heebbaa

Share to Social Media

الخامس عشر

انهكه التعب والصراخ باسمها طيلة الوقت
فحتى عالمه الخاص الذي نسجه له عقله الباطن قد خذله عندما يأس من عودتها مرة أخرى،
‏تمدد وسط حقلٍ من حقول خياله  المليء بالزهور الجميلة والفراشات الملونة مختلف أنواعها وأحجامها ترفرف حوله بجناحيها وكأنها تذكره برقتها
كانت دمعاته تسيل من عيناه بصمت مطبق
في هذه الأثناء كانت سميّة قد أنتبهت لدموع فاضت من عينيه فهمّت تمسحها بمنديلٍ ناعمٍ وقلبها العاشق يتغزل بوجهه الذي مازال يحتفظ بجزءٍ من جماله رغم كل الذي حدث ويحدث معه نعم هذا هو القلب  الذي كاد أن يخرج من بين أضلاعه لشدّة خفقانه عندما رفت عينا الهيثم لأول مرة
في هذه الأثناء دخل أحمد الغرفة وبيده كوباً من القهوة ليقدمه لزوجة شقيقه فوجد حالها غريب مشدوهة النظر في وجه الهيثم وكأنها تترقب حدوث معجزة فسألها عن سبب ترقبها هذا لتجيب بدون
_أن تلتفت: لقد تفتحت عيناه منذ قليل
_علّق الآخر ناظريه على أعين شقيقه وهو يدعو في سره أن يكون ماتقوله سميّة صحيح وأن يفتح الهيثم عيناه ليتأكد بنفسه من قولها ولكن بعد مرور أكثر من ساعة ظنّ أن سميّة قد تهيأ لها رؤية جفون الهيثم تتباعد بعد تلك الفترة ثم جال في خاطره أن تكون هذه حركة غير أرادية لاعلاقة للهيثم بها..
كانت أفكاره تتقلب في رأسه وهو يتأمل وجه شقيقه لتتوقف حواسه عندما رأى عينا الهيثم تتفتح بشكلٍ كامل ثم تغلق
فسرعان ماعاد أدراكه عندما قالت له سميّة هل رأيت مارأت عيناي
_ليجيبها: نعم، ثم قال:  سأخبر الطبيب قال كلماته وهو يتوجه نحو الطبيب كما أنه أخبر حازم ويامن بما جرى ليحضران فوراً إلى المستشفى بعد أن جرى الأمل في عرقهما مجرى الدم.........
                   **********

في الشركة
اجتمع الآسر مع خالد والقاسم ليطلب منهما توزيع عمل الفهد عليهم جميعاً كي لا يصبح الحمل ثقيلاً على أحدهم كما أنه أطلعهم على الجديد بالنسبة للأرض المسجلة باسم رؤى وعرض عليهما أن تكون شريكة لهم في مشروعهم الجديد إن وافقا
‏فلم يجد منهما أي اعتراض مما جعله ينهي أول أمرين عسيرين لينتقل للثالث وهو البدء بإقامة مصنعهم الجديد في أسرع وقت كما أنه طلب من القاسم دراسة مالية مفصّلة للمشروع وأكمل موجه حديثه لخالد طالباً منه أن يُعقد اجتماعاً موسعاً يضم المهندسين والمحاسبين والمشرفين على البناء  ليتم تحديد المدة التي يمكن لهم الانتهاء بها من البناء
‏هنا انتهى اجتماعهم مبدئياً لينجز كل منهم العمل  الذي طُلب منه فقد بدأ العمل الشاق وعليهم جميعاً  أن يعملوا بنشاطٍ ونظام كاخلية النحل لينجزوا مشروعم الجديد ويتميزوا به كاعادتهم …
              ****************

ذهبت إلى المستشفى لزيارة الهيثم والاطمئنان على حاله فعلمت بخبر تحسنه الملحوظ مما أفرح قلب السيدة فتون لتقترب من الهيثم وتلتقط كفه بين كفيها وتقول بصوتها الدافئ
_ والحنون: أما حان الآوان لعودتك أيها الفتى المشاغب أما حان لك أن ترأف بحال القلب الذي تعلق  بك بدون مقابل أما حان لك أن تريح أشقائك الذين تفطّرت قلوبهم برؤيتك مستسلماً هكذا
كادت أن تكمل عندما شعرت بكف يده يتحرك بين كفيها ليتبعه دمعات انهمرت من عينيه فعلمت علم اليقين أنه يسمعها فااقتربت من أذنه وبصوتٍ خافت لايسمعه أحد حولها قالت: رؤى تقرءك السلام وتقول لك بأنها قد سامحتك على كل ماحدث كما أنها تدعو لك كل يوم في صلاتها لكي تشفى وتعود إلى زوجتك سالماً.
زاد من قوة ضغطته على كفها عند سماعه كلماتها وكأنها أهدته سبباً للحياة
في هذه الأثناء كان عقله يقاوم أرادته وهو تائهٌ بين الواقع والخيال فكلاهما خذلا قلبه الملتاع بنار الفقدان فقد كان يستمع لصوت السيدة فتون وهو مستلقي مكانه على المرج الأخضر  ليغمض عيناه بعدها مودعاً لعالمه الوردي الذي خذله في النهاية.
وتبدء رحلة عودته للواقع بعد أن تغلبت أرادته على كل شيء نعم لقد عاد وهو حاملاً لوسام العفو من معشوقة طفولته وصباه وشبابه فلقد عفت عنه وأصدرت حكمها علناً ليعود للواقعه خالي الوفاض من أعظم ذنوب حياته وهو الظلم
‏شعرت السيدة فتون حينذاك برعشة تسري بجسده فاانتابها الخوف من أن يجري له أي مكروه ولكن سرعان ما التفّ حوله اشقاءه مع زوجته التي كانت تضع يدها موضع قلبها فهو ينتفض بشدّة خوفاً من أن يتكرر ماحدث معه في الأمس ولكن خاب ظنها عندما رفع كفه نحو صدره ليشهق الهواء بعمق وكأنه كان يغوص أسفل المحيط ثم زفره ببطئ قبل أن يظهر لؤلؤ عيناه المكنون
‏سرعان ماأتى الطبيب ليجري الفحوصات اللازمة للهيثم ومن ثم يخبر زويه أن معجزة حقيقية قد حدثة الآن فالهيثم لايشكو من أي مرض سوى أنه يحتاج لبعض الوقت ليتقبّل الواقع فعليهم أن لايعرّضوه لأي صدمة نفسية في هذه الفترة كما يجب عليهم محادثته بلطف وصوتٍ منخفض حتى يتخطى هذه المرحلة الحساسة جداً
‏كانت فرحة سميّة لاتقدر بثمن فلم تجد ماتعبر به عن فرحتها سوى الدموع التي انهمرت على خديها وهي تشكر الله وتحمده حمداً كثيراً
‏أما الهيثم فقد كان شارداً وكأنه لايرى أحداً منهم فقط يقبض كفه على كف السيدة فتون بإحكام وكأنها طوق نجاته.........

‏          **"*****"*"*"***"******"**

كان الفهد ملازماً لحوريته الجميلة،
صحيحٌ أنه غير معتاد على الجلوس في المنزل ولكن فكرة أنه سيخسر صاحبة نبضات قلبه جعلته يتحمّل هذا الجلوس رغم عنه بدون أن يُظهر ذلك  وهذا ماكان يروق جداً  لميرا فهي تعشق الوقت الذي تقضيه مع الفهد فهو حبيبها وسرُ سعادتها في هذه الدنيا فلا أحد يجيد أدخال الفرحة إلى قلبها مثله فكلماته المصاحبة لصوت ضحكاته تجعلها تشعر وكأنها في جنة النعيم فتقضي وقتها تتأمله لتضحك تارتاً عندما يروي لها مواقف مضحكة جرت معه ثم يأكل وجهها الحياء تارتاً  أخرى عندما يتغزل بجمال طلتها ويحدثها عن عشقه المتيم لها نعم هذا هو الفهد الذي اتقن دوره جيداً في هذه الحياة فهو الزوج والسند والحبيب والصديق..
بينما كان الفهد يتناول القهوة مع زوجته علا صوت جرس الباب فجأة، توجه نحوه كي يفتحه ولكن سرعان ماارتسمت البسمة على ثغره عندما وجد الآسر يقف أمامه فدعاه فوراً للدخول ولكنه أبى وقال:  لم أأتي لزيارتك بل أتيت لأسلمك هذا الظرف باليد

_رُسمت على وجه الفهد علامات الاستفهام ثم قال: وما هذا الظرف
_ابتسم الآسر قبل أن يجيبه:  حجز لشخصين على متن طائرة متجهة في الغد نحو مصر مع حجز فندقي لشخصين أيضاً  لمدة شهر
_نظر الفهد للآسر بطرف عينه ليقول:  هل أنت جاد فعلاً فيما تقول
_ نعم جاد ولاأقبل النقاش
_كيف يمكن أن يخطر في بالك أنني سأقبل هذه الرحلة في الوقت الذي أعلم به بأننا مقبلين على مشروعٍ جديد قد خططنا له منذ زمن، هل جننت ياهذا

_توسعت عينا الآسر عقب آخر كلمات الآخر وكاد أن يصفعه لولا أنه تذكر بأن المكان والزمان غير مناسبين لتلقين من أمامه درسٌ في الأدب فكبت غيظه وقال: قلت لك لانقاش في هذا الموضوع وعن عملك في الشركة يمكننا أن نتقاسمه لحين عوتك كما أنه يمكنك أنجاز بعض الأعمال عن بعد هذا فقط ماأسمح لك به أما أن تترك ميرا وحدها في هذه الفترة ممنوع منعاً باتاً 
_امسك فهد الظرف بيده ثم قال:  أوقعتني بين نارين  وعليَّ أن أطفئ أحدهما لأنجو

_ابتسم الآسر ثم رفع يده وهو يقول: أراك بعد شهر اعتني بزوجة أخي جيداً

_سأفتقدك جداً، قالها الفهد ثم دخل منزله ليجد ميرا قد سمعت حديثهما كله......

**************

طال جلوس أم حازم داخل العناية المشددة قبل أن يخرج أحد الأطباء ويخبر بناتها بأن ماأصاب ولدتهم هو شللٌ رباعي فلن تقوى على الحركة بعد الآن
كان هذا الخبر كالصاعقة التي نزلت على رأس حازم عندما كان يكلم شقيقته شيماء التي كادت أن تنهار فهي لاتعلم ماالذي يجب عليها أن تفعل أمر الأخلاء من جهة ووالدتها من جهة أخرى والأسوء زوجها الذي أبى أن ترافق والدتها إلى بيتهما قائلاً لها: إن كنتِ تريدين والدتكِ فلتجلسي عندها أما بيتي فلن أسمح لها بدخوله.
حار حازم في أمره ولم يرا شيئاً أنسب من أن يخبر أحمد ويامن بما جرى ليجدوا حلا سويا فهو إلى الآن يقيم في منزل يامن مع عائلته وعائلة شقيقه أحمد ولم يجد منزلاً مناسباً فكيف له أن يجد الآن حلاً بهذه السرعة
ماأن أخبرهما بما جرى حتى قال يامن بثقة قل لهم أن يعودوا إلى المنزل وعن أمر الأخلاء سأوقفه بمعرفتي

_وكيف ذلك، قالت لي شيماء بأن رؤى قد باعت المنزل

_ هذه قصة طويلة سأرويها لك فيما بعد أما الآن فيجب أن تعلم أن ماأفعله من أجلكم أنتم لا من أجلها
قال كلماته تلك ثم استئذن منهم ليرافق والدته إلى المنزل ويحكي للجميع هناك ماقد جرى مع أم حازم وعن قراره الذي قضى أن يعودوا جميعاً للمنزل فهو يعلم مالاتعلمه رؤى بأن لهم حق في هذا المنزل
فعندما ضاقت الأحوال على أبو حازم عرض حصته في المنزل الذي ورثه عن والده على شقيقه عمير لبيعها له  فوافق الآخر ولكنه قد دفع ثمن نصفها وأجّل دفع الباقي إلى أجلٍ مسمى بينهما فأبى أبو حازم أن يكتب نصفها فقط لشقيقه كتبها كاملة وقال له إن وفّيت ماتبقى من ثمنها وفيت وإن لم تفي فأنا قد سامحتك بها فما كُنا أبناء سليمان إن فرقنا المال، وبعد هذه الحادثة هاجر أبو حازم وتوفي عمير قبل أن يأتي الأجل المسمى.
كانت رؤى تستمع لحديث يامن بإصغاء قبل أن يلتفت إليها ويقول:  أنا آسف أعلم أن لا حق لي بإتخاذ القرار بدلاً عنك ولكن لم أجد من المرءة أن نترك أولاد عمنا بدون مأوى في مثل هذه الظروف
كما أنني مازلت وسأبقى أحسبهم أشقائي فلا ذنب لهم بما فعلته والدتهم

_على ماذا تأسف ياأخي إن كان المال لم يفرّق أبناء سليمان فهل يفرق أبناء عمير

_هنا ابتسم الآسر وقال: هل تعلم أن رؤى قد اشترطت عليّ عندما أعيد الأملاك  أعيدها مقسمت على ثلاثة بحكم الشرع انت وهي وعمتي أيضاً
_ ابتسم  يامن بفخر قبل أن يطلب رأي والدته بما سمعت
_فشهدت الآخرى بما كانت تعلم: ماقاله يامن صحيح هذا ماجرى بين عمير وأبو حازم ولكني لا أعلم ماالذي جرى بينهما عندما غادرت المنزل

_رد يامن بأن أبو حازم اختفى بعد ثلاثة أيام بدون أن يعلم أحد وجهته

اختتمت السيدة فتون الحديث بأنها تفتخر بهم جميعاً فلم ترا منهم سوى الشجاعة والكرم والمروءة...
         *****************

كان القاسم يقص لوالدته كل ماحدث معه منذ أن خرج في الصباح وحتى عوته وفجأة وضع يده على صدره ليتنفس بسرعة  مما أفزع والدته قبل أن يقول مازحاً لم أكن معتاد على هذا الكم الهائل من الكلام
نظرة له  بعد أن ضربته بخفة على كتفه
_وقالت: أفزعتني

_أقسم بأني لم أكن أقصد، قال كلماته وهو يقبل كفيها ويقول:  ياأجمل ماحدث في حياتي
ابتسمت له ثم ظهر على وجهها بعض الألم فسرعان ماانتبه القاسم ففزع على والدته وطلب منها أن تتجهز للذهاب إلى الطبيب
أخبرته بأن هذا الألم يداهمها منذ فترة وأنها كانت تود أن تكلم الطبيب عندما رأت أسمه الثلاثي على ملفها الطبي فوقتها نسيت ألمها وحتى نفسها ولم يخطر على بالها إلا صوته وضحكته ولكن سرعان ماتدخلت رؤى وقلبت الموازين في حين قرأت اسمها لأول مرة لتعلم بأنها كاتبة تلك الرواية
استمع القاسم لوالدته حتى انتهت من الحديث عن ذكرياتها في ذلك اليوم ثم قال:  إذاً لنذهب سوياً إلى الطبيب
ابتسمت أم مالك ثم قالت: أمهلني القليل من الوقت حتى أبدل ملابسي ......
             ***************

ارتفع سلطان الليل إلى وسط السماء ليتسلم عرشه من جديد طالاً على العاشقين بضوءه الأبيض الهادء
ليسعد عيونهم عندما تُجسد مخيلتهم صورة من عشقوا متمثلة بصفيحة البدر
هذا كان تفكير رؤى وهي تراقب القمر من غرفتها بعد أن قطعة قراءتها لقصة عاطفية كتب في سطورها بعضاً من تضحيات عاشقين توجا عشقهما بعقد قرانهما كانت رؤى تبتسم وهي تغمض عيناها لتتخيل نفسها بجانب الآسر تُعلن زوجة له على سنة الله ورسوله ثم أعادت نظرها نحو القمر لتتخيل ابتسامته الفتاكة التي فتكت بحصون قلبها منذ القدم وماأن تلاشت صورت ابتسامته التي صنعتها مخيلتها حتى ظهرت صورته وهو يضحك ليذوب قلبها من جديد فهي تعشق تلك التفاصل التي تجعل من قلبها متسابق في حلبة الحياة يجري بكل طاقته حتى يستطيع اللحاق بالمركز الأول للفوز بقلب الآسر نعم هو الآسر الذي أسر الروح والفؤاد وأقسم أن لا يطلق سراحهما مدى الحياة...
قطعت أفكارها صوت طرقات خافته على باب غرفتها فرسمت على شفتيها ابتسامة عريضة وهي تسرع لفتح الباب ولكن سرعان ماتلاشت ابتسامتها مما لفت انتباه السيدة فتون
_ لتقول:  اممم على مايبدو أن صغيرتي في انتظار أحداً غيري هل هذا صحيح
_ هربت الدماء من جميع أنحاء جسدها لتتجمع في وجهها قبل أن تجيب: لا أبداً
_ابتسمت السيدة فتون ثم اقتربت من ابنتها لتحتضن وجهها بين يديها وتقول: قريباً سننتهي من الكرب التي تلاحقنا جميعها وعندها،  صمتت قليلاً لتترك الفرصة لخيال الفتاة أن يضع الأحتمالات ثم أكملت: سأفتح موضوع الخطبة مع شقيقكِ يامن سرت الرجفة في جسد رؤى قبل أن تكمل الأخرى: فيجب أن نفرح به
هنا علمت رؤى قصد والدتها ولم تعلم بأن الوالدة تختبر حب صغيرتها لذلك المشاكس الذي ظهر بوضوح مرسوماً على عينيها وبهذا تكون وصلت لمرادها في أسرع وقت قبل أن تستجع كلماتها وتقول: سأنتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر
ابتسمت السيدة فتون ثم طبعت قبلة حانية على رأس صغيرتها وهي تودعها وتتمنى لها نوماً مريحاً وهانئاً ثم قصدت غرفة الآخر لتطرق بابها بخفة أيضاً  ليظهر سريعاً من خلف بابها ليرحب بعمته قائلاً
_ وهو يلتقط كفيها ويقبلهما: سُلطانتي الجميلة شخصياً تقف على باب غرفتي المتواضعة

_ يالك من مخادع قالتها السيدة فتون ليرد الآخر: سامحك الله فقط لو لم تكوني عمتي الوحيدة

_ماذا كنت قد فعلت

_كنت ذهبت إلى عمتي الأخرى وقضيت ماتبقى من عمري بين أحضانها

_ أممممم، لسوء حظك لاتملك سوى عمة واحدة فقط وهي أنا فعليك أن لا تبتئس كثيراً لأجل صحتك

_ بل من حسن حظي فارضاء واحدة خيرٌ من اثنتين

_لم تتمالك نفسها وهي ترا هيئته وهو يتخيل أن له عمتين فانفجرت ضاحكة ليحتضنها بدوره ثم يقبلها على رأسها وهو يقول ممازحاً: إلى الآن لم أعلم ماوراء زيارتك المفاجئة لي

_ لبست رداء الجدية قبل أن ترد على سؤاله: أريد فقط أن استشيرك بموضوعٍ هام

_ إذاً تفضلي بالدخول لماذا واقفة هنا إلى الآن، قالها وهو يشير إلى الداخل لتقول له بنبرتها الجادة نفسها: لا بل أفضل أن نجلس في الحديقة

_إذاً فالنذهب إلى الحديقة.....
بعد القليل من الوقت جلست السيدة فتون  والآسر مقابلها فبدئت حديثها بدون مقدمات: أعلم أن الوقت غير مناسب نسبياً لهذا الحديث ولكن كما تعلم  ما مرّ على رؤى صعبٌ جداً،
كانت هذه الكلمات كفيلة بأن تجذب انتباه الآسر ليتابع كلمات عمته بتمعن لتكمل الآخرى: لهذا الموضوع الذي سأحدثك عنه الآن حساسٌ جداً  لذا فضلت أن نتناقش به قبل أن أعرضه عليها

_تفضلي عمتي أكملي، قالها الآسر لتكمل

_ أتذكر صديقتي أم ثائر

_نعم ولكن ماعلاقتها برؤى

_ في الأمس اتصلت بي وطلبت يد رؤى لابنها

_ وماذا قلتِ لها

_ لاشيء فقد طلبت منها بعض الوقت لأطلعكم أنت ويامن على هذا الأمر

_هذا يعني أنكِ موافقة

_لماذا لاأوافق فالشاب جيد ولديه شهادة في الطب كما أنه ميسور الحال ويمكنه أن يأمن لها حياةً كريمة

_كاد الآسر أن ينفجر من شدّة غيظه فلم يجد مايقوله سوى أعادة كلمات عمته:  شاب جيد لديه شهادة في الطب يمكنه تأمين حياةً كريمة

_ماخطبك ياآسر ماالذي زعجك في كلامي

_ لا شيء فقط أريد أن أنام فالدي عمل  في الغد
_ ماهو العمل هل بدأتم بالعمل على المشروع الجديد
_نعم ولكن ليس هذا العمل مقصدي

_إذاً ماذا

_ سأذهب لقتل الشاب الجيد حامل الشهادة صاحب الحياة الكريمة ليعلم الجميع
أنّ من يقترب من رؤى الآسر سيُحرق حياً 
فقد بدأتُ حربي لأجلها منذ زمنٍ بعيد ولاضير في أن أكملها لآخر نفس يخرج من صدري
كان الآسر يتكلم بغير وعي لكلماته ولاحتى لصوته العالي فغيرته على فتاته قد أعمت عيناه وأثارت جنونه لينسى نفسه ويرفع صوته أمام عمته للمرة الأولى في حياته....

لم تكن السيدة فتون سعيدة في حياتها مثل الآن وهي ترى الآسر ثائراً هكذا لأجل صغيرتها لهذاقررت أن تنهي مسرحيتها القصيرة عندما اقترب من الآسر لتضع يدها على كتفه وتقول:  لماذا لم تقل لي من قبل أنك تعشقها إلى هذا الحد لماذا كنت تهرب من سؤالي في كل مرة وتقدم لي حججاً بالية
نظر الآسر لعينيها وصدره يعلو وينخفض من شدّة غضبه لتكمل الأخرى كلامها: هذا درسٌ صغير لتتعلم فقط أن لا تقابل ابنتي ليلاً في هذه الحديقة بدون أن تُعلمني

_ ماذا يعني هذا

_يعني بأن ثائر متزوجاً منذ أعوام لا أعلم عددها وأنت تعلم هذا ولكن غيرتك المجنونة تلك أعمت عينيك، قالت كلماتها ثم خطت خطوة نحو الداخل لكنها عادة وكأنها تذكرت شيئاً ما لتقترب للآسر وتقول: بالنسبة لي موافقة كما أني أضمن موافقتها فما عليك إلا أن تطلبها من شقيقها عندما تسمح الظروف بذلك ومن الآن إلى أن تصبح زوجتك تُمنع أحاديث الليل منعاً باتاً  .

أكملت كلماتها وتركته واضعاً يديه على رأسه يسترجع ماتكلم به وهو يخطف نظرة نحو نافذة غرفتها ويبتسم على نفسه فهو حتى لم يكن يعلم بأن عشقه لها قد وصل إلى حد من الجنون.................
                   ************

مرّ الليل بسلام على القلوب الحالمة ليبدأ ضوء النهار بالتسلل من بين طيات الظلام المطبق

في أحد غرف المستشفى
فتح عيناه من جديد ليجد زوجته غافية على المقعد بجانب سريره وهي تمسك كفه بين كفيها نظر لها الهيثم بعيناه الثاقبتين في محاولة منه لاستكمال وعيه فهو إلى الآن لم ينطق بحرفٍ واحد فقط يحاول أستيعاب الواقع حوله
فكل تفكيره كان منصب على رؤى التي فُقدت فجأة فعقله واقفٌ عند ذلك اليوم الذي كان متجه به مع يامن والآسر للبحث عنها
حاول سحب كفه من بين كفيها بلطف ولكنها سرعان
_ مافتحت عيناها لتبتسم وتقول للمرة الألف: حمداً لله على عودتك لي سالماً حبيبي
_نظر لها بطرف عينه ثم رسم ابتسامة فاترة على ثغره
دخل في هذه الأثناء يامن ليجد الهيثم مستيقظ فاقترب منه وهو يرسم الابتسامة على ثغره ويقول طال نومك ياأخي فلو كنت ساهراً لأعوام مانمت كل هذا النوم

تعلقت نظرات الهيثم بوجه يامن لينطق أول كلماته بصوتٍ مبحوح: ماذا حدث
_الكثير والكثير من الأحداث
رفع الهيثم أحد حاجبيه محتجاً على هذا الجواب ليردف يامن: حُلت معظم المشاكل

_كان الهيثم يبذل مجهودا واضحاً ليتكلم كلمة واحدة فهو إلى الآن لم يُدرك ماحدث معه لهذا صمت لفترة قبل أن يقول: أين أمي

_تبادل يامن النظر مع سميّة قبل أن يجيب: أنها في القرية بانتظار عودتك
أومئ الهيثم برأسه ثم أغمض عينيه بإشارة منه أن الحديث قد انتهى
لم يستطيع يامن أخبار الهيثم بالحقائق فهو يخاف أن يخسره مرة أخرى لهذا فضّل أن يمهد له أولاً ليستطيع الآخر تقبل الكم الهائل من الأحداث التي جرت في غيابه..........

           *************

بعد مدّة طويلة قضاها الحازم مع عائلته على متن القطار المتوجه نحو قريته أُطلقت صافرة القطار معلنة الوصول إلى المحطة الأخيرة ماسبب بقطع أفكاره التي كادت أن تأكل رأسه فماأن اتفق مع شقيقه أحمد في الأمس على عودته إلى القرية من أجل والدته التي تخلى عنها الجميع في هذا الحال المضني  حتى تفجّرت في رأسه أسوء الذكريات لتنشب في ذاته حرباً قاسية فأخلاقه ومبادئه التي ورثها عن والده تحتم عليه حمل والدته في مرضها هذا ولكن جزءاً ما داخله كان يقول أن هذا جزاء الظالمين ولكن سرعان مايكبت تلك الكلمات خوفاً من أن يصبح عاقاً فايُحرم من جنّة النعيم يوم لاينفع المال ولا البنون لهذا أتخذ عهداً على نفسه أن يخدم والدته في مرضها بدون أي اعترض لأنها بالرغم من جبروتها فهي من حملت به وأرضعته ثم أعتنت به حتى شدّ عوده كما أنه غير مكلّف بمحاسبة أحد فاللخلق خالق يحاسب ثم يجزي أو يعاقب
كانت آخر أفكاره تلك حبل النجاة الذي أنقذ عقله من الجنون..........
              *************

في الشركة
عقد الآسر اجتماعاً جديداً ليناقش الخطوة القادمة مع المقيمين على مشروعهم الجديد ولكنه وقبل أن يبدأ كلامه تفاجأ مع الجميع بباب غرفة الاجتماعات عندما فُتح ليطل من خلف الفهد والابتسامة تزين محياه ليقول بصوته الرجولي الواثق: كيف لكم أن تجتمعوا بدوني
كادت نظرات الآسر أن تخترق الفهد الذي تجاهلها بدوره وهو متوجهاً نحو مقعده الفارغ منتظر الآسر أن يبدأ الاجتماع ليعرض على الموجودين رؤيته الخاصة التي يمكنهم من خلالها توفير الكثير من الجهد كما أنه رشح أسماء مقاولين كفئ يمكن للإداريين أن يثقوا بهم للبدأ على أرض الواقع بأسرع وقت ممكن..
كان الاجتماع مطوّل قبل أن يعتمدوا جميعهم على خطة عمل واحدة للإنجاز في وقتٍ قياسي إن وفقهم الله لذلك...
بالتوكل وطلب التوفيق من الله انهى الآسر الاجتماع لينصرف الجميع عدا القاسم وخالد الذين سيشهدا على مقتل الفهد بيد الآسر لولا أنه سارع بقول: أقسم لك أن هذه المرة لا شأن لي بل هو قرار ميرا

_كيف هو قرار ميرا
_اجلس واستمع سأقص عليك ماحدث بالتفصيل

عاد الآسر إلى مقعده وهو يتوعد للآخر إن لم يقتنع بقصته

_عندما دخلت إليها وأنا حامل التذاكر بيدي كان يبدو على وجهها الديق وقالت لي بأنها سمعت الحديث الذي دار بيننا كما أنها لامتني على قبولي السفر في هذا الوقت بالتحديد فقد وصفتك بالكريم الذي يفضل من حوله عن نفسه ثم أكملت بعد محاولتي لإقناعها بأني يجب أن أبقى برفقتها خوفاً عليها من مكرهٍ ما،  أنها هي من سترافقني وستقدم لك شخصياً طلباً لتوظيفها فهي كما تعلم حاصلة على شهادة جامعية في الاقتصاد وكما وصفة نفسها فهي ثروة لايجب على شركتنا أن تضيعها

_وأنت وافقت في تلك السهولة

_ليست سهولة ولكن كما تعلم لا يمكنني أن أجعلها تحزن فالحزن لايليق بامرأة سكنت قلب الفهد

نظر له الآسر بطرف عينيه بينما وضع القاسم كفه على خده وهو ينظر للفهد بنظرات تعمد أظهار بهما الإعجاب المبالغ فيه ليقول بعدها: كم أنت ماهراً بصيد الفرص وقلب الموازين

_احتفظ الفهد بحق الرد ثم نظر لخالد يستنجد به لينجده الآخر بقول:  ماحدث كان يجب أن يحدث كفاكم حديث بما مضى فلدينا أعمال كثيرة وأولها الترحيب بميرا في شركتنا فهذا الحل المثالي لنجعلها تشعر بأنها فرد فعال في المجتمع لتخرج من أحساسها بأنها عبئ على الفهد وعمله وبهذا نكون قد ساهمنا في علاجها أكثر من رحلةٍ سياحية قد تُحملها نوع من الذنب عند تفكيرها بأنها السبب في ابتعاد الفهد عن عمله في وقتٍ غير مناسب

صمت الآسر بضع الوقت يُقلب حديث خالد في رأسه
_في الوقت الذي لم يستطيع القاسم الصمت عندما قال:  يالك من مثقف ولاينقصك إلا شهادة في الطب النفسي لكي تفتح عيادتك الخاصة وتريحنا من رؤيتك في كل يوم

كاد خالد أن يرد له الصاع صاعين لولا أن علا محمول القاسم برقم غريب فرفع يده طالباً لهدنة مؤقته ليجيب
_اهلاً

_ الطرف الآخر: القاسم

_ نعم من المتكلمة

_جيلان

هنا تلعثم القاسم وبدأ وجهه يتلون تحت النظرات المراقبة حوله ولكنه تمالك نفسه ثم قال: أهلاً آنسة جيلان

_آسفة إن أزعجك اتصالي

_ لا أبداً على العكس هل لي أن أقدم أي مساعدة لكِ سيدتي

_شكراً لك فقط وددت الاطمئنان عليك

لايعلم كيف انهى المكالمة فقلبه أعلن تمرده منذ اللحظة التي علم بها بأن تلك الحورية هي نفسها من تكلمه،
نظر حوله ليجد الانظار كلها موجهة نحوه فقال لهم: هل هناك خطبٌ ما في وجهي

_رد خالد مستنكراً: منذ قليل كان لسانك يكاد يصل إلى الصين مابالك بعدها ابتلعت الكلمات وأصبحت كأنك تعلمت الكلام حديثاً

_هذا ليس من شأنك قالها القاسم وهو يتجه نحو الباب ليخرج ولكن سرعان ماأوقفه الفهد بقول: انتظر خذ معك ماأوقعته هنا قال كلماته وهو يشير على الأرض أمامه ليعود القاسم خطوة ويقول:  ماهو

_كرامتك فقط

كور القاسم قبضته ليلكم الفهد الذي برع بتفادي اللكمة وهو يقول: ألست صياد الفرص وقالب الموازين أم غيرت رأيك

انفجر الجميع ضاحكين ومعهم القاسم الذي تابع خروجه نحو مكتبه فهو يعلم منذ البداية أن الفهد لايسكت على واحدة.......

               *********
2 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.