الفصل العاشر:
اعتلت الشمس الذهبية قلب السماء لتنسج من خيوط أشعتها جدايل أملٍ منتشر برفقة نورها في كل مكان،
وللقلوب الحالمة النصيب الأكبر من هذا الأمل المنبث من خلف النوافذ المغلقة ليصل إلى موعده المحدد معها الذي لم يخلفه قط .......
كانت السيدة فتون مستيقظة تتأمل ملامح صغيرتها المنزعجة من أشعة الشمس المتسللة إلى وجهها عبر النافذة وتبتسم فكم كانت تحلم برؤية صغيرتها ولو حتى من بعيد والآن أصبحت تحتضنها بين يديها وتنعش قلبها برائحة جدائلها بدون أن يكن لأي أحد سلطةٌ عليها
قطع أفكارها صوت طرقات خافته على باب غرفتها فأسرعت لتفتحه قبل أن يعاد طرقه مرة أخرى ويزعج صغيرتها
وكما توقعت كان الآسر صاحب هذه الطرقات فقد تأهب للخروج إلى عمله ولكنه كالعادة أتى لينعم بسماع دعواتها له قبل أن يتوجه خارجاً من المنزل
أما السيدة فتون فقد همت للعودة إلى غرفتها لولا أنها سمعت صوت باب الغرفة التي باتت بها أم مالك فتوجهت إليها والابتسامة لا تفارق ثغرها
_ ثم قالت عندما رأتها: وأخيراً لقد وجدت أحداً ليشاركني قهوة الصباح فالآسر يميل للمشروبات الصحيّة كما أنه يخرج مبكراً إلى عمله
_ابتسمت أم مالك وقالت: وأنا كالآسر أميل للمشروبات الصحية أيضاً بسبب مرض الضغط ولكن لا مانع في أن أخلف الحمية اليوم من أجلكِ
_ ضحكت السيدة فتون ثم قالت : يبدو أنني من سيخالف مزاجه ليتعوّد على المشروبات الصحية المفضلة لدى الجميع هنا
_ أظن بأن هذا أفضل من أجل صحتك سيدتي ، قالتها أم مالك وهي تسير مع السيدة فتون متجهة نحو حديقة المنزل الساحرة بمظهرها الطبيعي فكل مافيها مغطى بالأشجار والأزهار الملونة كما أنه يتوسطها حوض سباحة تنعكس على ماءه أشعة الشمس ليبدو وكأنه مجموعة هائلة من اللآلِئ البراقة.
سحر المنظر أعين أم مالك العاشقة للطبيعة حين طلبت منها السيدة فتون الجلوس إلى أن تأتيها بكأسٍ من الحليب المخلوط مع الفواكه الطازجة لم يطول الوقت حتى عادت وبيدها وعاء يحمل كأس الحليب وبجانبه فنجان من القهوة فنظرة لها أم مالك نظرةٌ ذات مغذى لترد بدورها بعد أن رفعت أكتافها لم يطاوعني قلبي على هجرها بهذه السرعة فهي رفيقة دربي منذ زمنٍ بعيد
ضحكة الأخرى من قلبها على الطريقة التي تكلمت بها السيدة فتون وكأنها تستعطف من حولها لتحتفظ بصديقة مقربة إليها لا فنجان قهوة ،
_ثم قالت : لكِ ماأحببتِ ولكن لاتكثري منها فكثرتها مضرّة
_ نعم هكذا أصبحنا متفقتين قالتها السيدة فتون لتتشاركا الضحكات قبل أن يبدأ حديثهما يأخذ مجراً أخر فلكل منهما حياةٌ مليئةٌ بالأحداث ولا مانع في أن تتشاركان بعضاً منها كتبادل للخبرات ...........
************************************************
دخل الآسر إلى غرفة مكتبه بعد هذا الغياب ليتفاجأ بكومةٍ من الأوراق والملفات على طاولة المكتب في انتظاره فعلم أن الفهد لن يعاتبه بلسانه بل بأفعاله وهو بدوره سيعمل وهو صامت كي لا يضطر الأخر لتغيّر سياسته والهجوم عليه من حيث لايدري فهو يعلم جيداً أن مافعله لن يمر مرور الكرام عند الفهد أما خالد فهو مسالم نوعاً ما ويستطيع تقدير الظرف الصعب الذي مر به الآسر واضطره لإخفاء سبب غيابه عنهم لبضعة أيام .....
مرَّ وقت ليس بقليل والآسر يعمل على الملفات أمامه بحرفية عالية قبل أن تبدأ الموظفين بالدلوف إلى مكاتبهم فانتظر بضع دقائق بعد أن شاهد الفهد يدلف إلى مكتبه عبر الشاشة أمامه المتصلة بكاميرات المراقبة ثم استجمع شجاعته ليقتحم عرين الفهد بقدميه فلا يعلم إلى الآن ما الذي يمكن أن يفعله عندما يراه ......
في مكتب الفهد كان متعب نوعاً ما ففي الأمس لم ينال الراحة الكافية لجسده ولكن هذا لايزعجه مادام يفرح قلب معشوقته ويجعله يرى في عيناها سعادة لم يراها منذ زمنٍ بعيد ،ففي هذه الأثناء وبينما كان يفكر بزوجته الحبيبة طُرق باب مكتبه طرقات جعلته يعلم من الطارق فرسم على وجهه ملامح البرود التي انعكست على صوته حين قال: تفضل
_ دخل الآسر وبيده الكثير من الملفات ليقدمها للفهد وهو يقول : كيف حالك لقد اشتقت لك كثيراً
_نظر إليه الفهد من الأسفل إلى الأعلى ثم أجابه بنبرة البرود نفسها : تشتاق لك مكة ، ثم صمت قليلاً قبل أن يكمل وهو يشير إلى الملفات : يبدو أنك هنا منذ وقت طويل
_ شيءٌ من هذا قالها الآسر وهو ينظر للفهد باستغراب فهذه ليست طبيعته التي تعود عليه بها فقبل أن يدخل مكتبه كان يظن بأن أساس المكتب سيتحطم على رأسه ولكن خاب ظنه عندما وجده بهذا البرود
_أما الفهد فنظر لشرود الأخر وقال بعملية : إن لم يكن لديك ماتفعله هنا فعد إلى مكتبك وأنجز عملك
نظر الآسر للفهد بتعجب بعد أن شعر بأنه موظف الاستقبال لا مدير الشركة وقبل أن يدرك نفسه
_زاد الفهد في قوله : هيا إلى عملك جلوسك هنا لايفيد أحد
_ ابتسم الآسر ابتسامة غيظ قبل أن يقول : معك حق جلوسي هنا لايفيد سأعود إلى مكتبي لأكمل عملي
_ هيا ، قالها الفهد وهو يرفع كف يده باتجاه باب المكتب
_نظر له الأخر كالأبله وقال : ماذا؟
_ليعيد مرة أخرى : هيا عُد ماذا تنتظر ولماذا تنظر إليَّ بهذه الطريقة الساذجة
وقف الآسر متجهاً نحو الباب بدون أن يرد على الفهد بأي كلمة لينتظر الأخر الباب أن يغلق لينفجر ضاحكاً ويقول لنفسه : قدرتك على التحمل هائلة أيها الآسر سنرى كم ستصمد قبل أن تقدم لي فرصة النيل منك على كل ساعة قضيتها برعبٍ عليك أيها المستهتر سألقنك درساً لن تنساه ،كان يقول كلماته وهو يجمع الكثير من الملفات ثم طلب السكرتير الخاصة به وطلب منها ايصال جميع الملفات لمكتب الآسر
في الجهة الأخرى وبعد أن خرج الآسر من مكتب الفهد التقى بخالد فركض إليه الأخر بلهفة وهو ينظر لأنحاء جسد الآسر باهتمام ليقول الآسر بتعجب: مابالك ياهذا هل أصاب الجنون كل من في هذا المكان ماذا جرى في غيابي حتى فقدتم عقولكم
_لا لم أصاب بالجنون ولكني أتأكد من أنك سليمٌ فكما يبدو أنت خارجٌ من مكتب الفهد ومن يرى الفهد في الأمس يقسم بأنه سيقطعك عندما يراك
_اطمئن فقد غير الفهد استراتيجيته الحربية ويبدو أنه قرر أن يخوض معي مايسمى بالحرب الباردة
_ ماذا .... قالها خالد وهو يحاول فهم مايقصده الأخر ليأتيه الرد السريع
_لدي أعمالٌ كثيرة عليّ أنجازها أراك في المساء ،قالها الآسر وهو يتجه إلى مكتبه تاركاً وراءه خالد الذي فهم قصده عندما رأى سكرتيرة الفهد تحمل الكثير من الملفات وهي متجهة نحو مكتب الآسر فهز رأسه وهو يقول قاصد الآسر : عليك العوض ياصديقي ،ثم توجه إلى مكتبه ليتابع عمله هو الأخر ..........
***********************************************
في مكان بعيد كل البعد دعت ابنتيها ريما وشيماء للإقامة معها في المنزل بعد أن أصبح خاوياً لايُسمع فيه سوى صوت الرياح المتجولة بين غرفه الفارغة من أصحابه والمليئة بذكرياتهم التي كادت أن تقتلها لولا أن بناتها وأزواجهن لبوا دعوتها وأتوا للإقامة معها ليس حباً بها ولكن كان هدف كل من فريد زوج شيماء وحسين زوج ريما الأستيلاء على الأرض والمنزل فلهذا رحبوا بتلبية الدعوى متظاهرين بحبهما الشديد لأم زوجاتهن ولكن الحقيقة عكس ذلك تماماً .........
****************************************************
فتحت عيناها بتثاقل لتخطف نظرة سريعة نحو الساعة فوجدتها الحادية عشر ظهراً فانتفضت من نومتها وكأنها لُدغت من عقربة ثم مسحت بكفيها على وجهها ثلاث مرات وهي تقول:(( الحمد لله االذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور)) ثم توجهت لرفع الستارة التي أسدلتها والدتها كي لاتزعج أشعة الشمس صغيرتها فهي بحاجة للراحة بعد الذي مرة به من تعب جسدي ونفسي ، فما أن رفعت الستارة حتى رأت والدتها مع خالتها أم مالك تتشاركان العناية بالزهور ووجهيهما مبتسمين وكأن مايفعلانه يملئ قلبيهما بالسعادة والرضا لاتعلم لماذا تشعر بأن والدتها وأم مالك وجهين لعملة واحدة وعلى مايبدو أن هذا ماجعلها تتعلق بالسيدة أم مالك إلى هذا الحد فهي تشبه والدتها بكل شيء تقريباً
تركت النافذة بعد القليل من الوقت فقد داهمتها أوجاعٌ شديدة أثرى جروحها المتفرقة فتناولت بعضاً من الأقراص المسكنة قبل أن تتوجهت نحو حمام الغرفة لتغتسل فجسدها بحاجة للماء البارد كي يستعيد نشاطه بعد هذا النوم الطويل الذي لم تعتاده في حياتها أبداً ........
****************************************
كان القاسم جالساً في مكتبه مشغول الفكر لايعلم مايفعل مع والدته ليتخلص من هذا الزواج المقرر مسبقاً بدون أن يكون له أي رأي به.
ففي قمت أنشغاله هذا طلبه الآسر إلى مكتبه ليوكل إليه بعض الأعمال وهو لم يكن متعود أن يرفض أي طلب للآسر ولكنه الآن في حالة نفسية مذرية ولكنه ومع هذا استلم الملفات من الآسر بدون اعتراض ثم هم للعودة إلى مكتبه لولا أنّ صوت الآسر الذي أيقن أن صديقه ليس على مايرام : ماذا بك ياقاسم
_ لا شيء مجرد تعب بسيط، قالها القاسم وهو يخطو نحو باب مكتب الآسر الذي أعاد أيقافه بقول: إذاً اجلس علينا أن نتكلم قليلاً
تنهد القاسم لعلمه أن لاحيلة تنفع مع الآسر وعليه الآن أن يجد طريقة ليـأجل هذا الحديث فقد كان يشعر بأنه سينفجر إن تكلم
كان هنا الآسر يراقب شرود الأخر بدون أن يتكلم ثم ترك مقعده خلف طاولة مكتبه ليجلس مقابل القاسم وينظر مباشرة إلى عينيه ثم سأله : ماالذي أتى بك في الأمس إلى بيت السيدة أم مالك ، نظر له القاسم باستفهام وكأنه لم يفهم ماقاله ليضيف الآسر : لم تقل لي عندما هاتفتك بأنك قادم كما أنك أتيت بوقتٍ متأخر وكأنك كنت تائهاً ثم وجدت نفسك أمامنا
، صمت الآسر قليلاً ليحاول سبر أغوار الآخر ثم أكمل : كما أن عيناك كانتا تتحدثان عن كارثة قد جرت معك ولكني لم أجد فرصة لسؤالك إلى الآن
_ابتسم القاسم بقلة حيلة ثم قال : أصبت وأخطأت ياصديقي
_بماذا أصبت وبماذا أخطأت ، قالها الآسر مستفهماً
_ أصبت بأني كنت تائه بين الطرقات وفجأة وجدت نفسي أمامكم وأخطأت عندما قلت بأن كارثة قد حدثت
_ماالذي حدث إذاً ليجعلك تائهاً وشارداً هكذا
_ وقف القاسم ثم خطا بضع خطوات نحو النافذة ليستنشق قدراً كافياً من الهواء قبل أن يقول : بل الكارثة ستحدث قريباً عندما يتم زواجي من ابنت أبو سالم القادري
_ أين الكارثة في هذا الموضوع قالها الآسر وهو يضع يده أسفل ذقنه ثم أكمل : الآن فهمت أنت قابلت تلك الفتاة ووقعت في غرامها والآن تخاف أن أبو سالم يرفضك
كان الآسر يتكلم والقاسم تتوسع عيناه ليقول مقاطعاً له : توقف عن هذا الهراء أرجوك هذا الزواج مخطط له من والديَّ وليس لدي أي شأن أو رأي به فهو زواج مصلحة فقط إن لا قدر الله حدث هذا الزواج سأكون الخادم المطيع للسيد أبو سالم كي لاتتعطل أعمال والدي وأصبح الولد العاق بنظر الجميع هل فهمت الآن ماهي الكارثة ، كان القاسم يتكلم وعروق رقبته تكاد أن تنفجر من شدّة عصبيته المكبوته أما عن عيناه فلهما حديثٌ خاص ومطول من الأسى والحزن المدفون في عمقهما ، هدّأ نفسه قليلاً ثم أكمل بعد أن عاد للجلوس مقابلاً للآسر :عندما أعلمتني والدتي بقرارهما هذا شعرت بنارٍ قد نشبت بين أضلعي فخرجت من المنزل لاأعلم إلى أين أذهب فتهت لساعات بين الشوارع إلى أن وجدت نفسي أمام منزل السيدة أم مالك لم أأتي من أجلك كما قلت لك في الأمس بل أتيت لأراها فهي الوحيدة التي تمتلك عينان يلقيان السكينة على قلبي وكأنهما يرتلان تعويذة من نوعٍ خاص لاأحد يفقهها
_نظر الآسر إلى صديقه نظرة شفقة على الحال الذي وصل إليه هذا الشاب الطموح المليء بالطاقات الإيجابية وقال : هدء من نفسك ياأخي وتوكل على الله لن يحدث شيئاً لم يكن مكتوب لك وعيك بالدعاء إلى الله فهو الواحد الوحيد القادر على تغيير حالك من حال لحال أفضل بإذنه تعالى
هز القاسم رأسه ثم قال بيقين والنعم بالله ، قالها ثم حمل الملفات أمامه وخرج نحو مكتبه ولكنه لم يخرج مثلما دخل فقد دخل وهموم الدنيا مجتمعة على قلبه وخرج وهو موقن بأن الله سيجعل له مخرجاً فما أن وصل مكتبه حتى علا صوت محموله الخاص برنينه معلن عن مكالمة من والدته فتنهد وأجاب ليأته صوتها :
_كيف حالك
_بخير والحمد لله
_ أين أنت الأن
_ في الشركة
_ولماذا في الشركة إلى الآن
_لدي الكثير من الأعمال
_ عن أي عمل تتحدث هيا أترك مابيدك واذهب لكي تتجهز لحضور حفلة اليوم
_ أمي حبيبتي أنا لست العريس ويمكنني التجهز بنصف ساعة فقط والآن باقي على الحفلة خمس ساعات وهذا يعني أن لدي أربع ساعات ونصف الساعة لكي أعمل خلالهم
_ أسمعني جيداً ياقاسم أقسم لك إن تخلفت عن حفلة اليوم لترى مني مالا تُطيق
_اطمأني لن أتخلف
ماأن سمعت منه أخر كلماته حتى انهت المكالمة وهي تلعن وتشتم حظها
وفي الطرف الآخر وضع القاسم يديه على رأسه ليخفف من حدة الصداع الذي داهمه ثم عاد لينجز عمله بسرعة قبل ان يغادر الشركة.......
******************************************
كان الفهد يحاول تجميع أكبر عدد ممكن من الملفات المهمة والغير مهمة ليرسلها إلى الآسر الذي كان بدوره يستلمها من غير أن يعترض فزهق من هذا الوضع ولم يستطيع أن يكمل بهذا الهدوء فاانطلق نحو مكتب الآسر ليجده غارقاً بين الملفات
أما الأخر فما أن رأه حتى علم أن الفهد قد نفذت طاقة صبره وأعلن الهجوم أخيراً وخاصة عندما بعثر محتويات طاولة المكتب ووضع يديه على كتفي الآسر
_ليقول: قل لي مايشفع لك عن فعلتك هذه
_ كان الآسر في قمة هدوئه فقط يتابعه بعينين فخورتين بصديقٍ مثل الفهد ثم قال بصوته الرجولي الواثق: أعشقها
_كان الفهد كالبركان الثائر الذي أُخمد فجأة لا بل تحول لنبعٍ عذب ولكنه لم يدرك إلى الآن كيف ومتى وأين فمنذ أن تعرف عليه أيام المدرسة الإعدادية والآسر لا تلفته أنثى فمتى عشق هذا الكائن ومن هي صاحبة الحظ الماسي التي نالت قلب الآسر
كان الفهد يحدث نفسه وهو شاردٌ في وجه الآسر ثم قال: أريد تفاصيل متى وأين وكيف عشق الآسر
_ضحك الآسر ثم حكى له بعض التفاصيل المختصرة وماحدث معه حتى اضطر ليغيب بهذا الشكل المفاجئ كما قال له بأن ماأباح به الآن هو سرٌ لاأحد يعلمه سواه
_فابتسم الفهد ثم قام من مجلسه لينحني ويجمع الملفات التي فرشت الأرض بسببه ثم أردف لك العفو مني وبالنسبة لهذه الملفات فهي ليست ضرورية ويمكنني مساعدتك بها
ضحك الآسر وهو يقول: فضلك سابق عزيزي
ابتسم الفهد وهو يرد عليه بصوتٍ قصد به ترقيق الحروف : اعلم بأني غامرك بأفضالي ولكن لامانع لدي في أن أقدم لك المزيد من الأفضال
كاد الآسر أن ينال منه لولا أن قال كلماته وهو متجه نحو باب المكتب لينجو دون أصابات متبادلة
ردد الآسر بعد أن خرج الفهد من مكتبه :رب أخٍ لم تلده أمك ولكن ولدته لك الأيام ، قال عبارته تلك ثم شرد بلوحة البحر الهائج الذي يتوسطه أم تحتضن طفلها بملامح هادئة تبث له الطمأنينة وهي تحاول رفعه على لوحٍ خشبي كي لا ينال منه الغرق طال شروده في هذه اللوحة حتى نسى نفسه وأصبح كالمغيب عن الواقع .........
**********************************************
تفاجأه كل من السيدة فتون والسيدة أم مالك برؤى مرتدية ثياب الخروج من المنزل فبادرة السيدة فتون بسؤال ابنتها مستفهمة منها إلى أين تريد أن تذهب فردت قائلة بعد أن احتضنتها بكلا يديها : حبيبتي لن أتأخر إن شاء الله سوف أذهب إلى مكتب المحامية سلام فقد وصلني منها الكثير من الرسائل عندما أوصلت هاتفي بمقبس الشحن ، اتصلت بها منذ قليل لأعلم سبب هذا الإلحاح فطلبت مني الذهاب إلى مكتبها لتُطلعني على جديدٍ ما ولم تبح لي عنه على الهاتف
_ هل تريدين أن تذهبي وحدك ، قالتها أم مالك بتعجب وخوف نابع من قلبها
انتقلت رؤى من احتضان والدتها لاحتضان خالتها أم مالك ثم قالت : بطريقتها المرحة كنت أراقبكما من تلك النافذة ،قالت كلمتها الأخيرة وهي تشير بيدها نحو غرفة والدتها ثم أكملت:ولم أشاء أن أفسد متعتكما في تنسيق هذه الزهور الجميلة لأني أعلم جيداً كم حبكما لهذا العمل
_ وهل هذا مبرر لكي تخرجي وحدك في ظل الظروف الراهنة ، قالت السيدة فتون جملتها بنوع من التساؤل والعتاب ولكن لم تكد تكمل جملتها حتى صدح صوت البلبل بالأرجاء ليعلن أن زائراً ما يقف خلف الباب ويقرع الجرس ليجعل رؤى تضطر لأن تشرح ماحدث بسرعة : لا أمي لن أذهب وحدي فبعد أن كلمت المحامية سلام رنّ هاتف غرفتك أجبت لأعلم بعد قليل أنه الآسر يسأل عنكِ أخبرته بأنك في الحديقة ويمكنه أن يتواصل معكِ على محمولك كما خطر في بالي أن أخبره عن طلب الأستاذة فرد لي محذر من أن أخرج وحدي كما أنه قال بأنه سيأتي هو إن سمح له ظرف عمله أو أنه سيرسل لي سائق لكي يوصلني إلى المكتب ، كادت أن تكمل كلماتها باعتذار بأنها لم تتمكن من أخبارهما من قبل ولكن أسكتها صوته المهيب الذي كان كفيل في كل مرة بأن يرجف أوصالها بدون أن تعلم سبب ذلك .
ألقى الآسر السلام على عمته وضيفته السيدة أم مالك ثم أستأذنهما لاصطحاب رؤى بنفسه إلى مكتب المحامية سلام ليكون مطمئن على سلامتها .
سارت رؤى خلفه بخطوات مرتبكة فمجرد حضوره يسبب لها لخبطة فكرية فكيف إن كانت بجانبه وحدها ، لم يطول الوقت حتى اعتلت السيارة لتجلس بجانب مقعد السائق فهو في النهاية ابن خالها لا السائق الخاص بها لهذا لم تجد الجلوس في المقعد الخلفي مناسباً لمكانة الآسر الاجتماعية .
نظر لها الآسر بطرف عينه ليجدها بحالة الارتباك تلك فعاد بنظره نحو الطريق أمامه وقال بصوته الهادئ: اضبطِ حزام الأمان لو سمحتي
انصاعت فوراً لطلبه بدون أن تبدي أي تعليق لينطلق الأخر متجه نحو وجهتهما المحددة بصمت مطبق فليست وحدها من ترتبك من الاقتراب منه هو أيضاً يشعر بنفس المشاعر المتلخبطة ........
*********************************************
كان الفهد يتابع عمله كعادته بجدٍ وحب فهو يعشق الإنجازات التي حُققت على أيديهم هو ورفاقه الثلاث على مر بضع السنين الفائتة ويتفانى في عمله كالباقين ليحافظوا على هذا النجاح المبهر للجميع حولهم .
قلب بين يديه ملف مناقصة مهمة وقال بلهجة فخر : والآن أصبح الملف جاهزاً لاينقصه سوى توقيع الآسر وختمه ليبدئ العمل الجاد ، وكالعادة فمثل هذه الملفات لا تُسلّم لبعضهم إلا باليد فحمل الملف بين يديه وابتسامته تزين وجهه الجميل المميز بلحيته المرسومة بحرفية على يد أحد المحترفين في فن الحلاقة كما أن حاجبيه الحادين المرفوعين فوق عيناه البنيتين الكحيلتين ذات النظرةِ الثاقبة التي لطالما وقعت الفتيات في غرام تلك العينان بدون قصد من الفهد فهو الصعب الممتنع الممنوع عن جميع النساء فلديه معشوقته تكفيه حباً وعشقاً وغراماً ولا لأي أنثى أي حق في امتلاك ولو دقة واحدة من قلبه .
كان يمشي بثقته المعهودة حتى وصل مكتب الآسر فهو من الإداريين فلا أحد من السكرتاريا يقف في وجهه أو يمنعه الدخول على أي مكتب من مكاتب المدراء الآخرين فهذه تعليمات الآسر الصارمة لكادر السكرتاريا ، طرق الفهد طرقتان على باب مكتب الآسر ليعلم الأخر بوجوده ولكن دون رد فطرق مرة أخرى ليتأكد إن كان هناك أم لا فلم يأته الرد أيضاً فتح الباب ودخل ليجد المكان فارغ فبدء يجول بعينيه في أرجاء المكتب وكأنه يبحث عن طفلٍ له عادة التخفي
وعندما تأكد حدثه بأن الآسر غير موجود فعلاً عاد إلى مكتب السكرتاريا ليسأل عنه فأتاه الرد بأنه قد غادر منذ قليل خرج مسرعاً ليسأل القاسم إن كان يعلم سبب مغادرة الآسر في مثل هذا الوقت على غير عادته فوجد الآخر قد غادر فعلاً فغلت الدماء في عروقه لظنه بأنهما اتفقا على فعلٍ جديد هذه المرة أيضاً وغادرا سرياً لا يعلم بأن القاسم يواجه الآن مصيره المقرر من قِبل والديه .
عاد الفهد إلى مكتبه وهو يتوعد للإثنين بالهلاك على يديه .........
*********************************
حضر إلى منزل والديه قبل الموعد كما طلبت منه والدته فقط لكي ينال رضاها عندما تتأكد بأنه لن يختلق الأعذار هذه المرة أيضاً ليتخلف عن الحفل الذي سيجمعه بعروسه المستقبلية كما قررت في نفسها أما هو فقد جلس مع والديه يتجاذب معهما أطراف الحديث فمثل هذه الجلسة لاتتكرر كثيراً ، وبعد وقتٍ ليس بالقليل أعلنت الوالدة أنه حان وقت الانطلاق نحو قاعة الأفراح المخصصة لهذا الحفل المهيب الذي يليق بمركز راعيه..............
************************************
تبسمت الأستاذة سلام عندما رأت رؤى تقف أمامها وقالت مرحبة بضيفيها: أهلاً وسهلاً ثم نظرة لرؤى لتكمل بعد أن دعتهما للجلوس : كثرة محاولاتي للاتصال بكِ في الأيام الماضية لم تنفعني فكل مرة كنت أطلب رقمكِ يأتني الرد الآلي بأن الرقم خارج الخدمة
_ ابتسمت رؤى لترد بصوتها الناعم : أسفه أستاذة ولكن كان لدي ظرفٌ خاص
_ لا عليكِ قالتها الأستاذة سلام لتكمل بعدها وهي تقترب إلى رؤى وبيدها ظرفٌ مغلق : تفضلي هذا لكِ
فتحت رؤى الظرف ويديها ترتجفان لتجده قرار من المحكمة بإتمام الطلاق
انصدمت رؤى ثم نظرت للمحامية نظرة تعجب وهي تقول: كيف حدث الطلاق بهذه السرعة ألم تقولي لي بأن الإجراءات ستأخذ وقتاً طويلاً ،
في فاصلٍ بين سؤال رؤى وجواب المحامية كان هناك نابضٌ كاد أن يتخلى عن موضعه ليخرج من مكانه من شدة خفقانه فلا يعلم الآسر سبب هذه المشاعر التي انتابته فجأة لتجعل جسده يرتعش ولكنه حمد الله بأنهما غير منتبهتين إليه فالمحامية انشغلت بالرد على رؤى عندما قالت : نعم هذا صحيح كانت ستأخذ وقتاً طويلاً لو لم يأتي إليّ الهيثم ويوقع على أوراق الطلاق بنفسه
_ الهيثم ...، خرجت من فوههما معاً والتعجب يسيطر على وجهيهما لترد الأخرى : نعم أتى ألي بعد لقائي به في المحكمة بيوم أو يومين لم أعد أذكر تاريخ ذلك اليوم وطلب أن يوقع بنفسه على أوراق الطلاق بعد أن سألني عن الطريقة التي يمكنه أن يساعد بها رؤى كي لاتتغلب في الذهاب إلى المحكمة
كانت المحامية تتكلم ورؤى تدمع والآسر يرتجف
فماأن أنهت سرد ما حدث حتى وجهت لهما سؤالاً منطقي جداً في مثل هذا الموقف : ما الذي أثار استغرابكما إلى هذا الحد
تحررت أخيراً بعض الكلمات من لسان الآسر ليجيبها بأن الهيثم في المستشفى ووضعه الصحي حرجٌ للغاية كما أنه داخلٌ في غيبوبة ولا يستطيع الحركة أو التحدث
_علمت الآن الأستاذة سلام سبب تعجب رؤى والآسر قبل أن تسرد لهما ماحدث بالتفصيل : إنه شابٌ شهم أتمنى له الشفاء العاجل قالت كلماتها بتأثر شديد ثم نظرة لرؤى وقالت ليس هذا فقط مادعوتك من أجله
_ماذا أيضاً ، قالتها رؤى بعد أن أزاحت دموعها العالقة على أهدابها بطرف أصابعها
_ هناك شركة معرفة يود أحد مدراءها التعرف عليكِ
_ عليِّ أنا .، قالتها رؤى بتعجب لترد الأخرى موضحة نعم فقد طلب مني عنوانكِ أو رقم هاتفكِ النقال ولكني لم أكن لأعطيه مايريد قبل أن استأذنكِ فهو يقول إنه بحاجة للتحدث معكِ من أجل الأرض التي اشتريتها منذ فترة يبدو أنه كان يريدها وأنت من سبق لشرائها
_ ردت رؤى بنبرة تحمل شيئاً من الغرور بين الكثير من الثقة : ولكن هذه أرضي ولا أريد أن أبيعها
ابتسم الآسر وهو يرى هذا الجانب من شخصية معشوقته نعم معشوقته فقد كان يكبت مشاعره احترماً لكونها على ذمة رجلٍ آخر أما الآن فهي حرة طليقة ولاأحد في هذه الدنيا يستطيع أن يبعده عن طريق عشقها الذي تعبّد بدموع شوقه إليها .
_لكِ كل الحق في أن تحتفظي بها، قالها الآسر ثم وجه نظره نحو الأستاذة ليقول بلطف لا يدعيه: هل هناك شيءٌ أخر أم يمكننا الانصراف
_ لا أبداً لا يوجد شيء ولكن بالنسبة للمدير
_ لايهم سنناقش هذا الموضوع فيما بعد قال كلماته ثم وقف مستأذن لتقف خلفه رؤى وتودع المحامية على أمل لقاء آخر عندما تبدأ مشروعها المقرر .......
ماأن اعتلت السيارة بجانب الآسر حتى توسعت ابتسامته شيئاً فشيئاً قبل أن ينظر إليها ويقول : هل يعقل بأني إلى الآن ليس لدي رقم هاتفكِ الخاص
ارتبكت من ابتسامته التي فتكت بحصون قلبها بدون أن تدري ثم قالت : اعطني محمولك سأسجله لك
لم يتأخر ثانية فقد لمس شاشة محموله ليلغي قفله ثم قدمه لها وهو يبتسم بخبث هذه المرة فلا أحد يعلم ماالذي يدور في راس الآسر ........
***************************************
كاد الفهد أن يُجن فلا يعلم أين وضع ملف المناقصة قلب مكتبه ولم يجد شيئاً كان يلف ويدور في مكانه وهو يضغط على رأسه ليتذكر أين وضع ذلك الملف فخطر بباله أن يعود لمكتب الآسر عسى أن يكون قد وضعه هناك فاانطلق كفهد تمكن من رصد فريسته ولم يبقى عليه سوى أن ينقض عليها ، كان يمشي بخطواتٍ سريعة ولا يشغله سوى ذلك الملف وماأن وصل لباب المكتب حتى فتحه بعجلة من أمره ليتوقف مكانه فجأة ويفتح عينيه بصدمة كما أنه ردد البسملة وكأنه قد ألتقى أحد ملوك الجن ولكن سرعان ماأخرجه من صدمته صوت الآسر عندما قال :ألم يعلموك في تلك المدارس والجامعات آداب الدخول إلى مكتب المدير قالها الآسر وهو يتكئ على طرف الطاولة ويلف قدماً فوق الأخرى كما أنه ابتسم ابتسامة جانبية وهو يرفع أحد حاجبيه
_ تقدم منه الفهد بدون أن يرد بأي كلمة وكانت خطواته بطيئة وموزونة مما أكد للآسر أن أجراس المعركة قد قُرعة فقال بسرعة وهو يقفز خلف طاولة مكتبه : علينا أن نحافظ على هيبتنا أمام الموظفين وفي المساء عندما ينصرفوا أفعل ماتشاء
لم ينصاع له الفهد وتابع تقدمه نحوه ولكن هذه المرة حمل بيده أحد التحف ليلقيها في وجه الآخر الذي تفاداها بحرفيه ثم وضع يده على أيسر صدره وهو يتنفس بسرعة مدعي الرعب مما زاد من غيظ الفهد ليزيد من تواتر ضرباته نحو الآسر الذي تجنب أكثرها ببراعة
وأخيراً نطق الفهد أين ذاك الأبله الآخر لماذا تخططان هذه المرة تغيبان ثم تعودان بحججٍ مقنعة تجعلني أصفح عنكما ثم تختفيان معاً
ويعود أحدكما كأن شيئاً لم يكن ومن ثم تقفز أمامي كقردٍ خرج للتو من السيرك وتقول يجب أن نحافظ على هيبتنا وهل تركتما في رأسي عقل لأحافظ به على هيبتكم
_ كان الآسر حينذاك يحاول التماسك دون جدوى فمظهر الفهد كان كوميدي لدرجة لم يستطيع إخفاء ضحكاته ولكنه بعد جهد رفع يديه أمام وجهه وقال : أقسم لك أقسم وأنت تعلم بأني لاأقسم كاذباً
_ قاطعه الفهد بنبرة كلامه السريعة التي تصف حالته المتشوقة لسماع مايثلج قلبه : تكلم بسرعة
أعاد الآسر رفع يديه وأكمل : أقسم لك بأني المدير هنا ويحق لي المغادرة والعودة متى أشاء
انقض عليه الفهد وكاد أن يفتك به لولا أن أسرع الأخر بقول أما القاسم
تمهل الفهد قليلاً لعله يعلم مايدور حوله : مابه القاسم هيا تكلم
_ابتعد عنه قليلاً وراح ينفض ثيابه ويعدلها ثم قال: أعطني الأمان وتعهد بإصلاح ما أفسدته في مكتبي وأعدك بأني أخبرك خبراً عن القاسم يقتلك قهراً
_ماذا به القاسم هيا تكلم
_تعهد أولاً
_سأقتلك في يومٍ ما هيا تكلم
_تعهد أولاً ،قالها الآسر وهو ينظر له بطرف عينه نظرة المتشفي
_ عليك الأمان وإني أتعهد أمام الله بأن أرتب مكتبك هيا قُل ماعندك
_ تحدث الآسر بعد أن وقف وشبك كفيه ببعضهما وهو يتمشى حول الفهد وكأنه يلقي محاضرة على مدرج أحد الجامعات : القاسم يا عزيزي يريد أن يتزوج واليوم هو اليوم المحدد من قِبل والديه ليلتقي بعروسه المستقبلية للمرة الأولى وكوني المدير هنا أذنت له بالذهاب باكراً
_ شدد الفهد على كلماته الخارجة من بين أسنانه المغلقة بشدّة ثم قال: وأين القهر
_ لاأعلم ،قالها ليجعل الفهد يقفز في مكانه من الغيظ ثم توجه نحو الباب ولكن للآسر رأياً أخر عندما نادى عليه وهو يشير بيديه على أرض مكتبه الذي بدا وكأنّ خيلاً جامحاً قد تروض به ثم قال أنسيت الترتيب
عاد الفهد عندما تذكر عهده وبدء يرتب وهو يقول : ليتني أعود إلى اليوم الذي تعرفة عليكم به لكنت حرقتك أنت والقاسم وخالداً معكما
_ وماذنب الخالد لم يفعل شيئاً
_هكذا ، قالها وهو يضع سبابته على رأسه ليكمل لا شأن لك بمن سأحرق ومن سأترك
انفجر الآسر ضاحكاً فمنذ زمنٍ بعيد لم يرى الفهد في هذا الحال من الغيظ ،يذكر أن أخر مرة أوصله لهذه الحالة عندما كان في الجامعة تحديداً في السنة الثالثة فوقتها أيضاً أثار غضبه بنفس الطريقة
ماأن نظر له الفهد حتى تذكر تلك الذكرى وشاركه الضحكات هذه المرة ليشاركه الآسر في ترتيب المكتب وبعد أن تبادلا الذكريات مع الضحكات التي ملئت المكان احتضنا بعضهما بحبٍ أخوي لا يموت ولا يفنى ولكن كعادة الآسر يهرب من اللحظات الدرامية فوراً فجلس على المقعد خلفه مدعي التعب من تنظيف
وترتيب المكان ثم قال : أعلم بأني سأخصم نصف راتبك لهذا الشهر
_ ماذاااا
_نعم هذا ما يسمى بالعطل والضرر
_كاد الفهد أن يرد لولا أنه تذكر الملف فخبط على رأسه بخفة وقال :الملف
_عن أي ملف تتحدث
_تكلم الفهد هذه المرة بجدية أضعت ملف الصفقة الجديدة
_نظر له الآسر وقال: لو أني أعلم عنك بأنك تقبل المزاح في العمل لأخفيته عنك ولكن يشفع لك تفانيك في عملك وجدت الملف على مكتبي عندما عدت فوقعته ووضعته للتنفيذ
نظر إليه الفهد نظرة سريعة وقال: إذاً أين كنت
_أنسيت بأني المدير : قالها بصوت منخفض للغاية مما جعل الفهد يصك أسنانه ببعضهم قبل أن ينطلق عائداً إلى مكتبه وباله مرتاح بأن شيئاً مما تخيل لم يحدث كما أنه اطمئن على ملفه الضائع بأنه في أيدي أمينة.......
**********************************************