الفصل الخامس
سلامٌ عليكِ معذبتي
سلامٌ على قلبكِ
سلامٌ على عينيكِ
سلامٌ على شعركِ
سلامٌ على طفولتكِ
سلامٌ على فرحتي بكِ التي قُتلت يوم مولدها
سلامٌ على مشاعري التي هُدرت سدا فداءً لمن كنت أظنه بك أولى
سلامٌ على أيامي التي قضيتها أحارب نفسي بكِ
سلامٌ على قلبٍ لم ينبض إلا لكِ
فاتنتي أنتِ قاتلتي أنتِ معذبتي أنتِ سلامٌ عليكِ سلام.
اقترب منها بضع خطواتٍ حتى أصبح مقابلاً لها يملي عينيه من النظر لعينيها....
أرجوكِ كفي عن تعذيبي بارتجافكِ هذا اذكر حماقاتي عندما كنت أحارب نفسي بكِ
أعترف لكِ بأن قلبي من كان يُجلد وشرياني من كان ينزف وأوصالي من كانت ترتعد خوفاً في ليالي وحدتكِ
أعترف لكِ بأني كنت أقف أمامك بهيبتي بعدما كنت أقضي الليالي أزرف الدموع كامرأة فقدت زوجها وأطفالها في يومٍ واحد
اعترف لكِ بأني معتوهٌ لا أستحقكِ رغم أني عشقتكِ أضعاف عشق والدك ذلك الذي كنتِ تتمنيه
ولكن ما كان بيننا محال لظني أنكِ كنتِ تعشقيه كما عشقكِ
فرغم معرفتي الآن بأنك لم تكوني تعلمي شيئاً عن حبه لك وأنه قد أنسته السنين حبكِ إلا أني أعلم جيداً بأني فقدتكِ نعم فقدتك وإلى الأبد فلا أرجو منك الآن سوى أن لا تكرهيني فكرهك لي أكبر عقوباتي...
قطع حديث الهيثم مع نفسه صوت المحامية سلام التي قالت: عفواً سيدي قد حان موعد الجلسة وعلينا الدخول إلى القاعة
كانت رؤى ترتجف بشدّة وأم مالك أمامها تحاول تثبيتها ولكن فشلت كل محاولاتها عندما نطق الهيثم: لا داعي لحضور تلك الجلسة
_ماذا، قالتها المحامية لتكمل: يمكنك عدم حضورها ولكن لا يحق لك منع موكلتي من الحضور
تجاهل الهيثم ما قالته المحامية وأمسك كف رؤى تحت صدمتها وخوفها اللامتناهي ثم ابتسم لها وقال: إن كانت أبنة عمي تريد الطلاق فلها ذالك ولكن من غير قضايا سأطلقكِ بالتراضي وسأقدم لكِ جميع حقوقكِ
_ هل أنت جاد فيما تقول، قالتها رؤى بصوت مهزوز
_ نعم لم ابحث عنك كل تلك الشهور الماضية لكي أأذيكِ بل لكي أحميكِ
_وهل بحثت عني فعلاً، قالتها رؤى والصدمة تُرسم على وجهها
_نعم خرجت للبحث عنكِ فوراً بعد أن قرأت رسالتكِ وساعدني صديقٌ لي في المحطة على أيجاد وجهتكِ وقال لي يومها أن معروفه هذا رداً لجميل قدمته له في الماضي، ومن ذلك اليوم وأنا في هذه المدينة أبحث عنكِ
_ومن هذا الصديق، قالتها رؤى لترضي فضولها ناسيةً موقفها الحالي
_ صديقي حسام
_نعم أنه يقصد بذلك يوم انقذت سارية من الغرق في النهر وهي التي أصبحت زوجته فيما بعد
_ابتسم هيثم وقال: ربما
قاطع حديثهما صوت المحامية التي وجهت كلامها لرؤى هذه المرة: رؤى عليكِ أن تدخلي المحكمة لم يتبقى سوى خمسة دقائق فقط
_رؤى لن تدخل المحكمة أنها ليست مضطرة لهذا، قال تلك الجملة آخر شخص كان يمكن أن يخطر في بال رؤى رؤيته هنا فبينما كانت تشدّد من قبضتها على يد أم مالك أثر صدمتها أكمل يامن موجه حديثه إلى المحامية سلام : سيطلقها الهيثم من غير أن يضطرها لحضور تلك الجلسات وعليكِ تجهيز أوراق الطلاق
تجاوزت أخيراً صدمتها لتقفز كالأطفال وتقول خالتي أنه يامن الفتى المجنون الذي كلمتك عنه
_عن أي جنون تتكلمين أيتها الفتاة قالها يامن بحرج
_ اقتربت منه رؤى تحت أنظار المحامية المستشاطة من الغيظ وبدئت بوابل من الأسئلة أين كنت وماذا فعلت ولماذا اختفيت هكذا وهل درست الهندسة أم لا والكثير الكثير من الأسئلة
كانت عفويتها معه تأكد للهيثم بأنها لم تعتبره يوماً أكثر من أخٍ وسندٍ لها
طال حديثهم حتى دعتهم أم مالك إلى بيتها بعد أن تأكدت من نية الهيثم الصادقة في أن يحمي ابنة عمه من غدر هذا الزمان
أما الهيثم فلا أحد يعلم حتى الآن مايكنه قلبه وكيف ينزف جرحه فكل ثانية تمر بمثابة حفنة من الملح توضع داخل جراح فؤاده............
༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻
كانت جالسة في غرفتها وحيدة كعادتها منذ أن خسرت جولتها مع تلك الفتاة فخططها الشيطانية تحتاج للكثير من التفكير لأنها لن تسمح لفتاة ضعيفة مثلها بقلب الموازيين بهذا الشكل المريب لهذا عليها أن تحسب خطواتها القادمة جيداً...
قطع شرود أم حازم صوت رنين محمولها لتجيب مسرعة بدون مقدمات: هل وجدتها
_...................
_ جيد عليك تنفيذ ما تبقى من الاتفاق وبعدها ستؤجر كما اتفقنا
_.................
_لا تكثر الكلام أيها المعتوه نفذ المطلوب منك ثم خذ ما تريده
_.............
_مع السلامة
انهت مكالمتها وابتسامة شيطانية قد رسمة على محياها فهذه هي منذ عهود شيطانة بهيئة بشر تدبر المؤامرات والخطط لتخريب حياة الآخرين، فقط لترضي نفسها المريضة وتلك النفس لم تكن لترضى..........
༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻
دخل إلى متجر الزهور وأختار أجملها لتُنسق بحرفية تظهرها وكأنها باقةٌ ملكية يقدمها ملكٌ لملكته ليلة زفافهما
نظر خالد إلى الزهور نظرة رضا ثم حملها وسار متجهاً نحو وجهته التي لم يكل ولا يمل من الذهاب إليها منذ زمن ،....
بعد تخطيه عدة شوارع وصل لمبتغاه فركن سيارته جانباً ثم ترجل منها متجهاً نحو بوابةٍ كبيرة كُتب عليها دار الرعاية للأيتام، تخط البوابة الخارجية ليسير في الرواق مستذكر بكل خطوة سعادة زوجته الحبيبة عندما كان يقوم بهذه المهمة عوضاً عنها في أيام تعبها الشديد كانت تشكره كثيراً ثم تسأله عم حال الأطفال واحداً واحد فحرمانها من رؤيتهم أثر مرضها الشديد كان يؤلم قلبها ولطالما حدثت الخالد عن رغبتها الملحّة للعودة إلى العمل في هذا الدار لشوقها الكبير للأطفال الذين ترعرعوا بين يديها
ولطالما كان رد خالد: ستعودين يوماً أن شاء الله ولكن الآن يجب عليك العناية بنفسك جيداً حتى يحين ذلك اليوم وأعدك أن أداوم على زيارتهم وأقدم في كل مرة للمتفوق منهم الزهور المحببة لكِ كي أرى سعادتكِ هذه في كل مرة أحكي لكي فيها عن هؤلاء الأطفال
عاد خالد إلى واقعه عندما تعالى صوت الأطفال وهم يرحبون به فقد اعتادوا زيارته لهم حتى أصبحت زياراته من أساسيات برنامجهم الأسبوعي
ابتسم لهم خالد وقضى معهم وقتاً ليس بقليل فقد أصبح الوقت الذي يقضيه معهم أكثر ما يعشق في هذه الأيام ففي كل يوم يراهم يزداد تعلقٍ بهم ويشعر أن معشوقته سعيدة لأنه أحب صغارها كما كانت هي تفعل رغم أنه كثيراً ما كان يتذمر من حبها لهم إلا أنه أصبح مثلها تماماً .
انتهت زيارته تلك وعاد أدراجه متجه نحو سيارته تاركاً قلبه مع هؤلاء الصغار وكعادته أسرع إلى معشوقته ليحكي لها عن تفاصل يومه مع صغارها كما حدثها عن شوقه لها قائلاً: مازلت كما عهدتني لا أقنط من رحمة الله ولا أتزمر من قضائه لكن شوقي لكِ أتعب قلبي وقطّع نياطه أعلمُ أنكِ بجوار رحمانٍ رحيم وما حزني هذا إلا لفراقكِ فقد كنتِ خير ونيسةٍ لي، انهى خالد أخر كلماته ودموعه تنساب بصمتٍ على وجنتيه وهو يبتعد عن من ذهبت وذهب معها معنى السعادة بالنسبة له...............
༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻
كانت جالسة معهم وأوصالها ترتجف فرغم محاولات الهيثم لطمأنتها إلا أنها كانت تهابه بشدّة حتى وجود يامن لم يكن ليقلل من خوفها هذا الذي تضاعف عندما وجه كلامه لها بقول: لن أطلب منكِ العودة إلى القرية ولكني سأطلب منك العودة إلى والدتكِ فالناس لن يرحموا فتاةٍ تركت بيتها وانتقلت للعيش في مدينة غريبة مع امرأة غريبة ثم وجه حديثه إلى أم مالك وأكمل: أعذريني خالتي فما قدمته لابنة عمي دينٌ في رقابنا وأنا لا أتكلم عن نفسي بل عن ما سوف يتحدث به الناس فنحن مجتمعٌ شرقي ولن ترحم ألسنت الناس فتاة تقيم وحدها
أومئت أم مالك برأسها بدون أجابة ولكن صدمتها كانت عندما سمعت صوت رؤى يتحرر: أنه مجتمعٌ متخلف ولن انصاع ثانياً وراء ارضاء الناس فقد قضيت عمري في إرضاءهم وما نابني سوى الشقاء والذل والمهانة أما عن والدتي فأنا لا أعرف لها سبيلاً وأما عن وصفك لخالتي بالغريبة فيجب أن تعلم بأنها أقرب لي من الجميع ولن أتخلى عنها مهما حدث
_تنحنح يامن ثم شارك بالحديث موضحاً لها ما قصده الهيثم: رؤى الهيثم لم يطلب منكِ أن تتخلي عن الخالة أم مالك ولم يجبركِ على العودة إلى القرية لعلمه بأنك ستتلقين من العذاب أسوء مما كنتِ تتلقين لكنه طلب منكِ الذهاب إلى والدتك ليكون بوسعنا إسكات من يتجرأ بحرفٍ واحدٍ عليكِ اعتبري هذا طلباً أو رجاء
_ قلت لكم لا أعلم شيئاً عن والدتي فكيف أذهب أليها
_ابتسم يامن وقال: أنها تعيش في هذه المدينة رأيتها مرة في أحد المولات وانتابني الفضول حتى تبعتها وعلمت مكان أقامها أنهى تلك الكلمات، ليلتفت إلى أم مالك ويقول: عذراً خالتي هل لي بقلمٍ وورقة
_بالطبع قالتها أم مالك وعيناها تلتمعان أثر الدموع الحبيسة بهما فموعد الفراق قد اقترب فلا بد من أن صغيرتها ستفارقها عاجلاً أم أجلاً لم يمر سوى بضع ثواني قبل أن تقدم له ماطلب فأمسك بدوره القلم وخط على الورقة بضع كلماتٍ يصف بها العنوان بدقة ثم قدمها إلى رؤى وقال: على الجهة الأولى عنوان والدتك وعلى الجهة الأخرى عنواني ورقم هاتفي لنبقى على تواصل دائم ابتلع ريقه ثم قال: أأمل أن تسرعي وأن لا تخيبي ظننا كانت كلماته عملية جداً مما جعل الهيثم يفكر بإحدى الأمرين إما أنه أخرجها فعلاً من قلبه أو أنه ممثل بارع يتقن فنّ التمثيل العسير لأن التمثيل خلف الكاميرات لأمرٌ ممتع وسهل لمن مارسه أما التمثيل في الحياة وعلى أقرب الناس فهذا مايسمى بشبيه المحال.
عاد الهيثم إلى الواقع على كلمات يامن وهو يستأذن بلباقة للانصراف فشاركه بضع الكلمات ثم انصرفا عائدين إلى منزل يامن.
في أثناء طريقها كانا صامتين كل منهم غارقاً في بحر أفكاره فيامن كانت أفكاره كبحرٍ هادئٍ أمواجه مرتبة خلف بعضها أما الهيثم كانت أفكاره كبحرٍ هائجٍ تتخبط أمواجه في كل الاتجاهات مصحوبةٌ بأعاصير الهلاك التي تكاد تفتك به رويداً رويدا،
_أخرجه من دوامات أفكاره قراره المفاجئ الذي نطقه فور التفكير به: يامن غذاً سأعود إلى القرية
_ماااذا، قالها يامن بعد أن أوقف السيارة بعجالة مما أدى إلى إصدار صوتاً مرتفعاً من الفرامل
_ تعجب الهيثم من ردة فعل يامن فقال له: ما بك ما الذي دعاك لكل هذا الانفعال
_ مسح يامن وجهه بكف يده ثم أجاب شقيقه: آسف لكني كنت معلقاً أمالاً كبيرة على وجودك هنا بجانبي
_ وما تلك الآمال قالها الهيثم باهتمام واضح في نبرة صوته
_ كنت أود أن تذهب معي إلى بيت زميلتي في الجامعة لتطلبها لي للزواج فلم أكن أرغب بأن أظهر أمام عائلتها بأن ليس لدي عائلة وجودك معي سيعزز موقفي أمام والدها وسيزيد من فرصة قبوله
_ابتسم الهيثم وقال بصوتٍ موزونٍ عكس ما يجري داخله: هل تُحِبُها
_نعم كما أننا اتفقنا على الزواج بعد التخرج منذ ما يقارب العام والآن قد حان وقت الوفاء بالوعد الذي قطعته لها
_ منذ عام عاهدت أخرى على الزواج! كيف استطعت فعل هذا بي إذاً، لماذا قتلتني وأنا على قيد الحياة لماذا تركتني خلفك كل تلك السنين كالوحش الضاري ألتهم أفراحها وأحطم آمالها لماذا تركتني انتقم لك من ذاتي بها لماذا أيها الأناني الأحمق وبعد أن دمرتني تطلب مني أن أشاركك في بناء حياتك مع من تحب هل كل شيء في هذا العالم أصبح لديكم يا أهلي أهم من مشاعري وقلبي.
_ماذا قلت ، قالها يامن بعد أن لاحظ شرود الهيثم
_فأجابه الآخر بعد أن عاد إلى واقعه: أكمل طريقك إلى المنزل
اكمل يامن طريقه كما قال له شقيقه ولم ينبث بعدها ببنت شفة فأخذ رد الهيثم بمعنى الرفض القطعي
༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻
صُدم الأسر عندما نظر لساعة يده ووجد أن الوقت قد سرقه وتأخر كثيراً رغم أنه عاهد نفسه بأن لا يتأخر على عمته فوضعها في الأيام الأخيرة لا يطمئنه فهمَّ للتوجه إلى البيت لولا أن أوقفه دخول القاسم فقال له بتعجب: ألم تغادر حتى الآن
_لا، قالها القاسم ليكمل: لم أدع طريقة للوصول لمالكة الأرض الجديد إلا واتبعتها دون فائدة فليس لها أي عنوان أو رقم باسمها لنتواصل معها وكأنما قطعت كل سبل التواصل حتى المحامية الخاصة بها رفضت تقديم أي مساعدة لنا
_حك الآسر ذقنه بتفكير ثم قال: لاتقلق سأجد حلاً أعطني فقط اسمها واسم المحامية خاصتها
_ رد القاسم بتهكم: وما ذلك الحل
_قل الاسم بسرعة فليس لدي متسع من الوقت عليّ العودة إلى المنزل
_نطق القاسم كلماته دون أن يدري بأنها هبطت على مسامع الآسر كالصاعقة: اسم المالكة رؤى عمير الحمداني واسم المحامية سلام محسن وسأرسل لك رقمها الخاص الذي عثرنا عليه
لم يسمع الآسر من حديث القاسم سوى رؤى عمير الحمداني فهذا الاسم الذي أدخل عقله في شرودٍ تام وفصله عن العالم حوله لوقتٍ ليس بقليل مما أثارملاحظة القاسم ليسأله: آسر مابك ماالذي أصابك
_ رفع الآسر كف يده وقال لاشيء قال كلماته ثم خرج من المكتب بدون أي كلمة أخرى
_ رفع القاسم كفيه بتعجب وهو يقول: مابال هؤلاء المجانين كلما تحدثت مع أحدهم يزيد تأكدي بأني لم أظلم أحداً منهم عندما وصفتهم بالحمقى والمجانين
قاطع حديثه مع نفسه آخر صوت كان يحبذ سماعه في هذا الوقت: ومن هم المجانين والحمقى أيها المعتوه
شهق القاسم وهو يرى من كان خلفه ثم قال وهو يتصنع الابتسامة: أظن أنك إلى الأن لست منهم ولكن أن تأخرت هنا أكثر من هكذا ستجعلك ميرا أحدهم بالطبع فعليك الإسراع بالعودة إلى المنزل عزيزي فهد
_معك حق يجب عليّ العودة إلى المنزل الآن ولكني لن أنسى لك ماقلته وأعدك أن تلقى حسابك غداً تذكر هذا جيداً
_على الرحب والسعة فالبطولة قد اقتربت ويجب علينا التدريب المكثف
_ابتسم الفهد ليقول وهو متجه نحو باب المكتب بعد أن وضع الملفات التي أتى من أجلها على الطاولة الخاصة بالآسر: إذاً سأكون بانتظارك غداً في النادي لألقنك درساً لن تنساه ما حييت
ضحك القاسم وقال: تأكد بأني سأكون لك بالمرصاد
قال كلماته ثم توجه نحو مكتبه ليجمع معلقاته ويعود إلى منزله هو الآخر فقد كان يومه طويلاً ومتعب للغاية.......
༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻
صراخٌ أفزع الجيران فنوبة بكاء هستيرية تملكتها وهي تصرخ بأعلى صوتها مع من كنت من هي التي سرقتك مني هل هي جميلة هل تحبها إلى الحد الذي يجعلك تهجرني لأجلها لماذا أنت صامت تكلم أرجوك قل لي من هي
زفر الفهد بقلة حيلة فهو يعلم أن كل سكان البناء قد سئموا من سماع صريخ زوجته لكنه لن يتخلى عنها وسيبقى واقفاً إلى جانبها حتى يتغلبا سويا على لعنة هذا المرض الذي حل بها ليجعلها حديث من حولهم جميعاً
_كان لدي عملٌ ضروري في الشركة وهذا لا يعني خيانتي لكِ ثم أنكِ تستطيعين التأكد من صحة كلامي بسهولة
_ وكيف أتأكد قالتها منى والدموع تملئ عيناها مما دعاه لرفع كفيه إلى خديها بحنانٍ غامر ليمسح دمعاتها العالقة بين أهدابها ثم يبتسم ويقول: اتصلي بالآسر أو القاسم فهما كانا معي في الشركة
مسكت كفيه بكفيها ودفنت وجهها بهما قبل أن تقول لا أريد أن أسأل أحداً أود فقط أن أرتاح من هذا الأحساس الذي ينتابني فجأة ولا استطيع مقاومته ولا حتى التغلب عليه قالت كلماتها ثم ارتمت بأحضانه وهي تكمل أرجوك يافهد لا تتخلى عني فأنا متيمةٌ بك أتنفس عشقك وأكل غرامك وأشرب حنانك فعند غيابك عني أصبح جثة خاوية لا قيمة لها ،
شدد الفهد من احتضانها وقال مطمئن لها: أقسم أني لو تخليت عن روحي لكان ذلك أيسر على قلبي من التخلي عنكِ
هذا كل ماكانت بحاجته فهذا هو مايسمى بإحساس الأمان الذي تبحث عنه كل أنثى بطريقةٍ ما لتشعر بأنها ذات قيمة لدى شريك حياتها
فرغم مرضها الشديد إلا أنها لم تطلب أكثر من ما يحق لها لا نختلف بأنها تطلبه بطريقة مرضية لكن في النهاية هذا حق كل زوجة على زوجها وكثيراً مانرى زوجات سليمات تطلبن الشعور بالأمان مع أزواجهن، وللأسف قليلاً مانجد من هم كفهد يحتوي ويتفهّم ثم يلبي حاجات زوجته النفسية بطريقة لا تُخدش مشاعرها ثم أنه يكرس قوته لحمايتها وأوقات فراغه لإرضائها لا لإسعاد العديدات العابرات على هوامش حياته فنعم الرجل هو.............
༺༺༺༺༺༺༻༻༻༻
تاه بين الشوارع كما تاهت أفكاره كانت سيارته تسير مكان مايقدر لها الله فهو لا يعلم أين هو ولا أيّ طريقٍ يسلك فكل أفكاره متشابكة حول المعجزة التي حدثة اليوم فهل له أن يسمع أسمها بعد كل تلك الأعوام هنا في هذه المدينة فماذا عليه الآن أن يفعل هل يصبر إلى أن يلقاها ويتأكد بأنها هي ولايوجد تشابه بالأسماء وهل سيستطيع لقياها أما السبل لذالك مقطوعة كما قال القاسم
أوقف سيارته على قارعة الطريق ثم ضغط بكفيه على رأسه بكل قوته لعله يستطيع تقبل حقيقة ماسمع اليوم ثم رفع رأسه لينظر حوله فتفاجئ بأنه أمام باب منزله تنهد ببعض الراحة لوصوله إلى المنزل فليس لديه الآن القدرة على التركيز على أي شيء فهو في حالةٍ يرثى لها......
༻༻༻༻༻༻༺༺༻༻
كانت رؤى شاردة الزهن تقلب العنوان بين يديها وفي عقلها أفكارٌ متضاربة فقد عاشت حياتها تلك وهي تُهت بترك والدتها لها فكيف لها أن تستقبلها الآن وهي التي نبذتها عندما كانت صغيرة وهل القرار لها فعلاً أم ستتعرض لمواجهات عنيفة مع الهيثم إن رفضت وما السر وراء تغيّر معاملة الهيثم معها هل هناك ما حدث له حتى تغيّر معها هكذا وهل سيعود كما كان مرة أخرى، كاد رأسها أن ينفجر من كثرة التساؤلات التي مرّت عليه دفعة واحدة لولا أن يد حنونة طبطبت عليه ثم تبعها صوتاً دافئاً يحمل بين طياته حب العالم مجتمعاً: لماذا صغيرتي تعشق إرهاق نفسها بكثرة التفكير ألا يجب عليكِ التوكل على الله وطلب الخير منه وحده
_معكِ حق ياخالتي فليس لدي ماأقدمه لنفسي سوى الدعاء فكما قلتِ لي سابقاً لا ينجينا من الكرب سوى اللجوء لله وحده
_ نعم هذا صحيح عليكِ أيضاً أن تستخيري الله عز وجل قبل أقدامكِ على أي قرار تتخذينه في حياتكِ
_وكيف لي أن أستخيره فأنا لاأعلم عن الاستخارة شيئاً
_صغيرتي لاعليكِ فالأمر سهلٌ للغاية عليكِ فقط أن تصلي ركعتين كأي نافلة ثم تقولي بعد السلام الدعاء الذي علمنا إياه سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وهو: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر وتسميه باسمه ، وهنا تسمي حاجتك ومن ثم أكملي: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فيسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه، وقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به
بعدها تكملي بالأمر المقدمة عليه فإن كان خيراً يسره الله وإن كان شراً أبعده وهكذا ياصغيرتي تكوني قد استخرتي من هو أعلم العالمين بحالك وأحوالك .
وكعادة رؤى رمت نفسها بأحضان أم مالك وهي
_ تقول: شكراً لكِ فما من شيء في هذه الدنيا قادر على أراحت قلبي ككلماتكِ أنت نعمةٌ كبيرةٌ جداً أنعم الله بها عليّ
_على ماذا تشكريني أيتها الصغيرة فأنتِ من خطفت القلب وتربعتِ به ثم أكملتِ نقص حياتي ووهبتني شعوراً لطالما حلمت به ألا وهو شعور الأمومة فكم أنا مدينةٌ لكِ صغيرتي.
لم يكن في جعبت رؤى أي تعبيرٍ على ماسمعت فهذا الكلام أكبر من أن تستوعبه فتاةٌ بعمرها فقررت أن ترد بابتسامةٍ صادقة تنبع من صميم القلب لتصيب قلب من أمامها وتفتك بنظام دقاته فتعلن العينان بدورهما كمرآتين للقلب التعبير بدموعٍ غزيرة تسيل منتظمة كل منها تتبع من سبقتها بصمت كي لا تُزعج غفوة رؤى الروح وعلى هذا الحال مرت الساعات قبل أن تستسلم أم مالك هي الأخرى لسلطان نومها...........
༺༺༺༺༺༺༻༻༻༻
دخل الآسر غرفته بعد أن تجنب ولأول مرة في حياته رؤية عمته فإن رأته لن يخفى عليها حاله وسيضطر إلى أن يحدثها عن مايشغله ويرهق تفكيره لأنه لم يعتاد الكذب أبداً ولهذا شكر الله بأنه وصل لغرفته قبل أن تراه ولكن كل هذا لم يكن ليصرف تفكيره عن الاسم الذي يتكرر برأسه في كل ثانية فهذه المرة الأولى في حياته يواجه مثل هذا الأمر لايستطيع التحدث به ولا حتى السكوت عنه فهو عاجزٌ كلّ العجز أمام هذا الموقف الذي بدء يستنزف طاقة تفكيره لعل عقله يرشده لسبيل الصواب كي لايندم لاحقاً عن أي قرار يمكن أن يتخذه الآن، وعلى هذا الحال قضى ليله غارقاً بين أفكاره يتقلب ذات اليمين وذات الشمال مجافيه نومه ومعرضة عنه راحته وكأن حواسه تآمرت ضده في هذه المعركة الضارية الدائرة بينه وبين أفكاره...........
༺༺༺༺@@༻༻༻༻
أشرقت شمس الصباح لتعلن عن يومٍ آخر يضاف به الكثير من الأحداث لكل من سطع نور هذا الصباح عليه وأولهم كان يامن الذي استيقظ مهيئ نفسه لوداع شقيقه فعلامات الحزن قد بدت على محياه ليس لسبب رفض الهيثم طلبه ولكن لفراق شقيقه الذي عوضه وجوده عن عائلته مجتمعة ولهذا نسيا أنه من تسبب بدمار حياته وطلب منه ماطلب ولكن سرعان مالام نفسه وتمنى لو يعود الزمن كي يترجى شقيقه للمكوث معه أكثر بدل من أن يطلب منه الذهاب إلى بيت الفتاة التي أحبها لكي يخطبها له دون أن يراعي شعوره.
قطع حديث يامن مع نفسه صوت باب غرفة الهيثم ليطل بعدها بحلته السوداء وكأنه على أهبة الاستعداد للرحيل نظر إليه يامن نظرة فهمها جيداً بمعناها الصحيح فاقترب منه ببطء بدون أن يزيح ناظريه عن أعين شقيقه كاد يامن الحديث لولا أن أسكته بقوله: متى تريد الذهاب لخطبتها
انفكت شفتي يامن على قول: لا، وقبل أن ينطلق صوته كان الهيثم قد قال: إن كنت تريد خطبتها في القريب العاجل لمكثت معك إلى حينها وإن كان لديك ماتفعله قبل الخطبة سأذهب الآن إلى القرية فلدي الكثير من الأمور معلقة ويجب عليَّ البتُ بها وسأعود إليك عند آخر الشهر الجاري
تلعثمت الكلمات على ثغر يامن فلم يجد سبيلاً لنجاته سوى احتضان شقيقه وهو يقول: لاأريد سوى أن تكون بجانبي أعذرني على أنانيتي في الأمس
_ابتسم الهيثم وقال: اطمئن لن أسمح لك بالابتعاد بعد أن وجدتك سأكون معك في أي وقت تريد مني ذلك
_دموعٌ غزيرة غزت مقلتي يامن وهو يقول: سامحني ياهيثم، وقبل أن يكمل كلامه رفع الهيثم كفه ليغلق فم الآخر بأطراف أصابعه ثم قال: كان قراري وما يزال قراري ولن ألوم أحداً على قرارٍ قررته بنفسي ونفذته وحدي بدون تدخل أي أحد فقد يكون لرؤى في قلبي مايكنه عاشقاً متيماً لمعشوقته ولكن لم يُكتب لي نصيباً بها وإن لم تكن ليومٍ زوجةً فهي كانت وماتزال ابنة عمي ولن أسمح بأذيتها ماحييت وهذا أحد أسباب عودتي إلى القرية
_رفع يامن يديه إلى أكتاف شقيقه وقال بابتسامة تُرسم على أثر الدموع: سأكون بانتظارك لا تطل غيابك عني فلا أأمن على نفسي من نيران الشوق لك
شاركه الهيثم ابتسامته وكاد أن يجيب لولا أن قاطعهم صوت رنين الهاتف الذي طالت رناته حتى أجاب يامن لترتسم على وجهه الصدمة بعد بضع ثواني وهو يقول: أهلاً خالتي أم مالك
_أم مالك...............
_يامن: ماذااا
_أم مالك:.............
_يامن: أهدئي خالتي سنأتي أليك في الحال
انتفض الهيثم من مكانه وهو يقول: ماذا هناك
انهى يامن المكالمة ثم قال موجه حديثه للهيثم علينا الذهاب فوراً إلى بيت الخالة أم مالك تقول أن رؤى قد اختفت منذ الصباح الباكر ولاتعلم أين ذهبت،
كان يامن يتكلم وهو يبدل ملابسه بسرعة أما الهيثم زفر بقوة وقال: اللهم أجعله خيراً، قال كلماته ثم توجه لخارج المنزل برفقة يامن مسرعين نحو منزل أم مالك.........
༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻
دخل خالد إلى مكتب القاسم فوجده يقوم بعمله بتركيز فقال متعجباً: الحمد لله إني وجدت أحداً يمارس عمله في هذه الشركة البائسة
_نظر له القاسم ثم رد عليه: ماخطبك ياهذا لماذا تنعت شركتنا بالبائسة
_ضحك الآخر بسخرية ثم قال: وماعلي أن أقول عن شركة تخلو من مدراءها
_ ألن يأتوا بعد، قالها القاسم بصدمة حقيقية
_ليرد عليه خالد: ألا تعلم أن مكتبا الآسر والفهد فارغان
_حك القاسم أسفل ذقنه ثم أردف: لا فمنذ أن أتيت في الصباح وحتى الآن أعمل على هذه الصفقة ولم يخطر ببالي أن الآسر أو الفهد ممكن أن يتغيبان في مثل هذا الوقت فلدينا عملٌ مستعجل جداً
_أدعو الله أن لايكون قد أصابهم مكروه سبّب غيابهم أما العمل فاليعيننا الله على أنجازه
_ سأتصل بالآسر قاله القاسم وهو يحمل هاتفه الجوال بين يديه أما الخالد فقال وأنا سأتصل بالفهد ثم انصرف إلى مكتبه وبعد القليل من الوقت أجاب الفهد وقال معتذراً: أعذرني ياخالد فميرا متعبة جداً ولا يجدر بي تركها على هذا الحال
_أبتلع خالد غصته لتذكره معشوقته ثم قال: ابقى بجانبها يافهد ولاتتركها حتى تتأكد من سلامتها أما عن العمل فلا تحمل هماً سأقوم به عوضاً عنك
_شكراً لك ياخالد وأدعو الله أن يقدرني لأرد لك جمايلك
_ غير خالد نبرة صوته لتميل بعض الشيء إلى المرح كي لايحرج صديقه: سلم لي على ميرا
سندعو لها جميعنا بالشفاء العاجل أما ك الجمايل فلم أعهد بيننا دفتراً تُسجل به الديون فبين الأخوة لايوجد مثل تلك الأشياء
ضحك الفهد ثم قال: أدامكم الله لي سندٌ وأَعضادٌ
شاركه خالد ضحكاته رغم أنهما يعلمان يقيناً أن تلك الضحكات مصطنعة أفتعلها كل منهما ليخفف عن الآخر ثم قال لينهي المكالمة: وأدامك لنا أخاً عزيزاً
انهى خالد المكالمة ثم اتجه إلى مكتب القاسم ليعلمه سبب غياب الفهد ويطمئن منه على الآسر..........
༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻
في بيت أم مالك كانت قلقة للغاية فليس من عادة رؤى أن تخرج هكذا بدون أن تعلمها
وأخيراً وصل كل من الهيثم ويامن فسرعان ماتوجهت إلى باب منزلها لتفتح لهما أما الهيثم نسيّ أن يلقي السلام فما أن رأها حتى سألها مسرعاً هل عادت
أجابته دموعها ثم دعتهم للدخول فماأن دخلا حتى بدء يامن بسؤالها: ماالذي جرى خالتي أرجوكِ أحكي لنا كل التفاصيل لعلنا نجد طرف خيط يوصلنا أليها
أومئت أم مالك برأسها وبدئت بسرد ما جرى منذ استيقظتا: لم يكن لديها أي رغبة في الخروج من المنزل اليوم فمنذ أن استيقظنا طلبتُ منها مرافقتي للذهاب إلى المصرف لكي استلم راتبي التقاعدي ولكنها رفضت وقالت لي أنها تود أن تبقى في المنزل فلديها بعض الأعمال تود أن تنجزها قبل أن يحين وقت موعدها مع الهيثم عند المحامية سلام
احترمت رغبتها وتوجهت إلى المصرف ككل شهر استلمت الراتب ثم اشتريت بعض حاجيات المنزل وعند عودتي تفاجأت حين وجدت باب المنزل مفتوحاً ورؤى ليست به وللأمانة لم يخطر ببالي سوى أن الهيثم هو الفاعل لهذا اتصلت بك فوراً ليطمئن قلبي أما الباقي تعلمانه.
نظر لها الهيثم نظرةٌ نارية عقب اتهامه بشيءٍ لم يفعله ثم قال: ولماذا لأتصرف تلك التصرفات الصبيانية أنها ماتزال زوجتي حتى الآن وإن كنت أود أن أأخذها سأأخذها أمام الجميع ولا حاجة لي للتربص والتخفّي
_هدء من روعك ياهيثم، قالها يامن عندما احس بشقيقه يستشيط من الغضب ويمكن أن يتهور بأي فعلٍ مجنون ثم قال بعدها: يمكن أن تكون ذهبت لمكانٍ ما علينا أن نسئل عليها في كل مكان الجلوس هنا لا يفيد في شيء وافقاه الهيثم وأم مالك ثم خرجوا جميعاً يبحثوا عنها في كل مكان..........
༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻