك ككتلٍ من نار تصيب بها قلب الخالد ثم تعاود صراخها

وصلت أخيراً سيارة الأسعاف وتم نقلها إلى أقرب مستشفى وهناك بدء التعامل مع حالتها من قبل الطاقم الطبي ليبذلوا كل جهد ممكن لأنقاذها هي وجنينها

مرَّ الوقت على خالد وكأنه سنين كان احساسه أنه وحيد رغم وجود أهله وأهل زوجته منى بجواره لكن كلماتها لاتفارق خياله ولو للحظة واحدة
مرَّ الكثير والكثير من الوقت وهو واقف أمام غرفة العمليات ينتظر خروج أي أحد ليطمئن قلبه على زوجته ورفيقة دربه التي كانت ومازالت عشقه الأول والوحيد فقد قضى في عشقها سنيناً دون مللٍ قبل أن يقرر مصارحتها عند عرضه عليها الزواج ليجدها تحمل له في قلبها الكثير من المشاعر لكنها كما فعل هو فقد احتفظت بها ليومٍ يجتمعا به في الحلال وعلى مرأ من كل الناس وكما تمنيا فقد توّج حبهما بالزواج ليبدأ مشوارهما معاً الذي انتهى مع خروج الطبيب وأعلامه بأن قلبها كان أضعف من تحمل كل تلك الآلام فتوقف معلناً أنهاء حياتها وحياة جنينها تاركا خلفهما عاشقاً مذبوحٌ بسيف الفراق وأباً مفجوع بموت طفله قبل أن يراه

༺༺༺༺༺༺༻༻༻༻
2 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.