الحادي عشر :
دخلت رؤى المنزل بعدما فتحت لها الخادمة ثم نظرة حولها باحثة عن والدتها وخالتها ولكنها لم تجدهما فتوجهت للخادمة لسؤالها عن مكان والدتها فأجابتها الأخرى بأنها خرجت مع السيدة أم مالك منذ زمنٍ قليل وأضافت أيضاً أن والدتها طلبت منها تجهيز الغرفة التي تختارها رؤى لكي تقيم بها .
ابتسمت رؤى ثم بدئت رحلتها بين الغرف الكثيرة بمرافقة الخادمة لتختار أخيراً غرفة منعزلة في الطابق الثاني تطل على الحديقة من الجهة الأولى أما الجهة الأخرى فتضم مكتبة متوسطة الحجم تحمل الكثير من الكتب مما أثار اهتمامها أما سقفها فكان مائلاً يتوسطه فتحة زجاجية تسمح لها رؤية السماء إن أرادت ويمكنها أيضاً أغلاقها متى تشاء ، انتقلت بنظرها نحو الجهة الثالثة لتجدها عبارة عن لوحة فنية فسيفسائية تخطف الأنفاس لشدة جمالها يتوسطها موقد بُنيا ليظهر وكأنه مغارة تتوسط اللوحة وأمامه وسادة كبيرة وكأنها وضعت خصيصاً لأجل من يريد القراءة فهي مريحة ومناسبة جداً كما كان بجانبها طاولة زجاجية ذات الحواف الذهبية مخصصة لحمل كوب من القهوة أو ما شابه وفي الجهة الأخيرة كان هناك بابٌ خشبي يفصل بين الغرفة وحمامها الصغير ذو التصميم المناسب جداً لهذه الغرفة التي أوقعت رؤى في غرامها فور رؤيتها
_فقالت دون تردد: هذه هي الغرفة التي سأقيم بها
_لترد الأخرى بتعجب: ههذذذه
_انتبهت رؤى لنبرة الخادمة فأردفت متسائلة : وما الغلط في ذلك
_لا شيء سيدتي ولكن هذه الغرفة المخصصة لسيدي الآسر فهو يقضي وقتاً طويلاً هنا بين هذه الكتب ، قالت كلماتها وهي تشير إلى الرفوف أمامها
_ ابتسمت رؤى وقالت بنبرة تحمل بعض التحدي للآسر : ومن الآن أصبحت غرفتي أريد فقط فراشاً لأضعه هنا ،قالت كلماتها وهي تشير بسبابتها إلى المنطقة التي تتمركز تحت فتحت السقف مباشرةً
ظهرت علامات التعجب على وجه الخادمة وهي ترى سيدتها الصغيرة تختار وسط الغرفة ليكون مكان نومها ثم اختفت تدريجياً عندما أكملت رؤى : أريد أن أراقب القمر والنجوم في كل ليلة قبل أن أغفو فلطالما كانوا أصدقائي الوِحاد في أيامي الصعبة
لم يكد فم الخادمة أن ينطبق أثر تعجبها لينفرج مرة أخرى عندما أدركت أن رؤى طلبت فراشاً لا سريراً فأعادت سؤالها: سيدتي أتريدين أن تختاري سريراً من معرض المفروشات عبر الإنترنت ليأتوا به العمال ويكون جاهزاً عند المساء
_ ومن أتى على ذكر السرير أنا أريد فراشاً فقط، حياة الرفاهية تلك لا تناسبني فقد قضيت نصف حياتي أنام في حظيرة الأبقار أو اسطبل الخيل فنوم الأسِرَّة هذه ستفسد جسدي المتين
مفاجئة جديدة لم تستطيع تلك الخادمة المسكينة اخفائها فقد ظهرة من جديد مرسومة بوضوح على ملامحها فلا يمكن لفتاة بهذه الرقة والجمال أن تكون كما وصفت نفسها الآن ولكنها لم تعلق سوى بقول: خلال ساعة سأكون قد جهزت لكِ كل ماطلبته
_ بل سأجهز غرفتي بنفسي فقط أنتِ ساعديني لأعثر على ماأريد
_كما تريدين سيدتي
_ابتسمت لها رؤى وقالت بلهجة ضاحكة : اسمي رؤى ولا تناديني بسيدتي ناديني فقط رؤى
_كم أنتِ رائعة ومتواضعة سيدتي
_ عدنا لسيدتي هذه
_ اعذريني ولكني لم اعتاد المناداة بغير ذلك
_عليكِ أن تعتادي من الآن قالت كلماتها وهي تمسك بكف الأخرى وتقول: هيا بنا إلى العمل ............
*********************************************
كانت السيدة فتون جالسة أمام سرير الهيثم تزرف الدموع فقد ساء حاله كثيراً وبدا وكأنه يصارع الموت في النزال الأخير لم يكن حال كل من يامن وحازم وأحمد أحسن من حالها حتى السيدة أم مالك شاركتهم الدموع الصامتة فهي قابلة الهيثم من قبل ويؤسفها أنه وصل إلى هذا الحال
كان الجميع يراقب أنفاس الهيثم المتقطعة عندما فوجئوا بدخول سميّة زوجة الهيثم مع والدها
نظر لها الجميع عندما قالت موجهة كلامها لحازم: كيف طاوعكم ضميركم أن تخفوا عني حال زوجي كل هذه الفترة التي مضت
بلع حازم ريقه بعد أن جف حلقه فهو لايعلم ماالذي يجب عليه أن يقوله في مثل هذا الموقف لينقذه أحمد عندما قال : لم نكن نعلم أن حاله سيزداد سوء حتى يصل إلى هذه المرحلة كنا نظن أنها فترة قصير وسيعود كما كان ووقتها هو من يبرر لك غيابه ويعوضك عن تلك الأيام الصعبة التي مرّت عليكِ عقب زواجكما ولكن كما ترين تجري الرياح بما لاتشتهي السفن قال أخر كلماته وهو ينظر إلى الهيثم
لتنظر هي أيضاً موضع نظره وتخطو نحو زوجها الذي لم تراه منذ صباح زفافهما وإلى الآن وليتها لم تراه ولم تسأل أخته شيماء عنه وبقيت لا تعلم عن حاله سوى أنه هجرها فجأة لكان هذا أسهل على قلبها من أن تعلم بأن زوجها يصارع الموت وهي المذنبة بحقه لأنها لم تكون بجانبه كم هو صعب هذا الإحساس لطالما نكون في راحة ضمنية رغم مايظهر على ملامحنا من التوتر عندما نظن بأننا الضحية فدائماً ما ندعو الله أن يأخذ لنا حقنا من الجاني ولكن كم تكون صدمتنا بنفسنا قاسية عندما نعلم أن لاحق لنا وأننا المقصرين الفعليين نعم نود بأن لو لم نعلم هذه الحقيقة المرّة وهذا هو إحساس سُميّة الآن تود لو أنها لم تغادر بيت زوجها ولم تنقطع عن أخباره لكانت وقتها فقط استطاعت أن تقف بجانبه وحتى لو لم يراها فإن الله يرى .
كانت خطواتها بطيئة متثاقلة لم تزح بصرها عن وجه زوجها الذي بدا شاحباً وكأن الدماء لا تصله
افسحت لها السيدة فتون لتجلس مكانها عندما علمت من الحديث الدائر أن هذه هي زوجة الهيثم كما رحب كل من حازم وأحمد حتى يامن بوالد سميّة أبو نوح بينما استأذنت السيدة فتون برفقة أم مالك للعودة إلى المنزل ...........
************************************************
جلس القاسم مع عائلته على طاولة مميزة في القاعة كانت قد خصصت لهم من قبل منظمين الحفل بطلب خاص من أبو سالم صديق والد القاسم .
كان القاسم يجول بعينيه بملل لايدري لماذا وافق والدته هذه المرة وأتى إلى مثل هذه الأماكن التي لاتليق بمتدين مثله ولكن سرعان ماقطع أفكاره عندما وقعت عيناه على فتاة قادمة من بعيد أقل مايقال عنها حورية من السماء متألقة بفستانها الزمردي الطويل المرصع بالألماس المختلفة أحجامه وفوقه شالٌ من اللون الأبيض الشفاف يزيد طوله عن طول الفستان نفسه صمم خصيصاً ليُظهر صاحبته بأبهى صورة وقد نجح في ذلك فلونه قد انعكس على عيناها الزرقاء ليظهرا بلونٍ فريدٍ ساحر يأسر القلوب كما أنها زينة شعرها الكستنائي بتاج ناعم أبدع مصممه برصف أحجار الزمرد به.
كلما اقتربت كلما ظهر جمالها واتقان طلتها أمام أعين القاسم حتى وصلت إلى الطاولة التي يجلس عليها هو وعائلته وألقت السلام على والدته أولاً ثم على والده لتأتي اللحظة الحاسمة لقلبه عندما مدّة له كفها لتصافحه فرفع كفه على صدره معتذراً بأنه لايصافح الفتيات
في هذه الأثناء كادت أعين والدته أن تخرج من مقلتيها ولكنها التقطت كف الفتاة بين كفيها
_وقالت مبررة فعل القاسم ب: جيل هذا الزمان يظن أن التدين في مثل هذه الحماقات
كان القاسم يقول تحت أنفاسه: ألا يكفيني ذنب النظر يريدون مني حمل ذنب اللمس أيضاً جميلة جميلة ولايختلف في هذا اثنين وإني لأخاف على نفسي من فتنة جمالها ،
في نفس الوقت ردت الفتاة بابتسامة : اتمنى لكم سهرةٌ ممتعة
قالت كلماتها وهي تنظر للآسر نظرة غريبة لم يفهمها ثم غادرة الطاولة وماأن ابتعدت حتى اقتربت والدته من أذنه وقالت : اتعرف من هذه أيها المتعجرف أنها جيلان البنت الوسطى لابو سالم أنها من اخترتها لتكون عروساً لك أضعت كل مسعاي بتصرفك الغبي هذا كان القاسم يستمع لوالدته ويهز رأسه والابتسامة تزين وجهه غير عابئ بوابل الشتائم التي أنزلتها والدته على مسامعه ............
************************************************
كانت ميرا تعجُ بالحياة والحيوية عندما اتصلت بها إحدى صديقاتها وقالت لها بأنها تود رؤيتها فلم تتردد لثانية قبل أن تدعوها إلى منزلها ثم أعدت ما لذ وطاب من أشهى المأكولات لتقدمها إلى صديقتها هند التي أخبرتها بعد قليل أنها ستصطحب معها صديقتهما من أيام الدراسة التي تدعى نور فسُرت ميرا بخبر مجيئ صديقتيها وسُرت أكثر بأنها أصبحت قادرة على استقبال الضيوف بدون أن تلجأ لمساعدة أحد
أعلمت معشوقها بأن لديها صديقتيها ليتأخر قليلاً كي لا يحرجهما ولايُحرج منهما
فلم يتأخر الأخر عن عرض أي مساعدة ممكنة ولكن ما أفرحه أن زوجته أعدت كل شيء بنفسها هذه المرة .
مرّ الوقت سريعاً هذه المرة وأتى موعد حضور الصديقتين وكما توقعت علا صوت جرس الباب في الوقت المحدد،
رحبت بهما ترحيباً يليق بهما ثم أدخلتهما منزلها وبعد أن جلستا قليلاً استأذنت ميرا لتأتي بضيافتها من المطبخ لتقدمها لصديقتيها وماأن غادرة حتى اقتربت المدعوة نور من أذن الأخرى لتقول :ألم تقولي لي بأنها مريضة بالوسواس القهري هاهي سليمة لا تشكو من شيء
_ردت الأخرى: سمعت من شقيقتها مؤخراً بأنها في طور العلاج الأخير ولم يبقى سوى القليل لتتعافى نهائياً
_ أممممم قالتها بحقدٍ قديم من أيام الجامعة عندما كانت تهيم عشقاً بالفهد وهو لايرى في هذه الدنيا سوى تلك المدعوة ميرا التي لطالما كرهتها ولم تأتي إلى بيتها إلا لترى ضعفها أو أن تسمح لها الفرصة لرؤية الفهد لعلها تنال قلبه بعد الذي سمعته عن مرض زوجته
عادت ميرا سريعاً لتقدم العصير أولاً ولكن سرعان ماوقعت بشباك تلك الملعونة التي تدعى نور
_عندما قالت : هل تغيرت ملامحي كثيراً عن ماكنتِ تعرفيني في أيام الجامعة
_لا أبداً ،قالتها ميرا ببراءة لتكمل الأخرى خبثها: غريب
_وما الغريب
_منذ أيام رأيت زوجك الفهد ولكنه لم يتعرف عليي
_ابتسمت ميرا وقالت : يمكن أن يكون مشغول ولم ينتبه
_لاأعلم ولكن كان برفقة فتاة في أحد المطاعم كان يظهر عليه الاهتمام الشديد بها
توسعت عينا هند وهي تلكزها بقدمها كي تكف عن هذا الكلام ولكنها لم تأبى لنكزاتها ولم تأبى لتغير وجه مير ولا حتى لارتجاف يديها فأكملت كذبتها : آسفة يبدو أنكِ لم تكوني تعلمي ولكني ظننت أنها أحد أقاربه لأنه كان قريباً منها جداً كما أنه كان يضع يده على كتفيها
هنا طفح الكيل عند هند وادعت أن لديها شيءٌ هام وعليها أن تنصرف وأجبرت نور على الانصراف لتوبخها كل الطريق الذي انتهى بقول هند بأنها لاتريد أن ترى وجهها مرة أخرى كما أنها نعتها بالأفعى السامة ، أما ميرا لم تمنعهما من الرحيل وبقيت على حالها وكلمات تلك الأفعى تدور برأسها وتنهش تفكيرها بلا رحمة ...........
**********************************************
اعتلى سيارته للانطلاق نحو المنزل ليوقفه عقله حين أسترجع أحداث اليوم عندما كانت معشوقته تعتلي المقعد بجانبه
ابتسامة لطيفة رُسمت على ثغره لكن سرعان مااختفت وقتما تذكر طلبها منه عندما كانا في طريق العودة
فلاش باك:
كانت جالسة بجانبه بصمت وكأنها في عالم آخر يشعر وكأنها قريبة منه ولكنها بعيدة في نفس الوقت مشاعره متضاربة جداً ومازاده تعقيداً طلبها عندما التفتت أليه فجأة وطلبت منه أن يوصلها إلى المستشفى التي يقبع بها الهيثم فغلت الدماء الجارية في عروقه وارتفعت حرارته فجأة من شدّة غيظه، لكنه سيطر على نفسه بعد أن جاهد كثيراً حتى يخرج صوته طبيعي ليعتذر لها متذرّع بأن لديه الكثير من الأعمال اليوم لربما يأخذها في الغد إن وجد فرصة لذلك كما أنه أعاد توصيتها بأن لاتخرج من المنزل إلا معه ليضمن سلامتها كما أنه يضمن بأنها لن تذهب لرؤية الهيثم، انهى كلامه ثم ضاعف السرعة ليصل إلى المنزل بربع المدة التي أستغرقها في طريق الذهاب
الوقت الحاضر:
ضرب المقود بكف يده وهو يقول : الهيثم الهيثم الهيثم ومن هذا الهيثم الذي نكّد عيشي ذكره
قال تلك الكلمات ثم أدار محرك سيارته متجهاً نحو المنزل بسرعة جنونية على غير عادته .............
****************************************
وأخيراً نظرت نظرة راضية عن المكان التي قررت الإقامة به ثم قالت موجهة كلامها للخادمة لم يبقى سوى أن أأتي بحقيبة ملابسي التي وضعتها أمس في غرفة أمي
_ يمكنني أن أأتي بها لكِ إن أردتِ
_ لا أنا سأحضرها أنتِ أذهبي وحضّري وجبة العشاء فلدى خالتي أم مالك دواء يجب أن تتناوله بعد قليل
قالت كلماتها وهي تنظر إلى الواجهة الزجاجية التي تطل على الحديقة لتجد والدتها وأم مالك يتبادلان الأحاديث بسلاسة فابتسمت ثم توجهت إلى غرفة والدتها ولكن ماأن دخلت حتى تسمرت مكانها تنظر حولها بصدمة فيبدو أنها تاهت ودخلة غرفة أخرى ذات تصميم مذهل نجح مصممه بخطف أنفاس كل من رآه كحال رؤى الحالية التي وقفت مذهولة حقاً من فخامة ماترى فتصميم هذه الغرفة مختلف عن كل ما رأته في هذا المنزل فألوانها غريبة فلم تعهد بعد أحد يعتمد اللون الأسود كلون أساسي لطلاء غرفته ولكنه مذهل وخاصة عندما دُمج مع اللون الرمادي ليتخلل بينهما اللون الأبيض في أماكن الإضاءة وأكثر مالفت انتباهها تلك اللوحة المعلقة على جدار الغرفة فهي لاتعلم لماذا أتاها شعورٌ داخلي بأن اللوحة حقيقية وليست رسم فلم تستطيع أزالت عيناها عنها لولا أن انقطعت أنفاسها فجأة عندما سمعت صوته : يبدو أنك أحببت ذوقي كثيراً
_ههاااا ، ردت كالبلهاء فهذا آخر ما كانت تتمناه
_ لا تقولي بأنك تنوين الاستيلاء على غرفة نومي كما استوليتِ على قلب عمتي وغرفة القراءة خاصتي ، تمنى في تلك اللحظات أن يقول لها بأنها استولت على قلبه أيضاً ولكنه ابتلع كلماته تلك
_ لا ،لا أريد غرفتك بل كنت قاصدة غرفة أمي لأنقل حقيبتي للغرفة التي اخترتها كما أوصتني أمي وهي لم تقول أنَّ هناك غرف مخصصة لك بل قالت أختاري الغرفة التي تريدين وأنا أخترت ، قالت أخر كلماتها بدلعٍ غير مقصود ولكنه فتك بقلب الآسر كما تفتك السهام صدر الغزال الشارد من قِبل صيادٍ محترف
_ كاد أن يلتقط كفها ليضعه موضع خافقه ليعترف لها بطريقته مالم يجرء اللسان على البوح به ولكنه مسح وجهه بكفه بعنف وقال :لا شيء يغلا عليكِ صغيرتي فالمنزل منزلك وكل ما تريدين متاحٌ لك دون غيرك
_ توسعت عيناها وهي تقول بتذمر طفولي : أنت أيضاً
_ ماذااا
_ لماذا تدعونني بالصغيرة وأنا بعد أقل من شهر سأُنهي عامي الثامن عشر
صدح صوت ضحكاته في انحاء المكان ليطرب قلبها النقي ويعلنه معشوقه الأول والأخير لكنها ادعت الحزن وغادرت غرفته وفي الحقيقة غادرة لأن قلبها كاد أن ينفجر بسبب خفقانه السريع
اهتدت أخيراً لغرفة والدتها التي كانت ملاصقة لغرفة الآسر وحملت حقيبتها بعد عدة محاولات للسيطرة على آلامها التي داهمتها فجأة
ولكنها تحاملة على نفسها حتى وصلت للطابق العلوي ومن ثم غرفتها لتبدأ بعدها بترتب ثيابها وأغراضها كلٌ في مكانه بعد أن تناولت أقراص المسكن خاصتها ففي رأيها الضعف غير مسموح لها في وقتها الحالي فعليها أن تبقى صامدة ولاتُشعر أحداً بكم الألم الذي يجتاح أوصالها.
بعد قليل سرعان ما رُسمت ابتسامة على محياها عندما حملت كتيب في يدها كانت قد وجدته بين بعض الكتب القديمة ثم رفعته أمام أعينها ورددت((تمرد امرأة على الطغيان))قرأت العنوان وهي تستذكر النسخة التي دفنتها تحت التراب في ذلك اليوم قبل أن تغادر القرية ٠٠٠٠٠٠٠٠٠
**********************************************
كان يبرر عدم رد زوجته على اتصالاته بأنها مشغولة مع أصدقائها ولكن تأخر الوقت ولا يمكن أن تبقى صديقتها هند أكثر من ذلك فهي تزورها على الدوام ولا تتعدى زيارتها الساعة إلى الساعتين وليس من عادات ميرا أن تهمل هاتفها كل هذا الوقت
بدء الفهد يشك بأن شيء غير طبيعي يحدث فحسم أمره بأن يعود إلى المنزل وإن كانت صديقاتها هناك يذهب إلى أي مكان ولكن عليه أن يطمئن بأن زوجته على مايرام
وبالفعل اعتلى سيارته متجه إلى منزله وإذا بمحموله يضيئ برقم هدى أخت ميرا فأجابها على الفور لتسأله الأخرى إن كان في المنزل لأنها تطلب شقيقتها على الهاتف منذ زمن دون أجابة
_فرد عليها بقول : خيرٌ إن شاء الله يمكن أن تكون مشغولة بصديقتيها فقد أعلمتني أن صديقتها هند آتيت إليها مع صديقة لهما من أيام الجامعة وطلبت مني أن أتأخر في الشركة إلى أن تكلمني
_ جاءه الرد الصادم عندما أعلمته بأن هند من اتصلت بها وطلبت منها الأطمئنان على ميرا ثم سردت له ماقالته هند عن كذبت نور التي يمكن أن تكون دمرت ميرا وأعادتها إلى نقطة البداية
ماأن سمع كلام هدى حتى أقفل الخط دون رد وزاد السرعة بشكلٍ جنوني ليصل إلى معشوقة قلبه قبل فوات الأوان .
وصل أخيراً إلى البناء الذي يقيم به هو ومن أختارها لتكون رفيقة دربه فركن سيارته بعشوائية وهبط منها ليركض على الأدراج بسرعة رهيبة ساعده بها جسده الرياضي حتى وصل لباب شقته فتح الباب بمفتاحه الخاص وبدء ينادي بإسمها ميرااا ...... ميرااااا...... أين أنت حبيبتي ميرااا كان ينادي وهو يركض من غرفة لأخرى ليجدها أخيراً جالسة على الأرض تضم ركبتيها إلى صدرها وحولهما يديها ملفوفتين بأحكام ووجهها مدفون بينهما لايرى منها سوى شعرها الأسود الهجري المنسدل على جسدها يغطيه وكأنه درعاً يحميه من نفحات الهواء البارد
نظر فهد حوله ليجد المكان يعج بالفوضة فيبدو أنها حطمت كل ماحولها قبل أن تستسلم لمرضها وتجلس جلست الجنين الذي لاحولا له ولا قوة ، كان يقترب منها بحذرٍ شديد ويهمس بإسمها حتى وضع يده على كتفها فااستشعر برجفة أوصالها رفع وجهها بيده فرأها شاردة منفصلة عن الواقع وكأنها لاتراه حاول لفت انتباهها ولكن دون جدوى ، سالت دمعاته بحرقة فهذه هي المرة الأولى التي يراها بهذا الحال فكانت كلما تمكن منها المرض تثور وتصرخ حتى أنها تحطم ماحولها أحياناً ولكن هذه المرة مختلفة تماماً تبدو وكأنها ماتت وهي على قيد الحياة ..............
********************************************
ماإن قررت أن تهدي جسدها قسطاً من الراحة تكمل خلالها قراءة كتيب قصتها المفضلة حتى سمعة طرقاتٍ منتظمة على باب الغرفة فوضعت الكتيب على أحد الرفوف أمامها وتوجهت لفتح الباب ظناً منها أنها الخادمة أتت لتدعوها إلى العشاء ولكن سرعان ماتسمرت مكانها عندما رأته يقف أمامها بطلته الآسرة كأسمه تماماً تداخلت حروفها ببعضها البعض لتخرج جملة لا معنى لها ولكن سرعان ماقرر الآسر أعفاءها من هذا الموقف وقال : هل مازلت غاضبة
_لا ، لست غاضبة
_ إذاً هيا لتتناولي معنا وجبة العشاء صغيرتي
رفعت رأسها بنوع من الانزعاج وكادت أن ترد لولا أن ألتقت عسلية عيناها برمادية عيناه لأول مرة منذ زمنٍ بعيد وتحديداً اليوم الذي وعدها به بأنه سيعود إليها فما كان منها إلا أن اغمضت عيناها عدة مرات كي تمنع دموعها من الأنهمار ولكن لم تنجح هذه المرة
كان قلب الآسر قد تمرد على قيم ومبادئ عقله ودعاه ليرفع كفيه إلى وجنتيها ليمسح تلك الدمعات التي كادت أن تنهي نبضه إلى الأبد
في هذه اللحظات لم يكن حال الآسر بأحسن من حال التي تقف دامعة أمامه فلم يجد مايقوله على عكسها التي باحت بما لم يكن يتوقع أن يسمعه منها : لما تأخرت لما لم تأتي إلا بعد فوات الأوان لما لم تحارب من أجل أن تفي لي بوعدك
شهقات قطعت أنفاسها لتصمت قليلاً ثم أكملت ليتك أتيت ليتك لم تتركني بين يدي امرأة لاتعرف الرحمة ولا الشفقة كل تلك السنين شهقات خانقة هذه المرة دعتها لكي تمسح وجهها بكفيها الناعمين لتنظر له من جديد وتقول بصوتٍ مبحوحٍ متقطع ليتك عدت قبل أن أُضرب وأُجبر على الزواج من الهيثم ضحكت ضحكة قهر ثم أعادة النظر إليه من جديد لتجد عيناه مليئة بالدموع ولكنه كان صامة ينتظر أن تكمل كلامها وكما توقع كان لديها الكثير لتقوله عقب ضحكتها تلك: الجميع هنا يعاملني بلطف بسبب هذه الكدمات على وجهي ولا أحد منكم يعلم بأن هذا اعتيادي بالنسبة لي أخفضت نبرة صوتها حتى أصبحت كالهمس ثم أردفت :أعلم أنك لو كنت تعلم بما يجري لي لأتيت منذ زمنٍ بعيد
قالت أخر كلماتها وأخفضت رأسها بإشارة منها بأنها لن تزيد شيئاً على ماقالته
هنا فقد أتى دور الآسر ليرد ولكن كان رده فريداً من نوعه عندما ضمها بشدّة واضع رأسها موضع قلبه لتنصت لجنون هذا الخافق الذي أثارته دموعها ثم قال: يشهد الله بأني عدتُ ولكن ماطلبته أم حازم في المرة الأولى مبلغاً يفوق قدرتي بكثير مقابل أن تسمح لكِ بمرافقتنا أنا وعمتي فقضيت سنيناً وأنا أدرس نهاراً وأعمل ليلاً حتى استطعت جمع ذلك المبلغ وبعدها عدتُ ثانياً فطلبت ضعفي ماطلبته في المرة الأولى متذرعة بأنها تعبت في تربيتكِ وقتها تمنيت الموت ألف مرة بسبب ذلك الفقر اللعين الذي أجبرني على البعد عنك وأقسمت بأني سأعود إليكِ في المرة الثالثة وأنا قادر على دفع أي مبلغ يمكن أن تطلبه تلك العجوز وإن كان عشرة أضعاف
فتركت الجامعة وكثفت أوقات عملي حتى استطعت أن أكوّن شركة صغيرة لا أحد يقيم لها وزناً، في ذلك الوقت كان ثلاثة من أصدقائي قد تخرجوا باختصاصاتٍ مختلفة فوقفوا معي وقفت رجلٍ واحد حتى كبرت شركتي واستطعت أن أعود بثقة هذه المرة لأني كنت أظن بأني أملك أي مبلغ يمكن أن تطلبه تلك المرأة ولكن كانت الصاعقة بأنها أعلمتنا أنكِ تزوجتي من الهيثم وأنكِ ترفضين حتى مقابلتنا.
رفعت عيناها إليه لتجد دموعه تنهمر من عينيه مروراً بوجنتيه لينتهي بهم الحال قافزين إلى وجنتيها
ابتعدت عنه لكي تستطيع رؤية عيناه بوضوح ثم ابتسمت وهي ترفع كفيها الرقيقين لتمسح
_ دموعه وهي تقول: أمممم كف عن البكاء فقد سامحتك الآن ولكن هذا لايعني بأنني سأعفيك من العقوبة
_ انصدم الآسر من قدرتها الهائلة على تغيير لهجتها فمنذ قليل كانت تختنق بشهقاتها والآن وماأن سمعت مايرضيها حتى انقلبت دموعها لضحكات ومزاح نعم لاينكر بأن عيناها منتفختين أثر بكائها ولكن تلك الضحكات أسرت قلب الآسر شخصياً فاأصبح مثلها يضحك ويرد مازحاً: وماهي عقوبتي الآن سيدتي الصغيرة
_ عدنا إلى لقب الصغيرة ألم أقل لك من قبل لا تطلقه عليّ
_ حاضر لن أقول لك بعد اليوم إلا صغيرتي أما صغيرة فقط ليست من مقامكِ
_ يبدو أنك كبرت بالسنين فقط أما عقلك فما زال خلف تلك التلة
_ ارتفعت ضحكاته ليقول أيّ تلة
_ تلك التي أضعتني خلفها
_ أتذكرين ذلك اليوم
_ في الحقيقة لم أكن لأذكره لولا أن رأيت رؤيا ذكرتني به ووضحت لي الكثير من التفاصيل التي لم أكن أعلمها
_ ابتسم الآخر وآثر أن يحتفظ بسر أن تلك الرؤيا هي رؤى الآسر التي شاركته بها محبوبة قلبه رؤى ...........................
******************************************
وصل المستشفى بأنفاسٍ كادت أن تتوقف فتلقاه الطبيب المختص بحالة ميرا بعد أن كلمه عبر الهاتف وشرح له ماحدث بالتفصيل
لم يستطيع الطبيب أخفاء عصبيته عندما قال موجه كلامه للفهد بنبرة جافة : ألم احذرك من موقف كهذا كان يجب عليك أن تكون منتبه أكثر من ذلك
لم يرد الفهد فكل ماكان يشغله هو حال معشوقته التي سلمها للأطباء الذين كانوا في انتظار وصوله بناءً على طلب طبيبها الخاص فهو أحد مالكِ هذه المستشفى
كان الفهد متوتر جداً يقطع الممر ذهاباً وأياباً وهو يقول أنا السبب نعم أنا السبب كان يجب عليّ الانتباه أكثر رباه ماعليّ فعله الآن
لم يخطر في باله في هذا الوقت العصيب سوى صديق عمره فطلب رقمه سريعاً .....
في الجانب الآخر كان الآسر يتناول طعامه بجو عائلي جميل جداً فوجود رؤى والسيدة أم مالك أضاف لجو المنزل سعادةً من نوع خاص ولكن اللحظات الجميلة والسعيدة لاتدوم طويلاً فقد أضاء محموله الخاص برقم الفهد فقُبض قلبه لأن الفهد لايتصل على الرقم الخاص إلا إن كان هناك مصيبة ما
_ رد الآسر ب: هلا
_...........
_ماهذا الذي تقوله
_.............
_ وأين ميرا الآن
_..............
_ أهدأ وأرسل لي موقع المستشفى سآتي حالاً
_قال أخر كلماته وأغلق المكالمة لتسرع عمته في سؤاله عن مايجري فرد عليها وهو يتجه نحو غرفته : زوجة فهد ميرا نُقلت إلى المستشفى وحالها صعب جداً نطق أخر كلماته وقد وصل لنصف الدرج ولم يغيب أكثر من دقيقتين حتى تألق بملابس الخروج وتوجه نحو باب المنزل وهو يقول : أرجوكم أدعوا لها فلا ينقصنا مصائب لن ننسى بعد مُرّ فقدان خالد لزوجته
كان يردد كلماته وهو غير عابئ إن كان هناك من سمعه أم لا المهم أن يصل إلا المستشفى بأسرع وقت ليقف بجانب صديقه
وفي الطريق وبينما كان يتجاوز السيارات بمهارة صدح صوت محموله للمرة الثانية ولكن هذه المرة ظهر أسم القاسم فرد عليه بعجلة ليأتيه صوت الأخر مملوء بالغصة وكأنه كان يبكي لساعات مما أفزعه وشتت تركيزه عن الطريق أمامه ولولا لطف الله لحدث مالم تحمد عقباه ولكن بفضل الله تدارك سيارته بأخر لحظة لتخرج عن مسارها وتصدر صوتاً أعلم الأخر بما يجري فراح يصرخ مفزوعاً باسم الآسر ليرد الآخر مطمئن له أنا بخير لا تقلق
_ أين أنت وماالذي حدث قالها بصوتٍ مرتجف
_ رد الآسر بعد أن أخذ شهيقاً طويلاً : الحمد لله نجوت من حادثٍ كاد أن يقطعني لو حدث
_ حمداً لله على سلامتك ، أين أنت الآن
_ سأصل المستشفى
_ أي مستشفى ماذا هناك
_ ظننتك أنك تعلم ولهذا تتصل بي
_ عن ماذا تقصد
_ ميرا زوجة فهد في المستشفى بحالة حرجة أعلمني منذ قليل بذلك
_ في أي مستشفى
_ ٠(........)
_ حسناً أنا قريب منها خمس دقائق وأكون قد وصلت
_ وأنا كذالك قالها الآسر ثم قفل الخط ليركز على الطريق أمامه ....................
************************************************
طال جلوسها أمام زوجها الحاضر الغائب تتأمل ملامح وجهه التي تغيرت بشكلٍ كبير فقد كان يجاري ملوك الجمال بجماله الذي ورثه من والده ولكن الآن لم يبقى الكثير من ذلك الجمال وبالرغم من هذا فهي تراه في عينها أجمل الرجال
لم تستطيع أن تمنع مخيلتها من تصوير أن ماحدث لهما بأنه عقوبة من الله بسبب كسر قلب تلك الفتاة التي تدعى رؤى ولكن لاذنب لها فوالدته من قالت لها بأن علاقته بها انتهت منذ زمن وماحدث بصباح ذلك اليوم كان مفاجئ بالنسبة لها فهي لم تكن تعلم أن رؤى مازالت زوجته كما أنها لم تكن تتوقع أن تكون والدة زوجها كاذبة ، تنهدت تنهيدة حرقة جوفها ثم توجهت لله عز وجل بالدعاء لزوجها الذي أوقعها في شباك عشقه من النظرة الأولى .......................
****************************************
التقى كل من القاسم والآسر على باب المستشفى ومالفت الآسر أن عينا القاسم مصبوغتان بللون الأحمر القانئ ولكن ليس هناك وقت ليسأله فسرعان ماألتقيا بالفهد الذي كاد أن ينهار وهو ينظر إلى الباب الذي خرج من الطبيب ليرفع كفيه ويقول إن لله وإن إليه راجعون نقل الفهد أنظاره للواقف مقابل ذلك الطبيب يتلقى خبر وفاة أحد غواليه ليصرخ بألم وهو يضع يده على قلبه كان على الفهد أن يقترب منه ويواسيه ولكن قدماه لم تستجيبان له لقد استنفذ طاقته وهو يتخيل نفسه مكان ذلك الرجل ركض إليه كل من آسر والقاسم عندما أدركا مايحدث أمامهما لم يكن من الآسر أن يترك ذلك الرجل مكسوراً هكذا ووحيداً توجه إليه ليحاول مواساته مع أنه يعلم أن من يفقد غالي لايوجد مايخفف ألم قلبه إلا رحمة الله عز وجل
مرّ ما يقارب الساعتين تقريباً قبل أن يخرج الطبيب المشرف على ميرا ويقول موجه كلامه للفهد بأن بفضل الله تخطة معشوقته هذه الصدمة، قال كلماته ثم حذره بحزم من أن تتعرض لمثل هذا الموقف مرة ثانية لأنه لايضمن نجاتها في المرّة المقبلة.
تعانق الرفاق الثلاثة ثم هنئا الفهد على سلامة زوجته وتوجها مغادرين كلٌ إلى منزله فقد نال منهما التعب مناله أما الفهد فقد قضى ماتبقى من تلك الليلة أمام سرير زوجته يتأملها ويحمد الله عزى وجل وهو يتأمل ملامحها الغافية بهدوء.....................
*****************************************