heebbaa

Share to Social Media

الفصل الثالث عشر

ارتفعت الشمس الذهبية  لتنير السماء والأرض بنورها المنتشر في كل مكان عدا القلوب الحاقدة فلا نور يستطيع الوصول لتلك القلوب المليئة بالكره والطغينة على عكس القلوب الطيبة المليئة بالحب والحنان فهي تشّع نوراً حتى في الظلمات ........
استيقظ الآسر باكراً كعادته ليتجهّز كي يتوجه إلى عمله ولكن ماأن نهض من سريره ورفع الستائر حتى استوقفه مظهرها وهي تجلس على أرض الحديقة بإهمال فأسرع إلى حمام غرفته ليغتسل ثم تألق بقميصٍ من اللون الأسود وبنطال من نفس لونه فهذا اللون ينسج على على جسده الرياضي قصة جمال تبدأ ولا تنتهي.
فما أن انتهى من أرتداء ثيابه حتى أسرع إلى معشوقة قلبه فهو يعلم بأنها تمر بصراعات نفسية كثير في هذه الأيام وعليه أن يكون بجانبها كلما سمحت له الفرصة ولكن هناك ماأوقفه وغير وجهته قبل أن يصل إليها بقليل فصوت جرس الباب وفي هذا الوقت المبكر أثار نبضات قلبه ليقول في نفسه وهو يتجه نحو الباب: اللهم أجعله خيراً
وقبل أن تكتمل الدقيقة كان قد فتح ذلك الباب ليتصنم مكانه عندما رأى يامن يرفع إليه ظرفٌ أبيض بدون أن يتكلم بأي كلمة...
فتح الآسر الظرف بسرعة ليجده تحليلاً طبياً يرافقه تقريراً فسرعان مابدئت عيناه ترصد كل كلمة كُتبت على الأسطر أمامه وقبل أن تلتقي الحروف على لسانه احتضن يامن بقوة وقال له: لا يمكنك أن تعلم كم أنا سعيد لنضمامك لعائلتنا فماعلينا الآن إلا أبلاغ عمتي بأنك  أبنها و أخاً لابنتها 
ابتسم يامن وقال وهو مغمض عينيه يتخيل تلك اللحظة:  وهذا هو الأصعب الآن
كاد الآسر أن يرد لولا أنهما أحسا بحركة أحدهما في الخلف فالتفتا سوياً ليجدا السيدة فتون التي نزلت من غرفتها على صوت قرع الجرس وسمعت بالصدفة حديثهما كما حدث مع رؤى بالظبط فهي أيضاً اعتقدت أن الجميع غارقاً في النوم وعليها أن تفتح الباب ولكنها تصنمت مكانها عندما سمعت كلمات الآسر
لم تتمالك نفسها بعد الذي سمعته فكانت تمشي خطوة وتتعثر بالأخرى حتى اقتربت من يامن الذي غرق وجهه بالدموع وهو يتأمل وجه والدته التي حرمه القدر من التنعم بأحضانها الدافئة
رفعت كفيها إلى وجهه لتمرر أناملها على ملامحه وكأنها ترسمها على جدران قلبها أما هو فقد احتضن كفّي والدته بين كفيه وقبلهما بشوق غريقٍ ذاق أهات الاختناق حتى كاد أن يستسلم لسكرات الموت لولا أن رأى مركب نجاته قادمٌ من بعيد....
احتضن والدته وهو يبتلع شهقاته، كان يود أن يعتذر لها عن كل ماعانته في هذه الحياة كما أنه أقسم في نفسه أن يعوضها عن كل ماذاقته من ظلمٍ وأسى وسينتقم لها شرُ انتقام مِن مَن ظلمها.
كان هناك بالقرب منهم من تقف تراقب المشهد أمامها وتضع يدها على قلبها وهي تقول مخاطبة خالقها: كم أنت كريم ياالله الحمد لك كل الحمد حتى ترضى والحمد لك بعد أن ترضى  ربي أجبر قلبي برؤية أبني كما جبرت قلب هذه الأم برؤية ولدها بعد أن اجتمع عليهما كيد البشر.
هذا كان حديث أم مالك وهي متأثرة بالموقف أمامها بعد أن لفتتها الأصوات الغير اعتيادية خارج غرفتها فخرجت لترى أمامها لقاء السيدة فتون بابنها.

مرَّ وقت ليس بقليل قبل أن يبتعد قليلاً عن والدته ويقترب من شقيقته ليعلم الآن هويّة مشاعره الحقيقية تجاه هذه الفتاة فقد كان شعوره بالمسؤولية تجاهها نابع من رابط الدم بينهما وحتى عندما أصر على الزواج بها كان بدافع حمايتها من بطش أم حازم الذي كان على يقين بأن لاأحد يمكنه حمايتها غيره ...
ضم شقيقته ثم قال هامساً لها في أذنها: لن يجرء أحداً على أذيتك بعد الآن
ابتسمت رؤى لشعور الأمان الذي ملئ قلبها بوجود سندها بصفته الرسمية أمام كل البشر........

*******×*************************×*****

كانت جالسة بجانب زوجها تمسح جبينه بأناملها الناعمة وتحدثه عن كل ماجرى معها في غيابه تضحك معه وتبكي وهي تشتكي له قسوة نظرات وكلمات البشر عندما عرفوا بأنه تركها بعد زفافهما فوراً  كانت تتحدث وكأنه يسمعها ويتفاعل معها بالوقت الذي كان في عالمه الخاص ينسج من خياله قصصاً يعيشها وحده بعيداً عن هذا العالم وكآبته، مرّت الساعات الأولى من النهار ككل يوم لاجديد فيها
ولكنها لم تيأس بقيت مقابله تحدثه تارة وتدعو له الله أن يعيده لها تارتاً أخرى فهي العاشقة المهمشة على أطراف قصة حياته البائسة التي قُطعت فجأة ولاأحد يعلم ماهي نهايتها.........

   *******************************

قطع رواق الشركة بطلته الخاطفة للأنفاس بعد أن كانت خاطفة للأنظار نعم إنه القاسم بشخصيته المستجدة التي ضغى عليها هيكل القسوة على غير عادته المرحة
لاحظ خالد هذا التغيّر عندما لمحه يسير بخطواتٍ سريعة ومتوازنه كأنها محسوبة بالميلي وهو يعطي التعليمات للموظفين بحزم غير مسبوق فأيقن أن هناك أمراً ما تسبب بإبادة مرحه المعتاد فكاد أن يتبعه إلى مكتبه ليطمئن على حال قلبه ولكنه تراجع في أخر لحظة وقرر أن يتركه قليلاً ليجد نفسه ففي مثل هذه المواقف قد يحتاج المرء للخلوة مع نفسه، هذا مااستنتجه الخالد من تجاربه السابقة مع الحياة فهو متأكد بأنه إن ذهب إليه الآن وسأله مباشرة عن سبب تغيّره هذا سينفجر به غاضباً ولن يصل إلى أي نتيجة ويبدو أن قراره صائباً فماأن دخل القاسم إلى مكتبه حتى جلس على المقعد بإهمال وفي رأسه صراع عنيف بين ذاكرته وواقعه الأليم فما حدث معه ليلة أمس لايمكن أن يمر على قلبه بالهين
حاول أنهاء هذا الصراع بالضغط على رأسة بكفيه ولكن من دون جدوى فوقف يجول مكتبه ذهاباً وأياباً  من غير هدف فهو فقط لايستطيع الجلوس، لم يطول الوقت حتى خرج من مكتبه بل من الشركة بأكملها دون أن يحدد وجهة معينة...........

***************************
كان الآسر يخطف نظرة بين الحين والأخر لوجه معشوقته فهو لم ينسى الحال البائس الذي رأها به في الصباح كما أن نظرات الحزن مرسومة بحرفية على عينيها رغم ضحكتها وفرحتها العارمة  بانضمام يامن لعائلتها الصغيرة ولكن قلب العاشق يأبى أن يرى الظاهر فقط فما وراءه حزن دفين وعليه أزاحته عن القلب المعشوق بأي وسيلة فستأذن من الحاضرين ثم صعد إلى غرفته وفي رأسه أفكارٌ تدور وعليه تنفيذها...
ابتسم قبل أن يمسك هاتفه الخاص بالعمل ثم ضغط على بعض الأرقام التي حفظها عن ظهر قلب ليأتيه صوتها بعد بضع رنات ليقول لها بصوتٍ مصطنع أجاد أتقانه كي لاتعرفه : الأنسة رؤى
_ نعم، من المتكلم
_ أسف إن أزعجتك ولكن هناك موضوع مهم جداً  بل مصيري
_ بدأت الرجفت تسري على حبالها الصوتية لتقول: ماذا هناك
_ علينا أن نتقابل بشأن الأرض التي سبقتني لشرائها ببضعت أيام فقط
_ ارتاح قلبها بعد أن علمت سبب اتصال الغريب بها ثم قالت:  لكني لاأريد أن اتناقش مع أحد بهذا الخصوص فأنا لاأريد بيع أرضي أبداً
_ اسمعيني سيدتي هذه الأمور لاتجري هكذا علينا أن نلتقي لنصل إلى حل يرضي جميع الأطراف
_ إذاً سأتصل بك لاحقاً
قالت كلماتها الأخيرة ثم انهت المكالمة لتستشير  عائلتها بما عليها أن تفعل وسرعان ماأتاها صوت الآسر من خلفها يحثها على هذا اللقاء
_فقالت مستغربة وكيف يمكنني أن أذهب وأنا لاأعلم شيئاً عن هذه الشركة
رد الآسر:  إنه عالم الأموال صغيرتي بما أنك دخلتيه بإرادتك فعليك أن تواجهي كل عقباته بنفسك
كان يتكلم ويديه تعبث بهاتفه ليضيئ محمولها برسالة حملت اسم وعنوان الشركة فقرأت ماكتب بصوتٍ عالي مما جعل السيدة فتون تنظر للآسر مستفسرة ليغمز لها الآخر بسرعة مع ابتسامة جانبية أجابتها بأن رؤى وماتملك بأيدي أمينة أما الآسر فقد وقف وقال أعذروني عليي المغادرة لقد تأخرت كثيراً  ولا أعلم كيف سأنجو من قبضت الفهد أو القاسم
_ابتسمت السيدة فتون ثم قالت: وماذا عن خالد
_الخالد مسالم وعقلاني لايعلم للعنف سبيل
_ضحك الجميع على لهجة الآسر الذي أدعى فيها الخوف من الفهد والقاسم الذين لطالما وصفهما بالشرسين ففي العمل لايعرفان أحد،
سار خطوتين مودع الجميع ثم عاد خطوة وقال موجه كلامه لرؤى وكأنه تذكر لتوه:  يمكنني مرافقتك إلى الشركة المذكورة إن أحببتي فهي قريبة جداً  من مكان عملي
_تشجعت رؤى بعد كلماته تلك وقالت: اتمنى ذلك
رد لها مبتسماً: سأنتظرك في الخارج قال كلماته ثم غمز لعمته التي علمت غايته جيداً فهو يريد كسر الروتين الممل في حياة صغيرته المعشوقة لقلبه
أما يامن فقد اقترب من والدته وضمها بشوق ثم طلب منها الأذن فعليه أن يذهب إلى المستشفى ليطمئن على حال الهيثم
_ شدّدة من احتضانه وهي تُملئ رئتيها من رائحة شعره التي لطالما عشقتها منذ صغره من قبل أن تعلم بأنه طفلها الذي سُلب  من احضانها قبل أن تراه ثم ردت عليه: بأنها تود أن تذهب معه للهيثم قالت كلماتها ثم توجهت للسيدة أم مالك تسألها إن كانت تود أن ترافقهما

_ ابتسمت أم مالك وهي تعتذر لإحساسها ببعض التعب

_عذرتها السيدة فتون وعرضت عليها أن تبقى معها ولكن رفضت الأخرى بشدّة وقالت بأنها تريد أن تخلد للنوم ولا داعي لإلغاء زيارتها للهيثم من أجلها
وبينما كانتا تتجاذبان أطراف الحديث هبطت رؤى الدرج وكانت متألق بفستان طويل من اللون الوردي ولكن ليس هذا ماأثار دهشة الجميع بل ارتدائها الحجاب لأول مرة جعل الجميع ينبهر بجمالها الذي تضاعف عقب أرتداءه فكانت السيدة فتون أول المباركين لصغيرتها ومن بعدها يامن الذي شعر شعور الفخر بشقيقته وهو يراها ملكة على عرش الجمال والحشمة والأدب ثم تبعته أم مالك التي ضمتها بعاطفة غامرة وباركة لها كما أنها أثنت على جمالها الفاتن
في هذه الأثناء كان الآسر معتلي سيارته وقد تواصل مع مكتب السكرتاريا خاصته وأخبرهم بموعده مع رؤى بعد أن أعاد الاتصال بها عقب خروجه من المنزل بصفته مدير الشركة ليأكد لها بأنه في انتظار قدومها
كان شارداً يفكر بحلولٍ جذرية لكل المشاكل المتراكمة حوله فيجب عليه إيجاد حل لوضع الفهد وزوجته قبل أن يحدث مالم يُحمد عقباه ففي الأمس كاد الفهد أن يخسر زوجته مثلما حدث مع خالد كما أنه تذكر صوت القاسم عندما كلمه فهو الآن على يقين بأن هناك مشكلة قد حدثت بينه وبين والدته بسبب قرارها المتعلق بخطبته من تلك الفتاة وعليه أيضاً أن يقف بجانبه ويحميه من نفسه قبل غيره فهو يعلم جيداً أن القاسم من النوع شديد الأنفعال وهذا قد يؤدي به لأذيت نفسه كما أن المشاكل المتمحورة حول معشوقته التي تجعلها تذبل يجب عليه حلها جميعها قطع أفكاره نابضه الذي ثار كبركانٍ نشط عندما وقعت عيناه على معشوقته التي كتبت بملامحها حكاية جديدة تروي فصول الجمال،
كان يتابعها بنظره وهي تسير نحو السيارة بدون حتى أن يرف له جفناً ولكنه سرعان مااستعاد نفسه عندما وصلت إلى باب السياة لكي لايحرجها بنظراته تلك التي حمد الله أن لاأحد يمكنه رؤية مابداخل سيارته بسبب زجاجها المغطى باللون الأسود فلو كان غير ذلك لكانت قد ضاعت هيبته بسبب تلك الصغيرة.
‏في هذه الأثناء اعتلت رؤى المقعد المجاور لمقعده فبارك لها وأثنى على قرارها هذا فردت بثقة: عليك الآن أن تمتنع عن مناداتي بالصغير فها أنا قد كبرت كما أنني ارتديت الحجاب أيضاً

‏_للصراحة لا أستطيع أن أعدك بذلك فأنا مازلت أراكِ بأنكِ صغيرتي

‏_ زفرت رؤى الهواء ببعض العنف بدون أي تعليق
‏فابتسم وهو يخطف النظر لوجهها فالقلب يعشق ملامحها ولاسلطة له على قلبه المجنون بهوى عشقها..........
‏**************************************
‏عاد القاسم للشركة ليمارس عمله بهمة بدون أن يسمح لنفسه بالراحة ولاحتى دقيقة واحد فقد كان يشغل نفسه كي لايعيد عقله عرض ماحدث معه في تلك الليلة المشؤومة دخل خالد مكتبه بعد أن طرق الباب ليجده غارقاً  بين الملفات ينجز عمله وعمل الفهد فطلب منه أن يساعده ولكن أجابه بأنه على مشارف الانتهاء ولا حاجة لأن يشغل باله
‏كان خالد يتصيد فرصة مناسبة واحدة لكي يستطيع أن يسئله عن مايزعجه ولكن كان القاسم حذر ولم يعطي الآخر أي فرصة حتى يأس وعاد لمكتبه مؤجلاً سؤاله لجولةٍ أخرى
‏في هذه الأثناء وصلت سيارة الآسر إلى باب الشركة المخصص للموظفين
‏_فقال: هذه هي الشركة المطلوبة ثم صمت قليلاً ليجدها مكانها ولم تتزحزح فقال مجدداً: هل هناك أي مشكلة
‏_جالت المكان بعينيها ثم قالت بصوتٍ مرتبك: ألا تريد أن تأتي معي
‏_صدمها جوابه عندما قال: لا
‏نظرت له مباشرة وكادت أن تتكلم ولكنها ابتلعت كلماتها وفتحت باب السيارة لتهبط منها متجهة نحو تلك الشركة لتثبت له بأنها قوية ويمكنها أن تنجز أعمالها بنفسها راقبها قليلاً  ثم أدار سيارته نحو الباب الآخر المخصص للأداريين.
‏كان الأسرع فقد وصل مكتبه قبل أن تقطع هي رواق الشركة فقط وبدأ يراقبها عبر الشاشة المثبته أمامه ليجدها مرتبكة تسأل موظف الاستقبال عن مكان مكتب المدير فقام أحدهم بمرافقتها مما آثار غضب الآسر وغيرته عندما أعتلت المصعد برفقة ذلك الموظف ففي هذه اللحظات قد لعن نفسه ألف مرة على فكرته تلك التي أطرتها على اعتلاء المصعد مع شخص غريب تتشارك معه نفس المكان ونفس الهواء يالها من فكرة غبية كادت أن توصله ليقتل ذلك الرجل لولا أن فُتح باب المصعد أخيراً ليشير لها بيده نحو مكتب السكرتاريا الخاص بالمدير العام ولكن لم يهدأ جنون قلبه وخاصة عندما رأها تبتسم لذلك الرجل ويبدو عليها بأنها تشكره كاد يحترق بنار غيرته تلك لدرجة أن عروقه قد برزت كما أن عيناه اصطبغت باللون الأحمر وكأنه خارج من معركة للتو
‏ارتفع رنين الهاتف أمامه المخصص لمكتب السكرتاريا   
‏أجاب بعد أن ضبط أنفاسه ليبدو أنه طبيعي ليأته طلب الأذن للفتاة بأن تقابله فطلب أن تنتظر قليلاً فلديه عمل عليه أنجازه،
‏طلبت السكرتيرة من رؤى الانتظار قليلاً  كانت رؤى متوترة جداً يظهر عليها ذلك بوضوح فبعد وقت ليس بقليل شفق على حالها وطلب من السكرتيرة أن تأذن لها بالدخول
‏في هذه اللحظات كانت رؤى تشتم الآسر تحت أنفاسها فلولا أنها ظنت بأنه سيبقى معها لم تكن لتقبل بهذا اللقاء فكانت على الأقل طلبت من يامن أن يرافقها ولكن الآن لم يعد هناك مجال للتراجع فلا يجب أن تظهر أمام الجميع بأنها طفلة فهذه فرصتها لتثبت نفسها كما كانت تحلم منذ زمن كانت خطواتها متزنة واثقة عكس تماماً مايجري داخلها
‏دخلت من باب المكتب لتجده مكتب فخم جداً ولكن سرعان ماذكرها بطابع غرفة الآسر ولكنها نفضت تلك الأفكار عن بالها فلا يجب أن تتشتت الآن بحثت بعينيها بكل أرجاء المكتب ولكن لم تجد أحد  بقيت واقفة مكانها بالقرب من طاولة المكتب تستكشف مكنونات هذا المكان الغريب فهي تشتم رأئحة الآسر في كل مكان ولكنها تقاوم فكرتها تلك إلى أن تجمد نظرها على الحائط أمامها عندما رأت نفس الصورة الموجودة بغرفة الآسر فلا يمكن أن يكون كل هذا مجرد صدفة اللون الرمادي المتداخل مع الأسود ورائحة عطر الآسر والصورة الغريبة نفسها
‏ماالذي يجري هنا ألتفتت بسرعة لتجده واقفاً خلفها بطلته الساحرة بهيبة حضوره الفاتن نعم أنه الآسر وعيناها لا تكذب عليها وإن كذبت تلك العينان فقلبها لا يجرء على ذلك وبحركة غير محسوبة من قِبل الآسر ارتمت بأحضانه تبحث عن الأمان الذي أفتقدته في غيابه مما جعل حصون غضبه تنهار وتذوب كلوح جليدٍ أذابته أشعة الشمس الصيفية
‏ادركت نفسها وابتعدت عنه وهي ترتب شالها لتهرب من نظراته التي أتبعها بكلماته وهو يرفع حاجباً دون الآخر : يجب عليك الآن الاعتراف بأنك صغيرتي قال كلماته ليتبعهم بضحكة ماكان من الأخرى إلا أن تشاركه بها ثم جلست بعد أن طلب منها ذلك ليجلس مقابل لها وبدء بالقول: من حقك أن تحتفظي بأرضكِ لكِ ولن أجبركِ على بيعها أو المشاركة بها حتى وإن كلفني ذالك بيع الأراضي حولها والبحث عن مكان آخر لإقامة مشروع شركتنا به، ولكن قبل هذا عليّ أن أحكي لك قصة هذه الأرض كاملة ومن ثم سأقدم لكِ العروض باسم الشركة ولكِ القرار الأول والأخير.
‏هزت رؤى رأسها بمعنى أن يكمل فبدأ بسرد ماحدث
‏_ في أحد اجتماعاتنا قررنا توسيع عمل شركتنا وأقامت مصنع كبير ثم بدأنا العمل على هذا حتى تم بعد فترة تحديد المكان المناسب لهذا المشروع ولم يقابلنا أي عقبات عند شراء الأراضي المحددة إلا أنه  في وسط أرض المشروع كانت هناك قطعة أرض صغيرة وقد كان هناك ورثة لها فأخذ ذلك بعض الوقت لأنهاء أجراءاتها بشكل قانوني وقبل أن نكتب عقدها بيومٍ واحد فقد توفيت زوجة أحد الأداريين وهو كما تعلمين صديقي المقرب الذي أعتبره أخاً لي كما أني كنت أعتبر زوجته كاأختي بالظبط لهذا كان لوفاتها تأثيراً كبيراً علينا جميعاً ولم يتم في ذلك الوقت شراء تلك الأرض التي تُمثل مفصل الأراضي حولها فمن دونها لا يمكن أقامة المشروع لهذا بعد أن تجاوزنا تلك الفاجعة قليلاً ووجدناها قد بيعت بدئنا نبحث عن المالك الجديد لنفاوضه عليها  ولهذا طلبنا من المحامية الخاصة بك التواصل معك،
صمت قليلاً  قبل أن يكمل حديثه من جديد:
‏هذا بما يخص قصة الأرض أما العروض فلكِ أن تبيعي لنا تلك الأرض بالسعر الذي تحدديه أو لكِ أن تبقى لكِ وتكوني شريكة بالمشروع ولكِ أيضاً  أن ترفضي هذا وذاك وتحتفظي بالأرض لنفسكِ  وتقيمي عليها مشروعكِ الخاص.

‏نظرت له  نظرة ملل ثم أخذت بعض الوقت للتفكير ثم قالت:  ماسر تلك اللوحة
‏صُدم الآسر فقد كان ينتظر منها رد على ماسمعته منه لا أن تسأله عن اللوحة لكن ومع ذلك أجابها بقول: قصتها طويلة جداً سأحكيها لكِ فيما بعد
‏سألته بسرعة: متى

‏ابتسم وقال في المساء إن كان هناك وقت يسمح لذلك

_ ‏ابتسمت بفرحة طفولية ثم وقفت وهي تقول له: ألا تريد أن تعيدني للمنزل أشعر بأني تأخرت

_لم تجيبيني بعد

_عن ماذا

_ عن ماسمعتيه بشأن الأرض
أعادت الجلوس وقالت لاأرى موضوعٌ بما سمعت يجب النقاش به فأنا لو كنت الآن بمقابلة مدير شركة أخرى كنت عدت إلى المنزل وعرضتُ عليك ماسمعته وفعلت ماتقوله لي لأني أثق بك والآن أعتبر هذا حدث وأفعل ماتراه مناسباً

_ أممم قالها الآسر ثم قال: إذاً انتهينا من الموضوع الأول علينا الآن أن نتخذ الأجراءات اللازمة من أجل أملاكك فقد حدثت المحامي الخاص بالشركة وأطلعته على كل التفاصيل وهو جاهز للبدء فاليوم يجب أن نكتب العقود وغداً سنطالب بالأخلاء وبعد شهر من الآن يمكننا أعادت الأملاك لكِ

_ هناك شيئاً استجد كما تعلم عندما كتب والدي كل أملاكه لي  لم يكن يعلم بأن يامن شقيقي ولكني الآن أعلم ولا يجدر بي أن أحرمه أرث والده فعندما تعود الأملاك تُقسم على ثلاث

_ ومن الثالث

_ابتسمت وهي تقول:  لوالدتي نصيبٌ من أرث زوجها وليامن ضعف مايكون لي فقط هذا مايجعلني أنام مرتاحة الضمير

_ نظر لها نظرة فخر فهذا ماكان ينتظره منها يالها من فتاة تفتن قلبه وتأسر عقله فكل يوم يمر يصبح على يقين أكثر بأن كل مافعله من أجلها قليل أمام قلبها المليئ بالحب والجدير بالعطاء دون مقابل ..

_قطعت تأمله هذا عندما قالت يجب عليه الآ إعادتي إلى المنزل فقد قررت اليوم بأن أُعد طعام العشاء بنفسي احتفالاً بانضمام شقيقي يامن لعائلتنا

_ابتسم الآسر قبل أن يجيبها: هل يمكنني تقديم أي مساعدة فأنا اتقن فن الطبخ جيداً تعلمت ذلك من عمتي

_لا شكراً لك سأُعد كل شيء وحدي

_كما تشائين
قال كلماته ثم توجه بصحبتها إلى خارج الشركة ومن ثم إلى المنزل ليطمئن قلبه على صغيرته................

‏      ******************************

‏عاد خالد لمكتب القاسم فلم يجد مايقوله له غير أن يطمئنه عن الفهد وبأنه عاد بزوجته إلى المنزل وأن وضعها أصبح أحسن بكثير من قبل كان القاسم يرد فقط بالحمد لله ويعود للملف أمامه ليكمل خالد جملة أخرى ليجيب الآخر بالحمد لله  حتى انتهى خالد كلامه فنظر له القاسم وقال هل هناك شيئاً آخر تلعثمت الكلمات على ثغر الآخر وهو يقول: لا سأعود إلى مكتبي قال كلماته وهو يتجه نحو باب المكتب ليوقفه القاسم بقول: انتظر، قالها ثم اقترب منه حتى تمكن من وضع كفيه على كتفيه ثم قال بحزم: أنا بخير لاتقلق بخير أكثر من أي يومٍ مضى ولكني لاأقوى على الحديث الآن عليّ أن انتهي من الصراع الدائر هنا أولاً قال كلماته وهو يشير بسبابته على رأسه
‏لم يجد خالد مايناسب الموقف من الكلام فاحتضن صديقه وهو على يقين بأن هذا أكثر ماهو بحاجته الآن..................

        ‏*****************************
        ‏
كانت أم مالك تتحامل على نفسها ولكنها تعلم بأن هذا لن يفيد وعليها أن تتواصل مع طبيبها قبل أن تأتي رؤى وتراها هكذا فيتألم قلبها الصغير بسببها وتزيد همومها هماً جديداً كان هذا ماتكلم به نفسها عندما وقفت متجهة نحو الخزانة التي رتبت بها رؤى أغراض الخالة أم مالك وفتحت أول الدروج لتلتقي بضالتها وهو الملف الطبي خاصتها الذي يحوي على رقم طبيبها الخاص ثم بدئت تبحث بعينيها عنه وقبل أن تجد الرقم تصنمت مكانها وبدئت قدميها ترتجف ودموعها تتسابق على خديها يالها من معجزة حقيقة قد حدثة للتو كانت تعيد قراءة ماكُتب مراراً ويزيد ارتجافها مع كل حرف....
‏في هذه الأثناء عادت رؤى إلى المنزل بعد أن ودعت الآسر الذي عاد إلى شركته مسرعاً فلديه الكثير من الأعمال عليه أنجازها.
سألت الخادمة عن السيدة أم مالك فهدتها الأخرى إلى مكان تواجدها  أسرعت إليها لتخبرها بالذي جرى معها أثناء غيابها
طرقة الباب عدة مرات ولكن لم يأتها الرد فدخلت لخوفها الشديد عليها لتجدها على ذلك الحال ركضت إليها وبدئت تنظر لما كانت الأخرى تنظر له وقبل أن تكتمل الدقيقة كانت رؤى تصرخ وتقول مستحيل هذا مستحيل كيف حدث كل ذلك كيف كيف ولماذا علا صوت بكاء رؤى ثم جلست على الأرض بإهمال وهي تبكي بحرقة وتقول هذا مستحيل لماذ أنتِ  لماذا............


‏**************************

‏في مكتب القاسم كان يتابع عمله الذي كان حبل النجاة من الغرق والموت بين أفكاره فلولا إيمانه القوي بلله عزى وجل لكان قد انتحر أو لجئ إلى المحرمات فقط ليهرب من أفكاره تلك التي كادت أن تنهش قلبه...
‏فتح باب مكتبه بدون سابق أنذار ليطل من خلفه بعينيه المكسورتين وبظهرٍ قد انحنى من ثقل الذنب الذي حمله طوال تلك السنين التي مرّت بدون أن تستطيع تخفيفه
‏نظر إليه القاسم وهو يقرأ انكساره وحسرته ثم قال: أود أن أدعوك للجلوس ولكن هذا مكان عمل كما تعلم وللعمل حرمة لايجب علينا تخطيها قال كلماته ثم صمت فلم يسمع من الآخر سوى الصمت فأكمل: أليس هذا ماعلمتني أياه أليست هذه شعاراتك
‏بقي الآخر على صمته ليسمح لذاكرة القاسم أن تعيد له كل ماحدث في الليلة الماضية


فلاش باك:

انتهى حفل الزفاف وعاد القاسم مع والديه لمنزلهما تلبيتاً لرغبة والدته فهو يعلم أن قلبها لم يبرد بكم الشتائم التي أنهالت عليه بها وتريد أن تكمل ذلك في المنزل فتأهب وهيئ نفسيته لتقبل مايمكن أن تقوله وكما توقع فماأن دخلوا المنزل حتى علا صوتها وهي توبخه على مواقفه مع تلك الفتاة التي تمتلك جمالاً ساحراً مما جعله يبتعد عنها ليعصم نفسه من الذنوب  التي لا بد أن تقع إن اقترب منها ومسه سحر جمالها لهذا رفض طلبها للرقص كما رفض مرافقتها أثناء استقبال العرسان الذي تم على أنغام طبول الفرق الشعبية المشهورة وفي هذا كله كانت والدته تأكل نفسها بنفسها من شدّة الغيظ ولاتعلم أن هذا ماأوقع تلك الفتاة بغرام القاسم...
كان القاسم هادئً عيناه تفترش الأرض باحترام لوالدته التي زادت من حدّة وقسوة كلماتها ليحاول زوجها إيقافها ولكن دون جدوى فقالت صارخة: لقد اعتنيت به وربيته أحسن تربية كل تلك السنين ليأتي ويعارضني بكل أمرٍ أريده منه
_أجابها القاسم هذه المرة:  لا بل ربيتني لأنك والدتي وهذه سنّة الكون

_لا، لست والدتك
_نزلت تلك الجملة على سمع القاسم كالصاعقة ليتبعها صريخ قاسي من والده وهو يقول: كفىىىىى
_وضعت كفها على ثغرها بعد أن أدركت الذي تفوهت به لتنظر إلى القاسم مباشرة الذي كان متحجر في مكانه يرفض عقله استيعاب ماسمع مرّة دقائق قاسية على الجميع قبل أن يقف ويقترب منها ثم _يقول: من هي............... من هي والدتي ابتلع غصته ثم أكمل هل هذا والدي أم أنه..........
_هنا علا صوت والده وهو يقول: أنا والدك أنت ابني ولا أحد يمكنه التشكيك في ذلك
_نظر إليه بعينين أمتلئتا بالدموع وقال: من هي والدتي
_والدتك تركتك قبل أن يتعدى عمرك العامين فهي غير جديرة بأن تكون أم وليست أهلاً لذلك فلا تسأل عنها أنا هي أمك أنا التي سهرت الليالي أمام سريرك أنا التي احتضنتك في أول يوم لك في المدرسة أنا التي احتضنتك يوم تخرجك أنا أمك ولا أم لك غيري 
سيطر عليه الصمت فقد كان يوزع نظراته بين والده وزوجته لايعلم ماهو أحساسه الآن ماذا يجب عليه أن يفعل هل يمسح دموعها بيديه ويحتضنها كعادته عندما يراها حزينة وكأن شيئاً لم يكن أم يحق له هذه المرّة أن يأخذ موقفاً ويذهب من غير عودة
هنا نشأ الصراع في رأسه فقرر أن يبعد عن الجميع قليلاً  ولكن كان للقدر رأي آخر عندما هداه للاتصال بالآسر ليقضي بعدها ليلته تلك في المستشفى بجانب صديقه يداوي ألام قلبه في الوقت ذاته الذي كان يتزايد نزيف قلبه المطعون بخنجر الحقيقة المرّة

الوقت الحاضر:

كان يقف أمام والده ينتظر منه أن يفصح عن سبب مجيئه إليه ولكن طال صمت الآخر فهو مشتت أيضاً  ولكن يجب عليه تبرئت ذمته أمام أبنه الوحيد فنطق أولى كلماتها:  والدتك لم تتركك برضاها بل سُلبت منها غصباً لاأعلم عنها سوى عنوان بيت عمتها ولا أعلم إن كانت على قيد الحياة أو لا كان القاسم يستمع له بكل جوارحه لينطق الآخر: اسم والدتك هو روعة مهاد العجمي نزل الأسم على رأسه كصاعقة شقت رأسه ليركض خارج مكتبه بسرعة قبل أن يستمع لباقي كلامه فخرج خلفه ولكنه  لم يستطيع اللحاق به فسرعان ما طلب من الآسر وخالد ذلك عندما صدفهما خارجين من مكتب الآسر
.

***********************

2 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.