heebbaa

Share to Social Media

الثاني عشر

تمرد امرأة على الطغيان

المقدمة:

(( لا أجيد المقدمات فحياتي بدئت بالصدمات لهذا تعلمت منها فقط أن أتمرد على البدايات لأنها وبكل صراحة مزيفة ومزخرفة بالكذب والنفاق

تسعدنا الأقوال وتخيب ظننا الأفعال

ننجر وراء الظاهر حتى نُصفع بسياط الواقع

هذا نحن قومٌ لم تغييرنا الأزمان))

((أعزروني أعزائي القراء فأنا فعلاً لا أجيد المقدمات))

مررت رؤى عينيها سريعاً للورقة الأخرى لتقرئ أعلاها بشغف

الفصل الأول والأخير

كانت رؤى متشوقة لتكملت الأحداث ولكنها فضّلت الأعادة من الأول رغم أنها لم تنسى كلمة من مقدمة هذه الرواية المختصرة بكتيب صغير يضم عدة صفحات فقط........

ليس هناك أنسان ضعيف فكل منا بداخله قوة عجيبة لكن كثيراً منها قد كبتتها الظروف ومنها كبتناها نحن بخوفنا المبالغ به نعم خوفنا، وهنا يطرح السؤال نفسه من ماذا نخاف لا أظن أن أحد المضطهدين يعلمون أجابه محددة لهذا السؤال ربما خوفٌ من مجهول وربما خوف على شخص بمثابة الروح كأبن أو أب أو أم ولهذا أمثلة كثيرة في كل مكان حولنا ولكني لن أسرد تلك التفاصيل الآن سأكتفي بسرد قصتي لربما يقع كتابي هذا في يومٍ من الأيام بيد من هو بحاجة فعلاً للتمرد على الظلم

فيستفيد من ما مررت به من مراحل عدة في حياتي القصيرة فأنا الآن أتجاوز عقدي الثاني بخمسة أعوام

بدئت قصتي عندما كنت في الخامسة من عمري

عندما استيقظت على صوت صراخ أمي الذي ملئ منزلنا المتواضع ذو الفراش القليل والقديم بعض الشيء فركضت أليها لأجد والدي يجلس أمامها يُهدء من روعها ويطمئنها أن المسعفين في طريقهم ألينا ولكنها كانت تزيد من صراخها وهي تتلمس بطنها المنتفخة وتزفر الهواء بقوةٍ ثم تشهق وكأنها تختنق

كان والدي في هذه الأثناء مرتبك محتار لا يعلم ما يفعل ليخفف آلامها لم يدوم اهذا الحال طويلاً حتى سمعنا صافرات الأسعاف تتعالى حتى وصلت إلا حيّنا وزع والدي نظراته بيني وبين أمي ثم أسرع ألي وقال صغيرتي انتظري عودتنا عند أم مريم جارتنا سنأتي عما قريب برفقة شقيقكِ

أومئت برأسي وسرتُ متجهة نحو منزل أم مريم كما طلب مني والدي مرت الساعات والدموع تُزرف من عيني بصمت كان يتملكني شعورٌ غريب لا أدري من أين لطفلة بعمر الخمس سنوات أن تشعر بأنها فقدت أحد أغلى البشر على قلبها حل المساء وعاد والدي مع دموعه وخيبته ليقول لي أن أمي وأخي سبقانا إلى السماء وعليي أن أكون قوية بما يكفي لأُكمل حياتي من دونهم كان يتكلم وكأنه مغيّب عن الواقع

مرّة أيام العزاء وأنا لا أفقه شيئا سوى أني اشتقت لأمي كثيراً ولا أحد يخفف من حزني سوى عمتي شقيقة والدي التي أقامت معنا تقريباً في تلك الفترة

أما والدي فقد ساء حاله كثيراً لشدّة حبه لأمي وهذا ما علمته بعدما كبرت ولكن في تلك الفترة لم أعلم سوى أنّ والدي سبقني أيضاً إلى السماء وبقيت وحدي أنظر إلى السماء معاتبة لماذا سمحت لأخي أن يرافق أمي ولم تسمح لي بمرافقة والدي.

حينذاك اضطررت للإقامة في بيت عمتي اللطيفة كما كنت أظن ولكن الأيام أثبتت عكس ذلك فكانت تبغضني بشدّة وتحملني ذنب موت شقيقها بسبب والدتي وكأني لم أخسر أيضاً والدي ووالدتي وشقيقي............

مضت أيامي صعبة جداً باردة مملة لا أسمع فيها سوى صراخ عمتي المستمر وإهاناتها لي كما أنها كانت تنعتني بالملعونة أو الشيطانة كأمي التي أفقدتها شقيقها

عندما كبرت لم أكن ألومها فهذه هي الطبيعة البشرية عند من لايؤمن إيماناً كافياً بالله عز وجل فهناك من البشر عندما يفقد غالي يبحث عن أي أحد ليضع اللوم عليه كي يشفي غليله لأن أيمانه لايساعده على أن يعترف بأن هذه مشيئة الله ونحن المخلوقين لا نملك حق الاعتراض على الخالق عز وجل لهذا كانت عمتي قد تحولة من منبع حنان بالنسبة لي إلى شلال قسوة لايرحم أبداً..

مضت سنواتي الستة عشر وكنت تحديداً في الصف الأول الثانوي عندما قررت عمتي وزوجها تزويجي لرجل أعمالٍ ثري دون حتى الرجوع إليّ أو الأخذ بعين الأعتبار رأي الرافض تماماً لهذا الزواج ولكن كانت مصلحة زوج عمتي تتقدم على كل مشاعري....

تم هذا الزواج بحفل اسطوري يحمل من البزخ والترف الكثير والكثير لأنتقل بعده لبيت ذلك الرجل الذي أعلمني أن عمتي كانت رحيمة وعطوفة وكنت قد ظلمتها عندما قلت عنها إنها ظالمة فما رأيته منه كان يكفي ليجعلني أتخذ قرار الإنتحار عدة مرات ولكن لم تشئ الأقدار لي أن أغادر هذه الحياة بتلك السهولة فقد أمضيت ثلاثة أعوام من عمري في الرعب والذل والمهانة فهو يظن بأنه قد اشتراني ودفع سعراً مناسباً بي ولكن لم يكن يعلم هو ومن عقد تلك الصفقة معهم أن الحر لايباع ولا يُشترى ومهما حدث تبقى روحه حرةٌ طليقة ...

مرت أياماً كثيرة أجملها الأيام التي لم أنل فيها الكثير من الضرب القاسي ولم يصطبغ جسدي بللون الأزرق أو الأخضر
وفي يومٍ عاصفٍ ماطر كنت أترقب موعد عودته إلى المنزل بخوف شديد ولكنه لم يأتي قضيت الليل كله ساهرة خوفاً من أن يأتي ويجدني نائمة فتحل عليّ لعناته كما العادة ، مضى الربع الأول من الليل ثم تبعه الربع الثاني ولم يأتي فعاندتني جفوني وسلمت نفسها لسلطان النوم ليمضي الكثير من الساعات وأنا نائمة كما أني صحيت وحدي بدون أي منغصات لنومي وعندها وبينما أنا أغسل وجهي زادت نبضات قلبي عندما سمعت صوت جرس الباب فركضتُ أفتح له الباب ظناً مني أنه كعادته نسيا مفاتيحه في مكانٍ ما ولكن سرعان مارُسمت الصدمة على وجهي والفرحة في قلبي عندما نُقل لي خبر وفاته أثرى حادثٍ عنيف بسبب تلك العاصفة الهوجاء

لم أكن لحظتها أعلم مامعنى كلمة أرملة ولكن ماأفرحني أنني لم أعد مضطرةٌ للخوف بعد اليوم ولم أعد مضطرة لتحمل ضربه وإهاناته لي ولم يعد هناك من يعاملني معاملة الحيوانات ،
بعد ذلك اليوم قضيت مايقارب الأربع شهور ونصف بدون أن أرى أحد إلى أن دُق باب منزلي على غير العادة ليظهر خلفه بعد أن فتحته عمتي وعمي شقيق والدي رحبت بهما وسمعت منهما جمل التعازي المتأخرة متحججين بالسفر والمشاغل وكعادتي عذرتهما ومالفتني في ذلك اليوم كان تودد عمتي لي على غير العادة

ولم يمضي الكثير من الوقت حتى بدأ حديثهما بأن الأرملة لايجدر بها أن تقيم وحدها ويجب عليّ العودة إلى منزل عمتي كي أحجب عن نفسي وعن العائلة كلام الناس
وهذا ماجرى بالظبط عدتُ وليتني لم أفعل لأني علمت فيما بعد بالمكر الذي يختبئ خلف الود كان فخٌ جديد بل صفقة جديدة أودت بي إلى زواج آخر من شاب يافع يملك الكثير من الجمال ولكنه كاذب محترف فعندما تقدم لي قال بأنه عازب وقد وقعت عيناه عليّ فهام بحبي كان يسمعني أجمل عبارات الغزل المنمقة ويدّعي أنه لا يستطيع العيش بدوني
فقد أنعم عليّ بالحب و الحنان الدافق كاشلالات آنجل العظيمة التي روت روحي الجافة المتعطشة منذ زمن لمثل هذه المشاعر فأنبتت من بين شقوقها أزهار الأمل الذي انعكس على ملامحي لتصبح أجمل بمئة مرة عن ماكانت قبل رؤياه......
بعد زواجي منه  أيضاً كنت أشعر وكأني أُحلق إلى السماء من شدّة السعادة التي كان يغمرني بها فظننته أنه العوض الجميل الذي لطالما انتظرته
و بعد مرور الأيام ومن ثم الشهور حتى أصبحت أربعة أعوام كاملة ولم أرزق بالذرّية كان يضطرب أحياناً ويلح عليّ بطلبه للعلاج فهذا كان شغله الشاغر لم يدع طبيباً معروفا في المدينة وخارجها إلا وقد اصطحبني إليه كنت أترجم تصرفاته تلك في عقلي على أنها حبٌ وغرام ،
مرّت الأربع سنوات ثم حدث المنتظر ورزقتُ بطفلٍ شديد الجمال أنساني كل ماعنيته في ماضي سنيني كنت أرى العالم كله في عينيه الصغيرتين وكلما أغضبني شيء في هذه الدنيا أداعب أصابع يده الصغيرة فأنسى همي وأنسى حتى نفسي أضحك مع ضحكاته وأبكي مع بكاءه كان هذا الصغير أثمن ماأملك في هذه الحياة حتى زوجي حينها لم يغيّر معاملته معي على العكس زاد اهتمامه بي وبصغيري حتى عشقتُ حياتي التي كانت تبدو هادئة رغم أني كنت ألاحظ عليه نظرات الحزن في أغلب أوقاته ولكن لم أدرك ماوراءه إلى أن فوجئت بزوجة زوجي أمامي وفي وسط بيتي تطلب مني ترك صغيري وبيتي وأرحل لأن دوري الذي تزوجني من أجله قد انتهى وها هو رُزق بالطفل الذي كان يتمناه وقد حان الأوان ليعود مع طفلي إلى زوجته التي يئس الطب من علاجها لكي تنجب ، لم يكن عقلي يومها قادراً على أن يستوعب كل تلك المفاجآت في آنٍ واحد ولكن الشيء الوحيد الذي ترجمه عقلي هو طلبها بأن أترك طفلي

وقفت منتصبة القامة على غير عادتي ونظرة لها ولذلك الرجل المجرد من الرحمة وقلت بكل قوة وتمرد سأرحل ولكن أنا وطفلي فردت عليّ وقالت بتعجرف يبدو أن عمتك وزوجها لم يخبروكِ بالإتفاق الذي جرى بيننا قبل خطبتك لزوجي ثم أكملت وهي تبتسم لقد دفعنا لعمتك مبالغ طائلة مقابل أن تتزوجي زوجي وتنجبي هذا الطفل

رددتُ عليها بصراخ وأنا أقول لن أدع طفلي لن أتركه لأحد

ثم وقفت مقابل زوجي أصرخ وأقول هل ماتقوله تلك المرأة صحيح هيا قُل هل صحيح وقتها لم يجيب بأي كلمة فقط نظر إليّ بعينين دامعتين أعلمتني بأنه مجبر على مايحدث ولكن إلى الآن لاأعلم ماالذي أجبره

حملت طفلي بيد وزحتها عن طريقي باليد الثانية لا أعلم من أين أتتني تلك القوة وقتها وأنا أخطو نحو باب المنزل لأغادره إلى الأبد في هذه الأثناء كنت أسمع صراخها وهي تصرخ في وجه زوجها وتقول أخذت الطفل معها هيا أمنعها هيا عُد بالطفل كنت أركض خوفاً من أن ينصاع لها ويأخذ طفلي مني ولكنه لم يفعل ، توجهتُ في ذلك اليوم إلى البيت الذي ورثته عن والدي وأقمت به مع صغيري بعيداً عن كل الناس، دام الهدوء في حياتي فترة عامين نعمتُ فيهما بمراقبة نمو طفلي الجميل الذي ورث هذا الجمال من والده كان هذا يزعجني أحياناً فكنت أُفضل لو ورث ملامحي لا ملامح والده كان تفكيرٌ طفولي أعلم ولكنه ممتع حقيقتاً فكل مايخص صغيري كان ممتع بالنسبة لي ، وبعد مرور هذين العامين وفي يومٍ مشئوم اكتشفت به إصابتي بالمرض الخبيث هنا بدئت معاناتي الجديدة ولكن العدو هذه المرة كان يتغلغل داخل جسدي فقد كنت اذهب على الدوام إلى مستشفى الأورام لأتابع العلاج  كما أني تحملت في تلك الأثناء مشقة تربية طفل ومقاومة المرض وشقاء العيش وحدي لامعين لي سوى الله.
في أحد الأيام كنت عائدة إلى المنزل دون أن انتبه لتلك المرأة التي كانت تتبعني لتعلم مكان سكني فماأن حملت صغيري الذي كان بحوزة جارتي العجوز التي ترعاه فترة تناولي جرعة اليود المشع المُتعبة حقاً
ثم دخلت إلى منزلي وقبل أن أجلس طُرق باب منزلي فتحاملت على نفسي لأصل إلى الباب لأفتحه وانصدم بها أمامي دخلت المنزل غصباً عني منتهزة الفرصة بأني لا أملك الصوت للصراخ ولا القوة للمقاومة فجسدي يحاربني معها رأيتها تحمل صغيري أمام عيناي وأنا لاأقوى على فعل شيء فكان انهياري أعظم من الذي سبقه قبل عامين عندما فقدتُ حياتي وسعادتي في طرفة عين ولكن يومها كان عزائي أني حافظت على صغيري ولم أُحرم منه... جلستُ على الأرض أمامها أحاول رفع صوتي دون فائدة كانت عيناي تتوسل إليها أن تترك طفلي وشأنه لكن دون فائدة فعزمت في نفسي وقتها أن انتصر بحربي مع السرطان أولاً ثم أمضي لاستعادة طفلي لن أيئس ولن أتراجع مهما حدث سأرسم مستقبلي بيدي لابيد أغرابٍ لم يهتم أحدهم سوى لمصلحته فقط بدون أن يأخذ بعين الأعتبار بأني بشرٌ من لحمٍ ودم خلقتُ وجُبلة بداخلي الكثير من المشاعر ولن أكبحها بعد الآن من أجل أحد مهما حدث.......

فاليوم هو اليوم الذي يسبق اليوم الذي حُدد فيه موعد العملية الجراحية خاصتي فإن نُشرت روايتي فاعلموا إنني المنتصرة في هذه الحرب وإن لم تُنشر سيكون لاداعي لكلمات كتبتها منهزمة ..............

النهاية

روعة مهاد العجمي
           ...........................................
أغلقت رؤى الكتيب وضمته لصدرها وهي تبكي بصمت، تورمت عيناها من شدّة البكاء فقد كانت تظن بأنها الأقل حظاً على هذا الكوكب ولكنها الآن وبعد أن أستشعرت بألام قلب تلك الكاتبة شعرت بأنها محظوظةٌ جداً لأنها نجت من بئر الظلم الذي رمتها به أم حازم وعادت للحضن الذي تنتمي له قبل فوات الأوان نعم عادة لتجد حضن والدتها في انتظارها...........

********************************
1 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.